جريدة الخبير

المعهد العربي لرؤساء المؤسسات: ارتفاع أسعار “النحاس” يهدد مستقبل الصناعة التونسية !

حذر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، أمس، في وثيقة تحصلت “الصباح” على نسخة منها، من ارتفاع أسعار المعادن في العالم، وتأثيرها على الاقتصاد التونسي خلال الفترة القليلة القادمة، خصوص وأن هذا الارتفاع طال إحدى أبرز المواد الخام في الصناعة التونسية وهي مادة النحاس، لافتا إلى أن الاقتصاد التونسي مثل بقية اقتصادات المنطقة سيتأثر بهذا الارتفاع في الأسعار، خاصة في المواد المستوردة والتي تعتمد على النحاس كمادة خام أو كجزء من تركيبتها (أسلاك كهربائية وكابلات ومكونات إلكترونية، وصناعة أدوات ومعدات البناء).

ووفق ذات الوثيقة، شهدت أسعار المعادن، خاصة الذهب، ارتفاعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، خاصة مع اندلاع الصراع في الشرق الأوسط في أكتوبر 2023. وقد ارتفع سعر الذهب ليتجاوز الـ2400 دولار للأونصة (أوقية) خلال شهر أفريل 2024، بعد أن كان 1800 دولار للأونصة قبل بداية الصراع، بزيادة تقدر بحوالي 33%.

وحسب المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، يعود الارتفاع في أسعار المعادن إلى عدة عوامل، أهمها الصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث أدت الصراعات في المنطقة، مثل اليمن وسوريا، إلى زيادة عدم الاستقرار في، مما أدى إلى زيادة الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب والفضة.

كما أثرت التوترات في البحر الأحمر على حركة التجارة العالمية، مما أدى إلى زيادة تكلفة الشحن ونقص الإمدادات، مما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار المعادن، كما أدى استمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى زيادة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، مما أدى إلى زيادة الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب والفضة.

وحافظ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على سعر الفائدة دون تغيير بين 5.25 و5.5% في الأول من ماي 2024. وقد أدى هذا الاستقرار إلى جعل الأصول ذات العائد المنخفض مثل الذهب والفضة أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن أصول الملاذ الآمن.

ويعتبر الذهب والفضة وسيلة للتحوط ضد التضخم ومصدرا آمن للادخار، نظرًا لميلهما للارتفاع خلال فترات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية. ويؤدي ارتفاع أسعار هذه المعادن إلى عدة تأثيرات على الاقتصادات العالمية والعربية، تشمل زيادة التضخم، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار المعادن إلى زيادة التضخم، خاصة في الدول التي تعتمد على استيراد المعادن مثل تونس، كما يمكن أن تؤدي زيادة عدم اليقين الاقتصادي إلى انخفاض الاستثمار، مما قد يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي، كما يمكن أن تؤدي زيادة أسعار المعادن إلى زيادة أرباح الشركات المنتجة للمعادن.

وارتفعت أسعار المعادن بشكل كبير في الآونة الأخيرة، مدفوعة بعدة عوامل جيوسياسية واقتصادية. وقد أدى هذا الارتفاع إلى عدة تأثيرات على الاقتصادات العالمية والعربية.

ارتفاع أسعار النحاس

وشهدت أسعار النحاس ارتفاعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، حيث وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ مارس 2022، عند 10,745 دولارًا للطن في بورصة لندن للمعادن في 2 ماي 2024. ويرجع هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، أهمها زيادة الطلب على النحاس، حيث يُتوقع أن ينتعش الاقتصاد العالمي في عام 2024، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على النحاس من قبل الصناعات التحويلية، كما يتطلب الانتقال إلى الطاقة النظيفة كميات كبيرة من النحاس، حيث يُستخدم في تصنيع توربينات الرياح والألواح الشمسية والبطاريات، كما من المتوقع أن ينمو قطاع البناء في عام 2024، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على النحاس.

وأدت التوترات الجيوسياسية في بعض الدول المنتجة للنحاس، مثل تشيلي وبيرو، إلى انخفاض الإنتاج، بالإضافة الى فرض الحكومات قيودًا بيئية على استخراج النحاس، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج، وأيضا انخفاض الاستثمار في استكشاف مناجم النحاس الجديدة، مما أدى إلى نقص في الإمدادات.

تأثير ارتفاع أسعار النحاس على الاقتصاد التونسي:

وحسب ما خلصت إليه وثيقة المعهد العربي لرؤساء المؤسسات فإن ارتفاع أسعار النحاس يؤدي بالنهاية إلى عدة تأثيرات على الاقتصاد التونسي، تشمل زيادة تكاليف الإنتاج، حيث يُستخدم النحاس في العديد من الصناعات، مثل صناعة السيارات والإلكترونيات والبناء. وسيؤدي ارتفاع أسعار النحاس إلى زيادة تكاليف الإنتاج في هذه الصناعات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين.

صناعات تونسية مهددة

وتُصدر تونس بعض المنتجات التي تحتوي على النحاس، مثل الأسلاك الكهربائية والكابلات. وسيؤدي ارتفاع أسعار النحاس إلى انخفاض الصادرات التونسية، مما قد يؤثر سلبًا على الميزان التجاري، كما سيؤدي ارتفاع أسعار النحاس إلى زيادة الضغوط التضخمية في تونس، مما قد يؤدي إلى اتخاذ البنك المركزي التونسي لسياسات نقدية أكثر تشددًا، مثل رفع أسعار الفائدة.

وواجه القطاع الصناعي في تونس منذ اندلاع الحرب شرق أوروبا مخاطر كبيرة من قطع إمدادات المواد الأولية وشبه الأولية عن أوروبا والعالم بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية التي دخلت مرحلة التصعيد، وصلت الى حد إصدار قرارات من كلا البلدين بوقف تصدير كافة المنتجات الخام عن العالم، الأمر الذي بات يهدد نشاط مئات المصانع في تونس التي يعتمد جزء منها على هذه المواد الخام القادمة من شرق أوروبا، ولا بديل لها على الصعيد العالمي، كالمواد التي تدخل في تصنيع الالكترونيات أو الألمنيوم، وأشباه الموصلات، والتي تعتمد عليها العديد من القطاعات الصناعية في البلاد.

ويعتمد الاقتصاد التونسي على الصناعة كأحد القطاعات الإستراتيجية التي توفر العملة الصعبة للبلد المرهق ماليا، علما وأن 70٪ من صادراتنا قادمة من التصنيع، وذلك وفق أحدث دراسة أعدها المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية في جانفي 2022. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الصناعة تساهم سنويا بنحو 28.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتوفر قرابة 34 في المائة من فرص العمل للقوة العاملة النشطة.

وارتفع عدد الشركات التي تواجه صعوبات كبيرة منذ ظهور جائحة كورونا، وسجل المعهد الوطني للإحصاء في سبر آراء جديد ارتفاع نسبة هذه الشركات خلال السنوات الثلاث الأخيرة الى 59.4 ٪ ، وهي شركات أقرت بوجود صعوبات كبيرة على مستوى الترويج ونقص الطلب وصعوبة التزود بالمواد الأولية في ظل ارتفاع الأسعار العالمية.

خسائر غير منتظرة

ويتوقع أن تشهد الصناعة التونسية مع ارتفاع أسعار المواد الخام، وخاصة النحاس، خسائر في الأشهر القليلة القادمة تتراوح بين 30 و40% من القدرة الإنتاجية، بسبب غياب المواد الأولية وشبه الأولية، حيث تعتمد تونس في تصنيعها على عديد المواد المستوردة كليا، وبدأت العديد من المؤسسات الصناعية اليوم سواء كانت أجنبية أو محلية، تجد صعوبات في الإيفاء بالتزاماتها، تزامنا مع تراجع مخزونها من المواد الحديدية والألمنيوم والنحاس، وكذلك الرقائق الالكترونية المستعملة في العديد من الصناعات، أبرزها مكونات السيارات في تونس.

ويواجه الاقتصاد التونسي تحديًا متزايدًا يتمثل في نقص المواد الخام. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أهمها الاعتماد على الواردات، حيث تعتمد تونس بشكل كبير على استيراد المواد الخام، مثل الطاقة والمعادن والحبوب، كما تؤدي التغيرات المناخية إلى نقص بعض المواد الخام، مثل المياه، ويؤدي النمو السكاني إلى زيادة الطلب على المواد الخام، كما تؤدي الصراعات الجيوسياسية إلى تعطيل سلاسل التوريد ورفع أسعار المواد الخام. وحسب العديد من الخبراء الاقتصاديين، يؤدي نقص المواد الخام إلى زيادة تكاليف الإنتاج، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين، وقد تؤدي زيادة تكاليف الإنتاج إلى انخفاض الاستثمار، مما قد يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي، كما قد يؤدي نقص المواد الخام إلى انخفاض الصادرات، مما قد يؤثر سلبًا على الميزان التجاري.

تنويع مصادر المواد الخام

ومن الحلول الممكنة، لتخفيف وطأة تراجع المواد الخام، يدعو العديد من الخبراء الى ضرورة أن تعمل تونس على تنويع مصادر المواد الخام لتقليل الاعتماد على الواردات. كما يجب على تونس الاستثمار في البحث والتطوير لإيجاد بدائل للمواد الخام النادرة، وتعزيز كفاءة استخدام المواد الخام من خلال إعادة التدوير وإعادة الاستخدام.

وجدير بالذكر، أن نقص بعض المواد الخام خلال الفترة القليلة القادمة، يشكل تحديًا كبيرًا للاقتصاد التونسي، ويجب على تونس اتخاذ خطوات لمعالجة هذا التحدي من خلال تنويع مصادر المواد الخام، والاستثمار في البحث والتطوير، وتعزيز كفاءة استخدام المواد الخام، والبحث عن أسواق بديلة للمواد الخام بأقل الأسعار لإنقاذ بعض الصناعات الثقيلة من أي تهديد فجئي قد يطرأ على مخزون المواد الخام .

0 Shares