جريدة الخبير

الأكتــاف ما زالـــت خدامـــة

«ليس مهماً ما تعرف بل من تعرف». هكذا صدر مؤخرا مقال بمدونة للشباب للبنك الدولي، نورده للإطلاع على نتائج إستبيان أنجزته مجموعة قالوب العالمية والتي شملت تونس.

 الجميع بات يدرك اليوم أن الواسطة حقيقة متفشية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ سنوات طويلة، متجذرة في بنية الإدارة العامة، وتتجسد في حالات كثيرة تتراوح من استيلاء قلة على الشؤون السياسية في الدولة، إلى جوانب من الحياة اليومية كقرارات التعيين وترسية العقود وتوفير السلع العامة.  ويستعرض تقرير للبن الدولي بعنوان وظائف من أجل الرخاء المشترك: حان وقت التحرك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إحباطات الشباب العربي فيما يتعلق بالواسطة، والضرر الحقيقي الذي يمكن أن تُلحقه بفرص جيل كامل في عيش حياة كريمة.

التقرير يركز على العوامل التي تؤثر على أسواق العمل في المنطقة، إذ أنها تشكل مفتاحاً لفهم أسباب الإقصاء من سوق العمل. وهذا الإقصاء يُنتج اليوم أعلى معدلات للبطالة بين الشباب في العالم ويترك ثلاثاً من بين كل أربع نساء خارج قوة العمل. كذلك يبرز التقرير مشكلة عدم إيلاء أهمية للمهارات في التوظيف، وهذا الأمر يشكل أبرز التحديات في سوق العمل.

بعبارة أخرى، يُنظر إلى المؤهلات التعليمية على أنها تلعب دوراً ثانوياً في قرارات التعيين من جانب أصحاب العمل. كذلك توجد شبكات معارف غير رسمية تُمكّن كلاً من الشركات والموظفين من إيجاد بعضهم البعض.

 هذا ويعتمد التقرير على بيانات تستند إلى استطلاع  للرأي* أجري منذ فترة، وذلك لتسليط الضوء على بعض آليات عمل الواسطة رغم أنها غير ملموسة وغير رسمية. استطلاع الرأي يطرح سؤالاً واحداً على المشاركين، وهو التالي: «ما العقبة الرئيسية أمام الشباب للحصول على وظيفة أو وظيفة أفضل تتيح لهم تكوين أسرة؟» وفي حين إعتبر المشاركون من مصر وتونس وإلى حد ما سوريا أن قلة فرص العمل هي العقبة الرئيسية، رأت نسبة كبيرة من الشباب في أنحاء المنطقة أن الوظائف متاحةٌ فقط لمن لهم علاقات أو من لهم واسطة.

وطُرح السؤال نفسه في استبيان أقرب عهداً* أجرته مجموعة غالوب، جاءت نتيجته أن حوالي 18 في المائة من الشباب في البلدان التي شملها الاستبيان يرون في الواسطة العقبة الرئيسية وراء عدم قدرتهم على الحصول على وظيفة. ويظهر الرسم البياني للاستطلاع تشابه أراء المشاركين من مختلف بلدان المنطقة. كما طُرح السؤال عينه بصيغة مختلفة، وعلى الشكل التالي: «بشكل عام، هل توافق أو تخالف العبارة التالية: معرفة أناس في مراكز عالية أمر ضروري للحصول على وظيفة (الواسطة)؟» وجاءت النتيجة ملفتة إذ أن أكثر من 60 في المائة من المشاركين من كل دولة في المنطقة، باستثناء قطر، التي جاءت نسبتها أقل بقليل من 60، وافقوا على العبارة. وترتفع النسبة في لبنان والأردن إلى 90 و85 في المائة على التوالي.

«بشكل عام، هل توافق أو تخالف العبارة التالية: معرفة أناس في وظائف عالية أمر ضروري للحصول على وظيفة (الواسطة)؟

ومن المؤكد أن نتائج الاستطلاع لا تفاجىء أحداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تتوافر الكثير من الأدلة غير الموثقة والبيانات التجريبية التي تشير إلى عدم أهمية توفر المهارات عند التعيين، ما يبرز تفشي الأساليب غير الرسمية للحصول على وظيفة.

وتبرز حقيقة جلية أخرى، وهي أن تصورات الشباب العربي عن دور الواسطة لم تشهد أي تغيير خلال السنوات المضطربة من 2009 إلى 2013 الأمر الذي يكشف عن تأثيرها في البطالة بين الشباب، تأثير يقف خلف التغيير الذي يجتاح المنطقة منذ عام 2011.

فليس التصور بأن العلاقات ضرورية في التوظيف هو ما يقوض الإحساس بالكرامة والعدالة فحسب، بل وأنه يترك أيضاً أثراً مدمراً يقلل من قيمة المؤهلات الأكاديمية ويشوه الحوافز التي قد تكون لدى الموظف ليكون مسؤولاً عن عمله ويعمل بأمانة وكفاءة. ويؤثر هذا بدوره على نوعية الخدمات المقدمة، سواء في الصحة أو التعليم أو الحماية الاجتماعية.

وفي حين أن جهوداً إنمائية مكثفة تبذل حالياً لتخفيف المعدلات العالية للبطالة بين الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن نقطة البداية ينبغي أن تكون من الإقرار بوجود نظام الواسطة وتشجيع الإصلاحات الاجتماعية والقانونية للحد منه، إذ يبدو أن الناس الذين يعانون التبعات السلبية للواسطة يشعرون بأثرها على بنية النظام أكثر بكثير مما يعي بها صانعو السياسات.

المصدر: مدونة البنك الدولي- تصرف

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *