في مداخلة له على برنامج الخبير الذي يعرض على قناة تونسنا، حلل الدبلوماسي و السفير السابق لتونس لدى واشنطون الأسباب العميقة التي أدت لإندلاع الحرب بين كل من روسيا و أوكرانيا، كما تعمق “محمد نجيب حشانة” في انعكاسات هذه الحرب على تونس، مؤكدا بأن العواقب ستكون وخيمة على الجمهورية التونسية بسبب عدم تفطنها و تنبؤها بقدوم هذه الحرب، و أخذ الإحتياطات اللازمة للتصدي لما سيتمخض عنه هذا الصراع.
* انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية ستكون وخيمة على تونس في حال غياب سمة التنبؤ و الاستباق!
أكدنا “حشانة” على الضرورة الملحة للارتقاء وتطوير منهجية السياسة الخارجية و الأداء الدبلوماسي بجميع مقوماته و هياكله من أجل التركيز على الجانب الاستراتيجي و الاستشرافي، و ذلك من خلال اليقظة و المتابعة لكل الأحداث و ما يدور حولنا، حتى نتمكن من التنبؤ لما عسى أن يحدث في المستقبل، قصد الاستعداد مسبقا و أخذ الاحتياطات اللازمة لمعالجة و إدارة الأزمة إن حصلت فيما بعد، لتمر بأقل كلفة على تونس و الشعب التونسي، و كل ذلك في سبيل تفادي عنصر المفاجأة.. و لكن هذا الاستباق الاستشرافي للأسف الشديد غير موجود، لذلك ستكون كلفة الحرب الروسية الأوكرانية مرتفعة جدا نتيجة غياب ما يسمى بالإدارة الاستباقية، و هذا خلل جلل لا بد لنا من تداركه، خاصة و أننا نمر بمرحلة صعبة جدا و حرجة للغاية، مرحلة مخاض تكوين نظام عالمي جديد لا نعلم إن كان سيتقوم على قطب واحد أم قطبان، أم أنه سيكون متعدد الأقطاب، و إعادة رسم الخريطة العالمية لجهة تقاسم مناطق النفوذ، و هنا ستجد تونس نفسها في اشكالية كبيرة تتعلق بالاصطفاف، أي من ستختار تونس روسيا أم أمركا؟
إذن علينا أن نكون في مستوى هذه التحديات الكبرى، من خلال التسلح بسمة التنبؤ بالأزمات قبل حدوثها.
هذه الحرب كانت قادمة لا محالة، لأن اتفاقية يالطا فيفري 1945 فُرّغَت من مضمونها، حيث قسمت يالطا بعد الحرب العالمية الثانية مناطق النفوذ، و سبق اتفاق يالطا اجتماع موسكو في أكتوبر 1940، حيث كان ستالين في موقف قوة لأنه كان وراء هزيمة الألمان، لذلك فرض منطقة نفوذه على كل من روزفلت و تشرشل لأنهما أساءا التقدير في ذلك الوقت.
و بالتالي فقدت يالطا مضمونها و جاءت بعدها الحرب الباردة التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي و جدار برلين، لتصبح أمركا منفردة بالقرار على مستوى العالم، و بذلك أصبح النظام العالمي بمفعول الريادة الأمريكية قائما على القوة، و منذ تلك اللحظة فقدنا كل المبادئ و القيم الإنسانية.
و من هنا نشأت الأزمات، و بدأ تشكل الكتل الإقليمية، و هو ما تسبب في ظهور النزاعات، و اليوم يسعى الكل لتفكيك روسيا بوتين، كما سبق و أن فككوا الاتحاد السوفيتي، فالقوى الغربية متخوفة من التمدد و التوسع الروسي نحو أوروبا، لأن هناك خوفا كبيرا من أن روسيا ستغير قواعد التشابك في أوروبا من خلال تقريب أوروبا من آسيا ضمن مشروع “أوراسيا EURASIA” الذي تقف وراءه كذلك الصين، و يتداخل في هذا طريق الحرير، و هناك تخوف أمريكي من وجود خطط تحاك في الظلام.
هذا و أفرغ كل من دونالد ترامب و جو بايدن باستخدام القوة نورد ستريم 2 (خط أنابيب للغاز) من محتواه و قالوا أنه أصبح خردة في المحيط! و للأسف لو كانت ميركل موجودة لما حدث هذا الأمر.
من جهة أخرى هناك تخوف من روسيا على أمنها القومي لأنها تعرضت سابقا للخيانة، و بالتالي أصبح أمنها القومي مهددا في كل لحظة، و الخوف الأخير و الكبير كان من أوكرانيا، لأنه انطلاقا من الأراضي الأوكرانية يمكن للصواريخ البالستية التي كان ينوي الحلف الأطلسي نصبها في أوكرانيا، أن تمسح موسكو من الوجود في بضع ثوان! لذلك كانت هذه الحرب متوقعة كنتاج حتمي لكل هذه العوامل.
– مثل هذا التحليل العميق للأسف الشديد غير موجود، و هو ما يؤكد من جديد فقداننا لعنصر التنبؤ و الحذر و الاستباق، إذ لا بد من تهيئة النفس حتى تكون لنا خطة لتخفيف الخسائر على مستوى الاقتصاد التونسي.
الوضع الحالي و طريقة تسيير الأمور على مستوى الدولة لا يسمح بتجاوز هذه الأزمة، خاصة و أن الشأن الاقتصادي مهمل و متروك لصالح الفقه القانوني الدستوري، ثم تشكو السياسة الخارجية بدورها من الفوضى و التهميش إلى أبعد الحدود.
* حلحلة الأزمة مرتبط باختيار الشركاء المناسبين
في كل الحالات و رغم الظروف الصعبة جدا التي تمر بها تونس، تبقى هذه البلاد تحظى بعطف و دعم المجتمع الدولي، لكن علينا أن نتفهم عقلية شركائنا، ماذا يريدون و ماذا لا يحبون؟ ثم يجب أن نسلك طريق الوسط بالمحافظة على سمة الانفتاح على آرائهم، دون أن نفقد قرارنا الوطني.
المشكل الأساسي يتمثل في أن العالم من حولنا يتغير، و كذلك تغيرت موازين القوى، و ستتغير كذلك مناطق النفوذ و سيصبح لدينا عالم جديد، و بالتالي ليس مسموحا للقيادة في تونس أن تخطئ المسار و القرار، و تغضب من كان دائما معنا و ساندنا في السراء و الضراء.
بلال بوعلي