جمع مؤخرا الحكومة التونسية و الإتحاد العام التونسي للشغل بيان مشترك استتباعا لبيان سابق بتاريخ 22 أكتوبر 2018، و الذي نجد فيه عدة نقاط مثل عدم التفويت في نسب مساهمات الدولة في المؤسسات العمومية، و مشكلة الدعم و الجباية و ارتفاع الأسعار و الإحتكار… و قد تم تكوين لجان لغرض إصلاح مؤسسات القطاع العام، علما و أن هذا الملف كان مفتوحا منذ سنوات إلى يومنا هذا، و هو ملف كثر عنه الحديث و كثر فيه الجدل بين كل الأطراف، من مجتمع مدني و طبقات سياسية، و حتى الشعب التونسي.
تم إرساء هذا البيان المشترك لأن هناك مؤسسات عمومية أصبحت غير قادرة على العمل، مثل شركة الخطوط التونسية المهددة بالإغلاق و الإفلاس في أي لحظة، و تعمل الشركة في الوقت الراهن بعدد ثلاث طائرات فقط! و بالتالي فهذا الوضع يعد جد خطير، و بالتالي كان يفترض باللجنة التي تم تكوينها سنة 2018 أن تقوم بمعالجة مثل هذه المشاكل الخطيرة، و لكن للأسف تسببت التجاذبات السياسية و الرؤى المختلفة في تعطيل هذه اللجنة و منعها من العمل..
يتمثل السبب الرئيسي لاندلاع ثورة 14 جانفي في استعمال منوال تنمية معين تم بناؤه منذ سنة 1986 على الإصلاح الهيكلي، الذي كان موجها نحو التفويت في المؤسسات العمومية، إذ كنا أكثر من 500 مؤسسة لنصبح اليوم 214 مؤسسة فقط.
دعونا منذ زمن بعيد إلى إصلاح المؤسسات العمومية حالة بحالة، و لكن للأسف لم نجد من يصغي إلينا و ذلك بسبب اختلاف الرؤى.
لدينا عدد 110 مؤسسة مطروحة لإعادة الهيكلة منذ سنتي 2016/2017. و توجد من بين هذه المؤسسات من تحتاج إلى تدخل عاجل من أجل إصلاحها، عن طريق وضع البرامج الحينية و المستعجلة، خاصة لشركة الخطوط التونسية، هذا و لدينا بعض الشركات الأخرى التي سنتعامل معها في وقت لاحق.
السبع شركات التي سيتم إعادة هيكلتها هي:
شركة الخطوط التونسية/ الشركة التونسية للشحن و الترصيف/ الشركة التونسية للكهرباء و الغاز/ الشركة التونسية للصناعات الصيدلية/ ديوان الأراضي الدولية/ شركة الفولاذ/ الصيدلية المركزية.
تم تحديد و اختيار هذه الشركات نظرا لحدة مشاكلها.. و قد تم طرح برنامج من طرف منظمة التحدي للألفية و هي منظمة عالمية تابعة للكونغرس الأمريكي، قامت بمنح هبة لتونس من أجل إعادة هيكلة ميناء رادس، و تقدر هذه الهبة ب1150 مليارا، منها 450 مليارا مخصصة لميناء رادس فقط، و كل هذا شرط أن لا تكون الشركة التونسية للشحن و الترصيف، الشركة الوحيدة العاملة بمجال الشحن و الترصيف، و فتح المجال للخواص من أجل استغلال الأرصفة الموجودة، حتى تلك التي تملكها شركة الشحن و الترصيف. مختصر الحديث أن ميناء رادس في حاجة إلى إعادة هيكلة.
هذا و تعاني شركة الشحن و الترصيف من كثافة عمالية تصل ل600 عامل و موظف، و هؤلاء في حاجة لإعادة هيكلة، نظرا لضخامة عددهم، علما و أن اغلبهم ليس لديه أي دور في الشركة! لذلك سيتم تسريح العديد منهم. و قد تم سابقا ضمن شركة الخطوط التونسية تسريح 1200 عامل سنة 2014.
أما عن بقية المؤسسات الأخرى فمن الضروري أن نضخ فيها الأموال حتى يتم إنقاذها، فمثلا الشركة التونسية للصناعات الصيدلية تعتبر ضحية لهجرة الأدوية منها إلى القطاع الخاص، من ما تسبب في تقلص دورها، و هي الآن مهددة بالاضمحلال. و نفس هذا الإشكال نجده على مستوى الصيدلية المركزية، حيث أن الدولة لا تلتزم بما عليها من أموال تجاه هذه المؤسسات.
في هذا السياق نطرح مسألة التداوي بالخارج، و التي إذا ما قارناها بطلب المريض للأدوية المستوردة عن طريق الصيدلية المركزية، فإننا سنجد بأن التداوي بالخارج أقل تكلفة بكثير من طلب جلب الدواء عن طريق الصيدلية المركزية!!! و بالتالي فالصيدلية المركزية و الشركة التونسية للصناعات الصيدلية مؤسسات في حاجة إلى حلول سريعة. علما و أن مشاكل الحوكمة الحالية لا تتعلق بمؤسسات دون أخرى.. بل تتعلق تقريبا بكل المؤسسات حتى تلك الغير متضررة ماليا، و ذلك بسبب سوء التصرف على مستوى الموارد البشرية، و الإدارات و الجانب المالي… و هو ما يستوجب إرساء آليات لمقاومة سوء التصرف داخل المؤسسات العمومية.
هناك العديد من النصوص الترتيبية التي نحتاجها في الوقت الراهن، كالنصوص المتعلقة بمقاومة الفساد، و حسن إدارة المؤسسات العمومية.. حيث أن هذه النصوص لم تمر، بل أكثر من هذا نجد العديد من القوانين التي و للأسف تسرع في خراب المؤسسات، فالشركة التونسية للكهرباء و الغاز مثلا لديها ما يقارب الألفي مليارا لدى الدولة، فلماذا لا تسدد الدولة ما عليها من ديون لشركة الكهرباء؟ و يتمثل السبب الرئيسي في امتناع الدولة عن تسديد ما عليها من ديون للشركة التونسية للكهرباء و الغاز في منع هذه الأخيرة من إيجاد مقومات للإستثمار. و المشكل هنا يتعلق أساسا بالطاقات المتجددة، و أساسا بمسألة إنتاج الكهرباء من طرف الشركات الخواص ثم بيعها للشركة التونسية للكهربا. و بالتالي تحتكر الشركة عملية توزيع الكهرباء.
و نجد في قانون 2019 أنه يحق للخواص إنتاج الكهرباء و بيعها لشركة الكهرباء، كما في الإمكان بيع الكهرباء لشركات خاصة أخرى، و هذا أمر جد سيء و مدمر، و يتم التحكم في عملية بيع الكهرباء من قبل هذه الشركات الخاصة عن طريق استغلال شبكة شركة الكهرباء، و هذا أمر خطير جدا زاد في مزيد تأزيم وضع الشركة.
أما عن مشكل الدعم فسيكون لنا برنامج جاهز لمعالجته في نهاية شهر جويلية من هذه السنة.
و بالنسبة للخطوط التونسية سيتم طرح ملفها هذا الأسبوع، هذا و لدينا برنامج جاهز للتنفيذ من أجل إنقاذ الموسم السياحي الصيفي. و بحلول شهر أكتوبر سيتم تجهيز ملف لإعادة الهيكلة الشاملة، لنتمكن بذلك وصولا لشهر نوفمبر من إعادة هيكلة هذه المؤسسات السبع.