سمير بشوال: علاقة التمويل بالمنافسة

لا يمكن إرساء ديمقراطية دون وجود قضاء مستقل، كما لا يمكن الحديث عن الأمان دون توفر أمن جمهوري، و أيضا لا يمكن الحديث عن الاستثمار في غياب التمويل العادل لكل الناس دون استثناء…

أصبحت المنافسة الغير شريفة متواجدة بكثرة في مسالك التوزيع، و ذلك بسبب خدمة المتعاملين الإقتصاديين على مستوى المسالك لفئات معينة دون أخرى.

أما على مستوى التمويل فالجميع يعلم أن بعض المتعاملين الإقتصاديين لهم تأثير كبير على القطاع البنكي، حيث يتم حرمان المؤسسات الصغرى و المنهارة من الحصول على التمويل، و ذلك من أجل تفليسها قصد الإستيلاء عليها.. لذلك نجد اليوم العديد من المؤسسات التي تعاني الأمرين، بسبب المنافسة الغير شريفة، و لنا على سبيل المثال بيع مصنع للحليب بمنطقة «أوتيك»، و اللهث وراء شراء مصنع للمياه المعدنية بسيدي بوزيد، كما تم إغراق مصنع للحديد بالقيروان في العديد من المشاكل بتعلة سوء التصرف، ليتم حرمانه من التمويل و من ثم الإستيلاء عليه، كما تم الإحتجاج أمام مصنع للمياه المعدنية و ذلك من أجل تعطيل سير عمله و اجبار مالكيه على بيعه… هذا الملف المسكوت عنه يجب فتحه من قبل هيئة مكافحة الفساد و غيرها… فملف التمويل هو أصل الفساد الذي لا ينفك ينخر اقتصادنا.

يجب أن يكون التمويل عادلا، حتى يكون اقتصادنا ناجحا و شفافا.

المعارض تَحُولُ دون تمطط الإقتصاد الموازي

تعتبر المعارض قطاعا مهما و جد حساس، و إذا لم يجد الحرفي مكانا في المعرض بما هو قطاع منظم، فإنه سيلجأ مكرها إلى الإنتصاب الفوضوي و القطاع الموازي. لنصطدم من جديد بقصر نظر الحكومة، الغير قادرة إلى حد هذه اللحظة، على وضع جملة من البرامج المضبوطة!

فإلى متى سنظل بدون رؤية؟ خاصة و أننا نجد في بلدان أخرى خاصية المعارض الإفتراضية، القادرة على أن تحل محل المعارض الحقيقية، إلى حين عودة الأمور إلى نصابها.

الإدارة التونسية ضحية من ضحايا الشيطنة

عرفت الإدارة التونسية مرحلتين كبريين:

* مرحلة التاريخ الوردي للقطاع العام: و تمتد منذ الإستقلال و بناء الدولة الوطنية و تونسة الإدارة. في هذه المرحلة تم تثمين العمل الإداري بصفة عامة، و كان أهم رهان هو تونسة الإدارة، و تركيز الكفاءات التي حملت مشعل بناء دولة ما بعد الإستقلال. و في ذلك الوقت كان الإنتماء إلى الإدارة مصدر فخر و اعتزاز، سواء على المستوى المعنوي أو المادي.. حيث كان الموظف قادرا على عيش حياة كريمة بمدخول محترم جدا… و من وجوه نجاح الإدارة في هذه الفترة، أن نظام الحكم السابق كان يعتمد العديد من الوزراء من الإدارة التونسية، كما ساهم أولئك الإداريون في الارتقاء بالصناعة و الإصلاح الهيكلي.

* مرحلة الإتهام و الشيطنة: و قد بدأت هذه المرحلة بُعَيدَ الثورة، لأن القوى السياسية الحاكمة بعد 2011 حَمّلَت الإدارة مسؤولية فشل الدولة، و هذا ما يفسر حملة الإعفاءات التي طالت العديد من كوادر الدولة، بتعلة أنها كانت تعمل مع النظام السابق، من ما أدى إلى فقدان الكثير من الكفاءات.. ثم تلت هذه الفترة مرحلة الشيطنة، حيث تم اتهام الإدارة بالفساد و التقصير و ضخامة الإمتيازات… في حين أن راتب الموظف التونسي هو الأضعف على مستوى العالم العربي.

و بعد أن تمت شيطنة الإدارة، أصبحت متهمة من طرف المواطن العادي، الذي صارت في عيونه سيئة بكل المقاييس… بينما واقع الأمر أن الإدارة التونسية إدارة ذات كفاءة عالية، و مستقلة عن السياسة، و لكن للأسف تمت شيطنتها، إلى ذلك الحد الذي أصبح فيه الإداري منبوذا و مكروها. زد على كل هذا الفصل 96 الذي يمنع الموظف الإداري من الإجتهاد في عمله، متوعدا إياه بالعقاب في حالة المخالفة. و يضاف لهذا الفصل نظام المحاصصة السياسية الذي قيّد الإدارة تماما دون أن يترك لها أدنى متنفس.

شارك المقالة

Read Previous

«لطفي سليمان : يجب على المسؤول الإداري أن يتحلى بالقدرة على حل المشاكل و تجاوز الأزمات

Read Next

محمد صالح فراد: المعارض قطاع قابل للرقمنة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular

سمير بشوال: علاقة التمويل بالمنافسة

لا يمكن إرساء ديمقراطية دون وجود قضاء مستقل، كما لا يمكن الحديث عن الأمان دون توفر أمن جمهوري، و أيضا لا يمكن الحديث عن الاستثمار في غياب التمويل العادل لكل الناس دون استثناء…

أصبحت المنافسة الغير شريفة متواجدة بكثرة في مسالك التوزيع، و ذلك بسبب خدمة المتعاملين الإقتصاديين على مستوى المسالك لفئات معينة دون أخرى.

أما على مستوى التمويل فالجميع يعلم أن بعض المتعاملين الإقتصاديين لهم تأثير كبير على القطاع البنكي، حيث يتم حرمان المؤسسات الصغرى و المنهارة من الحصول على التمويل، و ذلك من أجل تفليسها قصد الإستيلاء عليها.. لذلك نجد اليوم العديد من المؤسسات التي تعاني الأمرين، بسبب المنافسة الغير شريفة، و لنا على سبيل المثال بيع مصنع للحليب بمنطقة «أوتيك»، و اللهث وراء شراء مصنع للمياه المعدنية بسيدي بوزيد، كما تم إغراق مصنع للحديد بالقيروان في العديد من المشاكل بتعلة سوء التصرف، ليتم حرمانه من التمويل و من ثم الإستيلاء عليه، كما تم الإحتجاج أمام مصنع للمياه المعدنية و ذلك من أجل تعطيل سير عمله و اجبار مالكيه على بيعه… هذا الملف المسكوت عنه يجب فتحه من قبل هيئة مكافحة الفساد و غيرها… فملف التمويل هو أصل الفساد الذي لا ينفك ينخر اقتصادنا.

يجب أن يكون التمويل عادلا، حتى يكون اقتصادنا ناجحا و شفافا.

المعارض تَحُولُ دون تمطط الإقتصاد الموازي

تعتبر المعارض قطاعا مهما و جد حساس، و إذا لم يجد الحرفي مكانا في المعرض بما هو قطاع منظم، فإنه سيلجأ مكرها إلى الإنتصاب الفوضوي و القطاع الموازي. لنصطدم من جديد بقصر نظر الحكومة، الغير قادرة إلى حد هذه اللحظة، على وضع جملة من البرامج المضبوطة!

فإلى متى سنظل بدون رؤية؟ خاصة و أننا نجد في بلدان أخرى خاصية المعارض الإفتراضية، القادرة على أن تحل محل المعارض الحقيقية، إلى حين عودة الأمور إلى نصابها.

الإدارة التونسية ضحية من ضحايا الشيطنة

عرفت الإدارة التونسية مرحلتين كبريين:

* مرحلة التاريخ الوردي للقطاع العام: و تمتد منذ الإستقلال و بناء الدولة الوطنية و تونسة الإدارة. في هذه المرحلة تم تثمين العمل الإداري بصفة عامة، و كان أهم رهان هو تونسة الإدارة، و تركيز الكفاءات التي حملت مشعل بناء دولة ما بعد الإستقلال. و في ذلك الوقت كان الإنتماء إلى الإدارة مصدر فخر و اعتزاز، سواء على المستوى المعنوي أو المادي.. حيث كان الموظف قادرا على عيش حياة كريمة بمدخول محترم جدا… و من وجوه نجاح الإدارة في هذه الفترة، أن نظام الحكم السابق كان يعتمد العديد من الوزراء من الإدارة التونسية، كما ساهم أولئك الإداريون في الارتقاء بالصناعة و الإصلاح الهيكلي.

* مرحلة الإتهام و الشيطنة: و قد بدأت هذه المرحلة بُعَيدَ الثورة، لأن القوى السياسية الحاكمة بعد 2011 حَمّلَت الإدارة مسؤولية فشل الدولة، و هذا ما يفسر حملة الإعفاءات التي طالت العديد من كوادر الدولة، بتعلة أنها كانت تعمل مع النظام السابق، من ما أدى إلى فقدان الكثير من الكفاءات.. ثم تلت هذه الفترة مرحلة الشيطنة، حيث تم اتهام الإدارة بالفساد و التقصير و ضخامة الإمتيازات… في حين أن راتب الموظف التونسي هو الأضعف على مستوى العالم العربي.

و بعد أن تمت شيطنة الإدارة، أصبحت متهمة من طرف المواطن العادي، الذي صارت في عيونه سيئة بكل المقاييس… بينما واقع الأمر أن الإدارة التونسية إدارة ذات كفاءة عالية، و مستقلة عن السياسة، و لكن للأسف تمت شيطنتها، إلى ذلك الحد الذي أصبح فيه الإداري منبوذا و مكروها. زد على كل هذا الفصل 96 الذي يمنع الموظف الإداري من الإجتهاد في عمله، متوعدا إياه بالعقاب في حالة المخالفة. و يضاف لهذا الفصل نظام المحاصصة السياسية الذي قيّد الإدارة تماما دون أن يترك لها أدنى متنفس.

شارك المقالة

Read Previous

«لطفي سليمان : يجب على المسؤول الإداري أن يتحلى بالقدرة على حل المشاكل و تجاوز الأزمات

Read Next

محمد صالح فراد: المعارض قطاع قابل للرقمنة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular