مفيدة الهمامي هي شابة تونسية خريجة كلية الحقوق، و حاملة لشهادة الماجستير.. كغيرها من الشابات التونسيات اصطدمت بعد التخرج من الجامعة بحائط البطالة، و خاب أملها في سنوات التضحية الطويلة التي تحملت عبأها، خاصة و أن مادة القانون مرهقة جدا و تتطلب جهدا مضنيا من أجل النجاح و إتمام المشوار الدراسي.
هل استسلمت مفيدة كالعديد من الشباب التونسي ؟
هي ملكة و قدرة لا يمتلكها الجميع، فأن تنهض من بين الركام من جديد لتواجه مصيرا مجهولا ليس بالأمر الهين أو البسيط، و هذا ما حدث مع هذه الشابة الذكية، التي اختارت المواجهة و ركوب الصعاب و تحدي كل الظروف و المطبات الصعبة…
بعد أن طرقت كل الأبواب و لم تجد من يفتح أمامها الآفاق الواعدة التي حلمت بها طوال حياتها، خيرت مفيدة العودة لمسقط رأسها، و هي أصيلة إحدى القرى الصغيرة التي تتوسط ولايتي باجة و بنزرت.
عادت مفيدة لتكون العصا التي تتوكأ عليها والدتها، فكانت تساعدها في شؤون المنزل و خاصة في عملها الذي تعيش منه و المتمثل في تربية الماشية.
من هنا بدأت الرحلة، و أخذت مفيدة تفكر بكل ما اكتسبته من خبرة في سنوات دراستها الطويلة، يحدوها شقاء والديها اللذان أنفقا عليها من أجل أن تبلغ أعلى درجات العلم، و بالفعل لم يخب المسعى فرغم انسداد أبواب القانون إلا أن أبوابا أخرى تفتحت لتزهر الأفكار في عقل مفيدة، و تتخذ خطوة ربما لم يحدث و أن راودتها يوما حتى في الأحلام.
تساءلت مفيدة في لحظة ما، لماذا ألهث وراء السراب، لماذا أطرق أبوابا مغلقة ربما لن تتفتح في وجهي و لو بعد ألف عام، و من هنا تبادرت في ذهن مفيدة أن تكمل المشوار في تربية الماشية و العناية بها، بل و طورت مقاربة جديدة في هذا الإتجاه، و بدأت أحلامها تكبر شيئا فشيئا، لتتبادر عليها الأفكار و الخطط لتطوير و تعصير مهنة الأجداد.
سعت مفيدة لخلق ظروف مناسبة لتربية الماشية، و كانت البداية باتصال هاتفي أجرته مع الصحفية سماح مفتاح في إطار برنامج ناس الديوان، و بعد أن سردت هذه الأخيرة أطوار قصتها و معاناتها مع البطالة، و طرحت فكرتها لبناء مشروع يخلصها من ألم هذه الآفة، لم تمر ساعتان أو ثلاث من الزمن بعد هذا الإتصال، ليرن هاتف مفيدة و كان المتصل المدير العام للبنك التونسي للتضامن، السيد خليفة السبوعي، و أكدت مفيدة أنه شجعها معنويا في البداية، ثم أشاد بفكرة مشروعها، و هو ما بث في نفسها راحة لم تشعر بها منذ مدة طويلة.
و أمر السبوعي رئيس الفرع شخصيا بالتنقل على عين المكان لملاقاة الشابة مفيدة، و تم تحديد اليوم 10 جويلية 2024 كموعد للقاء، خاصة و أن مفيدة صرحت أثناء مداخلتها على راديو ديوان فم بأنها غير قادرة على التنقل، فما كان من السيد خليفة السبوعي إلا أن أمر هو بالتنقل و الذهاب إلى مفيدة أينما تقطن.
تؤكد مفيدة أن إتصال البنك التونسي للتضامن بها منحها راحة نفسية كبيرة، بل و فرحا عارما لأن البنك سيحرص كل الحرص على تحقيق أحلام مفيدة و تحويلها لواقع ملموس.
إذن تضافرت كل الجهود الإنسانية و العملية لمساعدة هذه الشابة على تحقيق حلمها و بناء حياة جديدة، كل الشكر للإعلام و الصحافة على تبليغ و إيصال مثل هذه الرسائل، و كل التقدير للبنك التونسي للتضامن و على رأسه السيد خليفة السبوعي الذي حرص على مد يد العون لإحدى شابات تونس المثقفات و المناضلات في ظرف سويعات قليلة.
إن هذه القصة لا بد أن تكون عبرة لشباب اليوم، بما هي نقطة مضيئة تدل على أن هناك من يجمع آلامه و خيباته و يبني بها حلما و مستقبلا ناجحا.