النهضة التي عطّلت بالأمس إرساء المحكمة الدستورية، تَنتَحِب اليوم و ترمي بوزر صنيعها على الغير 

إن ما تشهده الساحة السياسية اليوم من صراعات بسبب إرساء المحكمة الدستورية، و نضال رئيس مجلس نواب الشعب و القائد الأول لحركة النهضة في سبيل بعث هذه المحكمة، لأمر جد غريب و عجيب! فبالأمس كانت النهضة و رئيسها الغنوشي الحاكمان الفعليان للبلاد التونسية، و كل رئيس تمت توليته الحكم بعد الراحل بن علي لم يكن سوى مجرد دمية بيد الحزب الحاكم آن ذاك… أما اليوم و بوقوع الحكم بيد رئيس يسعى لأن يكون الحاكم الفعلي لتونس، دون وجود من يحركه من الخلف، أصبح البرلمان يسعى جاهدا لتركيز هذه المحكمة التي كان يمكن للغنوشي أن يؤسسها في ما مضى بإشارة إصبع، هذا و لا ننس بأن دستور تونس لسنة 2014 هو صناعة نهضاوية، و كان من المقرر أن يتم بعث المحكمة الدستورية بعد المصادقة على الدستور بسنة واحدة! و لكن بقي أمر المحكمة الدستورية طي المجهول، إذ لم يتم تسييج هذا الأمر كما يلزم، فمثلا لم يتم الإتفاق على الإجراءات الواجب اتخاذها في صورة ما إذا تعطل تركيز المحكمة…
عصر الطراطير
في الفترة التي سيطرت فيها النهضة على أواصر الحكم في البلاد، و تحكمها في كل المراكز العليا، لم تكن في حاجة إلى وجود المحكمة الدستورية، بما هي كيان ستكون مهمته مراقبة رئيس الجمهورية و تقييد حركاته و سكناته بالدستور… و كان كل الرؤساء آن ذاك خاضعين لشيخهم الأكبر، فهو صاحب القرار و الآمر الناهي.. و ما كان رؤساء الدولة الذين تواتروا على تونس إلا مجرد دمى يتم تحريكها عن طريق الأيادي الخفية، أما عن الحكم فهو بطبيعة الحال بيد الحزب الأكبر و الأعظم، و هو نفسه الذي تولى تسيير البلاد و تخريبها كما ياحلو له لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، أما وعود الإصلاح و الرقي فلم ير منها الشعب التونسي إلا الكلام المنمق لا غير، و طوال تلك الفترة الظلامية لم نر قرارا حاسما من شأنه أن يتقدم بتونس خطوة إلى الأمام، بل واصلت البلاد تقهقرها و انهيارها لتصل اليوم إلى القاع.
المحكمة الدستورية
ست سنوات تمر و المحكمة الدستورية لا تزال مغيبة.
يتولى الفصل 118 من الدستور تعريف المحكمة الدستورية بما هي :”هيئة قضائية مستقلة تتركّب من اثني عشر عضوا من ذوي الكفاءة، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون الذين لا تقل خبرتهم عن عشرين سنة.
يعيّن كل من رئيس الجمهورية، ومجلس نواب الشعب، والمجلس الأعلى للقضاء، أربعة أعضاء، على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون. ويكون التعيين لفترة واحدة مدتها تسع سنوات.
يجدّد ثلث أعضاء المحكمة الدستورية كلّ ثلاث سنوات، ويُسدّ الشغور الحاصل في تركيبة المحكمة بالطريقة المعتمدة عند تكوينها مع مراعاة جهة التعيين والاختصاص.
ينتخب أعضاء المحكمة من بينهم رئيسا ونائبا له من المختصين في القانون”.
الصدام الرئاسي و السعي لإسترجاع المجد الضائع
بحلول قيس سعيد رئيسا على عرش قرطاج، و هو الرجل الذي انتخبه الشعب التونسي انتقاما من حكامه الذين أهملوا البلاد و العباد، و اهتموا بمآربهم الخاصة على حساب الصالح العام، لتصبح بذلك تونس دولة لا يثق شعبها في طبقة الحكام و السياسيين و كل من شابههم، لذلك تم البحث عن متنفس أخلاقي، و لم يجد أبناء هذه الدولة مأوى إلا لشخص سعيد النزيه و البريء و المتعفف… لذلك وجدنا أنفسنا أمام رئيس لا يَدين بالولاء لأي حزب أو جهة سياسية من أي نوع.. و ما هذه إلا رغبة الشعب التي نفذها من خلال بوابة الإنتخاب.
أما اليوم و أمام هذا الكيان الحاكم الساعي لمحق الأحزاب و المتحزبين، فقد تم اللجوء إلى البحث عن حل نهائي للتخلص من سعيد، و تَجَبُّرِه و تعاليه على السياسة و السياسيين، و قد وجد رئيس البرلمان ملاذا في العودة إلى إحياء مسألة المحكمة الدستورية، التي  إن تم ارساؤها فستكون ورقة ضغط على الرئيس الذي لم تستطع لا النهضة و لا غيرها تقييد حركاته و التحكم فيه، لذلك فالمحكمة هي الحل للحد من سلطة الرئيس و تخويفه، و لما لا السيطرة عليه كإخوته الذين سبقوه.. و إن لم يكن الأمر كذلك فلماذا لم يتم الإهتمام بالمحكمة أيام كانت حركة النهضة قادرة على ارسائها بفرقعة إصبع!!!
هو مجد ضائع لا سبيل لاسترجاعه إلا بالسيطرة على الحكام المتوافدين على قصر قرطاج، و في الوقت الراهن لا سبيل لفرض السلطان، و التفرد من جديد بالحكم إلا عن طريق هذه المحكمة، و في الوقت الراهن يتحمل الرئيس بما هو الوجه الفعلي و المباشر للسلطة في البلاد، وزر الموافقة أو الرفض على منح الضوء الأخضر لبعث المحكمة الدستورية.
بلال بو علي

Read Previous

الشؤون الاجتماعية: منحة الـ200 دينار.. إشاعة

Read Next

انطلاق حملة التطعيم بالجرعة الثانية من لقاح كورونا

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular