يتأهب العالم لمعركة حول إمدادات الغاز الطبيعي العام الجاري، ما يطيل أمد معاناة المستهلكين والمصانع جراء تكاليف مرتفعة في أوروبا التي تعاني من نقص الطاقة، ويضع الدول الفقيرة الناشئة في آسيا وأميركا الجنوبية في خطر الخروج من السوق بسبب ارتفاع الأسعار.
لأول مرة منذ أن فاقمت الحرب الروسية في أوكرانيا أزمة الطاقة، تواجه أوروبا خطر عدم تحقيق أهداف تخزين الغاز للشتاء المقبل، ما يهيئ الساحة لسباق محموم للحصول على الإمدادات قبل أن تبدأ السعة الإنتاجية الجديدة للغاز الطبيعي المسال في تخفيف الأزمة العام المقبل.
رغم امتلاك أوروبا لاحتياطيات كافية لتجاوز الشتاء الحالي، وانخفاض الأسعار منذ بداية السنة الحالية، إلا أن المخزون يتناقص بسبب موجة الطقس البارد التي اجتاحت القارة نهاية الأسبوع. كما تقلصت خيارات الإمدادات منذ بداية العام مع توقف عمليات نقل الغاز عبر خطوط أنابيب روسيا عبر أوكرانيا بعد انتهاء اتفاقية العبور.
لتلبية الطلب المتوقع، ستحتاج أوروبا إلى استيراد ما يصل إلى 10 ملايين طن إضافية من الغاز الطبيعي المسال سنوياً ، أي بزيادة حوالي 10% عن 2024، وفق ما ذكره سول كافونيك، محلل الطاقة في شركة “”إم إس تي ماركي” (MST Marquee) في سيدني. قد تساعد المشاريع الجديدة لتصدير الغاز في أميركا الشمالية في تخفيف نقص المعروض في السوق، لكن ذلك يعتمد على مدى سرعة تشغيل هذه المنشآت وزيادة إنتاجها.
مع قلة الخيارات لإعادة ملء المخزونات استعداداً للشتاء المقبل، ستحتاج أوروبا إلى شحنات الغاز الطبيعي المسال، ما يعني سحب جزء منها من آسيا، موطن أكبر المستهلكين في العالم. وبحسب مدى تطور الطلب، قد يسفر التنافس عن زيادة الأسعار إلى مستويات لا تستطيع دول مثل الهند وبنغلاديش ومصر تحملها، علاوة على أنها ستشكل ضغطاً على تعافي اقتصاد ألمانيا.
ما زالت عقود الغاز المستقبلية في أوروبا، التي تؤثر عادة على أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية في آسيا، ما أعلى 45% تقريباً مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وتُتداول العقود بنحو 3 أضعاف مستوياتها ما قبل الأزمة حتى الآن خلال 2025
تعتبر مصر أيضاً عرضة للخطر. فبعد أن فاجأت السوق العام الماضي بتحولها من مُصدر للغاز الطبيعي المسال إلى مستورد نتيجة انقطاعات التيار الكهربائي خلال الصيف، رفعت البلاد مشترياتها إلى أعلى مستوى منذ 2017، وفق بيانات تتبع شحنات جمعتها بلومبرغ. ومن المرجح أن تحتاج مصر إلى عشرات الشحنات العام الحالي لمواجهة حرارة الصيف.
بالنسبة لبائعي الغاز الطبيعي المسال، الذين يستفيدون بالفعل من الأسعار المرتفعة، تمنحهم الأزمة فرصاً جديدة. في بعض الحالات، قد يتمكن المنتجون من زيادة سعتهم الإنتاجية كما حدث خلال أزمة 2022، بحسب أوغان كوسي، المدير الإداري في شركة الاستشارات “أكسنتشر”(Accenture).
تعتمد التوقعات إلى حد كبير على سرعة تشغيل منشآت الإنتاج الجديدة. خلال العام الماضي، كان النمو محدوداً إذ أوقفت مصر الصادرات، وعانت محطة الغاز الطبيعي المسال الروسي الجديد “أركتيك إل إن جي 2” (Arctic LNG 2) من عقوبات أميركية، وفق لورا بيج من شركة البيانات قطاع الطاقة “كبلر” تتجه الأنظار حالياً صوب الولايات المتحدة الأميركية، أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال حول العالم، والتي قدمت وعوداً لإنقاذ أوروبا من أزمة شح الغاز. من المتوقع أن يزداد الضغط مع تولي دونالد ترمب الرئاسة، إذ هدد بالفعل بفرض رسوم جمركية في حال لم تشتر أوروبا المزيد من الطاقة الأميركية