قانون مالية 2023.. هل تقفز تونس إلى بر الأمان؟

حوار حصري مع المستشـــار الجبـــائي محمّد الصّالح العيّـــــاري حول قانون المالية الجديد

بتاريخ 23 ديسمبر 2022 و في شكل مرسوم رئاسي، صدر قانون المالية لسنة 2023، و الملاحظ على مستوى كيفية إخراج هذا القانون أنه كان يمر من الحكومة إلى البرلمان ولجانه أين يُناقش ويتعرف عليه الإعلام والباحثون، ويتداولون حوله لأكثر من شهر بالنقد والاقتراح، ثم تتم المصادقة عليه في جلسة عامة، كأقصى حد يوم 10 ديسمبر كما كان ينص على ذلك دستور 2014.

لم يلق قانون المالية لسنة 2023 نفس هذا المسار، وتلقى التونسيون قانون المالية للسنة الجديدة على صفحات الرائد الرسمي بعد أن تمت المصادقة عليه من الرئيس قيس سعيّد.

ما نلاحظه في البداية أن القانون راضخ في عمقه لإملاءات صندوق النقد الدولي، و ذلك أملا في نيل تمويل الصندوق في بداية هذه السنة، و كأن الهدف الأساسي و الرئيسي من سَنّ قانون المالية هذه المرة هو تعبئة الأموال عن طريق إقرار حزمة من الضرائب الجديدة، بالإضافة لتقليص الأموال التي تصرف على الدعم، و من المنتظر أن تساهم هذه الإجراءات في تقليص عجز ميزانية الدولة من 7.7 في المئة إلى 5.5 في المئة. بهذا الشكل سيساهم ارتفاع المداخيل الجبائية و تراجع نفقات الدعم في الحد من عجز ميزانية الدولة و لو بشكل ضئيل.

و من أجل تغطية العجز الحالي لا بُدّ من اقتراض مبلغ مالي قدره 24.1 مليار دينار.

تطمح تونس من خلال هذه الإجراءات الصارمة و ربما القاسية على مواطنيها لتحقيق نسبة نمو اقتصادي بـ1.8 % خلال سنة 2023.

و في جميع الأحوال يظل الظرف الراهن الذي تمر به البلاد صعبا جدا لذلك لا مفر من اتخاذ جملة من التدابير التي قد يرى فيها البعض مظلمة كبيرة في حقهم كمواطنين لهم حقوقهم و حرياتهم التي لا يقدرون على العيش بدونها.

حوار حصري مع المستشــار الجبــائي و الأستــاذ الجــامــعي و عضـو المجلـس الوطـني للجبايـة محمّد الصّالح العيّــاري

1) يتكوّن قانون المالية من جزئين، جزء أوّل يخصّ ميزانية الدولة، و جزء ثاني يتعلّق بأهمّ الإجراءات الجبائية، فهل في إعتقادكم أنّ التوازنات المالية سيقع المحافظة عليها و نتمّكن من المحافظة على عجز ميزانية مقبول في 2023؟

في حقيقة الأمر، سيكون من الصّعب جدّا المحافظة على التوازنات المالية بعنوان ميزانية الدّولة لسنة 2023 و ذلك نظرا للإلتجاء إلى القروض الدّاخلية و خاصّة الخارجية بمبالغ هامّة في حدود:

– موارد الإقتراض الخارجي: 14.859 م د

– موارد الإقتراض الدّاخلي: 9.533 م د

و رغم أهمية المداخيل الجبائية التّي تقدّر بـــ 4.053 م د بالنّسبة لسنة 2023، إلاّ أنّ ميزانية الدّولة ستكون في حاجة ماسّة للإقتراض لتحقيق التّوازن المنشود، و حتّى في صورة الحصول على القروض المبرمجة ضمن ميزانية الدّولة لسنة 2023، فإنّ عجز الميزانية سيكون في حدود 8507 م د و ذلك دون الأخذ بعين الإعتبار للهبات و المصادرة، أي بنسبة 5,2%- من النّاتج المحلي الإجمالي.

2) حُدّدت حسب الأهداف نسبة نمو سنة 2023 بــــ1,8 في المائة فهل هذا الرقم قابل للتحقيق أم لا؟

إنّ تحديد نسبة النموّ بـــ 1,8% يؤكّد الصّعوبات الكبيرة التّي يمّر بها الإقتصاد التّونسي، بإعتبار أنّ هذه النّسبة متواضعة جدّا، و إذا كنّا نعرف أنّ النمّو بنسبة 1% يحقّق خلق مواطن شغل في حدود 20.000 موطن شغل على أقصى تقدير، فإنّ عدد مواطن الشّغل التّي من المنتظر إحداثها سوف لن يتجاوز 36.000 موطن شغل، في حين أنّ البطالة في صفوف حاملي الشهائد العليا تقدّر بحوالي 260.000 عاطل عن العمل.

و يبقى الأمل قائما في تحقيق نسبة 1,8% و ذلك أضعف الإيمان.

3) هل الإجراءات المُتّخَذَة في قانون 2023 سَتَحُدّ من ظاهرة التهرب الجبائي؟

مبدئيا، هناك بعض الإجراءات التّي ستساهم في التّقليص من ظاهرة التّهرب الضّريبي و التّي تتعلّق أساسا بـــــ:

* توظيف خطية تساوي 20% من المبالغ التّي تساوي أو تفوق 5000 دينار و المدفوعة نقدا عوضا عن:

– عدم قبول طرح الأداء على القيمة المضافة الموّظف على البضائع و الخدمات و الأملاك.

– و كذلك الأعباء و إستهلاكات الأصول التّي تساوي أو تفوق كلفتها المبلغ المذكور و التّي يتمّ خلاص مقابلها نقدا.

* إحداث تسبقة في حدود 5% تتمثّل في:

– إخضاع عمليات بيع الخمور و الجعة و المشروبات الكحولية من قبل مصنّعي و معبئي هذه المنتجات لدفع تسبقة قابلة للطّرح من الضريبة على الدّخل أو من الضريبة على الشّركات بنسبة 5%.

– و تحتسب التّسبقة سالفة الذّكر على المبلغ المضمّن بالفاتورة بإعتبار كلّ الأداءات.

4) ما رأيكم في الإعلان الذّي سبق قانون المالية، و المتعلّق بالحدّ من ظاهرة النظام التقديري؟

يعتبر النّظام التّقديري الحلقة الضّعيفة في النّظام الجبائي التّونسي بإعتبار أنّ مساهمة الأشخاص المنضوين تحت هذا النّظام لا يساهمون إلاّ بمقدار 60 م د سنويا أي في حدود معدّل سنوي لا يتجاوز 150 دينار للفرد الواحد.

و لعلّ الإجراء الذّي إقترحته شخصيا ضمن أعمال المجلس الوطني للجباية، و المتمثّل في إرساء نظام تقديري إختياري، يتمّ بمقتضاه دفع مبلغ 2000 دينار سنويا سيساعد على تحقيق هدفين أساسيين و هما:

– مداخيل جبائية إضافية في حدود 400 م د في صورة إختيار هذا النّظام من قبل حوالي 200.000 شخص.

– مع إبقاء هؤلاء الأشخاص في النّظام التّقديري، لأنّ إدارة الجباية لا يمكنها مراقبة العدد الهائل من الأشخاص الذّين سيقع إدراجهم ضمن النّظام الحقيقي و ذلك نظرا للعدد الضعيف لأعوان المراقبة الجبائية الذّي لا يتجاوز حدود 1.700 عون.

5) ما هي أهمّ الإجراءات التّي ترون أنّها ستدعم المؤسّسة التّونسية؟

أهمّ الإجراءات التّي يمكنها دعم المؤسّسة التّونسية تتمثّل أساسا في:

  • التّخفيض في نسب الأداءات.

  • تبسيط الإجراءات الجبائية.

  • حذف التّراخيص و الإكتفاء بقائمة سلبية و ذلك لتحرير المبادرة الإقتصادية.

  • توسيع مجال المراجعات الجبائية لتشمل أكثر عدد ممكن من المطالبين بالضّريبة، الذّين لا يقومون بواجبهم الجبائي، حتّى يتسّنى التّخفيف من العبء الجبائي و إرساء عدالة جبائية حقيقية.

فرضية رفع الدعم و تساؤلات حول كيفية توجيهه لمستحقيه

من أجل عيون صندوق النقد الدولي، و السعي بكل السبل لنيل قرض ال1.9 مليار دينار يبدو أن الحكومة التونسية قد استقر الرأي لديها على رفع الدعم، و تأتي هذه الخطوة بصفة تدريجية خوفا على مشاعر التونسي و مراعاة لقدرته الشرائية التي تكاد تلامس القاع.

تمثل بداية السنة الجديدة موعدا ضربته تونس للشروع في تنفيذ خطة الإصلاحات، التي تعتمد أساسا على رفع الدعم على كل التونسيين، و توجيهه من جديد فقط نحو من يستحقه من ضعاف الحال و الدخل، أما عن كيفية التوجيه و آلياته فلا تزال هذه النقطة عمياء، و لكن من المزمع أن يتم إنشاء منصة إلكترونية تستند لقاعدة بيانات تحتوي على الحالة الاجتماعية لكل مواطن تونسي بدقة، حيث سيتم تحديد هؤلاء و تسجيلهم، ثم تمتيعهم بتحويلات مالية لتعويض الدعم الذي سيتم رفعه، و بهذه الطريقة سيجد التونسي نفسه مسنودا بمبالغ مالية تساعده على مقاومة غلاء المعيشة المنجر عن رفع الدعم.

و كانت وزيرة المالية السابقة قد أكدت في تصريحات لها بأن المنصة ستكون جاهزة منذ سنة 2022 و سيكون التسجيل متاحا لكل مواطن ابتداء من شهر نوفمبر لكن ذلك لم يحدث، و لا يزال الدعم إلى يومنا هذا قائما رغم ما تشهده مختلف المواد من ارتفاع مشط في الأسعار، بل إن بعض المواد كالسكر و الزيت و الحليب أصبحت نادرة الوجود، إلى درجة أن التونسي أصبح يطالب بتوفير هذه المواد مقابل رفع الدعم عنها كليا.

هل ينجح قانون المالية الجديد في تحقيق الإستقرار المنشود؟

أخذا للإعتبار لما تمر به البلاد اليوم من مصاعب، و ما هو متخلد في ذمتها من قروض تدين بها لأطراف خارجية و أيضا داخلية، و رغم أهمية المداخيل الجبائية التّي أشار لها و وضّحها السيد محمد صالح العياري، إلاّ أنّ عجز الميزانية سيتواصل.

و مواطن الشغل في سنة 2023 ستكون محدودة جدا، و ربما نادرة.

هذا و يتواصل تفاقم ظاهرة البطالة في صفوف أصحاب الشهائد العليا.

كل هذه المعطيات تشير إلى أن الأزمة متواصلة على أمل أن تكون أقل حِدّة، أما الإنفراج التام و الكُلّي فلا يزال صعب التحقيق، فالأزمة في عُمقِهَا ليست محلية بَحتة، و إنّما ترتبط أيضا بالتحوّلات العميقة التي يشهدها العالم ككل.

 بلال بوعلي

Read Previous

المهنيون في النقل الداخلي السريع للطرود والبضائع : المشاكل لا تحصى لكن متى تأتي الحلول؟

Read Next

لطفي المرايحي بين السياسي و الكاتِب و عقل الدّكتُور الذي ينشد الإصلاح و الصّلاح

Most Popular