روسيا – أمريكا.. حرب عالمية ثالثة بالوكالة رغم محاولة الحجب و الإنكار!

ربما لم يلاحظ أحد خاصة أولئك الذين لا يهتمون بأصغر التفاصيل التي لا يمكن التقاطها و رؤيتها بالعين المجردة و الإحساس المتبلد أن الحرب العالمية الثالثة قد ألقت أخيرا بظلالها على العالم.

بدأت هذه الحرب صغيرة جدا، حتى أن المحللين السياسيين، و ربما بعض قادة الجيوش و أهم المسؤولين لم يتفطنوا لبداية هذه الملحمة، و هذا يعود لأسباب متعلقة بسوء التقدير، و استسهال المسائل إلى درجة تتفيهها، فالكثيرين كانوا يعتقدون بأن الجيش الروسي كان قويًا جدًا وأن اقتصاده كان ضعيفًا جدًا، وكنا نظن أن أوكرانيا سوف تُسحق عسكريًا، وأن الغرب سيسحق روسيا اقتصاديًا.

فهل حدثت هذه الظنون؟ طبعا لا.. إذ تمكنت أوكرانيا من الصمود عسكريا، في حين بقي الإقتصاد الروسي قويا لم تقدر أعتى العقوبات الغربية على زعزعته و لو مثقال ذرة.

* العظمة الروسية تجذب الصين.. و الغرب في ظهر الأوكران

لا ينفك الروبل الروسي يرتفع إزاء كل من الدولار و اليورو، و هذا ما يفضح سوء الفهم الذي وقع فيه الجميع، ثم إن هذه الحرب التي كانت في بدايتها محدودة جدا، أخذت في التوسع و الاستشراء شيئا فشيئا إلى أن طالت العالم كله على الأقل اقتصاديا، و قريبا جدا ربما ستجد كل دولة نفسها مجبرة غصبا و قهرا على الإنحياز لطرف بعينه، حيث لن يكون الحياد خيارا مطروحا بالمرة، و في هذا السياق نجد أنفسنا أمام معسكرين:

1- المعسكر الغربي الداعم لأوكرانيا ممثلا في كل القوى الغربية متراصة و متكتلة.

2- المعسكر الروسي المدعوم بقوة من قبل الصين.

بطبيعة الحال هذا فقط ما طفا إلى السطح من هذه التشكلات الدولية الجديدة، و لكن ما خفي كان أشد و أعظم، إذ يُجمِع الكثيرون على أن هذه المعسكرات لها ما لها من المؤيدين الذي لا يزالون محافظين على سمة العمل و الدعم في الخفاء، و يبدو أنهم أجّلُوا الظهور و البروز بشكل علني إلى وقت لاحق.

* موقع الدول العربية من التكتلات الجديدة

تنقسم المواقف الرسمية للدول العربية إلى ثلاث مجموعات:

1- دول أيدت الغزو الروسي وحاولت تبريره، من بينها دولة واحدة هي سوريا.

2- دول انحازت إلى موقف الدول الغربية المندد بالحرب على أوكرانيا.

3- دول التزمت بموقف الحياد.

بالرغم من ارتباط الدول الست الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي بشراكة قوية بالولايات المتحدة، فإنّ تلك الدول تبنت موقفين مختلفين، موقف التزم الحياد تجاه الصراع، وموقف انحاز إلى الغرب، و هذا ما يبين من جديد أن العرب غير متفقين حتى و إن كانوا أجوارا و أشقاء متلاصقين.

من جهة أخرى صوتت 15 دولة عربية لصالح قرار يدين الغزو الروسي، ويطالب موسكو بسحب قواتها من أوكرانيا. وامتنعت ثلاث حكومات عربية عن التصويت، هي الجزائر والسودان والعراق، وعارضت القرار سوريا، فيما غاب المغرب عن جلسة التصويت.

* هل دخل الغرب في حرب رسمية ضد روسيا؟

إن أي دولة أوروبية أو غربية تحاول تفنيد حقيقة دخولها في حرب غير مباشرة ضد الروس فهي واهية، لأن هذه الدول مجتمعة تزود أوكرانيا بالسلاح، و بالتالي هي تقتل الروس بشكل غير مباشر بأسلحة غربية و أيادٍ أوكرانيّة!

و تأتي المساعدات الأوروبية الموجهة نحو أوكرانيا عموما لأسباب اقتصادية بالأساس، خاصة و أن هذه الحرب أشعلت فتيل التضخم في كامل أوروبا التي أصبحت تتسول الطاقة و ربما في القريب العاجل الغذاء.

* الحرب الروسية على أوكرانيا في عيون فلاديمير بوتين

استولت قوات الناتو على الجيش الأوكراني منذ سنة 2014، و هو ما يجعل من أوكرانيا عضوًا في الناتو.

في المقابل كان الروس غير موافقين على عضوية أوكرانيا في الناتو.

لذا فإن الروس كما قال بوتين في اليوم السابق للهجوم كانوا يشنون حربًا دفاعية ووقائية من وجهة نظرهم.

هذا و يرى بعض المحللين أن ألمانيا وفرنسا أصبحتا شريكتين ثانويتين في الناتو، ولم تكونا على علم بما كان يحصل على المستوى العسكري في أوكرانيا. لذلك جرى انتقاد السذاجة الفرنسية الألمانية لأنهما لم تصدقا احتمالية الغزو الروسي، وذلك لأنهما لم تعرفا أن الأمريكيين والبريطانيين والبولنديين يمكن أن يسمحوا لأوكرانيا بأن تكون قادرة على إشعال حرب أوسع، خاصّة و أنّ المحور الأساسي لحلف الناتو اليوم هو: واشنطن – لندن – وارسو – كييف.

يرى الأمريكيون أنهم قادرون على فعل ما يريدون لأنهم آمنون و بعيدون، و لن يحدث لهم شيء على الإطلاق.

و لكن هناك واقع آخر يفرض نفسه على الجميع، و هو أن أمريكا هشة حيث تدفع مرونة الاقتصاد الروسي النظامَ الإمبرياليَّ الأمريكي نحو الهاوية، إذ لم يتوقع أحد أن يقف الاقتصاد الروسي في وجه القوة الاقتصادية للناتو، بما في ذلك الروس أنفسهم الذين لم يتوقعوا ذلك.

* هل يمكن أن ينهار الجيش الروسي أمام التكتلات الدولية المساندة لأوكرانيا؟

ربما مر الجيش الروسي بلحظات ضعف، أوّلتها بقية الأطراف على أنها إمكانية لانهيار الروس، و ربما انتهاء الحرب بشكل مبكر، و لكن هذه الحالة لم تدم طويلا، بل مرت بلمح البصر دون أن يطول بقاؤها، فالرّوس قد استعادوا توازنهم ضمن حالة الحرب بشكل سريع جدا.

تستمد روسيا قوتها من رئيسها الحالي فلاديمير بوتين، الذي تمكن في العشرية الأولى من هذا القرن من إعادة روسيا قاطبة إلى الحياة من جديد، و كأنها قبله كانت في حالة موت أو سبات ثمّ بمجرد ظهوره بُعِثَت من جديد.. هذا و كانت سنوات التسعينيات حقبة معاناة غير مسبوقة لروسيا، فيما شكلت العشرية التي تلتها عودة إلى الوضع الطبيعي، حيث تحسنت مستويات المعيشة، و انخفضت حالات الإنتحار، و انخفض معدل وفيات الرضع ليتجاوز في إيجابيته الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

يشن بوتين و الشعب الروسي حربا دفاعية، الغرض منها الحفاظ على الإستقرار الإجتماعي الذي تمكنت روسيا من تحقيقه بعد وابل من الإنتكاسات.. و يعد الإستعداد الإقتصادي الجيد لروسيا أهم و أقوى أسلحتها ضد ما تسميه بالغرب الجماعي أو الولايات المتحدة و أتباعها.

إذن يبدو أن روسيا تسعى بكل ما أوتيت من قوة للإطاحة بالاقتصادات الأوروبية.

من الأقوى روسيا أم أمريكا؟

من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد تراجعا على المدى الطويل، في حين لا تنفك روسيا تستعيد قوتها يوما بعد يوم.

كتب وزير الشؤون الخارجية الهندي “سوبرامانيام جايشانكار” كتابا بعنوان «الطريق الهندية» نشره قبل الحرب مباشرة.

و تحدث جايشانكار في كتابه عن الضعف الأمريكي.. ويرى أن المواجهة بين الصين و الولايات المتحدة لن تخرج بمنتصر، ولكنها ستعطي مساحة لدولة مثل الهند والعديد من الدول الأخرى.

و لكي نفهم القوة الروسية إزاء الضعف الأمريكي لا بد لنا من العودة إلى الإقتصاد الحقيقي، الذي يمكننا من الإطلاع على الثروة الحقيقية للبلدان، و عليه كانت أولى العقوبات الكبيرة التي سلطت على روسيا في سنة 2014، و هنا حدثت المفاجأة التي لم تكن في الحسبان، إذ تمكنت روسيا من زيادة إنتاجها من القمح من 40 مليون طن إلى 90 مليون طن في 2020.

بينما انخفض إنتاج القمح الأمريكي بين عامي 1980 و2020، من 80 مليون طن إلى 40 مليون طن. كما أصبحت روسيا أكبر مُصَدّر لمحطات الطاقة النووية.

و في عام 2007 كشف الأمريكيون أن روسيا كانت تعاني من ضعف نووي، لدرجة أن الولايات المتحدة سيكون لديها قريبًا القدرة على توجيه الضربة الأولى ضد روسيا دون أن تستطيع الرد، و لكن الروس اليوم متفوقون نوويًا بصواريخهم التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

اثبتت الظروف و النكسات التي مرت بها روسيا أنها دولة قادرة على التكيف مع كل ما يعترضها من مطبات.

ثم إن الروس ركزوا مؤخرا و راهنوا على التعليم الجامعي، خاصة الهندسة التي يدرسها 25 في المئة، بما هي توجه يمكن خريجيه من العمل في القطاعين الصناعي و العسكري.

راهن فلاديمير بوتين على الصناعة و القوة العسكرية، فتمكن من صناعة جيل روسي ذكي و قوي.

إن هذا يؤكد بأن المستقبل قد يحمل في جعبته مفاجأة من العيار الثقيل تعود فيها روسيا للصدارة العالمية على حساب الأمريكيين.

برز الذكاء الروسي الحاد في التعويل على صناعة الأسلحة العادية الغير متطورة، بما هي خطوة تضمن الإستمرارية على المدى الطويل و عدم الإنكسار أو السقوط، خاصة و أن صناعة الأسلحة المتطورة بكثافة في خضم الحروب يتسبب ف تفقير الدول ثم انهيارها.

إن الصمود الروسي لا يعود فقط لقوة الجيش و السلاح.. و إنما تغذيه ثقافة العائلة، فالمجتمع الروسي بيّن أنه جد متماسك و متناسق، بل إن روسيا تقدم نفسها في الوقت الحاضر على أنها المثال و النموذج الذي لا بد من الاحتذاء به و السير على منواله، من خلال رسم صورة جِدّ إيجابية لدولة مناهضة للاستعمار، دولة تصب كل اهتمامها لتحافظ على الأعراف التقليدية، خاصة و أن الإنسان المعاصر أصبح يَحِنّ لكل ما هو قديم أصيل و كلاسيكي، بسبب ما تعيشه الانسانية من تطور سريع، و هنا يمكن لروسيا المُحَافِظَة أخلاقيا أن تكون نقطة جَاذِبَة و جَذّابَة لكل الأمم.

 

بلال بوعلي

Read Previous

هل إيقاف لزهر العكرمي نتيجة لشكوى صابر العجيلي؟؟

Read Next

الوزيرة السابقة للتجارة أمام القضاء

Most Popular