جريدة الخبير

السيد «نجيب حشانة» سفير سابق: التحولات و التغيرات و الجيوستراتيجية العميقة التي شهدها العالم على مر التاريخ

تعتبر التحولات و العلاقات القائمة بين الدول صنعا بشريا خالصا. فإذا لم يكن الجسم البشري قويا و ملقحا و مستعدا و منتبها.. فإنه سيضعف و يمرض ثم يموت. تتأثر هذه العلاقات الدولية و تحولاتها بالوضع العالمي، مثلما تؤثر الأمراض على الجسم البشري. فلا بد إذن أن نكون منتبهين و مستعدين من خلال التحليل و التقييم و المبادرة و الفاعلية، كما يجب أن لا نكون مجرد شهود جامدين.

تميزت بداية القرن الواحد و العشرين باضطرابات و تقلبات عميقة و كبيرة، و ظهور معطيات جيوستراتيجية و جيواقتصادية… و هي مصطلحات جديدة من اختراع هذا العصر، رافقت التطور الرهيب للعالم الإفتراضي و الرقمي. و يعود تقلب هذا الوضع و اضطرابه، إلى وضع سابق راجع إلى الثلاثة عقود المنصرمة من القرن العشرين. و قد ظهر بعد الحرب العالمية الثانية قطبان، القطب الحر أو ما يسمى بالدول الليبرالية التي تقودها أمريكا. و لنا من جهة أخرى العالم الإشتراكي الشيوعي.. و كان التنافس بين هذان القطبان شديدا من أجل التمركز و تأمين مناطق النفوذ و كسب المنافع. لكن ما ميز هذه الفترة أنه في خضم هذا الصراع الثنائي الذي تضاف إليه موجة تحرير البلدان من براثن الإستعمار، ظهر ما يسمى بدول عدم الإنحياز، و قد كان لهذه الدول دور كبير، بفضل ما لها من نخب رائعة على مستوى رؤساء الدول و وزراء الخارجية. و قد ساهمت في إعلاء شأن التعاون و العلاقات متعددة الأطراف، من ما ساهم في إرساء الإستقرار و الحد من التوتر و التصعيد… و كانت شروط العمل الدولي آن ذاك جد ميسرة.

و تتواصل التغيرات و الإضطرابات، وصولا إلى سقوط حائط برلين و انهيار الإتحاد السوفيتي، و ما شهدته نيويورك من أحداث إرهابية سنة 2001، حيث تغيرت الصورة تماما، من خلال تولي الولايات المتحدة الأمريكية إدارة العالم بقوة.. و عليه فقد سقط العالم الحر، في حين توسعت أمريكا و امتدت مستعملة كل وسائل الجيوستراتيجية و الجيواقتصادية من أجل كسب عدد أكبر من مناطق النفوذ و السيطرة على الثروات العالمية و توفير الأسواق اللازمة لسلعها.. و هنا أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تستعمل كل الأساليب اللينة منها و القوية، كالترهيب و الضغط و القواعد العسكرية و العقوبات الأحادية و الترغيب… و أمام هذا المخاطب الأوحد و بعد استرجاع روسيا لأنفاسها، رفقة الصين و صعود عدة بلدان أخرى كالبرازيل و الهند و جنوب أفريقيا… تكونت مجموعة سعت إلى الحد من سيطرة القطب الأوحد على إدارة شؤون العالم و التفرد بغنائمه. و بذلك أصبحنا نعيش ضمن عالم متعدد الأقطاب.. و عليه فقد كانت البداية مع عالم يتنازعه قطبان ثم قطب واحد، ثم أصبحنا اليوم نعيش ضمن عالم متعدد الأقطاب. و يكشف لنا هذا التحول الإضطرابات العميقة، من خلال تغير الوسائل و الأساليب. و قد كانت العولمة من أبرز مظاهر النظام العالمي الجديد. و لكن هذه العولمة تتفاعل عكسيا، إذ تتجه نحو نزعة إقليمية سياسية اقتصادية، و أكثر من هذا نجد نزعة انعزالية مثل التي شهدناها مع «دونالد ترامب»… كل هذه الأحداث ساهمت مجتمعة في اضطراب العالم ككل.. أما عن بقية البلدان و منها تونس، فلا تزال تتلمس طريقها.

الجزائر و ليبيا أولوية تونسية

يجب التعامل أولا مع الجوار المباشر، و هنا يمكن استغلال فرصة ليبيا، إذا ما أحسنا التعامل و التفكير و وضع خطة متكاملة مع الليبيين. ثم لدينا الجزائر لأن العمق التونسي الغربي هو الجزائر و الشرقي هو ليبيا. و عليه فالحل الأنجع للخروج من هذه الأزمة الخانقة كامن في التعامل المباشر مع الأجوار. كما أن لدينا العمق الإفريقي الذي يستوجب منا العمل عليه أكثر.

إذن لدينا ليبيا و الجزائر و إفريقيا. أما بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، فيمكن لتونس أن تتعامل مع نائب وزير الخارجية الأمريكي المكلف بالشرق الأوسط و شمال إفريقيا. بحيث يجب أن تكون أولوياتنا مدروسة، و تمثل تونس بالنسبة لأمريكا منطقة إستراتيجية من حيث الأمن المتوسطي، و قد تم تحديد هذا المفهوم من قبل الأمريكيين منذ عملية الإنزال في 1942. و بذلك تم إدخال المنطقة المغاربية في المنظومة الإستراتيجية لحماية المتوسط و حماية المصالح الأمريكية في المتوسط.

و تهتم وزارة الدفاع الأمريكية كثيرا بتونس، بينما الخارجية الأمريكية لديها أولويات أخرى. و بالتالي فالتوجه الأمريكي نحو تونس هو توجه أمني عسكري.

هذا و تشكو علاقات دول المغرب العربي انشقاقا عميقا جدا، فهذه الدول لم تتعاون حتى في أسوء أزماتها التي تسبب بها الكوفيد 19. إذ لم تكن هناك أدنى محاولة للتعاون و التنسيق بين هذه الدول، كما أن هناك دولا مغاربية، وجهت إعاناتها إلى خمس عشرة دولة إفريقيا، دون أن تتوجه إلى تونس أو الجزائر أو ليبيا أو موريتانيا، و هذا شيء ينذر بمستقبل قاتم لدول المغرب العربي.

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *