.. 2024 الحلول للخروج من الأزمة

سمير بشوال مستشار اقتصادي
الاقتصاد التونسي يرزخ تحت كم هائل من المشاكل
تشهد البلاد التونسية أزمة حادة على جميع الأصعدة، و ذلك بدليل الأرقام الموجودة التي لا يمكن تكذيبها أو التشكيك في مدى مصداقيتها.
الأرقام إذن لا تكذب و هو ما يجعلنا نصر بأن العجز على مستوى الميزانية صحيح، و العجز على مستوى ميزان المدفوعات ربما أيضا هو صحيح، و لكن كل هذا يأتي على حساب الطوابير التي أصبحت وباء يصعب علاجه، و تقلص المواد الأساسية على مستوى مسالك التوزيع، و نقص التوريد الذي شمل موادا كانت متوفرة بشكل دائم و طبيعي.
هذا و لا ننسى نسبة المديونية المرتفعة، و هو ما يؤكد بأن الصعوبات لا تزال موجودة، و الأزمة أيضا لا تزال متواصلة، كما تعاني المسالك من عدة مشاكل فالمستهلك أو مسالك التوزيع تمثل منتهى الاقتصاد، و تظل عمليتي البيع و الشراء العمود الأساسي للاقتصاد الحقيقي، بصرف النظر عن الصعوبات التي تحيط بالاقتصاد الحقيقي و الواقعي الذي لا يزال يتخبط في المشاكل.
الاستثمار أولى خطوات الخروج من الأزمة
نواجه اليوم اشكالا كبيرا على مستوى الاستثمار، وإذا أردنا لتونس أن تتقدم خطوة في اتجاه حل الأزمة الداخلية، فلا بد لنا أولا من تحرير الاستثمار، و من المؤسف أن الثقة في موقع تونس كأرض للاستثمار قد اهتزت كثيرا، بدليل أن الاستثمارات الخارجية لم تعد تتدفق على تونس بالشكل المطلوب، كما أن رجال الأعمال التونسيين لا يقبلون على الاستثمار المحلي كما في السابق، رغم أن مؤشرات الاستثمار الصناعية لسنة 2023 حققت زيادة بحوالي 7% فيما يتعلق بنوايا الاستثمار، و بالتالي لا بد من العمل أكثر على الاستثمار، بالإضافة لمعالجة موضوع البيروقراطية الذي لا ينفك يكبل الاقتصاد، و هو ما يفسر تراجع و تقهقر الاقتصاد التونسي بشكل حاد جدا، و من هنا يمكن لسيادة رئيس الجمهورية التفرغ لفك هذه البيروقراطية المعطلة للاقتصاد، كما لا بد من تحرير الأنشطة الاقتصادية عن طريق القضاء على منظومة الرخص و كراسات الشروط، و لا سبيل للنهوض بالاستثمار دون إنهاء التعامل بهذه الرخص!
كما لا تفوتنا ضرورة تنظيم مسالك التوزيع، و هذه المسالك لا يمكن تنظيمها سوى بتقليص عدد الفاعلين الاقتصاديين، فعدد هؤلاء الفاعلين يتجاوز ما هو منصوص عليه في القانون بكثير!
كما يعتبر الضغط الجبائي اليوم كبيرا، و لا بد من تخفيفه.
هذا بالإضافة لعدة مسائل أخرى تشكل جزءا من الأزمة على غرار قانون الصرف و النقل و الاتفاقيات التجارية، و أيضا القطاع الموازي الذي حان الوقت لتنظيمه من خلال ضمه إلى القطاع المنظم بشكل فعلي.
عدنان بلحاج عمر ناشط سياسي
الدولة عاجزة عن الإصلاح
صرفا عن النظر كون تونس في أزمة أم لا! ما يمكن تأكيده أن الدولة في الوقت الحاضر غير قادرة على إرساء الإصلاحات، فتونس غير قادرة حتى على بناء مشروع مهيكل كميناء المياه العميقة، وغيره…
هذه الدولة تعاني من فقدان المواد الأساسية و هو ما نشهده بصفة يومية من خلال الطوابير البشرية المصطفة أمام المغازات و الدكاكين، و بالتالي سؤال ما إن كنا في أزمة أو صعوبات يبدو غير منطقي بالمرة، فنحن في أزمة هيكلية عميقة.
كل الناس على دراية بوجود أزمة حادة تمر بها تونس منذ وقت طويل، و من يحاول ايهام المشاهد بعدم وجود هذه الأزمة فهو واه، فنحن نعيش هذه الأزمة بشكل يومي لا يمكن تكذيبه بأي شكل من الاشكال، و عليه لم يعد في امكاننا إخفاء هذا الأمر، و آن الأوان للتحلي بالمصداقية و مصارحة الناس بالحقيقة كما هي دون تزييف، و ذلك من خلال تعرية الأزمة و بحث طرق الخروج منها و تجاوزها.
أول إثبات على وجود الأزمة التي نتحدث عنها، أننا أمام دولة لا تملك خيارات، فلا الدولة تملك الخيار و لا السلط أيضا، على عكس ما شهدناه في الستينات، حيث كانت الخيارات موجودة، و ذات الشيء في فترة السبعينات، و منذ الثمانينات أخذت الخيارات تتقلص شيئا فشيئا إلى أن اختفت و تلاشت تماما!
و نعني بالخيارات، الخيارات الاستراتيجية للبلاد، فاليوم لا نستطيع تحديد الخيارات الاقتصادية لتونس، كما لا يمكن أن نرصد التفاعلات بين القطاعين الخاص و العام، خاصة و اننا لا نسير في اتجاه وضع نموذج اشتراكي يجمع بين القطاعين.. فهل تسعى الدولة لإعادة تنصيب شركاتها العمومية أقوى من ذي قبل أم ماذا؟
للأسف الشديد لا يوجد في تونس اليوم رجل قادر على إصلاح الدولة، على غرار ما حدث في الستينات مع السيد “حمد بن صالح” الذي كان يملك برنامجا اقتصاديا رغم أن الراحل بن صالح لم يكن متضلعا في الاقتصاد، و رغم ذلك اهتم كثيرا بالجانب الاقتصادي، من خلال وضع برنامج إصلاح اقتصادي، ثم جاء بعده السيد “الهادي نويرة” و هو أيضا ليس رجل إقتصاد من ناحية تكوينه، و لكنه رجل اقتصاد بالمعنى السياسي، كان قادرا في تلك الفترة على رسم توجهات واضحة، مما أتاح له وجود العديد من الخيارات التي جاءت نتاجا لأهدافه المرسومة بوضوح.
لا نملك اليوم في تونس أولويات قطاعية، بدليل أن الدولة لا تملك أي قطاع تقدر على جعله قاطرة للاقتصاد ككل.
يجب ألا نغالط الرأي العام من خلال ايهامه بعدم وجود أزمة حقيقية تعاني منها البلاد، لأن الجميع على دراية جيدة بهذه الأزمة، لأن المواطن يقف بنفسه في الطوابير الطويلة من أجل شراء الخبز و الأرز… و هي مواد كانت في السابق متوفرة و لم يحدث أن فقدت من السوق!
يبدو أن كل الآفاق قد أوصدت أمام التونسي، فالمدارس أضحت آيلة إلى السقوط و لا توجد موارد مالية لإصلاحها، و ذات الشيء بالنسبة للمستشفيات و غيرها.
مهدي بحوري عضو المكتب التنفيذي بكونكت
الثورة التونسية نتاج للتباطؤ الاقتصادي و الأزمة الهيكلية
أول قراءة لعبارة “أزمة اقتصادية” عند الاقتصاديين تربطنا مباشرة بالدورة الاقتصادية.
في الحقيقة نحن لسنا أمام أزمة واحدة، و انما نواجه عدة أزمات مترابطة و متشابكة ضمن أزمة هيكلية متشعبة و عميقة ترجع جذورها إلى فترة الاستقلال، و رغم وجود خيارات تم اتخاذها زمن الستينات و السبعينات إلا أنه منذ تلك الفترة انتفت الخيارات، و بدأت ملامح الأزمة الهيكلية في الظهور قبل اندلاع الثورة، بل إن الأزمة الهيكلية يضاف إليها التباطؤ الاقتصادي يمكن أن تكون هي الأسباب الحقيقية التي أدت للثورة منذ البداية، و هنا نتساءل ما إن كانت الثورة مقتصرة على الجانب الاجتماعي دون الاقتصادي!
تمر تونس بأزمة عميقة و متشعبة لا يمكن حلها بطريقة واحدة، و انما هي في حاجة لتحليل فلسفي عميق، و رؤية نرسم من خلالها ما نرمي الوصول إليه من أهداف.
في هذا السياق نتساءل ما إن كان هناك توجه اليوم نحو الرفاه بالنسبة لعموم المواطنين؟ في الحقيقة ليس هناك توجه نحو الرفاه لا على مستوى الأشخاص الطبيعيين أو حتى المعنويين (الشركات).
تتطلب هذه الأزمة إعادة هندسة شاملة و عميقة للاقتصاد، نتحدث فيها وجوبا عن دور الدولة و دور الفاعل الاقتصادي، من خلال إرساء حوار مجتمعي اقتصادي شامل.. ثم ننطلق بعد ذلك في تفقد كل قطاع على حدا.
المنظومات الاقتصادية تواجه خطر الاندثار
تم التساؤل عن حلول الأزمة في كونيكت قبل مؤتمر نوفمبر الفارط، و حددنا الزاوية المناسبة التي يمكن أن تمثل حلا، كما تم الإقرار بوجود أزمات عديدة لا أزمة واحدة، على غرار أزمة المالية العمومية، و أزمة البطالة و ضعف النمو، و أزمة الماء و الطاقة، و أزمة التضخم و غلاء الأسعار، و أخيرا أزمتي الاستثمار و الاستهلاك… و تبعا لكل هذا قمنا بتنظيم ندوة علمية حول المنظومات الاقتصادية بين المخاطر و التطلعات، و اكتشفنا أننا مهددون بفقدان هذه المنظومات الواحدة تلو الأخرى، لذلك قمنا بدراسة عنيت بالأسباب العميقة التي قد تؤدي لخسارة هذه المنظومات، و تم حصر هذه الأسباب في ثلاث عناصر:
1- منظومات مهددة فيما يخص تمويل المنظومات.
2- النفاذ إلى السوق.
3- التعقيد الإقتصادي.
اصدرت الكونكت خارطة عمل اقتصادية تمتد لأربع سنوات، و تهدف هذه الخارطة لإنقاذ المنظومات الإقتصادية، من خلال التعويل على التمويل الأوسط لضمان استمرار الشركات.
كما لا بد من مراجعة شاملة لمسألة النفاذ إلى السوق، من خلال النظر في سياسة المنافسة، و إصلاح منظومة الرخص و كراسات الشروط.
و فيما يتعلق بالتعقيد الإقتصادي لا بد من الإقرار بأن التخوف الأكبر يأتي من نزيف الكفاءات التونسية.
السيد أحمد بن مصطفي دبلوماسي سابق
نحن نعيش أزمة خيارات كبرى
تعيش تونس أزمة خيارات كبرى بزعامة الولايات المتحدة، و بالنسبة للكتلة الغربية أصبحت تعتمد على التبادل الحر واقتصاد السوق في جميع مؤسساتها بدءا من صندوق النقد الدولي وصولا إلي الاتحاد الأوروبي. وقد ربطنا مصيرنا بهذه المؤسسات إذ انتهجنا في العشرية الأولى الإصلاح الهيكلي للوصول إلي اقتصاد إنتاجي مبني على تلبية احتياجات التونسيين، يعني ستحل محل الاستيراد، وبالتالي فكرة الاقتصاد الانتاجي في الفلاحة والزراعة حصيلة الإنتاج لم تتبلور بالشكل المطلوب.
في الثمانينات وصلت هذه المسألة إلى مداها وحققت نتائجا ملموسة، مثلا مؤشر المديونية لا يتجاوز في مجمله 5 مليون، واليوم نحن مطالبون في سنة 2024 ب10مليون.
هذا منذ أن اعتمدنا برنامج 86 واتجهنا نحو وجهة مختلفة عندما وصلنا إلى الأحادية القطبية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. سنة 2008 وصلت هذه المنظومة إلى أزمة وهو ما ترتب عن الثورات العربية .
هذا الانخراط مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لابد أن يتراجع لأن هذه المنظومة مبنية على فكرة احتكار الأنشطة الانتاجية من القوى العظمى، وبالتالي أصبحت تونس بلاد خدمات فقط، من خلال توجيه كل خدماتها نحو التصدير بالعملة الصعبة.
لابد من تقييم هذا الانخراط لأن أزمة المنظومة لا تنتهي، والتوجه العالمي يتجه نحو وضع حد لهذه الأزمة والأحادية القطبية.
لابد من وضع التجربة ما بعد الثورة على المحك بدءا من القوانين.
لا يمكن أخذ هذه الأزمة بمعزل عن رسائل النوايا التي تحمل إمضاء السيد محافظ البنك المركزي.
السيد محمد الهادي زعيم دكتور في الاقتصاد
الأزمة التي تعيشها تونس ليست جديدة
أظن أن كلمة صعوبات هي الأقرب لوصف ما نمر به و نعيشه اليوم، الأزمة أمر هيكلي والصعوبات في أغلب الأحيان أمر ظرفي.
الأزمة ليست جديدة في تونس، والصعوبات الجسيمة أمر مستجد، وهذه الصعوبات لديها مؤشرات عديدة، منها انعدام التوازنات الخارجية المتمثلة في العجز التجاري.
الأزمة ليست جديدة باعتبار أن تونس تعيش أزمة منذ عشرية الاستقلال، حيث أن تونس المستقلة ولدت في أزمة مزمنة سكنتها منذ العشرينات، وزادتها العشرية السوداء حدة وتفاقما.. ويمكن أن ننعت العشرية السوداء بكاريكاتير الأزمة (الفساد – هيمنة بعض اللوبيات).
يمكن اعتبار هذه الأزمة نتيجة ديناميكية داخلية غير إرادية، و قد أنتجت تناقضات يصعب حلها دون كسر شيء ما، و كنا قد شهدنا في سنتي 1978 و 1974 أزمة.
مرّت تقريبا 24 سنة على انتهاء أزمة جانفي 1984 التي أسفرت عن 120 جريحا و 84 قتيلا، وعرفنا أزمات متتالية وصعوبات متعددة على غرار كوفيد 19 و حرب روسيا و أوكرانيا.
السبب الثاني هو أننا اخترنا أن نكون في صعوبات بأنفسنا، باعتبار أننا اخترنا التعويل على إمكانيتنا الذاتية وعدم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وهو خيار له تبعات.
لا نملك سوى حلين للخروج من هذه الأزمة، و هما:
1- الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
2- مواجهة الأزمة قبل حلولها.
السيد صفوان بن عيسى أستاذ جامعي
لابد من خلق حرب ضد الفساد
كل سنة نقول أن هذه السنة صعبة و كأن السنوات السابقة كانت سهلة!
في الحقيقة نحن السبب الرئيسي في هذه الصعوبات، فعلى مستوى الاقتصاد الكلي شهدت سنة 2023 تقلصا ملحوظا لميزانيتي العجز في الميزانية والعجز في ميزان المدفوعات.
شهدت سنة 2023 مسلسلا مع صندوق النقد الدولي، وماحدث يعتبر سابقة باعتبار أن فرق صندوق النقد الدولي اشتغلوا على الاقتصاد التونسي، وقاموا بتحضير خارطة إصلاحات بالشراكة مع السلط، وقد تمت المصادقة على هذه الإصلاحات من قبل صندوق النقد الدولي والموافقة عليها. عكس التوقعات، مثلت هذه الموافقة نقطة ايجابية، لكن بعد مضي سنة لاحظنا أننا بصدد إنجاز أهداف رمزية للبرنامج دون تدخل الصندوق، بمعنى أن كل شيء سيعالج محليا دون اللجوء إلى الأطراف الأجنبية.
لا توجد بوادر للنمو الإقتصادي ولا توجد برامج انتعاش اقتصادي. هناك أيضا حرب ضد الفساد الذي يشمل الإدارة، والفساد الذي يشمل الإقتصاد الخاص، وعند القيام بحرب ضد الفساد لابد أن تكون متوازنة، كما لا بد من محاربة الإقتصاد الموازي.

Read Previous

المدخل الجنوبي للعاصمة :تراجع نسبة العراقيل العقارية الى 10 بالمائة

Read Next

خسوف شبه ظلي للقمر الإثنين 25 مارس 2024

Most Popular