إنهاء هيمنة الدولار: تعدد الأقطاب و نظام اقتصادي عالمي جديد

السيدة “حبيبة نصراوي بن مراد” دكتورة في العلوم الإقتصادية
دول بريكس: التاريخ والوزن الاقتصادي والتوقعات
  • تاريخ بريكس
كيف تم إنشاء مجموعة بريكس؟
في عام 2001، ابتكر اقتصادي في بنك الاستثمار “جولدمان ساكس” جيم أونيل، اختصار “بريك” للبرازيل وروسيا والهند والصين.
بسبب نموها الاقتصادي السريع وضخامة عدد سكانها ومواردها الواسعة، اعتبر أونيل أن البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا هي قوى اقتصادية ضخمة في القرن الحادي والعشرين. إنها اقتصادات صاعدة مهمة.
في عام 2006، قررت الدول الأربع التجمع لتشكيل مجموعة بريكس.
في البداية ضمت المجموعة أربعة بلدان من بين أكبر عشر قوى اقتصادية في العالم: البرازيل وروسيا والهند والصين.
  • وزن البريكس في العالم
بلغ عدد سكان دول البريكس 3.24 مليار نسمة، أي ما يمثل 42٪ من سكان العالم، ويبلغ إجمالي إيراداتها الوطنية 26 تريليون دولار. ويمثل ذلك 26٪ من الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، وفقًا للمجلس الأطلسي، فإن دول البريكس لا تمتلك سوى 15٪ من حقوق التصويت في أكبر مؤسسة مالية تابعة للأمم المتحدة، صندوق النقد الدولي (IMF).
  • ما الذي يجمع بين دول البريكس وما الذي يفرقها؟
كل دولة من دول البريكس هي دولة مهمة في منطقتها الخاصة.
ومع ذلك فإن الهند هي منافس الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. لديها نزاعات حدودية طويلة الأمد مع الصين وتتعاون مع الولايات المتحدة ودول أخرى لوقف توسع نفوذها في المنطقة.
كما أن دول البريكس منقسمة حول كيفية تعاملها مع الدول الغربية.
  • ما هي الدول التي ترغب في الانضمام إلى بريكس؟ وما هي الديناميكيات المستقبلية؟
الدول التي ترغب في الانضمام إلى بريكس هي:
الجزائر-الأرجنتين-البحرين-بنغلاديش-بيلاروسيا-بوليفيا-كوبا-مصر-هندوراس-إندونيسيا-إيران-كازاخستان-الكويت-نيجيريا-فلسطين-المملكة العربية السعودية-صربيا-السنغال-تايلاند-الإمارات العربية المتحدة-فنزويلا-فيتنام.
يبدو أن توازن القوى يتحول بعيدًا عن الغرب، وأن المزيد من البلدان النامية تتجه إلى القوى الصاعدة مثل دول بريكس.
وقد أشاد الرئيس الصيني شي جين بينغ بـ “توسيع تاريخي” وتوقع “مستقبلًا مشرقًا للبريكس”.
إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة “كلها ذات وزن اقتصادي هائل ونفطها يحافظ على مصالحها”.
تعاني الأرجنتين من ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم وتواجه صعوبة في سداد ديون بقيمة 44 مليار دولار لصندوق النقد الدولي.
بعد توسعه.. هل يصبح البريكس+ نظاما عالميا جديدا ؟
في الاجتماع الخامس عشر للبريكس الذي عُقد في أوت 2023، أعلنت المجموعة عن توسع غير مسبوق.
اعتبارًا من 1 جانفي 2024 ستنضم الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة رسميًا إلى المجموعة.
وتحتل هذه البلدان وزنًا متزايدًا في العالم. ومع ضم 11 عضوًا سيصلون إلى 46% من سكان العالم و29% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
في اجتماعهم في جوهانسبرغ أكد قادة دول مجموعة البريكس على موقفهم “غير المتحالف” في وقت تفاقمت فيه الانقسامات بسبب الصراع الأوكراني. ويؤكد التوسع الأخير للمجموعة دور الصين المتزايد فيها، حيث ارتفعت حصتها في الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة البريكس من 47٪ عام 2001 إلى 70٪ عام 2022. وتمثل الصين أيضًا 69٪ من إجمالي التجارة في الكتلة.
مستقبل البريكس وروسيا
منذ عام 2006 يشهد البريكس ديناميكية إيجابية في تأكيد وزنه الاقتصادي والسياسي، مع الرغبة في إحداث تغيير في النموذج الجيوسياسي.
يُظهر إدراج التوسع وإزالة الدولار من جدول أعمال القمة الخامسة عشرة أن هذه المنظمة لم تعد تخشى التأكيد على نفسها أمام الولايات المتحدة والغرب.
سوف تنظم ستة بلدان جديدة إلى البريكس اعتبارًا من عام 2024، وهو “نجاح استراتيجي” لإيران، و “لحظة قوية لإثيوبيا” حسبما أعرب محمد جامشيدي، المستشار السياسي لرئيس إيران إبراهيم رئيسي.
لو كان الاختيار اقتصاديًا بحتًا، لما تم اختيار دول مثل الأرجنتين وإيران وإثيوبيا أو حتى مصر.
قمم المجموعة
عُقِدَت أول قمة للدول الأربعة BRIC في 16 جوان 2009 في روسيا.
عقدت القمة الثالثة في 14 أفريل 2011 في الصين. وهي أول قمة للـ BRICS، مع انضمام جنوب إفريقيا رسميًا.
و عقدت القمة الخامسة لدول BRICS في 28 مارس 2013 في جنوب إفريقيا. وبعد ذلك، أطلقت الصين في سبتمبر 2013 مبادرتها BRI (مبادرة الحزام والطريق)، وهي طريق الحرير الجديدة.
ثم عقدت القمة السابعة لدول BRICS في عام 2015 في بروسيا، بالإضافة إلى الافتتاح الرسمي لبنك التنمية الجديد (NDB)، مع مقره الجديد في شنغهاي، وهو مؤسسة تم تصميمها كبديل للبنك الدولي.
عقدت القمة الخامسة عشرة لدول BRICS في الفترة من 22 إلى 24 أوت 2023 في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا. واتفق أعضاء الدول على مبدأ توسيع المجموعة لتشمل ست دول ستنظم إلى المجموعة في 1 جانفي 2024 و هي: الأرجنتين، إيران، مصر، إثيوبيا، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. وبذلك، ستصبح المجموعة BRICS+.
المؤسسات المالية
تمتلك NBD رأس مال قدره 50 مليار دولار أمريكي، ومن المقرر زيادته إلى 100 مليار دولار أمريكي في غضون عامين.
يمكنها تقديم ما يصل إلى 350 مليار دولار أمريكي من القروض لتمويل مشاريع البنية التحتية والصحة والتعليم وما إلى ذلك.
ومن الجدير بالذكر أنها لا تربط قروضها بشروط ملزمة، كما هو الحال في صندوق النقد الدولي.
ومن المقرر أن يتم تزويد صندوق الاحتياطي بمبلغ 100 مليار دولار أمريكي ليكون متاحًا في حالة حدوث أزمة في ميزان المدفوعات.
الوزن المتزايد للبريكس
لم تتوقف مكانة البريكس في الاقتصاد العالمي عن النمو في السنوات الأخيرة.
وهكذا ارتفعت حصة البريكس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي (المحسوبة وفقًا لتعادل القوة الشرائية) من 20٪ في عام 2003 إلى 32٪ في عام 2023. وفي الوقت نفسه انخفضت حصة دول مجموعة السبع من 42٪ إلى 30٪.
أما إذا نظرنا إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي للفرد، فإن البريكس لا تزال بعيدة عن اقتصادات مجموعة السبع، بمتوسط قيمة أقل بحوالي ثلاث مرات في عام 2023.
هل يصبح البريكس قوة عالمية لا مفر منها بعد زيادة عدد أعضائه من 5 إلى 11؟
تمثل هذه البلدان الأحد عشر معًا ما يقرب 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستستمر هذه الزيادة في القوة.
وتمثل هذه البلدان الأحد عشر مجتمعة 46٪ من سكان العالم، مما يمثل سوقًا وفرصًا فريدة من نوعها في العالم.
على عكس التحالفات الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو ميركوسور، لا يوجد اتفاق تجارة حرة أو تخفيضات للحواجز الجمركية بين البلدان الأعضاء في البريكس.
في نهاية المطاف، يمكن أن يصبح البريكس منتدى سياسيًا لحمل رؤية أخرى للعالم وتقديم بديل للقيم الأمريكية أو الأوروبية.
توسعة بريكس
أعلنت منطقة بريكس للتنمية المستدامة عن توسعها خلال القمة السنوية للكتلة في أوت 2023، مما جذب اهتمام أنصار إزالة الدولار من التداول.
ومع ذلك نعتقد أن التوترات الجيوسياسية داخل مجموعة بريكس+، بالإضافة إلى تردد بعض الأعضاء في التخلي عن سيادة عملتهم الوطنية، يجعل من غير المرجح ظهور كتلة نقدية جديدة.
تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لبريكس الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة السبع في عام 2021، ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه.
إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن يستمر هذا التوجه حتى عام 2028. وبحلول عام 2028 يتوقع صندوق النقد أن تنخفض حصة مجموعة السبع إلى 27.8٪ وأن تصل حصة بريكس إلى 33.6٪.
ما معنى توسع بريكس؟
التوسع هو نوع من انتصار الدبلوماسية، حيث اضطرت جميع الأطراف إلى تقديم تنازلات. ويبدو أن الجانب الجيوسياسي هو المهيمن.
ومع ذلك فإن التوسع يحدث في الوقت الذي يكون فيه أحد أعضاء المجموعة “روسيا” في منافسة جيوسياسية وعسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة.
يبدو أن هذا التوسع يعد نصرا للصين. كما كانت البريكس مفيدة جدا لبوتين، و يبقى الدافع الواضح للزعماء الجدد هو الحصول على وصول مميز إلى دعم الصين في مجال البنية التحتية وإلى بنك التنمية الجديد.
ماذا نعني بإزالة الدولار؟
تشير إزالة الدولار إلى رغبة العديد من البلدان مثل البرازيل والأرجنتين والمملكة العربية السعودية وروسيا والصين، في تقليل اعتمادها على الدولار وإنشاء عملة بديلة. وتدعو هذه البلدان إلى نظام نقدي متعدد الأقطاب جديد.
يستخدم مصطلح إزالة الدولار لوصف العملية التي يقلل من خلالها بلد ما اعتماده على الدولار الأمريكي في معاملاته الدولية.
ويمكن أن يتخذ هذا الإجراء عدة أشكال.
و هكذا أصبحت قائمة البلدان التي تنفذ مبادرات لفك ارتباطها بالدولار الأمريكي آخذة في النمو أكثر فأكثر:
في 17 مارس 2022 كان كل من البنك المركزي الروسي والبنك الشعبي الصيني يعملان على ربط أنظمة المراسلة المالية الروسية والصينية وتطوير أنظمة نقل المعلومات باستخدام سلسلة الكتل، بما في ذلك الروبل الرقمي واليوآن الرقمي.
في 31 مارس 2022 اقترحت الهند على روسيا نظام معاملات جديد يتضمن نقل التجارة إلى الروبل ونظام الدفع المالي الروسي (SPFS).
و في ماي 2023 أعربت دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) عن رغبتها في تعزيز استخدام العملات المحلية في المعاملات العابرة للحدود الإقليمية.
يذكر أن الصين منذ عام 2011 أخذت في التخلي تدريجياً عن التبادلات بالدولار الأمريكي لصالح اليوان الصيني.
إزالة الدولار أمر لا رجعة فيه
في جوان 1975 أي بعد سنتين من صدمة النفط، أعلنت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) قطع الارتباط بالدولار الأمريكي وبدء تسعير الأسعار باليورو.
قدم العديد من الخبراء هذه العملية كخطوة نحو إزالة الدولار في العالم. وفي الوقت الحالي يتم تنفيذ 85٪ من معاملات النفط بالدولار، وكذلك 88٪ من المعاملات الدولية، وفقًا لبنك التسويات الدولية.
كانت فكرة إزالة الدولار من التبادلات الاقتصادية بين دول بريكس “محور المناقشات في قمتهم الأخيرة”.
وكانت الخطوة الأولى في إزالة الدولار هي العديد من المحاولات لنقل التجارة عبر الحدود إلى العملات المحلية.
في عام 2015 أطلقت الصين نظام المدفوعات الدولي الصيني (CIPS).
منذ مارس 2018، بدأت الصين في شراء النفط باليوان المدعوم بالذهب.
في عام 2017 طور البنك المركزي الروسي نظام SPFS، وهو معادل روسي لنظام SWIFT للتحويلات المالية.
في 23 مارس 2022 وقع فلاديمير بوتين مرسومًا يحظر على البلدان “غير الصديقة” (بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان) شراء الغاز الروسي بأي عملة أخرى غير الروبل الروسي.
في مارس 2022 كانت السعودية تجري محادثات مع الصين بشأن تبادل النفط والغاز السعوديين باليوان الصيني، وفي ديسمبر 2022 تم الإعلان عن إبرام أول اتفاق ائتمان باليوان علناً.
يستخدم بالفعل غانا وجنوب إفريقيا ونيجيريا والرواندا اليوان في احتياطياتها.
منذ عدة سنوات بذلت الصين جهودًا لتقليص اعتمادها على الدولار الأمريكي وتعزيز دولية عملتها. وقد نفذت الصين عدة مبادرات لتحقيق ذلك، منها:
إقامة اتفاقيات مبادلة العملات مع أكثر من 30 بنكًا مركزيًا آخر.
إصدار سندات مقومة باليوان في الأسواق الدولية.
مبادرة “الحزام والطريق”.
اليوان الرقمي.
العولمة الجديدة ونظام اقتصادي عالمي جديد
يُنظر إلى توسيع أعضاء مجموعة بريكس على أنه خطوة رئيسية نحو عالم متعدد الأقطاب، سيضع نهاية للهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة.
ينطوي إعادة التوازن في القوى على تعديل الترتيبات الحالية للحوكمة العالمية.
و نظرًا لتصاعد الصراع الجيوسياسي على السلطة بين الولايات المتحدة والصين، يجب أن يستعد المستثمرون لنموذج عالمي جديد. خاصة و أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تحولت من المزدهرة إلى الباردة.
عندما ظهرت نقاط الضعف في سلاسل التوريد على السطح، أعادت القوى العظمى والاقتصادات ذات الأهمية الاستراتيجية تعريف علاقتها.
تطور النظام النقدي الدولي منذ القرن التاسع عشر
  • العملة الذهبية (أو معيار الذهب)
من سبعينيات القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى عام 1914، اعتمد النظام النقدي الدولي على “العملة الذهبية” ، وهو نظام نقدي يتم فيه تعريف الوحدة النقدية بالإشارة إلى وزن ثابت من الذهب، وكل عملة تابعة لمنطقة اقتصاديّة ما قابلة للتحويل بحرية ومباشرة إلى الذهب.
نظام بريتون وودز (1944-1971-1976) وهيمنة الدولار
هيمنة الدولار: صدمة النفط عام 1973، اتفاق ويليام سيمون
بعد انهيار نظام بريتون وودز عام 1971، لم تعد العملة مضمونة بالذهب، بل بالنفط بفضل استراتيجية جيوسياسية أمريكية فعالة للغاية.
ومنذ عام 1974 وحتى يومنا هذا، يعمل العالم بشكل أساسي على أساس معيار البترودولار.
السيد محمد صالح سويلم مدير عام السياسات النقدية السابق في البنك المركزي
 الهيمنة العالمية للدولار
يبدو أن هناك نزعة عالمية تكونت مؤخرا وهي متمثلة في الهرب من الدولار و تجنبه.. و هذه النزعة من شأنها أن تحد كثيرا من هيمنة العملة الأمريكية، لأن الولايات المتحدة لا تنفك تعاقب البلدان التي تدخل معها في منافسة أو خصام عن طريق الدولار، و هناك العديد و العديد من البلدان التي عوقبت بهذه الطريقة.
ماذا نعني بالاحتياطي من العملة الأجنبية؟ أي أن كل البنوك المركزية يجب أن تمتلك قسطا كبيرا جدا من الدولار الأمريكي، لأن الدولار يسمح لتلك البلدان بالدفاع عن عملتها المحلية في سوق الصرف، فإذا تعلق الأمر بالتجارة و شراء النفط أو الحبوب، فإن هذه المواد مسعرة بالدولار،  قس على ذلك كل المواد الأخرى…
تمكن الدولار الأمريكي من فرض هيمنته و سطوته في كل أنحاء العالم، إذ تستخدم هذه العملة في عمليات الفوترة، فأكثر من 80% من العمليات التجارية يقع فوترتها بالدولار الأمريكي.
أما بالنسبة لسوق الصرف في جميع دول العالم فإن تسعيرات العملة فيها يقع احتسابها مقابل الدولار، فكل العملات مهما اختلفت لا يمكن استبدالها سوى بالدولار الذي تمكن من غزو كل الأسواق العالمية.
سوق السندات العالمية بدورها تشهد على أن السوق الأمريكية هي الأعمق و الأقوى على المستوى العالمي، و بما أن كل الدول تتاجر باستخدام الدولار، ففي نهاية المطاف ستسعى البنوك المركزية لامتلاك أكبر قدر ممكن من هذه العملة، ليتم توظيف تلك الدولارات في شراء الأسهم أو السندات الحكومية، أو يمكن أن تضعها في شكل ودائع لدى البنوك الأجنبية، أو يمكن استخدامها في شراء الذهب أو النفط أو النحاس… بحيث تكون كل هذه المواد جميعها مسعرة بالدولار، و هذا ما يثبت مرة أخرى هيمنة الدولار في كل أصقاع العالم.
هناك مثل يقول بأن الدولار لا يغادر الولايات المتحدة الأمريكية، و بالتالي من يمتلك هذه العملة هو في الحقيقة يمتلك دولارات متصلة بالبنوك الأمريكية بصفة مباشرة.
بهذه الطريقة تمكنت أمريكا من إحكام سيطرتها على الأسواق العالمية، و إذا وقفت أي جهة في وجه الولايات المتحدة فسيقع تجميد أموالها، و هو السلاح الذي تم استخدامه ضد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” الذي عاقبته الولايات المتحدة بتجميد أمواله التي تبلغ قرابة ال300 مليار دولار، و تم استخدام نفس هذا السلاح مع الراحل “معمر القذافي” و “صدام حسين”…
ساهم هذا الضغط الكبير في إرساء البريكس، و هي مجموعة من البلدان الساعية للحد من هيمنة الدولار الأمريكي، و بهذا الشكل سيقع تقليص السيطرة و القوة التي تحظى بها أمريكا، و هي قوة اقتصادية و عسكرية مهولة، تمكنت من تحقيق كل ما ترغب فيه، و كل من يقف في وجهها يقع القضاء عليه تماما، فيحرم من التجارة من خلال تجميد دولاراته.
نعيش اليوم وضعا هاما جدا على المستوى الجيو استراتيجي، من خلال ما يمر به العالم من تحولات عميقة، إذ كان الجنيه الاسترليني في يوم من الأيام العملة المحورية في النظام النفطي العالمي، ثم تعرضت تلك العملة لعدة صدمات ما تسبب في اضعافها، ليحل محلها الدولار الذي تولى بعد ذلك الهيمنة على العالم، و شهدنا في إحدى الفترات اشتراط أن تكون تسعيرة النفط فقط بالدولار، و نفس الشيء بالنسبة لأسعار المواد الأولية.
ساهم تنامي هذه الهيمنة في إقلاق العديد من القوى على غرار روسيا الاتحادية و الصين، و هي قوى يرجح أن تتفوق اقتصاديا في المستقبل القريب على الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة على مستوى المبادلات التجارية. و لكن تبقى السيطرة و اليد العليا دائما و أبدا لدى أمريكا، و هو ما يشكل مصدر قلق كبير لدى الروس و الصينيين، بل و عدة دول أخرى.
السيد أحمد بن مصطفي دبلوماسي سابق
 فكرة الاستغناء عن الدولار غير ممكنة
نهاية الدولار لا يمكن أن تحدث بسهولة، لأن مصالح الأفراد العضوة في البريكس مرتبطة بعلاقات جد مهمة في التجارة والاستثمار. مثلا الصين يجب أن نقول أن القضية كانت مرتبطة بحرب 1973 التي كانت منعرجا هاما في تاريخها، ثم تم سنة 1975 فرض المبادلات في الطاقة بصفة عامة.
فرض الامريكيون أن تتم كل المعاملات بالدولار، ومنذ ذلك التاريخ وحتى بعد تكوين خلية في سنة 1975، تكونت خلية كردة فعل على التحولات، و قد تضمنت فكرة الهيمنة الفعلية على المبادلات التجارية والطاقية، ومن الممكن توفير سلاسل القيمة في القطاع الطاقي. وهو ما حصل بطبيعة الحال، واستمر هذا المسار إلي حدود انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد تكرس هذا الأمر، ورغم صدور عملة أخري من المفروض تكون منافسة للدولار، لكن الولايات المتحدة تمكنت من المحافظة على قوة عملتها، وكان الاتحاد الأوروبي كل سنة يقترض بين 500 و 700 مليار دولار لتمويل شراءاته من الطاقة من الولايات المتحدة، وبعد الحرب على أوكرانيا تكرست هذه المسألة أكثر، لأن الولايات المتحدة قررت إلغاء العلاقة الاستراتيجية بين أوروبا وتحديدا ألمانيا في مجال الغاز، وهو ما ترتب عنه مواجهة بين كتلة البريكس وكتلة روسيا، وبرزت فكرة أن المعاملات التجارية تصبح ذات توجه يهدف إلي التقليل من التبعية، والآن روسيا تمكنت من التغلب على العقوبات، وهي بصدد تطوير آليات جديدة سيقع العمل بها بين الصين وروسيا. و كذلك مع تركيا وعدة دول أخرى، حيث أصبحت المعاملات تتم باستخدام العملة الوطنية لكل دولة، وهذه هي الإضافة.
ربما لا تزال البريكس تتحرك في منظومة اقتصاد السوق، وليس لديهم تصور إيديولوجي جديد، أي بديل اقتصادي بالمفهوم العادي، ولا يجادلون هذه المنظومة، حيث أن الصين الشعبية تحظى بحجم مبادلات يبلغ 500 مليار دولار.
إذن فكرة الاستغناء عن الدولار ليست عملية يسيرة وهينة، وربما ستطمح دول البريكس لبلوغ هذا الهدف في المطلق، لكن هناك توجه للتقليل من التبعية إزاء العملة الأمريكية، خاصة وأن الولايات المتحدة أصبحت تسلط على حرفائها عقوبات قاسية، وقد فرضت عقوبات على روسيا.
كما أن هناك بعدا تسلطيا تجاه الشركات الكبرى الفرنسية التي تعمل في روسيا.
السيد محمد الهادي زعيم دكتور في الاقتصاد
87 بالمئة من المعاملات بين الدول بالدولار
إذا أردنا أن نفهم جيدا ما معنى إلغاء الدولار، فلا بد أولا من أن نعود لتاريخ هذه العملة.
في القرون الوسطي كان البيع والشراء يتم بالعملة الذهبية، ومنذ أن ابتعدنا عن الذهب والفضة طُرِحَ مشكل، بأي وسيلة يتم الخلاص؟
مثلا في تونس تم اعتماد الدينار كعملة بديلة للذهب و غيره من المعادن الأخرى… وكانت عملة إنجلترا مهيمنة حتى سنة 1922، و تم ارساء نظام كارثي مخضرم هو السبب في أزمة 1929.
هناك رقم مهم جدا وهو نسبة التداين الخارجي في أمريكا التي تقدر ب350 بالمئة.
جاء الدولار الذي يقدر بوقية ذهب، و تساوي هذه الوقية 30 كغ من الذهب، والآن تم تسعير وقية الذهب ب1000 دولار سنة 2008.
إذن السؤال المطروح: ما معني دولار؟
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية على العالم أن لا يمارس التجارة إلا بالدولار، خاصة مع بلدان الخليج.
و بالتالي نجد أن 87 بالمئة من المعاملات بين الدول تتم بالدولار.
تسببت حرب أوكرانيا في جعل المعاملات بين الدول تتم باستخدام الدولار بنسبة 87 بالمئة، و13 بالمئة مقسمة بين اليورو والدينار.
لماذا طُرِحَ هذا الإشكال؟ عندما فرضت أمريكا عملتها أصبحت تتحكم في المال واصبحت العملة الأمريكية العملة الرسمية للتبادل، وهو ما ساهم في تزايد أهمية الدولار.
و من هنا أصبحت أمريكا تستعمل عملتها كسلاح.
القانون الأمريكي يتميز بخصوصية، فكل عملية تحدث بالدولار تخضع للقانون وللمحاكم الأمريكية. هناك منظومة تبادل للمعلومات في التجارة،و نجد أن عدة دول تعرضت للعقاب من قبل أمريكا بسبب معاملاتها بالدولار الأمريكي.
شارك المقالة

Read Previous

الذكاء الإصطناعي: المحاسن و المخاطر

Read Next

  .. 2024 الحلول للخروج من الأزمة

Most Popular