جريدة الخبير

حسب أراء بعض المحلّلين:السبل الاقتصادية والاجتماعية الناجعة لدعم الانتقال الديمقراطي

Economie-tunisienne1phoyo chomage

إعداد: هاجر عزّوني

إنّ الركود والارتباك وأحيانا التوقف في السير الطبيعي لبعض القطاعات الاقتصادية بعد الثورة مباشرة نظرا لما يصاحب الثورات عادة من فوضى وانفلات وانهيار للانضباط العام، فقد ورثت تونس تركة اقتصادية ثقيلة كشفت عن حجم التناقض بين واقع ما قبل الثورة وما بعدها أي الواقع الحالي الذي لا يبعد وصفه كثيرا عن الوضع الكارثي.

فنسبة نمو الاقتصاد كانت سلبية حيث بلغت 0,8 % مقابل 2,3 % سنة 2014، كما كشفت الأرقام أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 618,8 ألف عاطل بنسبة تتجاوز 15,4% من القوة العاملة نظرا لهذا التعثّر والانكماش الاقتصادي بالإضافة الى المؤشرات السلبية لأداء الاقتصاد والمالية العامة والدين الخارجي.

أما على الصعيد الاجتماعي، فإنّ تونس تعاني من نسبة عالية من الفقر تمس ربع سكان تونس حيث وصلت إلى نحو 20%، وذلك وفقاً للمقاييس العالمية التي تحدد عتبة الفقر بدولارين للفرد الواحد يومياً. ونظرا لاختلال ميزان التنمية الجهوية سواء في العهد السابق أو في عهد الرئيس بورقيبة،  فإن الفقر يسود في أغلب المناطق ما عدا الشريط الساحلي حيث تتركز المشاريع التنموية الكبرى وتُضخ رؤوس الأموال والاستثمارات الداخلية والخارجية وخاصة في القطاع السياحي الذي يشغل نسبة نحو 12% من اليد العاملة التونسية.

ففي بلادنا ترتفع نسبة الفقر في المناطق الداخلية وخاصة في الجنوب والغرب والجنوب الغربي حيث تتركز الاحتجاجات وتتواصل منذ انطلاق شرارة الثورة وإلى يومنا هذا، مطالبة بتحسين ظروف العيش وتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات الأساسية المتردية في جل تلك المناطق المحرومة.

وعلى هذا الأساس استمرّت البحوث والملتقيات لنقاش أهم المسائل والسبل الاقتصادية والاجتماعية لدعم الانتقال الديمقراطي والنهوض بالبلاد إلى ركب الدول المتقدمة وخلق التوازن والتوافق داخل البلاد واستحثاث نسق النمو.

ويبقى دائما السؤال المطروح هو «ما هي أنجع السبل الاقتصادية والاجتماعية لدعم الانتقال الديمقراطي والتي اتفق عليها الاقتصاديّون التونسيّون؟»

ونظرا لأهمية هذا الموضوع قرّرنا استجلاء آراء أهل الاختصاص والمعنيّين وجاءت إجاباتهم كما يلي:

آرام بالحاج

بالحاج

(خبير اقتصادي ودكتور جامعي)

«لابدّ من استصاغة سبل كفيلة بالاعتماد على تجارب الانتقال الديمقراطي والاقتصادي في العالم»

من المؤسف أن ّ الخطاب السياسي و التجاذبات الحزبية طغت على المشهد التونسي. زد على ذلك، فإنّ كلّ حزب له رؤيته الإقتصادية والإجتماعية وحتّى الرباعي الحاكم لا يلتقي في الكثير من النقاط. ومن هنا ، نفهم غياب الرؤية الواضحة للحكومة التي تفتقد إلى برنامج متكامل تُحدّدُ فيه الأولويّات وتُذّلل من خلاله الصعوبات.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي 2011 عجزت على الخروج بالبلاد بصفة عامة وبالإقتصاد الوطني بصفة خاصة من المأزق. ولئن أمكن ايجاد بعض الأعذار لحكومات انتقالية ذات أهداف حينية، فإنّه لا يمكن فهم التردد الكبير وغياب التفعيل اللازم لوعود من طرف حكومة شرعية منتخبة لفترة متوسطة المدى (5 سنوات).

لقد لاحظنا منذ الإنتخابات الأخيرة توتر المناخ العام وهروب القائمين على تسيير شؤون البلاد نحو ايجاد الحلول السّهلة (مصالحة اقتصادية، دعم مالي للعاطلين عن العمل، تفاوض مع أكبر المهربين…) عوض المضي قدما في تقديم حلول إقتصادية وإجتماعية بديلة فعالة على المستوى الإقتصادي، وإن تكن مُكلفة على المستوى السياسي.

كلّ المؤشرات تبيّن كما أسلفتم أنّ الإقتصاد التونسي يعاني من مشاكل هيكليّة زادت تعقيدا بغياب الرؤية والحنكة في معالجة الأمور الإقتصادية والإجتماعيّة العاجلة والآجلة. فنسبة النمو تهاوت لتصل إلى 0.8% فقط في 2015 ونسبة بطالة حاملي الشهائد العليا مازالت مرتفعة جدا في حدود 32% ونسبة التضخم لم تتحسن كثيرا لتستقر في حدود 4.1% ونسبة العجز في الموازنة، رغم التحسن، تبقى مهمّة 4.4% ونسبة التداين بلغت رقم قياسي 53%. رغم هذا، أعتقد أن الفرصة لا تزال متاحة للخروج من الأزمة شرط أن تتوفر كلّ مقومات النجاح. فلا توجد على سبيل المثال حلول اقتصادية واجتماعية يمكن بلورتها في غياب توافق كلّي على برنامج متكامل يشارك فيه كلّ الفاعلين على الساحة الوطنيّة.

في هذا الإطار، أعتقد انه وجب تنظيم مؤتمر إنقاذ وطني لوضع برنامج اقتصادي واجتماعي تحدّد فيه الاولويات وتُناقش من خلاله الخيارات والآليات الكفيلة بتطبيقه.

نشير إلى أنه بالرجوع إلى بعض تجارب الإنتقال الديمقراطي والإقتصادي في العالم، يمكن لنا أن نستصيغ بعض السبل الكفيلة للخروج من الوضعية الصعبة التي يعيشها الإقتصاد الوطني. من بين هذه السبل هي المضي قدما في الحفاظ على الأمن والإستقرار لأنهما عاملان رئيسيان في إعادة الثقة للمستثمرين المحليين والأجانب. ثانيا، وجب إقناع كل الأطراف الإجتماعية على تهدئة المناخ والإتفاق حول خارطة الطريق أين يقع وضع المصالح الإقتصادية العليا للبلاد فوق كل اعتبار دون تهميش الجانب الإجتماعي.

من جهة أخرى وجب على الماسكين بزمام الأمور في البلاد محاربة الفساد ومقاومة التهرب الضريبي والإبتعاد عن رفع الشعارات بالحرص على تطبيق القانون وايجاد السبل الكفيلة لدحر هذا السرطان الذي ينخر الإقتصاد.

في نفس الإطار، وجب معالجة قضية الإقتصاد الموازي والعمل على تفعيل كل الآليات المتاحة لإعادة اندماج جزء كبير من الثروة إلى الدورة الإقتصادية الرسمية. يمكن لهذا أن يتم عبر تفعيل المراقبة الحدودية وإنشاء مناطق حرّة ورفع القيود الإدارية والبيروقراطية على المستثمرين الشبان…

أخيرا، وجب الإتفاق في أقرب وقت ممكن على أهم التوجهات الإقتصادية والإجتماعية ووضع جداول زمنية معقولة  لمجمل الإصلاحات الكبرى في شتى الميادين مع الحرص على الأخذ بعين الإعتبار الخصائص الجهوية للبلاد.

جنّات بن عبد الله (أستاذة جامعيّة ومحلّلة اقتصادية)

180630_109835455757421_5491677_n

«اصلاحات جوهرية دون وجاهة في المضامين»

إنّ البرنامج الوطني للاصلاحات الجوهرية 2016- 2020 الذي قدمه رئيس مجلس التحاليل الاقتصادية المكلف بالاصلاحات الكبرى برئاسة الحكومة كشف مرة أخرى  فشل الجهات والأطراف المكلفة من قبل الحكومة بالملف في القطع مع منوال التنمية القائم والذي أفرز مزيدا من البطالة والتهميش والتفاوت الجهوي والفقر والركود الاقتصادي.

ما جاء في هذا البرنامج هو عبارة عن محاولة ترتيب توصيات صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وهي توصيات لم تخرج عن سياقها المعتاد والمقترحة لكل البلدان التي تعاني ازمات في كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مثل تونس تاركين هامش تحرك «لصناع القرار» في هذه البلدان لأقلمة الوصفات وترجمتها باللغة الأم وتقديمها على أساس انها نابعة من العقل الوطني.

المطلع على هذه الوثيقة يكتشف ان من وضعها لا ينتمي لهذا البلد الذي عبر بطريقته عن رفضه لخيارات اقتصادية لا تخدم تطلعاته ولا أولوياته الوطنية … وثيقة فاقدة لروح التغيير وغير متجذرة في تفاصيل حياتنا اليومية … هي وثيقة يغلب عليها الطابع الاكاديمي الساذج الفاقد للتجديد ولمجهود الابتكار سواء في مستوى التشخيص أو المقترحات.

عنوان الوثيقة «البرنامج الوطني للاصلاحات الجوهرية 2012-2020» هو عبارة عن قائمة لاصلاحات جوهرية ترمي كما جاء في الوثيقة الى «الانتعاش والترفيع في نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي» لوضع لم يحظ في هذه الوثيقة بتحليل نقدي علمي ونزيه حيث اكتفت بالهروب الى الأمام دون التعمق في العلل والاخلالات التي قادت الى تدهور وضع يستوجب الاصلاح بمفهومه الحقيقي وليس بمفهومه السياسي السطحي. فعندما نتحدث عن اصلاحات جوهرية لوضع اقتصادي مريض فهذا يعني ان الاصلاح يندرج في اطار رؤية لمسار تنمية جديد يختلف عن القائم في محاوره الجوهرية ويستند الى آليات وبرامج نابعة من الخصوصية المحلية والجهوية والوطنية. فالمتتبع للمحاور الخمسة التي يستند اليها البرنامج والمتمثلة في تطوير تمويل الاقتصاد، وتعزيز توازنات المالية العمومية وتطوير الموارد البشرية، ومراجعة سياسة الحماية الاجتماعية، وتدعيم الاطار المؤسساتي والتنظيمي، يجد نفسه في فراغ منهجي باعتبار ان هذه المحاور لم تنبع من مقتضيات برنامج اقتصادي واضح لحكومة لها رؤية لمشروع مجتمعي تتطلع الى تطبيقه.

ومرة أخرى تعكس هذه الوثيقة ضعف الحكومة وخلفها الاجهزة والأطراف التي اختارتهم لضبط خيارات من المفروض انها تخدم المصلحة الوطنية. ما جاء في هذه الوثيقة هو محاولة لتمرير اجندات ستساهم في تأزيم الوضع باعتبار الاصرار على تعويم المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المشهد الاقتصادي والاجتماعي.

اعادة انتاج الأخطاء

في الباب المتعلق «بالاصلاحات الضرورية للانتعاش المحتمل للنمو» يوضح منسق البرنامج توفيق الراجحي، الذي عمل في حكومتي الترويكا وكان وراء سياسة الانتعاش الاقتصادي التي تبنتها الترويكا انذاك والتي تقوم على سياسة توسعية للدولة من خلال الترفيع في نفقاتها العمومية في باب التنمية لخلق الثروة وتوسيع القاعدة الجبائية بما يؤمن في مرحلة لاحقة مداخيل اضافية جبائية للميزانية، يوضح ان اهداف الاصلاحات التي تتمحور في 80 نقطة ترمي الى تحقيق نسبة استثمار عالية وتوجيه المنظومة الاقتصادية نحو الانشطة المتجددة التي يجب ان تنشط في محيط تنافسي.

لن نعبر في هذا المستوى عن استغرابنا من التطابق الموجود بين برنامج الترويكا وبرنامج حكومة الائتلاف فهو امر واضح للعيان ولا يقتصر على القاسم المشترك بينهما وهو رئيس مجلس التحاليل الاقتصادية الذي كان وراء فشل الترويكا في المستوى الاقتصادي من خلال الاحصائيات حيث تراجعت حصة نفقات التنمية في ميزانية الدولة بفضل السياسة التوسعية من 24 % في سنة 2010 الى 18 % في سنة 2013 مع تعطل الانجاز الى اليوم، فهذا التطابق لم يأت صدفة فهو مبرمج ويبدو أنه يرمي الى تغطية اخطاء الترويكا من جهة، واعادة انتاج أخطائها من جهة اخرى لاقناع الرأي العام بضعف هذه الحكومة التي فشلت في كل ما انخرطت في تنفيذه مقارنة بالنتائج الهزيلة والهزيلة جدا لحكومتي الترويكا والتي يتباهى بها اليوم قياديو النهضة بكل غرور السياسي الفاشل.

الوفاء للجهات المانحة

في المحور الثاني المتعلق بتدعيم توازنات المالية العمومية بينت الوثيقة في النقطة الثانية منها حول «تعصير ادارة الديوانة» ان الهدف من اصلاح منظومة الديوانة هو تدعيم القدرات لتنمية المداخيل الديوانية، وتسهيل المبادلات ومقاومة التهريب والفساد وهو نفس الهدف الذي جاء به برنامج الترويكا الرامي الى توفير موارد اضافية لميزانية الدولة الا ان تحقيقه تأخر بسبب انتظار الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لتتحسن الأوضاع السياسة بعد الانتخابات لتسريح الاعتمادات الموجهة لتنفيذ برنامج اصلاح الديوانة والذي كان من نصيب وزير المالية الحالي الذي برهن عن وفائه للجهات الممولة وطبق البرنامج دون أي تحوير او تغيير ضاربا عرض الحائط الحلول الحقيقية القادرة على حماية اقتصادنا من الاغراق والبضاعة المقلدة والمنافسة غير الشرعية.

برنامج اصلاح المنظومة الديوانية جاء مسقطا ولم يراع الخسائر التي تكبدتها ميزانية الدولة منذ سنة 1996 تاريخ تطبيق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي نتيجة تفكيك المعاليم الديوانية الموظفة على المنتوجات الصناعية الموردة في الاتحاد الأوروبي، خسائر قدرت فيما بين 20 و23 مليار دينار بين سنتي 1996- 2008.

وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه مراجعة لسياسة التجارة الخارجية في بلادنا في اتجاه اعادة النظر في سياسة تحرير التجارة الخارجية في المطلق واقرار الاجراءات الحمائية الوقتية (les clauses de sauvegarde) التي تسمح بها احكام اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة في ظل الدمار الذي لحق بقطاعات النسيج والملابس الجاهزة والجلود والأحذية والبناء والكهرباء وقطاع الخدمات … تصطدم باصلاحات ترمي الى مواصلة العمل في نفس الاتجاه الذي اقرته البرامج الرئاسية للنظام السابق، والمتمثلة في تبسيط الأداءات الديوانية في اتجاه اقرار نسبتين من المعاليم وهي نسبة 0 % توظف على المواد الأولية ونصف المصنعة ومواد التجهيز التي ليس لها مثيل في تونس ونسبة 20 % توظف على المنتوجات النهائية، مع الحفاظ على نسبة 24 % الموظفة على المنتوجات الفلاحية في انتظار الانتهاء من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في اطار اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق.

في هذا الباب المتعلق باصلاح المنظومة الديوانية يتضح ان منسق البرنامج الوطني للاصلاحات الجوهرية لم يبذل اي مجهود في المجال واكتفى بادماج الاصلاحات المقترحة من الخارج في  برنامجه دون تحليل لابعادها وتداعياتها على مداخيل الدولة … موقف نفهمه في ظل اصرار هذه الحكومة على عدم القيام بدراسة تقييمية لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1995 بعد عشريتين من التطبيق.

تعدد من أجل التعويم

من جهة اخرى اخذت الاصلاحات المتعلقة بتمويل الاقتصاد حيزا هاما في الوثيقة حيث تركزت الاصلاحات في هذا الباب على البنوك العمومية خاصة والقطاع البنكي بصفة عامة، وعلى مراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي، محاور شكلت شروط الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لتسريح اجزاء من القروض بعنوان دعم ميزانية الدولة … لنتساءل في اخر المطاف عن المجهود الذي قامت به الأطراف المشاركة في اعداد البرنامج ومنسقه من اجل اعطاء رؤية اصلاحية لوضع اتضح انه بعيد عن الواقع التونسي ومشاكله الحقيقية.

تساؤل أخير نسوقه في هذا السياق بخصوص جدوى تعدد الجهات المعنية بتصميم الاصلاحات الجوهرية.

فبعد الولادة العسيرة والتي تطلبت اكثر من سنتين لانجاز الوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية 2016- 2020 والذي تضمن ملامح الخيارات والتوجهات في اطار مسار اصلاحي من قبل وزارة التنمية والتعاون الدولي والاستثمار يخرج رئيس مجلس التحاليل الاقتصادية المكلف بالاصلاحات الكبرى للاعلان عن البرنامج الوطني للاصلاحات الجوهرية … برنامج لم يخرج عن سياقه التقليدي للبرامج الرئاسية للنظام السابق، وجاء وفيا لتوصيات ومقترحات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي … سننتظر في الأيام القليلة المقبلة مساهمة المكلف بالاصلاحات الاقتصادية برئاسة الجمهورية ليدلو بدلوه ويقدم لنا برنامجه الاصلاحي … وضع يكشف وبكل مرارة عن ضياع الدولة وفقدان الحكومة لبوصلة الاصلاحات.

ولقد كشفت الدراسات عن حقيقة اتفاقيات الشراكة وتداعياتها في البلدان النامية مثل المكسيك التي ابرمت اتفاقية تبادل حر مع الولايات المتحدة الامريكية وكندا، وهي تعاني اليوم من اثارها السلبية ليتفاقم عدد الذين يعيشون تحت عتبة الفقر من 20 مليون شخص قبل الاتفاقية الى 60 مليون شخص بعد الاتفاقية.

ومع تنامي المواقف الدولية الرافضة لاتفاقيات الشراكة واخرها الموقف الأوروبي المتردد تجاه اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة نعبر عن استغرابنا من مواقف بعض الخبراء الاقتصاديين التونسيين وتجاهلهم لتحديات وتداعيات اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق.

في هذا السياق، فإنّ منتدى المستقبل الذي نظّمته الجمعية التونسية للاقتصاديين الأسبوع الفارط بالتعاون مع المركز الأمريكي للبحوث الاقتصادية، لم يتعرض لهذا الملف عند تناوله «للسبل الاقتصادية والاجتماعية للخروج من الأزمة التي تعيشها تونس اليوم» في الوقت الذي تشكل فيه هذه الاتفاقية محور الإصلاحات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية إلى حدود سنة 2020 وما بعد حيث تم اعتمادها كأحد المحاور الأساسية للوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية 2016- 2020. هذا التجاهل نلاحظه أيضا في البرنامج الوطني للإصلاحات الجوهرية الذي قدمته رئاسة الحكومة في نهاية الأسبوع الماضي .. تجاهل يفسر إما بتعمد بعض الأطراف عدم التطرق للموضوع حتى لا تتورط مع الاتحاد الأوروبي وتضمن لنفسها تموقعا في المشهد، أو يفسر بتعمد التستر على حقيقة هذه الاتفاقية في إطار سياسة التعتيم الإعلامي في انتظار أن يسدل الستار على المشهد الثاني بعد المصادقة على الاتفاقية من قبل مجلس نواب الشعب وتسليم مقود السيادة الوطنية للقوى الخارجية.

لطفي المرايحي (دكتور وأمين عام الاتحاد الشعبي الجمهوري)

lotfi

«لابدّ من انتهاج سياسة حمائية للقطاعات ذات القدرة الإنتاجية»

إن الوضع كما وصفتموه كإرثي و استمراره يهدد البلاد بعواقب تفتح أمام البلاد أبواب المجهول. فاستمرار الأزمة الاقتصادية و بطالة الشباب سيقود حتما إلى ثورة شعبية لا يعلم أحدا مآلها. و قد كانا في الاتحاد الشعبي الجمهوري و على مدار السنوات الأربع الأخيرة ندق نواقيس الخطر و ننبه إلى حتمية معالجة الأزمة الاقتصادية دون أن تتلقف ندائنا آذان صاغية. و رغم حدة الأزمة و دقتها و إلحاحها و ضرورة الإسراع بمعالجتها و رغم وجود حلول واقعية و ناجعة لها، فان البلاد تسير رغما عنا إلى مدار الإفلاس و الهزة الشعبية. و ما إحداث جانفي الأخيرة سوى عينة مصغرة لما ينتظرنا في قادم الأيام. و لعل السؤال المهم الذي يتبادر للذهن هو، لماذا و الحال على ما هي عليه، لم تقم أية حكومة من التي تولت الحكم بعد الثورة بتصحيح المسار و بانتهاج سياسات اقتصادية مغايرة مدام أصبح بينا و جليا أن السياسات المتبعة أبانت عن فشلها و تسببت في ما آل إليه الوضع. خاصة و أن غالبية المحللين يجمعون على إن ثورة 14 جانفي كانت نتيجة إخفاق السياسات الاقتصادية و الاجتماعية المتبعة. للإجابة على هذا السؤال الذي تترتب عنه الحلول التي نراها كفيلة بمعالجة الأزمة لا بد أن ندرك أولا أن كل نظام سياسي يقف على أسس منظومة اقتصادية تسنده. لذلك سعى نظام بن علي إلى الارتكاز على فاعلين اقتصاديين يتمحورون حول عائلته و من لف لفها. و لما سقط بن علي و فر من فر، و بعد مرحلة قصيرة من التوجس تحرك اصحاب النفوذ المالي لبسط سيطرتهم مجددا و ذلك من خلال بناء نظام و سلطة سياسية تأمن مصالحهم. فاستدرجوا حركة النهضة من الشق الثوري الى الشق الداعي الى الاستمرارية و التطبيع مع قوى ما قبل 14 جانفي ثم ساهموا في اعادة بناء شبكات التجمع تحت مسمى النداء بفضل التجييش الاعلامي الممنهج. بذلك وقع قطع الطريق امام المراجعات الاقتصادية التي قد تتهدد مصالحهم.  فتمادينا في انتهاج سياسة فتح اسواقنا امام المنتوجات الاجنبية. و حاولت الحكومات المتعاقبة عبثا دفع الاقتصاد بالاعتماد على الانفاق العمومي و التوسع في الموازنة العمومية فلم تجني سوى مزيد من التظخم المالي و الافراط في المديونية. و كان منتظرا ان تكون النتائج على هذا النحو مادام الطلب المحلي يلبى في اغلبه بعرض خارجي. فاختلال الميزان التجاري بلغ ارقاما قياسية نتيجة افراط المهيمنين على المشهد الاقتصادي في استيراد السلع الاستهلاكية. و هكذا وقع التمادي في النهج الذي قاد البلاد الى الثورة بل وقع تعميقه و الاطناب فيه. و طبعا لا يحفز هدا الوضع على الاستثمار الان السوق المحلية مستباحة من السلع الاجنبية ذات القدرة التنافسية العالية سوى من حيث الكلفة او الجودة. و تونس اليوم بما يحدق بها من مخاطر امنية و اجتماعية ليست مقصدا جذبا للاستثمار الاجنبي خاصة و نحن نعلم ان مقصده الاساسي كان قطاع الطاقة و المناجم. و لما كان الطيف السياسي الحاكم اليوم هو صناعة اصحاب النفوذ المالي فانه يستحيل ان تقع مراجعة الخيارات الاقتصادية.

و مع ان الحل سهل يقوم على تحويل الطلب الداخلي الى العرض الداخلي. لكن هذا يتطلب حتما انتهاج سياسة حمائية تشمل فقط القطاعات التي لنا فيها قدرة انتاجية. مما سيدفع مؤسساتنا الى الاستثمار لتلبية الطلب الداخلي المتزايد و الى انتداب عمالة اضافية. و ستساهم هذه الانتدابات في مضاعفة الطلب الداخلي مما يدفع بدوره الاستثمار و التشغيل. عندها تتوفر الموارد الضرورية لاصلاح جميع القطاعات الاجتماعية و تستعيد الدولة دورها الطبيعي.

ولكن يبقى هذا الحلول رهين ارادة سياسية وعزم لا نرى لهما اليوم أثر.

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *