في أوت 2023، أطاح انقلاب عسكري بالرئيس محمد بازوم في النيجر وشكل الانقلاب مفاجأة للكثيرين، حيث كانت النيجر دولة مستقرة نسبيًا في منطقة الساحل الأفريقي المضطربة.
ورجع العديد من المتابعين للشأن الدولي أن الانقلاب كان مدفوعًا بعدة عوامل، بما في ذلك الفقر والبطالة وعدم الاستقرار السياسي ولكن أيضا كان نتيجة للصراع المستمر بين الغرب وروسيا و الصين على النفوذ في إفريقيا.
وكانت الصين سباقة على روسيا معتمدة على مقاربة إقتصادية بحتة زعزعرت عرش فرنسا في سوق الكوبالت وعديد الأسواق الأخرى بينما إعتمدت روسيا على مقاربة أمنية إنطلقت بإنقلاب مالي ةزحزحة القوى الفرنسية ثم تحولت لبوركينا فاسو و ألأنب صامتها جلية في ما يحدث في النيجر
وتجدر الإشارة أنه بتاريخ 3 مارس 2023 أعلنت بوركينا فاسو وقف العمل بـ”اتفاق المساعدة العسكرية” الموقع عام 1961 مع فرنسا لتنهي بذلك وجود قاعدة عسكرية فرنسية وكتيبة مكونة من قرابة 400 جندي من القوات الخاصة بتعلة حماية بوركينا فاسو من الإرهاب و التطرف وتفسح المجال للقوات الشرقية الروسية.
كما كشف مقطع فيديو تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة من السيارات، في موكب مجهول تحمل أعلام روسيا تجوب شوارع الخرطوم.
ولئن إختلفت المصالح السياسية الروسية الصينية و إختلفت التكتيكات في التموقع في إفريقيا فإن المصالح الاقتصادية تجمعهم فزعزعة التواجد الغربي في المنطقة يفتح الباب أمامهم للإستئثار بحوالي 30% من احتياطيات المعادن في العالم، و 8% من الغاز الطبيعي و1 % من احتياطيات النفط عالميا، فضلا عن معدن الذهب بنسبة تقترب من النصف على مستوى العالم وما يصل إلى 90% من البلاتين النادر وأكبر احتياطيات من الماس واليورانيوم والكوبالت.
يُعتقد أن الانقلاب في النيجر كان محاولة من روسيا لزيادة نفوذها في إفريقيا، وإخراج فرنسا من المنطقة. كما يُعتقد أن الانقلاب كان رسالة إلى فرنسا مفادها أن روسيا لن تسمح لها بالبقاء قوة مهيمنة في إفريقيا.
يُعد الانقلاب في النيجر علامة على تغير المشهد الجيوسياسي في إفريقيا. حيث أصبحت روسيا قوة عظمى صاعدة في القارة، وبدأت في تحدي هيمنة الغرب. من المتوقع أن يستمر هذا الصراع في السنوات القادمة، وسيحدد مستقبل إفريقيا.
ما هي عواقب الانقلاب على فرنسا؟
في الضفة المقابلة لا زالت فرنسا ترزح تحت مخلفات كورونا التي أجبرتها على مواصلة العمل بالطاقة اليونانية وإعادة تشغيل مراكز كان من المقرر إيقافها عن العمل مما يجعلها في حاجة للتزود من النيجر أو الإتجاه نحو الأسواق الصينية.
وكان وزير المالية الفرنسي برونو لو مير دعى خلال زيارة أداها إلى الصين لتعاون إقتصادي كبير بين البلدين.
كما تجدر إلى أن كل اليورانيوم المستخدم في 56 مفاعلًا نوويًا فرنسيًا متأت من الخارج وتعتمد فرنسا بشكل أساسي على تعدين اليورانيوم النيجيري في مناجم مفتوحة يديرها مجموعة أورانيو (المعروفة سابقًا باسم أريفا.
ما هي خيارات فرنسا؟
لدى فرنسا عددًا من الخيارات للتعامل مع الانقلاب في النيجر. يمكن لفرنسا أن تحاول استعادة النظام في النيجر من خلال استخدام القوة العسكرية وهو ما سينجر عنه مزيدا من الفوضى والإرهاب في المنطقة وفي حوار صحفي للجزيرة نت قال المحلل العسكري والمؤسس المشارك لشبكة التفكير الإستراتيجي حول الأمن في منطقة الساحل بيني جيروم انه يستبعد ان يتكرر السيناريو المالي في النيجر حيث تم استدعاء القوات الفرنسية في جانفي 2013 للتدخل في مالي بناء على طلب السلطات الانتقالية حينها لوقف تقدم الجهاديين في البلاد، الذين انتشروا في منطقة الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر، قبل أن تعلن وزارة القوات المسلحة الفرنسية خروج قواتها نهائيا مطلع العام الماضي.
معتبرا أن “لا مصلحة لفرنسا في التدخل عسكريا لأنها ستغذي الرواية المعادية لها داخل البلاد”
من جانبها وربما يكون تأكيدا لهذا الطرح وفي بيان مشترك بين وزارة الخارجية والقوات المسلحة، أكدت باريس أنها ملتزمة بأمن الموظفين الدبلوماسيين والمقيمين الأجانب بموجب القانون الدولي، ولا سيما اتفاقيات فيينا، وأضاف البيان “على عكس ما يزعم بعض المسؤولين العسكريين النيجريين، لم تستخدم قوات الأمن الفرنسية أي وسائل قاتلة”.
كما يمكن أيضًا أن تحاول التفاوض مع الانقلابيين من أجل إعادة الرئيس بازوم إلى السلطة وهو خيار دعم إمكانيته الأكاديمي النيجيري والباحث المختص في شؤون الساحل الأفريقي الدكتور إدريس آيات حيث أوضح في تصريحات اعلامية أن المسار الذي يراهن عليه العسكريون في النيجر هو أن تضطر القوى الغربية ومجموعة إيكواس للتفاوض مع المنقلبين حال صمودهم أمام العقوبات، وذلك خوفا على مصالحهم التي سيؤدي طول أمد المرحلة الحالية لتأثرها بشكل أكبر.
كما لا يستبعد أنها ستقوم بحرب بالوكالة تمثلها عصابات إرهابية وتجار المخخدرات والبشر
لكن في ظل هذه التطورات في المنطقة ماذا عن مستقبل إفريقيا.
يُعد الانقلاب في النيجر علامة على تغير المشهد الجيوسياسي في إفريقيا حيث أصبحت روسيا قوة عظمى صاعدة في القارة، وبدأت في تحدي هيمنة الغرب.
هناك عدد من العوامل التي قد تكون دفعت روسيا إلى الانقلاب. أولاً، النيجر مصدر رئيسي لليورانيوم ، وهو مورد حيوي لصناعة الطاقة النووية الروسية. ثانيًا ، النيجر دولة ذات موقع استراتيجي على حدود الجزائر ، وهي دولة لديها تاريخ من الصراعات مع فرنسا. ثالثًا، النيجر دولة ذات أغلبية مسلمة ، وهو ما قد يجذب روسيا التي تسعى إلى زيادة نفوذها في العالم الإسلامي.
من السابق لأوانه معرفة تأثير الانقلاب على النيجر والمنطقة. ومع ذلك، من الواضح أن الانقلاب سيؤدي إلى تغيير كبير في ميزان القوى في المنطقة الا ان هذا لا ينفي وجود عواقب محتملة للانقلاب منها.
* زيادة الصراع في المنطقة: قد يؤدي الانقلاب إلى زيادة الصراع في المنطقة ، حيث قد تحاول الجماعات المسلحة غير الحكومية الاستفادة من الفوضى.
* تدهور الوضع الاقتصادي: قد يؤدي الانقلاب إلى تدهور الوضع الاقتصادي في النيجر، حيث قد يحجم المستثمرون عن الاستثمار في البلاد بسبب عدم الاستقرار.
* تفاقم أزمة اللاجئين: قد يؤدي الانقلاب إلى تفاقم أزمة اللاجئين في المنطقة، حيث قد يضطر النيجيريون إلى الفرار من البلاد بسبب العنف.
شكل انقلاب النيجر حدثًا مفاجئًا وغير متوقع، لكنه يعكس تغير المشهد الجيوسياسي في إفريقيا حيث أصبحت روسيا تطمح أن تعزز نفوذها في القارة، وبدأت في تحدي هيمنة الغرب مستغلة العداء التاريخي لشعوب القارة لبلدان الغرب في مقدمتهم فرنسا والولايات المتحدة الا أنه من السابق لأوانه معرفة تأثير الانقلاب على النيجر والمنطقة، لكن من الواضح أنه سيؤدي إلى تغيير كبير في ميزان القوى في المنطقة.