يكتسب الحديث مع السيد يوسف الشاهد كاتب الدولة للفلاحة والصيد البحري مصداقيته وتأثيره العميق من أنه يأتي تعبيرا عن تجربة حيّة تقودها بصلابة وإصرار سلطة الإشراف، مستهدفة تحقيق المكانة اللائقة لقطاع الصيد البحري الذي توليه الحكومة الحالية عناية خاصة لدوره في تنمية وتطوير الاقتصاد الوطني، والاستجابة لمشاغل واهتمامات البحارة وسائر المتدخلين في منظومات الصيد البحري وخاصة منظومة صيد التن التي تتحكم فيها اللجنة الدولية لصون “التنيات“..
تكامل الاقتصاد الوطني في منظومة الاقتصاد العالمي
.. والحديث مع السيد يوسف الشاهد والاستماع إليه هو بحدّ ذاته إضافة للفكر وإثراء للحوار، ذلك أنه يتميّز بامتلاك قدرات مفكّر له رؤيته المتكاملة وفلسفته التي ترتكز على منظومة قيم حيّة تجمع بين الأصيل والمعاصر من الأفكار المفيدة، وهو الذي يمارس مسئوليات عمله بحسّ فنان مرهف ـ فضلا عن انحيازه الدائم للموضوعية.. ومن هنا جاءت نواياه وبرامجه لتصبّ في اتجاه تحسين أحوال البحارة، ليعلن مؤخرا في لقاء صحفي حضره الدكتور لطفي النابلي عضو مجلس نواب الشعب عن كتلة نداء تونس، أن وزارة الفلاحة والصيد البحري تعمل على تعميق الاهتمام بقضايا الصيد البحري في تونس، إيمانا منها بدور وأهمية هذا القطاع في عملية التنمية.. ويضيف أن هذا الاهتمام يعكس في الواقع عناية الحكومة بمنظومة الصيد البحري وتفريعاتها، بما يساعد على تكامل الاقتصاد الوطني في منظومة الاقتصاد العالمي وزيادة الناتج القومي من التصدير، وفتح أسواق جديدة وخلق فرص عمل في استثمارات الصيد البحري في ضوء القوانين الدولية السّارية – في إشارة- إلى اللجنة الدولية لصون التنيات، مؤكدا أن مصلحة تونس الاقتصادية في مجال صيد التن تكمن في مدى احترامها لهذه القوانين والعمل على تطبيقها ـ ولما لا ـ المطالبة بتطويرها في اتجاه الرفع من سقف الاستفادة.
إشكالية صيد التن الأحمر في تونس
يقول السيد يوسف الشاهد أن نشاط صيد التن الأحمر يخضع لقوانين أقرتها اللجنة الدولية لصون التنيات، منها اقتصار الصيد على شهر واحد في السنة (من 15 ماي إلى 16 جوان) باستخدام تقنية الشبكة الدائرة، مع وجوب تسجيل المراكب بسجلات اللجنة الدولية وتجهيزها بتقنيات المراقبة بواسطة الأقمار الصناعية، والتقيّد بحصة محددة يتولى صيدها المركب المعني بالأمر بمعاينة لصيقة من طرف ملاحظ تعيّنه اللجنة على ظهر كل مركب، يتقاضى من المجهّز أجرة بقيمة 40 دينار يوميا. أما صيد التنيات صغيرة الحجم، فيخضع وجوبا للتراتيب الوطنية الجاري بها العمل.
ويضيف السيد يوسف الشاهد: «كان لتونس في الماضي حصة من صيد التن الأحمر بمعدل 3 آلاف تن، وعندما بدأت تلوح بوادر انقراض هذا النوع من الأسماك في العالم خفّضت اللجنة الدولية من حصة بلادنا من الصيد بنحو ألف طن، لكن أولي الأمر في الحكومة التونسية آنذاك لم يحسنوا الدفاع عن مصالح صيادينا على غرار ما فعلت اسبانيا وتركيا بالخصوص، بل عمدوا إلى منع 21 من مجموع 41 مجهز من الصيد وإلحاقهم بقائمة الانتظار، ريثما يقع الترفيع من جديد في الحصة المخصصة لتونس. وفي سنة 2015 زادت تلك حصة بنحو 190 طنا، ما سمح لـ 5 مجهزين فقط من المسجلين بقائمة الانتظار بالعودة ومباشرة الصيد، وظل بتلك القائمة نحو 16 مجهزا، وأصرّ في الأثناء كل المباشرون لصيد التن على أن الزيادة في الحصة يجب أن تكون من نصيبهم دون سواهم باعتبارهم أصحاب أولوية، مما زاد في معاناة الصيادين الخارجين عن المنظومة ، فأصبحوا يطالبون بحقهم في الصيد رغم عدم قدرتهم ماديا على توفير كل التجهيزات الضرورية والقانونية التي تمكنهم من الدخول في المنظومة الدولية لصيد التن الأحمر.
مراجعة منظومة الصيد بأكثر عدال وشفافية في توزيع الحصص
ذلك هو الإطار العام لإشكالية صيد التن في تونس، تحدث عنه بدقة وحيادية والتزام بالموضوعية السيد يوسف الشاهد كاتب الدولة للفلاحة والصيد البحري، مشيرا إلى ضرورة مراجعة هذه المنظومة بما يضمن زيادة في حصة الصيد المقررة من اللجنة الدولية للصيادين المسجلين، ولما لا توسيع هذه القائمة لتشمل صيادين آخرين هم خارج المنظومة حاليا، وذلك في ضوء ما يسمح به القانون الدولي مع الأخذ بعين الاعتبار ما أكده الدكتور لطفي النابلي على لسان بحارة طبلبة، من أن سمك التن الأحمر في تكاثر مستمر بالشريط الساحلي، ولا بدّ من صيده، حتى لا يقضي على ثروة السمك الأزرق مثل “اللامبوكة“ و“السردين“ وسائر الأنواع الأخرى التي تشكل الغذاء المفضل للتن الأحمر
ولاحظ السيد يوسف الشاهد أنه يتفهم شخصيا هذه الإشكالية، إذ من حق الصيادين أن يدافعوا عن مصالحهم خاصة إذا تعلق الأمر بحماية مصدر رزقهم اليومي، كما من حقهم أن تفتح الجهات المسئولة مباحثات مع اللجنة الدولية لصون التنّيات لتوسيع قائمة الصيادين المنتفعين بأحقية صيد التن الأحمر والزيادة في الحصص المخوّلة لكل مركب صيد معتمد لدى اللجنة الدولية، ذلك أن الحصص المسموح بها حاليا أصبحت غير كافية بالنظر إلى تكاثر هذا النوع من الأسماك، وهو ما يطرح بحدّة ضرورة تخصيص حصة للاستهلاك المحلي.
نبحث عن صيغة لتأمين حصّة صيد لصغار البحارة
وفي السياق ذاته أكد السيد يوسف الشاهد أن مصالح كتابة الدولة للفلاحة والصيد البحري، تشتغل على مراجعة منظومة صيد التن في الجانب المتعلق باستحقاقات صيادي البلاد التونسية، وسوف تعرض مشروعها الجديد على الجهات المعنية قبل نهاية السنة الإدارية للعام 2015. كما لاحظ أن رجال الأعمال اليابانيين يمتنعون عن شراء التن الأحمر بسبب موجهة الإرهاب السائدة في أغلب البلدان، وأننا في تونس نبذل قصارى جهدنا لإقناعهم بالتراجع عن موقفهم هذا، ونبحث في ذات الوقت عن صيغة معقولة ومقبولة، لتخصيص حصص صيد للبحارة الصغارـ وهذا يخدم بطبيعة الحال مصلحة المجهزين المرسمين حاليا بمنظومة صيد التن الأحمر.
مطالب بحارة طبلبة صارت على طاولة اللجنة الدولية لصون التنيات
بدا السيد يوسف الشاهد متحمسا جدّا لفض إشكالية حصة صيد التن الأحمر المسموح بها في تونس وبخاصة عدالة توزيعها على المجهزين، لكنه أكد في المقابل أن هذا الأمر تحكمه اللجنة الدولية لصون التنيات وأن قانونها ساري في حدود الاستجابة لشروط معينة، منها بالأساس شرط تجهيز مراكب الصيد بتقنية المراقبة بالأقمار الصناعية، وهي ليست في متناول البحارة الصغار من حيث كلفتها المادية، لذلك فالمسألة شائكة ولا تحلّ إلاّ عن طريق بالحوار والتفاهم، وهو ما يجري الإعداد له حاليا على الميدان وداخل مكاتب كتابة الدولة للفلاحة والصيد البحري التي تواكب باستمرار نشاطات اللجنة الدولية، بدليل “مشاركتي (والكلام لسيد يوسف الشاهد) في اجتماع للجنة الدولية لصون التنيات المنعقد بجزيرة مالطة، حيث رفعت إلى كبار المسؤولين باللجنة مطالب بحارة صيد التن في تونس التي تقوم أساسا على الترفيع في الحصص المسندة لمن هم داخل المنظومة، وحاولت إقناع اللجنة بتخصيص حصة لصغار الصيادين للاستهلاك المحلي، مع تقديم مبررات موضوعية لذلك منها تكاثر التن الأحمر في الشريط الساحلي التونسي، والأضرار المادية التي يلحقها بصيادي السمك الأزرق الخارجين عن المنظومة، واستشهد السيد كاتب الدولة في هذا الخصوص بالجهود التي بذلتها الشقيقة المغرب لتقرير زيادة بـ 500 طن، كما استشهد بمواقف تركيا المتخذة لنفس الغرض تقريبا.
أنا مع خطة مديرية للنهوض بمواني ولاية المنستير
وفي ردّه على تساؤلات الدكتور لطفي النابلي عضو مجلس نواب الشعب، بخصوص البنية التحتية بميناء طبلبة والوضع البيئي والتجهيزات والعلاقة المتردية بين البحارة ودائرة الصيد البحري بولاية المنستير، أكد السيد يوسف الشاهد كاتب الدولة للفلاحة والصيد البحري، أن قضية بحارة طبلبة هي من القضايا العادلة التي يجب التوقف عندها ومعالجتها بحكمة وتبصّر، مضيفا أنه لقي صعوبات كبيرة لتمرير مشروعه في الدفاع عن بحارة صيد التن في كل من جرجيس وطبلبة، حيث بلغ الاحتقان أشده بخصوص موضوع التنّيات وغيره من مشاغل واهتمامات البحارة الأخرى، واقترح بالنسبة للخدمات المينائية المسداة من دائرة الصيد البحري وضع خطة مديرية للنهوض بمواني ولاية المنيتبر في ضوء حراكها اليومي ومستواها الإنتاجي وقيمتها الاقتصادية، والنظر بالتالي في إمكانية تخصيص إحداها كميناء قطب وتخصيص بقية المواني لأنشطة أخرى ترفيهية وسياحية وغيرها، مبرزا استعداد كتابة الدولة لتنفيذ مثل هذا المشروع..
ناجي الرمادي