في كشف علمي غير مسبوق، أطاحت دراسة جينية حديثة بأحد أبرز السرديات التاريخية المترسخة منذ قرون، والتي طالما اعتبرت أن حضارة قرطاج ذات أصول فينيقية. فقد أثبتت الدراسة أن سكان قرطاج، وخاصة في مدينة كركوان، كانوا في الغالب من السكان المحليين لشمال إفريقيا، أي من الأمازيغ، وليسوا مستوطنين فينيقيين قدموا من الشرق.
البحث المنشور تحت عنوان “A Genetic History of Continuity and Mobility in the Iron Age Central Mediterranean” تناول الحمض النووي لـ12 رفات بشرية تعود للفترة بين القرن السادس والثالث قبل الميلاد. وجاءت النتائج لتؤكد أن هذه الرفات تحمل تحورات جينية أمازيغية محلية صرفة، دون أي إشارات جينية إلى أصول فينيقية مشرقيّة، ما ينفي بشكل علمي مزاعم الاستيطان الخارجي كقاعدة للحضارة القرطاجية.
وبينما ظهرت بعض التأثيرات الجينية المحدودة من مناطق مثل اليونان وصقلية، فإنها تُعد مؤشراً على تفاعلات تجارية وثقافية طبيعية، لا على جذور حضارية مستوردة.
هذه النتائج تعيد الاعتبار للهوية الأمازيغية كفاعل حضاري مركزي في تاريخ شمال إفريقيا، وتضع حدًا لروايات “الكتب الصفراء” التي لطالما نسبت مجد قرطاج لغير أهل الأرض.
قرطاج، وفق ما تكشفه الجينات اليوم، ليست مستعمرة، بل امتداد لحضارة أمازيغية عريقة، صُنعت بأيادٍ محلية وفرضت وجودها على المتوسط.