يجمع باحثون في شؤون القدس على أن ما حصل في الأقصى ليلة أمس خططت له إسرائيل بشكل محكم؛ بهدف تفريغ المسجد الأقصى من المعتكفين لإفساح المجال للمتطرفين لاقتحامه بهدوء الاثنين المقبل.
تمر هذه الأيام ثقيلة على القدس والمقدسيين الذين استفاقوا اليوم بعد مشاهد مرعبة عاشوها الليلة الماضية بسبب المواجهات التي اندلعت داخل الأقصى، وتحول فيها المسجد على مدار 3 ساعات إلى ساحة حرب، إضافة إلى المواجهات التي اندلعت في باب العامود (أحد أبواب البلدة القديمة) وفي حي الشيخ جراح.
ويجمع المقدسيون والباحثون في شؤون القدس على أن ما حصل في الأقصى ليلة أمس خططت له إسرائيل بشكل محكم؛ بهدف تفريغ المسجد الأقصى من المعتكفين لإفساح المجال للمتطرفين لاقتحامه بهدوء الاثنين المقبل، بمناسبة ما يسمى يوم “توحيد القدس”.
الباحث المقدسي خالد عودة الله كتب “خرجت الأمور في القدس عن سيطرة الاحتلال، وسيتراجع وسيطلب التهدئة عبر الأوقاف تحت مسمى “الحفاظ على الهدوء” في المسجد الأقصى، علينا ألا ننسى أهدافنا الآنية بفك الحصار عن الشيخ جراح، وإفشال الاقتحام الكبير يوم 28 رمضان، وهي أهداف واقعية وقابلة للتحقيق بموازين القوى الحالية”.
لكن لا يعرف كثيرون ما يوم “توحيد القدس”؟ ولماذا تحشد جماعات المعبد المتطرفة منذ نحو شهر أنصارها لاقتحام الأقصى بهذه المناسبة؟
يعتبر الإسرائيليون يوم “توحيد القدس” عيدا وطنيا لإحياء ذكرى استكمال سيطرة الاحتلال على مدينة القدس، واحتلال الجزء الشرقي منها، وعلى وجه الخصوص البلدة القديمة، وذلك خلال حرب عام 1967.
استفزاز وعربدة
ومنذ ساعات الصباح، يبدأ مئات المستوطنين سنويا التوافد على البلدة القديمة في القدس المحتلة للمشاركة في مسيرة “رقصة الأعلام”، ليصل أوج الاحتفالات نهاية النهار مع مشاركة عشرات آلاف المستوطنين في المسيرة، التي يتخللها ترديد شعارات معادية للإسلام والعرب، بالإضافة إلى قيامهم بأعمال العربدة والاستفزاز لسكان وتجار البلدة القديمة الذين تسلمهم الشرطة الإسرائيلية كل عام أمرا بإغلاق محلاتهم التجارية لإخلاء مسؤوليتها عن أي أضرار.
ويتأثر بالمسيرة بشكل مباشر 35 ألف مقدسي يعيشون داخل أسوار البلدة القديمة، حيث تمنعهم الشرطة في ذلك اليوم من التحرك من وإلى منازلهم.
ومن المتوقع أن يشارك 30 ألف مستوطن بمسيرة “رقصة الأعلام” بعد غد الاثنين، وهي الاحتفالية الأبرز في هذا اليوم، وتنطلق المسيرة عصرا من أمام مقبرة مأمن الله غرب البلدة القديمة بتجمع المشاركين هناك، والسير باتجاه باب العامود، حيث تحدث المواجهات والاحتجاجات الفلسطينية الأبرز ضد هذه الاحتفالية.
وحول التحضيرات الرسمية للشرطة الإسرائيلية لهذا العام أعلنت أنها ستغلق باب العامود حتى الساعة السابعة والنصف مساء أمام العرب بحجة منع الاحتكاك، وفي ظل التوتر الأمني في الضفة الغربية والقدس.
كما أعلنت الشرطة أنه سيتم نشر 3 آلاف شرطي في المدينة، وأنه تم استخلاص العبر من حادثة جبل الجرمق التي أسفرت عن مقتل عشرات الإسرائيليين قبل أيام، وبالتالي سيتم تخفيف عدد المستوطنين الذين سيدخلون لحائط البراق للاحتفال.
أما على صعيد تحضيرات جماعات المعبد المتطرفة لهذا اليوم، فقال عبد الله معروف أستاذ دراسات بيت المقدس في جامعة “إسطنبول 29 مايو” ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المسجد الأقصى سابقا إنه مع وصول هذه الجماعات في الانتخابات الأخيرة للكنيست إلى 7 مقاعد، إضافة إلى وجود 10 مقاعد أخرى للمؤيدين لها من الأحزاب الأخرى؛ أصبحت لديها قوة كبيرة في الكنيست تتمثل في 17 مقعدا.
احتفال مفصلي
وبالتالي ترى هذه الجماعات أن الاحتفال بيوم “توحيد القدس” هذا العام يعد مفصليا وفرصة ذهبية لا تعوض لفرض رؤيتها على القدس، وتنفيذ ما لم تستطع الحكومات الإسرائيلية على مدار سنوات الصراع الطويلة تنفيذه في القدس.
وأضاف معروف في حديثه للجزيرة نت أن هذه الجماعات تريد اقتحاما مختلفا للأقصى هذا العام يترافق مع تغيير كامل للأمر الواقع فيه من خلال فرض حق الصلاة العلنية الجماعية لليهود.
“يريدون تثبيت معادلة جديدة في الأقصى عنوانها تفوُّق الاعتبار اليهودي على الإسلامي في مسألة الحقوق الدينية والحضور في الأقصى، لتثبيت واقع جديد عنوانه أن الأقصى مقدس يهودي أولا”.
ووصف معروف ذلك بالخطير جدا لأنه يشير بوضوح إلى نية الاحتلال في السيطرة الكاملة على المسجد، ومن الممكن أن يكون الاحتفال هذا العام نقطة ارتكاز وتحول في تاريخ الصراع على المدينة والأماكن المقدسة.
ولتزامن هذه المناسبة مع يوم 28 رمضان، أشار معروف إلى أن ذلك يكتسب أهمية كبيرة عند جماعات المعبد المتطرفة، لأنه يأتي في الوقت الذي لم تستطع فيه إسرائيل حتى الآن إضفاء الصورة التي تريدها على القدس باعتبارها “عاصمة لإسرائيل”، إذ يفترض أن تكون القدس مدينة يهودية وهذا غير متحقق في الفضاء البصري للمدينة.
“تظهر القدس بشكل واضح أنها مدينة عربية إسلامية مسيحية، وليس فيها ما يبين أنها عاصمة لدولة الاحتلال، وترى الجماعات المتطرفة أن هذا الأمر يشير إلى ضعف وفشل المشروع الصهيوني في القدس وتريد تعزيز وجودها في الأقصى بهذه الذكرى”.
ورغم اقتحام المسجد الأقصى أمس بهدف ترويع المصلين وتفريغه منهم لتهيئة المكان لاقتحامات المتطرفين يوم الاثنين المقبل الذين قد يصل عددهم إلى ألفي مقتحم؛ ما زال الفلسطينيون يزحفون من كافة المناطق باتجاه الأقصى لإحياء ليلة القدر والاعتكاف للتصدي لمخططات المستوطنين.