جريدة الخبير

حوار خاص مع الخبير الاقتصادي الأستاذ الهادي كلاعي : مشروع تنقيح «قانون 95» أمعن في تكريس هيمنة مؤسسات القرض

Image 1

إن تنقيح القانون عدد 95/34 ليس بالأمر الهين و قد سبق برمجته منذ سنة 2013 و عرضه على أنظار لجنتي التشريع العام و المالية و التخطيط  بالمجلس التأسيسي للبلاد التونسية. و تجدر الإشارة من جهة أخرى أن إقتراح هذا التنقيح في الوقت الراهن غير ملائم لسببين أولها يتعلق بالمناخ العام للبلاد سياسيا و إجتماعيا و إقتصاديا  و ثانيهما مرتبط بمسألة الإصلاحات الكبرى المتعلقة بالسياسة الاقتصادية الجديدة بعد الثورة و التي حتمت علينا تغيير نظرتنا  للمؤسسة و دورها في تنمية الإقتصاد من حيث هي قاطرة التنمية و الذي يستوجب  توفير المناخ التشريعي الملائم لحمايتها و جعلها قادرة على مواجهة المنافسة داخليا و خارجيا حتى تؤدي دورها على أحسن وجه. هذا القانون الذي وقع سنه سنة 1995 في إطار برنامج الإصلاح الهيكلي و صدر مباشرة بعد المصادقة على مجلة تشجيع الإستثمارات لسنة 1993 و التي مثلت نقلة نوعية في التعريف بالمنظومة التشريعية التونسية  بغاية التحفيز على  الإستثمار الداخلي و الخارجي.
و قد وقع تنقيح هذا القانون منذ صدوره في مناسبتين الأولى في 1999 و الثانية في 2003 بغاية إدخال التعديلات اللازمة بعد تقييم التجربة و ممارستها على الصعيد العملي.
إلا أن المتأمل في هذه التنقيحات يستخلص أنها كانت ارتجالية و ينقصها البعد التشاركي و قد دعمت هيمنة المؤسسات المالية على حساب المستثمر صاحب المؤسسة ، و هو ما أفرغ القانون من محتواه و غايته في تكريس ثقافة ديمومة المؤسسة و نجاعتها.
لذا يتمحور طلبنا اليوم ليس في تعطيل هذا التنقيح و إنما في إيجاد الأرضية الملائمة لذلك في إطار ما سبق الإشارة إليه من وجوبية تزامنه مع استكمال الإصلاحات الإقتصادية الكبرى الضرورية  لدفع عجلة التنمية و الإستثمار و مزيد التعريف بالوجهة التونسية كوجهة واعدة.
إن المشرع بإفراده هذا القانون بعنوان خاص و هو « قانون إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات إقتصادية» كان هدفه تعزيز ثقة المستثمر في المنظومة التشريعية الإقتصادية و ذلك بطرح حلول عملية تمكن المؤسسة من تجاوز الصعوبات التي قد تعترضها بمنأى عن باعثها رغبة منه في تشجيع الإستثمار و هو تمشي إنتهجته جملة من التشريعات المقارنة.
للوقوف على تفاصيل هذه المعضلة ارتأينا الاستيضاح من الخبير الاقتصادي و المستشار في انقاذ المؤسسات الأستاذ الهادي الكلاعي .

 ماهي تأملاتكم للمناخ الاقتصادي العام في تونس بعد 14 جانفي و ماهي تطلعاتكم للمؤسسة و الرهانات المطروحة أمامها في ظل التشاريع المعمول بها ؟
هذا القانون و على الرغم من مساهمته في الحفاظ على نسبة هامة من النسيج المؤسساتي و فرص العمل -دون المساس بحقوق الدائنين- فإنه  يبقى مشوبا بعدة علل تعتبر عائقا أمام الإستثمار و المبادرة  و هو ما يستدعي بالضرورة تنقيحه  لكن في ظروف ملائمة إقتصاديا و سياسيا و إجتماعيا. فالظرف الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفته البلاد التونسية بعد 14 جانفي جعل العديد من المنظومات في حاجة ملحة للمراجعة والتأقلم مع المستجدات والصعوبات والخصوصيات الجديدة للبلاد والتي اصبحت مع التراكمات التي عرفتها مجمل الحقبات التاريخية عبئا على الحكومات التي تحملت مسؤولياتها التاريخية . وما زاد الطين بلة ضعف الارادة السياسية في معالجة المعضلات الاقتصادية الكبرى واقتصار التدخلات على مستوى القرارات والتشريعات على ذر الرماد في العيون دون استشارة اهل الاختصاص وهو ما يعكر اي سياسات اصلاحية منتهجة ويعمق في غموض المناخ الاستثماري والذي بدوره يظل في حالة ترقب لأي اصلاحات اقتصادية محفزة منها تناول الملف الشائك الخاص بقانون انقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية والذي سيكون اللبنة التي تبنى عليها منظومة اقتصادية محفزة للاستثمار.

هل يستجيب فعلا قانون 34 لسنة 1995 و بعد نتقيحات (1999 و 2003) للجدلية القائمة بين النص القانوني و الوضع الاقتصادي الراهن؟
إن ما أتاه مشروع القانون من نسف كامل لعقدين من الممارسة الفعلية لهذا القانون من طرف جميع المتداخلين من قضاة و خبراء و مساعدي القضاء يعتبر ضربا للإستقرار التشريعي و النظام العام الإقتصادي الذي هو عماد الإستثمار و التنمية خاصة في الفترة الإنتقالية الحالية على المستوى الوطني و المنافسة الحادة على المستوى العالمي لاستقطاب الإستثمار من طرف الإقتصاديات النامية و الجنائن الضريبية. و تجدر الإشارة من جهة أخرى أن اقتراح هذا التنقيح في الوقت الراهن غير ملائم لسببين أولها يتعلق بالمناخ العام للبلاد سياسيا و إجتماعيا و إقتصاديا  و ثانيهما مرتبط بمسألة الإصلاحات الكبرى المتعلقة بالسياسة الإقتصادية الجديدة بعد الثورة و التي حتمت علينا تغيير نظرتنا  للمؤسسة و دورها في تنمية الإقتصاد من حيث هي قاطرة التنمية و الذي يستوجب  توفير المناخ التشريعي الملائم لحمايتها و جعلها قادرة على مواجهة المنافسة داخليا و خارجيا حتى تؤدي دورها على أحسن وجه.
هذا القانون الذي وقع سنه سنة 1995 في إطار برنامج الإصلاح الهيكلي و صدر مباشرة بعد المصادقة على مجلة تشجيع الإستثمارات لسنة 1993 و التي مثلت نقلة نوعية في التعريف بالمنظومة التشريعية التونسية  بغاية التحفيز على  الإستثمار الداخلي و الخارجي.
و قد وقع تنقيح هذا القانون منذ صدوره في مناسبتين الأولى في 1999 و الثانية في 2003 بغاية إدخال التعديلات اللازمة بعد تقيم التجربة و ممارستها على الصعيد العملي.

ما رأيكم كخبراء في الاقتصاد في التنقيحات التي مر بها قانون عدد 34 ؟
أن المتأمل في هذه التنقيحات يستخلص أنها كانت ارتجالية و ينقصها البعد التشاركي و قد دعمت هيمنة المؤسسات المالية على حساب المستثمر صاحب المؤسسة ، و هو ما أفرغ القانون من محتواه و غايته في تكريس ثقافة ديمومة المؤسسة و نجاعتها.
لذا يتمحور طلبنا اليوم ليس في تعطيل هذا التنقيح و إنما في إيجاد الأرضية الملائمة لذلك في إطار ما سبق الإشارة إليه من وجوبية تزامنه مع استكمال الإصلاحات الإقتصادية الكبرى الضرورية  لدفع عجلة التنمية و الإستثمار و مزيد التعريف بالوجهة التونسية كوجهة واعدة.
إن المشرع بإفراده هذا القانون بعنوان خاص و هو « قانون إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات إقتصادية» كان هدفه تعزيز ثقة المستثمر في المنظومة التشريعية الإقتصادية و ذلك بطرح حلول عملية تمكن المؤسسة من تجاوز الصعوبات التي قد تعترضها بمنأى عن باعثها رغبة منه في تشجيع الإستثمار و هو تمشي انتهجته جملة من التشريعات المقارنة.
إن مقترح التعديل المعروض والمتمثل في ضم  قانون الإنقاذ مع الإجراءات الجماعية فيه نكوص و رجوع إلى الوراء ضد التوجه الأصلي للمشرع  كما جاء في شرح الأسباب بتاريخ سن القانون.
إن هذا القانون يعتبر من حيث هو قانون خاص في علاقة جدلية مع بقية مكونات المنظومة التشريعية الإقتصادية فكيف يعقل أن نتناول بالنظر قانونا خاصا و الحالة أن الأصل يستوجب إما تنقيح القوانين الموجودة  أو سن تشريعات جديدة، و خير مثال على ذلك مجلة تشجيع الاستثمارات المعروضة عليكم للمصادقة و كذلك مجلة الالتزامات و العقود  و مجلة الشركات التجارية و مجلة الإجراءات الجبائية و مجلة التحكيم و التي لها كلها إرتباط عضوي بالقانون المراد تنقيحه.

ماهو رأيكم في مشروع قانون 2013 و خاصة هل يمكن اعتباره مشجعا على الاستثمار و الحفاظ على ديمومة المؤسسة و الحفاظ على النسيج الوطني؟
إن هذا التنقيح و الذي كنا نأمل أن يحقق التوازن في المنظومة  التشريعية الإقتصادية النافذة و التي سبق أن كرست في تنقيحي سنة 1999 و سنة 2003 هيمنة الدائنين دون مراعاة مصلحة المؤسسة بإعتبارها الخلية الأساسية في الإقتصاد الوطني فإنه و على خلاف ذلك قد أمعن في تكريس هيمنة مؤسسات القرض و أضعف القدرة التفاوضية للمؤسسة كما انه لم يعالج بعض النقاط السلبية و اهمها مسالة القيام على الكفيل و عدم تمتيعه بما يتمتع به الدائن الاصلي و هي من ابرز عيوب القانون.
و تجدون بعض الأمثلة على ذلك فيما يلي:
1/ جاء بالفصل 593 من مشروع القانون جملة من العقوبات الجزائية التي قد تسلط على باعث المؤسسة في حين ان الهدف هو التخيفف من العقوبات.
2/ نص الفصل 465 من مشروع القانون على ضرورة الحصول على الموافقة المسبقة لـ50%  من الدائنين كشرط أساسي لقبول إنقاذ المؤسسة و هو اقتراح يكبل مسير المؤسسة و يجعله خاضعا لسيطرة الدائنين.
3/ نص الفصلان 449 و 456  المتعلقان بالآجال على تحديد صارم لها بتوقيت دون اعتماد على معايير قانونية أو محاسبية تمكن القاضي من مقارنة المؤشرات الإقتصادية للمؤسسة.
4/ نص الفصل 458 على إمكانية طلب إبطال برنامج الإنقاذ من طرف أي دائن تمثل نسبة دينه 15 في المائة من جملة الديون.
دون الخوض في الجانب التقني و الإتيان على جميع جوانب القانون و التي نتركها للخبراء في اطار دراسة معمقة لا يسعنا إلا أن نلفت نظركم إلى خطورة ما جاء بهذا القانون و مؤثراته السلبية  على الإستثمار و التنمية في بلادنا.

ماهي الاصلاحات التي تأملون  ( كخبراء اقتصاد)  أن يأخذها المشرع  بعين الاعتبار كمشروع ملائمة بين القانون أي النص التشريعي و الوضع الاقتصادي الذي هو رهين عدة عوامل خارجية؟
هي بعض الملاحظات في شكل مقترحات:
1- مزيد البحث عن التناغم بين بنود هذا القانون الخاص و بقية النصوص التشريعية كمسالة القيام على الكفيل التي نجد النص الخاص يتناقض فيها مع النص العام و هو ما يجعل القانون خارج السياق التشريعي و كذلك و على سبيل الذكر مسالة رسملة الفوائض التي يجب مراجعتها في مجلة الالتزامات و العقود ثم التطرق اليها في قانون الانقاذ لتفادي التضارب بين النصوص .

2- مزيد التركيز على المعطى الاقتصادي في سن التشريعات ذلك ان القانون المشرع لم يراعي خصوصية النظام المالي التونسي كنظام قائم على التداين , فكيف نقترح جدولة الدين على مدى 7 سنوات في حين انه في الاصل وقع اقتراضه على مدة تفوق العشرة سنوات مما يجعل المقترح مستحيل التطبيق لذا فان تدخل لجنة متابعة المؤسسات الاقتصادية في مقترح الجدولة حسب حجم المديونية و القطاع الذي تنتمي اليه المؤسسة و نوعية القرض.

3- بما ان التسوية هي نوع من انواع الصلح القضائي فاننا نقترح فصل يخول اللجوء الى التحكيم بجميع انواعه (تحكيم خاص ,مؤسسي , قضائي) بين المدين و دائنيه و هو ما من شانه التسريع في الاجراءات و تخفيف العبئ على المحكمة المتعهدة في اي طور من اطوار ملف التسوية خاصة اذا كان الدائن هو مؤسسة مالية عمومية تخضع لوزارة المالية و ليس لمسيريها صلاحيات واسعة للحط من الديون.

4- التركيز على نشر ثقافة الانقاذ و اعتبار انقاذها هو شكل من اشكال الاستثمار الذي يستدعي إحداث خطوط تمويل واضحة في اطار اليات جديدة عن طريق مؤسسات القرض و المخاطرة و المساهمة.

5- التركيز على مسالة الحوكمة داخل المؤسسات التي تنتفع بهذا القانون و ذلك بترك مسالة حوكمة المؤسسة و طريقة ادارتها الى اجتهاد قاضي المؤسسة الذي يمكنه تغيير تركيبة مجلس الادارة  و طريقة عمله و حتى اللجوء الى كفاءات من خارج مجلس الادارة المعين كاستجلاب اعضاء مجلس  ادارة مستقلين

إن الوضع الإقتصادي الصعب و ما نتج عنه من  وضع إجتماعي هش يدفعنا لمزيد العمل على ترسيخ ثقة المستثمرين في المنظومة القانونية و الإقتصادية لبلادنا و ذلك بالشروع فورا في دراسة إستراتيجية تشمل الإصلاحات الكبرى و العاجلة بطريقة تشاركية و متأنية تضمن التناغم بين النصوص القانونية لضمان حسن تطبيقها و فاعليتها.
لا نشك في أن القانون الحالي يعتبر من القوانين الحديثة و المشجعة على الإستثمار إلا أنه يستوجب مراجعة معمقة و تقييما فعليا خاصة بعد تنقيحي 1999 و 2003 اللذان أفرغاه من محتواه بتكريس هيمنة الدائننين و المؤسسات البنكية.
هذا القانون و على الرغم من مساهمته في الحفاظ على نسبة هامة من النسيج المؤسساتي و فرص العمل – دون المساس بحقوق الدائنين- فإنه  يبقى مشوبا بعدة علل تعتبر عائقا أمام الإستثمار و المبادرة  و هو ما يستدعي بالضرورة تنقيحه  لكن في ظروف ملائمة إقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا.
حاوره أبو فرح

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *