لا تزال قضية النفايات الإيطالية رغم انكشافها و انفضاح أمرها مثيرة للجدل.. وكلما تبادر إلينا أن هذه المسألة قد انتهت إلا و فوجئنا بها تعود للحياة من جديد، فالمتورطون في هذه المؤامرة الدنيئة ضد البلاد و شعبها كثيرون، و أغلبهم ممن يتبوؤون مراكزا حساسة سمحت لهم باستغلال مناصبهم لأغراض شخصية بحتة لا تصب في صالح أحد سواهم.
ما جَدّ في القضية مؤخرا هو صدور الأحكام القضائية في حق المتهمين، كما لا تفوتنا النزعة الإنسانية في هذه القضية من خلال تسليط الضوء على جملة الأحكام القاسية في حق كل من مصطفى العروي و البشير يحي.
و لإيضاح الصورة بشكل جيد آثرنا أن ننقل مجمل مستجدات قضية النفايات فيما يتعلق بجانبها القضائي.
في ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء 4 جانفي 2022، قضت الدائرة الجنائية الرّابعة بالمحكمة الابتدائية بتونس بالحكم 3 سنـوات سجنًا في حق 4 موقوفين، وبالحكم 10 سنوات لإطار في الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، و 15 سنة في حق صاحب شركة سوربلاست.
كما حكمت المحكمة بعدم سماع الدعوى في حق 5 إطارات من الديوانة في ما يعرف بملف النفايات الايطالية.
ولفتت القضية الانتباه إلى الأحكام القاسية التي صدرت في حق وزير البيئة السابق مصطفى العروي والمدير العام السابق للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات البشير يحي، وسبق أن أصدرت محكمة التعقيب بتاريخ 24 ديسمبر 2021 قرارا بالنقض والاحالة، على قرار دائرة الاتهام بسوسة القاضي بإحالة المتهمين على أنظار الدائرة الجنائية من أجل تهم تعلقت باستخلاص موظف عمومي أو شبهه لصفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها سواء لنفسه أو لغيره، و التوريد الممنوع لبضاعة محجرة، وتكوين وفاق بغاية الاعتداء على الأشخاص والأملاك.
وحتى نتبيّن خلفية هذه الأحكام، علينا أن نتعرف على أطوارها وما تخللها من أحداث:
تعود أولى أحداث هذا الملف الغامض و المثير للجدل إلى سنة 2020 و تحديدا في شهر جويلية، و لا تزال هذه القصة مستمرة إلى يومنا هذا.
بدأت التساؤلات الفعلية و الحقيقية بتاريخ 20 جانفي 2021، إذ صادف هذا الميعاد انتهاء الآجال القانونية لإرجاع النفايات نحو إيطاليا البلد المصدر، و من هنا بدأت القصة في التضخم، و حتى الأبله أو غير المهتم بمثل هذه الشؤون، يتساءل عن أسباب عدم استعادة الإيطاليين لنفاياتهم الخطيرة؟
هي ليست مجرد نفايات أو قضية كلاسيكية يمكن حلها بجرة قلم أو بعض الجلسات في دور المحاكم، فالأمر متعلق بنفايات خطيرة و سامة، تم توريدها بكميات ضخمة جدا، إذ استقبلت تونس من بوابة ميناء سوسة 212 حاوية، بالإضافة لـ70 حاوية رابضة بمستودعات شركة “سوريبلاست” المستوردة لهذه النفايات.
تحولت هذه القضية لقضية رأي عام، إذ أصبحت موضوعا حارقا تتناقله كل الألسن، فالأمر متعلق بفضيحة بيئية قد تتحول إلى كارثة تصعب السيطرة عليها.
*هيئة الرقابة العامة للماليّة: الديوانة تخاذلت في تفحّص النفايات الإيطاليّة
ورد في تقرير هيئة الرقابة العامة للمالية عدم بذل مصالح الديوانة للعنايات الممكنة عند وصول شحنات النفايات الواردة لفائدة شركة سوربلاست، حيث لم يقع التثبت بالكيفية اللازمة من دلالة صنف النفايات المسجل على الوثائق المصاحبة للحاويات وبالملصقات على الإطار الخارجي للحاويات والظاهر للعيان والذي يقابله الرمز Y46 حسب اتفاقية بازل، وعدم السعي للحصول على وثائق شحن النفايات عبر الحدود بمناسبة وصول شحنات النفايات إلى ميناء سوسة والمصاحبة بالضرورة لأي شحنة نفايات وذلك على معنى الفصل الرابع (الفقرة7) من اتفاقية بازل، وعدم مطالبة المصرّح بتقديم وثائق اضافية خلافا لما جاء بالفصل 119 من مجلة الديوانة والاذن ببدء تسريح 70 حاوية في ظرف ربع ساعة من توصل المصالح الديوانية ممثلة في شخص رئيسة مكتب المؤسسات المصدرة ر.ح عبر بريد الكتروني شخصي صادر عن جهة ليست لها الصفة القانونية لتمثيل الوكالة، والتي من المستحيل قبولها عبر منظومة سندا للديوانة التونسية.
* أطوار القصة
استقبل ميناء مدينة سوسة التجاري يوم 26 ماي 2020 شحنة بحريّة قادمة من مدينة ساليرنو الإيطالية.
و كانت السفينة المشؤومة محملة بـ70 حاوية مملوءة بما يقارب 2000 طنّا من النّفايات.
تلتها بعد ذلك شحنات أخرى تواصل ضخها إلى غاية موفّى شهر جويلية.
وإجمالاً لدينا ما يقارب 7900 طنّا من النّفايات التي شقّت طريقها إلى سوسة موزّعة على 282 حاوية.
و تم إيلاج النفايات الإيطالية إلى أرض الوطن عن طريق 4 بعثات بحرية:
1- دخول 70 حاوية بتاريخ 26 ماي 2020، وقع نقل 69 منها إلى مستودع موردين بمساكن، أما الحاوية المتبقية فتم توجيهها نحو المنطقة الصناعية سيدي عبد الحميد بسوسة.
2- قدوم 70 حاوية بتاريخ 22 جوان 2020.
3- توريد 72 حاوية في 28 جوان 2020.
4- و أخيرا جلب 70 حاوية في 23 جويلية 2020.
– الأطراف المشاركة في العملية
تعتبر هذه العملية في عمقها شائكة و متشعبة إلى أقصى الحدود، إذ لا يقف وراءها شخص أو طرف أو جهة واحدة، فالأمر متعلق بالشّركة الإيطاليّة “سفيلوبو ريسورزي آمبيانتالي” (Sviluppo Risorse Ambientali Srl SRA)، المختصّة في تثمين النّفايات وإتلافها، بالإضافة إلى “سوريبلاست” (SOREPLAST Suarl) وهي شركة تونسيّة غير مقيمة (مصدّرة كلّيّا) تنشط في قطاع رسكلة النّفايات البلاستيكيّة.
اقتصر الأمر في البداية على قبول نوعية نفايات غير مضرة بالبيئة، و لا تشكل أي خطر على حياة الإنسان، إذ حرصت شركة “سوريبلاست” على أن تؤكد بأنها قد استوردت فضلات بلاستيكيّة موجّهة للفرز و الرّسكلة و إعادة التّصدير إلى الخارج.
و لكن هي في حقيقة الأمر نفايات منزليّة حضريّة خطيرة، تمّ تجميعها في ضواحي مدينة نابولي.
و الأمر برمّته لا يعدو كونه اتّجارا غير قانوني بالنّفايات المنزليّة.
* حبك المؤامرة: البداية و النهاية
بدأت هذه المؤامرة عن طريق عقد لقاء أولي بين طرفين اساسيين في هذه القضية، إذ التقى ممثّلو الشّركة الإيطاليّة “أس أر أي” بمحمّد المنصف نور الدّين، مسيّر شركة “سوريبلاست”، في “بولا” وهي بلدة إيطاليّة صغيرة. و قام الطّرفان بإبرام عقد في 30 سبتمبر 2019، و هو عبارة عن صفقة تتعلّق باستعادة النّفايات المنزليّة (من صنف 19.12.12) قصد تثمينها.
تبدو هذه الصفقة في ظاهرها غاية في البساطة، بل إنها تصب في صالح الدولة التونسية، إذ ستعود عليها بمرابيح مالية هامة، و يتمثل دور شركة “أس أر أي” في القيام بعملية فرز أوّلي للنّفايات الحضريّة التي يقع تجميعها في المناطق المحاذية لمدينة نابولي.
ثمّ تقوم بنقلها إلى مصانع شركة “سوريبلاست” المنتصبة في تونس حيث يتم فرزها مرة ثانية ثم رسكلتها.
و بما أن الشركة التونسية مصدرة كليا تتعهد في مرحلة العقد الأخيرة بإعادة تصدير النّفايات التي تمّت معالجتها مرة أخرى لإيطاليا.
إذن هي صفقة تجارية عادية كأي صفقة روتينية بين شركتين، و العقد الممضى بين الطرفين الإيطالي و التونسي لا يحتوي على ما يدعو للشك في هذه العملية ككل، خاصة و أن الطرف الإيطالي اعتاد على عقد صفقات مع العديد من الدول قصد معالجة النفايات الحضرية، ثم تتم استعادة تلك المواد بعد معالجتها.
و فيما يتعلق بالعقد الذي تم إمضاؤه مع الطرف التونسي، فينص على خلاص الشّركة التّونسيّة بمبلغ قدره 52 يورو عن كلّ طنّ من النّفايات يتم إرساله إلى تونس.
بالإضافة إلى 85 يورو يتم توظيفها على كل طن تتم معالجته.
– تاريخ مغادرة النفايات و موعد وصولها إلى البر التونسي
بتاريخ 22 ماي غادرت أوّل شحنة نفايات مدينةَ ساليرنو، ثم دخلت الشحنة ميناء سوسة التجاري فقط بعد 4 أيام.
و لكن عملية إيلاج هذه النفايات لم تتم بطريقة مباشرة، إذ بقيت عالقة في الميناء طيلة ثلاثة أسابيع بأكملها، قبل أن يبدأ أخيرًا تسريحها يوم 09 جوان.
تلقت الديوانة التونسية تصريحا يفيد بأن هذه الشحنة عبارة عن نفايات بلاستيكيّة ما بعد التّصنيع، لتتم معاينتها من قبل الملازم بالدّيوانة المكلّف بملفّ “سوريبلاست” في مستودعات التّخزين.
وأفاد هذا الأخير أنّ انبثاق رائحة كريهة كان قد لفت انتباهه، كما أنّه لاحظ وجود “قطع مختلفة من البلاستيك والأتربة والأخشاب والأقمشة…” عند فتح الحاويات، ليتّضح بذلك أنّها نفايات منزليّة.
إذن يبدو أن المواد التي استقبلها ميناء سوسة هي نفايات غير قابلة لإعادة الرسكلة، و العملية في عمقها تحيل و خداع، إذ تم جلب هذه النفايات لتدفن في تونس و لا تغادر ترابها.
قليلون هم الأشخاص الذين تمكنوا من معاينة النفايات الإيطالية عن قرب و اطلعوا على مكوناتها.. و من بين هؤلاء بعض الناشطين البيئيين، الذين اكدوا بأنها مزيج مختلف يتألف من قطع جوارب و أحذية و ورق مقوّى و علب ألمنيوم و لعب و أقمشة… و اللافت للنظر أن كل شيء كان بصدد التّحلّل.
بعد معاينة النفايات، تبين أنه من المستحيل تثمينها، و لا حل للتخلص منها سوى عن طريق حرقها، و لكن تونس لا تملك محرقة لهذا النوع الخطير من النفايات! و هذا ما أكده و بينه “عبد الرّزاق المرزوقي” المسؤول عن احترام تطبيق اتّفاقيّة بازل التي تنظّم التّحكم في نقل النّفايات الخطرة والتّخلص منها عبر الحدود صلب وزارة البيئة التّونسيّة.
* خفايا و حقيقة عملية التصدير
تعمد محامي شركة سوريبلاست و شقيق صاحبها “مهدي نور الدين” مغالطة جميع الأطراف المتداخلة في هذه القضية، و قد صرح أن النفايات القادمة من إيطاليا هي نفايات بلاستيكية قابلة للرسكلة.
و لا يوجد بالتالي أي مانع قانوني من قبولها، حسب جميع محاضر البحث و الإستنطاق للأطراف المتورطة في هذا الملف.
و في الحقيقة هي نفايات منزلية مجمعة، يمنع استيرادها منعًا باتًا حسب اللائحة الترتيبية للاتحاد الأوروبي عــدد 1013 لسنة 2006 في التصنيف الوارد بالملحق عـدد02 من اتفاقية بـازل « معاهدة دولية تم إبرامهـا للحد من تحرّك النفايات الخطرة من البلدان المتقدمة الى البلدان الأقل نموا. »
الإتفاقية جملة لم تستجب في اجراءاتها لاتفاقيتي بازل و بامكو، و هما اتفاقيتين تحتويان على التشاريع القانونية المتعلقة بعمليات نقل النفايات الخطرة والتّخلّص منها عبر الحدود.
* كيف و أين تم إيداع النفايات – و هي بالأطنان – التي جلبتها شركة سوريبلاست؟
كمية هائلة من النفايات بطبيعة الحال لا يمكن تخزينها في مستودع متوسط الحجم، و ربما أيضا لا يمكن لشركة سوريبلاست التي استوردت أطنانا من السموم القاتلة أن تخزنها في أماكن معلومة.
إذن ليس هناك طريقة لتخزين هذه المواد سوى عن طريق اللجوء للمرة الألف إلى الحيلة.
أولا لا بد أن نشير إلى أنه من الصعوبة بما كان تحديد مكان الشركة، التي يفترض بمقرها أن يكون على مقربة من ميناء سوسة، و في الواقع لا تملك الشركة هناك سوى مجرد مكتب و مستودع لا يسع كمية ال2000 طن من النفايات.
فأين إذن وارت الشركة سوءتها و فعلتها الفاضحة؟
يبدو أنه لإخفاء هذه النفايات عن العيون المترصدة، اختارت الشركة منطقة “موردين” الواقعة على بعد 15 كيلومترا من مدينة سوسة، و هي مكان يكاد يكون مثاليا لإخفاء النفايات، فالقرية متواضعة جدا و متناهية الصغر، و لكن رغم ذلك تمكن متساكنو هذه القرية من رؤية “حاويات زرقاء تمرّ خلال قريتهم، إذ كان هناك الكثير منها”، و ذلك حسب العديد من الشّهادات. و كانت هذه الحاويات مغلقة بإحكام ومخزّنة في مستودع فولاذي ضخم واقع في مخرج القرية.
و يقع على مقربة من هذا المستودع مبنى حديث التّشييد يحمل لافتة خُطّ عليها “سوريبلاست – شركة خاضعة للرّقابة الدّيوانيّة”.
و يشير غياب النّوافذ و وجود بقايا موادّ بناء إلى أنّ الشّركة لم تنتصب في الموردين إلّا مؤخّرًا.
إن عدم امتلاك الشركة لآليات رسكلة و تثمين مثل هذه النفايات، يؤكد لنا جليا بأنها سوف تقوم بطمرها في مصب سوسة، لذلك لجأت الشركة لتخزين النفايات في مخزن قريب شيئا ما من هذا المصب.
و لتأكيد ذلك أبرمت الشركة اتّفاقيّة في فيفري 2020 بينها و بين الوكالة الوطنيّة للتّصرّف في النّفايات.
تسمح هذه الإتفاقيّة للشّركة بالنّفاذ إلى مصبّ سوسة لإيداع الجزء غير القابل للرّسكلة من نفاياتها.
وفي وثيقة موجّهة إلى الشّركة الإيطاليّة بتاريخ 16 جويلية، صرّحت شركة “سوريبلاست” بأنّها عالجت بالفعل أوّل 1900 طنّا من النّفايات المتعلّقة بالشّحنة الأولى التي وصلت تونس في 26 ماي 2020.
وفقًا لهذا التّصريح تمّت استعادة 1840 طنًا من النّفايات في حين تمّ إلقاء 129 طناً أخرى غير قابلة للتّثمين بمصبّ سوسة. غير أنّ مصدرا تابعا لمصبّ سوسة نفى وجود أيّ أثر لهذه النّفايات.
في شهر نوفمبر من سنة 2020 طفت هذه القضية إلى السطح و أصبحت حديث الكل، لتطالب الدولة التونسية على اثر هذا رسميا بإرجاع النّفايات إلى إيطاليا، و لكن بقيت النفايات الإيطالية في تونس، لأن الشركة الإيطالية رفضت استعادة النفايات ما لم يتم تعويضها من قبل الطرف التونسي أو الإيطالي.
وفي 2 فيفري 2021 قضت المحكمة الإداريّة التّابعة لمقاطعة كامبانيا برفض دعوى شركة “أس أر أي” لإبطال الحكم.
* دور الديوانة التونسية في إيلاج النفايات الإيطالية إلى أرض الوطن
في 26 ماي 2020 تقدم ممثل شركة “سوربلاست” الموردة للنفايات “محمد المنصف نور الدين” قصد تسريح شاحنات من المواد الأولية متمثلة في فضلات بلاستيكية حسب ما ذكرته مديرة المؤسسات المصدرة بإدارة الديوانة ر.ع.ح قبول حاويات النفايات من قبل مصالح الديوانة كان بتاريخ 24 أفريل 2020 ثم تسريحها بتاريخ 09 جوان 2020 وفق المراسلات المثبتة لذلك دون علم أو اذن وزارة البيئة بصفتها الجهة المختصة في الأمر و ذلك في خرق واضح للقانون.
بين قبول مصالح الديوانة لحاويات النفايات و تسريحها و بالتحديد يوم 31 ماي 2020 تم إعفاء مراقب عام الحرس الديواني و مراقب عام الإدارات الجهوية الذين بوجودهما كان من المستحيل أن يقع السماح بتوريد كميات النفايات المذكورة خاصة بوجود 04 مذكرات و لوائح تمنع منعًا باتًا توريد النفايات بنوعيها المنزلية و البلاستيكية، وبعد ابعاد هذه القيادات بحوالي أسبوع بتاريخ 24 ماي 2020 بدأت عملية توريد و انزال حاويات النفايات وذلك بإذن من العميد ر.ع.ح مديرة المؤسسات المصدرة بعد ما تمت ترقيتها و المدير الجهوي السابق بسوسة ه.م الى مراقبين عامين للديوانة بمناسبة ازاحة المراقبين العامين السابقين بقرار احالة على التقاعد الوجوبي “لا تبرير له” و هو ما يثير شبهة فعلية حول تعمد هذه العملية الاقصائية التي أريد بها فتح الطريق لدخول النفايات الإيطالية دون علم أو اذن وزارة البيئة بصفتها الجهة المختصة في الأمر؟؟
– ما علاقة الوزير مصطفى العروي بالتفاصيل السالف ذكرها؟
هل كان له دور في تسريح الحاويات؟
في ماي 2020 وردت مكالمة هاتفية على مصطفى العروي لمّا كان يشغل مكلف بمهمة بوزارة الشؤون المحلية و البيئة من شقيق المتهم الرئيسي في القضية و محامي شركة “سوربلاست” الموردة للنفايات طالبًا منه النظر في امكانية مقابلة وزير البيئة السابق شكري بن حسن ليطرح عليه موضوع تعطل نشاط الشركة ‘التي تنشط في ميدان رسكلة النفايات البلاستيكية المتأتية من الانشطة الصناعية’ و كان في ذلك الوقت مدير ديوان الوزير ح.ش و الوزير السابق شكري بن حسن على علم بوضعية الشركة.
و في جوان 2020 اتصل المهدي نور الدين محامي الشركة مرة ثانية ليعلمه أنه التقى وزير البيئة و الشؤون المحلية شكري بن حسن و أن الشركة تعترضها بعض العراقيل و أنه قد أودع مطلبًا للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، كما أعاد الاتصال به هاتفيًا عدة مرات ليطرح عليه نفس الموضوع.
فهل بمحرّد اتصالات هاتفية من محامي الشركة لمصطفى العروي تكون سببًا لتوريطه في الملف؟
في 26 ماي 2020 تقدم ممثل شركة “سوربلاست” الموردة للنفايات محمد المنصف نور الدين قصد تسريح شاحنات من المواد الأولية متمثلة في فضلات بلاستيكية!! وصلت بذات التاريخ الى ميناء سوسة قادمة من مدينة سالريزو (مقاطعة كامبانيا الإيطالية) حسب ما ذكرته ر.ع.ح مديرة المؤسسات المصدرة بإدارة الديوانة في محظر الاستنطاق.
يذكر أن الدولة التونسية كانت قد أوقفت توريد النفايات البلاستيكية منذ سنة 2007 وهو ما نصت عليه اللائحة الترتيبية عدد 1418 بتاريخ 29 نوفمبر 2007 ، كذلك المذكرة الصادرة لمنع توريد النفايات البلاستيكية سنة 2019، إلا أن طلبه حظي بالرفض من طرف رئيس المكتب الجهوي للديوانة بسوسة س.ح و أمام اصرار المنصف نور الدين صاحب الشركة على طلبه، تم اعلام المصالح الجهوية بضرورة إيداع الشركة لتصريح ديواني مفصّل و استظهاره بما يفيد الهياكل المعنية بوزارة البيئة بتوريد مثل هذه الفضلات و قبولها بالبلاد التونسية و التي تم تحديد نوعها بفضلات بلاستيكية متأتية من التصنيع!! و بالتالي القانون يمنع توريدها حسب المذكرات و اللوائح ، مما يعني مخالفتها للقوانين التونسية و الاتفاقيات الدولية.
خلال فترة اشراف مصطفى العروي على وزارة الشؤون المحلية و البيئة و بعد بث برنامج « الحقائق الأربعة » على قناة الحوار التونسي و التعرض لنشاط لشركة »سوربلاست » المشبوهة، تولى العروي مباشرة من الغد إجراء بحث تفقد بالوزارة و بالمؤسسات التابعة لها للوقوف على مدى وجود تجاوزات تتعلق بالشركة المذكورة.
ما زاد في فضح هذه العملية أنه بعد اكتشافها بأسبوع واحد، قامت إحدى القنوات الفرنسية بعرض ربورتاج من جنوب إيطاليا، حيث تم التحدث عن هذه النفايات، و يقول الصحفي الذي قام بإنجاز هذا التحقيق، إن النفايات في إيطاليا (منطقة الجنوب تحديدا) تحت مسؤولية المافيا الإيطالية، مضيفا بأنه تم ابرام اتفاقية مع شركات تونسية قصد توريد هذه النفايات، علما و أن هذه الشركات لا تمثل الدولة أو السلطات التونسية الرسمية.
و ما حدث بعد وقوع هذه المصيبة، أن المحاكم الإيطالية ذات الاختصاص ساندت الطرف التونسي، بل و حكمت باستعادة الطرف الإيطالي لتلك النفايات.
* شهادة مدير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات “بشير يحيى” و فضحه لمؤامرة سوريبلاست
قال مدير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات “بشير يحيى” إن الشركة المستوردة للنفايات الإيطالية والمنتصبة في سوسة، غالطت الوكالة الوطنية لحماية المحيط، و ذلك بتقديمها دراسة حول إنجاز وحدة لرسكلة النفايات البلاستيكية، و بالفعل تحصلت على المصادقة في 2020.
وأضاف يحيى بتاريخ 4 نوفمبر 2020، أنه تم الترخيص لهذه الشركة على أساس رسكلة وتثمين وجمع ونقل ورسكلة النفايات البلاستيكيّة الصناعية، غير أن صاحب الشركة استورد نفايات في شهر جوان، وبعد إجراء التحاليل في المركز الوطني لتكنولوجيا البيئة، تبين أن هذه النفايات متأتية من نفايات منزلية ومختلطة مخالفة للترخيص الذي تحصّل عليه.
كما أشار مدير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، إلى أن المغالطة الثانية في التصريح الديواني باعتبارها نفايات بلاستيكية، لكن تبين فيما بعد أنها غير مطابقة للتصريح الديواني، و لما قدمه للوكالة الوطنية لحماية المحيط والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.
وأكّد يحيى أنه بعد استماع الإدارة العامة للديوانة في 8 جويلية لكل المصالح ذات العلاقة، ممثلين عن وزارة التجارة والصناعة والبيئة والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، تمّ الإجماع بإعادة كامل الكمية الموردة للبلد المصدر.
* نجاح وزير الخارجية عثمان الجرندي في اقناع الدولة الايطالية بضرورة رفع واسترجاع النفايات
تمّ ارجاع النفايات الى دولة المنشأ بعد قيام وزارة الخارجية بجهد دبلوماسي رفيع مع السلطات الإيطالية ونجاح الوزير عثمان الجرندي في اقناع الدولة الايطالية بضرورة رفع واسترجاع النفايات وهو ما تم بتاريخ 18 فيفري 2022، حيث غادرت باخرة ARKAS التابعة للناقلة البحرية التركية الميناء التجاري بسوسة محمّلة بـ 213 لمصدرها (212 بالرصيف عدد5 بميناء سوسة، و 1 حاوية بمستودع الشركة بسيدي عبد الحميد) مع مواصلة المشاورات بخصوص استكمال تصدير النفايات المتبقية بعد الحريق الذي نشب بمستودع الشركة الخاضع للرقابة الديوانية بجهة الموردين -مساكن- من ولاية سوسة.
* أطراف من الديوانة التونسية تتواطأ لإضفاء الشرعية على النفايات الإيطالية
– هذا قرار تصنيفة ممضى من العميد “ل ع” باعتباره رئيس اللجنة ومدير التصنيفة يؤكد فيه ان النفايات منزلية بتاريخ 13/10/2020.
ورغم ذلك يحضر اجتماع 6/11/2020 و يتمسك بشرعية دخول النفايات وهو الذي كان مدير اللجنة التي قامت بالتصنيف و قال نعم لتسريح البضاعة، في حين أن “بشير يحيى” مدير بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات و “بكار طرميس” مدير بالوكالة الوطنية لحماية المحيط رفضا تسريح البضاعة بعدما تبين أنها نفايات منزلية.
عمد العميد “م ي” إلى تغيير الرمز المدون بالفواتير باعتبار أن منظومة سندا لم تستوعب ذلك الرمز 191212 فأبدل الرمز حتى تقبله المنظومة، و بسؤاله لماذا قام بتلك العملية أكد أنه كان عن حسن نية؟؟؟ أي حسن نية و هو عميد و مدير خلية التثبت و التدقيق!
تم الاحتفاظ به يومين فقط و سرحه التحقيق دون استنطاق وبمجرد الحضور أمامه.
أكدت رئيسة مكتب المؤسسات المصدرة “ر ح” أنها اشترطت على الشركة أن تقوم بتصريح مفصل، وهذا النوع من التصاريح يستوجب بالقانون وبمذكرات داخلية الادلاء وجوبا بعقد الصفقة.. وهذا العقد صريح باعتبار أنه حدد السلع بأنها نفايات منزلية y46 وبالتالي منذ البداية الديوانة وتحديدا العميد “ل ع” و العميدة “ر ح” كانا على علم بعقد الصفقة، وليس كما تزعم أن الشركة لم تمكنها من عقد الصفقة إلا في أوت 2020.
تلاعب الادارة الديوانية يزداد وضوحا من خلال عقد اجتماع في 2/7/2020 تحت عنوان الترخيص في توريد نفايات غير خطرة، و قد تقرر في هذا الاجتماع إلزام الشركة بإرجاع الحاويات الموردة، وقدرها 70 حاوية، و حضر الاجتماع عدة إطارات ديوانية و ممثلين عن عدة وزارات، و قد اكتشفت آنذاك أن التصريح الديواني الذي قامت به الشركة كاذب، و أن السلع عبارة عن نفايات منزلية، إلا أن الإدارة الديوانية قبلت بعد ذلك بقية الحاويات على التراب التونسي.