يبدو أن قانون الصرف يمثل عقبة كبيرة خاصة في تونس، وهذا القانون ليس بدعة تونسية، بل نجده منتشرا في العالم أجمع.. ما عدا البلدان التي تملك عملة قابلة للتحويل، و يعتبر الإقتصاد في هذه البلدان قويا و متينا جدا، لذلك لا تخشى عمليات تحويل الأموال.. و لكن البلدان التي لا تزال في طور النمو و التطور، و البلدان الفقيرة تحوز عملة غير قابلة للتحويل، لذلك هم مجبرون على وضع قوانين تنظم العلاقات المالية بينهم و بين دول الخارج.
أما عن مجلة الصرف التونسية فهي موجودة منذ زمن طويل.. و قانون الصرف ساري المفعول حتى قبل قدوم الإستعمار، حيث أننا كنا نتعامل بقانون الصرف الفرنسي. لكن في جانفي 1976 قمنا بسن قانون خاص بالجمهورية التونسية، و قد تم تعديله في العديد من المناسبات.. و لعل أهم مناسبة عدل فيها قانون الصرف، هي مصادقة تونس على الفصل الثامن من القانون الأساسي لصندوق النقد الدولي لسنة 1993. و قد أوصى هذا الفصل أعضاء صندوق النقد بالتحرير الجاري للعملة. و كانت تونس من أولى الدول التي صادقت على تحرير العمليات الجارية. و نجد في الفصل الأول من قانون الصرف لسنة 1993، أولا تحرير العمليات الجارية، أي كل تلك العمليات التي تحتاج إليها المؤسسة الإقتصادية، من أجل سير إنتاجها بسلاسة كالتصدير و التوريد و الإنتاج… و نقصد بالتحرير تقديم البراهين (الوثائق) اللازمة على وجود عملية تجارية جارية للمصرف، من أجل القيام بتحويل بنكي باسم العملية الجارية. و تتمثل أكبر عملية جارية في خلاص الواردات الطاقية أو المعدات، و كل ما هو قابل للإستهلاك… و بالتالي العمليات المحررة هي العمليات التي تتم بدون تراخيص. و نجد في منشور البنك المركزي عدد 9 لسنة 2016 كل العمليات الجارية و طريقة الدفع التي يمكن أن تتم عن طريق التحويل البنكي أو البطاقة البنكية الإلكترونية.
و تسعى مجلة الصرف إلى الحفاظ على التوازنات المالية للبلاد و مخزون العملة الأجنبية، من خلال تنظيم العمليات الإقتصادية ككل.. و تنظيم العمليات المالية بين تونس و الخارج. و ينص الفصل الأول من المجلة على تحرير العمليات الجارية، و ضمان التحويل بالنسبة للمستثمرين غير المقيمين، بحيث يكونون قادرين على تحويل أرباحهم و محصولهم الصرفي رفقة القيمة المضافة.
مجلة الصرف ليست في حاجة إلى تحوير عميق
هناك قلة معرفة بقانون الصرف و تراتيبه، و هذا بسبب عدم بذل مجهود من أجل فهم هذا المجال كما يجب. كما أن طريقة تقديم النصوص معقدة بعض الشيء، ذلك أنها غير منظمة و غير مبوبة كما يلزم. لهذا أدعو زملائي في البنك المركزي إلى إرساء وثيقة منظمة و واضحة للعموم.
و لكن حسب رأيي الشخصي لا تحتاج مجلة الصرف إلى تغيير عميق، ذلك أنه تم بالفعل منذ سنة 1993 تحرير العمليات الجارية و ضمان التحويل بالنسبة لغير المقيمين… كما يضاف لهذا تحوير بعض عمليات رأس المال بالنسبة للمقيمين. علما و أنه لا توجد أي شركة تونسية قد تم منعها من الإستثمار في الخارج. و يمكن للمُحَوّرِ أن يتوجه إلى مصرفه قصد بعث فروع لشركته بالخارج، دون أن يواجه في ذلك أي إشكال. و لكن هناك أسقف لا يجوز تجاوزها و نقصد مبلغ 3 مليون دينار بالنسبة للشركات المصدرة و المالكة لمبالغ بالعملة في حساباتها. أما بالنسبة للشركات الأخرى، سواء المصدرة أو غير المصدرة فلديها مقاييسها الخاصة، و حتى الشركات الموردة قادرة على امتلاك و بعث فروع بالخارج. أما عن الشركات التي تتجاوز حاجياتها هذه الأسقف فهي في حاجة إلى ترخيص، لأن هذا الإستثمار يجب أن يعود بالمنفعة على تونس و اقتصادها.