إن موت ما يقارب على 400 ألف نسمة في العالم من وباء الكورونا خلال حوالي 4 أشهر فقط يكون كافيا للاستنتاج بأن جميع المخابر التجارية التي تبحث في هذا الوباء قد اتبعت منهجية لا تستجيب إلى أهمية الوقت في إيجاد طريقة للحدّ من الوفايات في إمكانية تواصل
العدوى بنسق تصاعدي، بل أن تلك المخابر تتبع المنهجية التي يكون فيها التعمّق في البحث للوصول إلى دواء أو إلى لقاح يقوم على القواعد العلمية التي أمكن الوصول إليها إلى حدّ الآن وقد لا تكون تلك القواعد مناسبة لكلّ وباء يقتضي معرفة قواعد أخرى لفهمه، كما أنه حتى في صورة قيام البحوث على قواعد صحيحة فإن فهم التفاعل بين الجسم والوباء للوصول إلى معرفة الإخلالات العضوية التي تتسبب في تغلب الوباء على الجسم يتطلب القيام بعديد التجارب التي قد تستغرق عدّة سنوات للوصول إلى الدّواء الذي يمكن أن تراهن عليه تلك المخابر دون أن تتحمّل الخسائر التي قد يسببها سحب أي دواء آخر لا تكون له النجاعة المطلوبة.
ولذلك، فإن الوضعية تقتضي التوجه إلى البحث السريع بالمخابر الاستشفائية والذي تتحمّل فيه الدّول مخاطر التصنيع للمستحضرات التي تكون لها نجاعة تقريبية في العلاج في الوقت الذي يمكن أن تتواصل فيه البحوث الكلاسيكية بالمخابر
بقلم الهاشمي حمدي
ربّان وخبير بحرية تجارية
ماجستير الأكادمية البحرية
التجارية، إلاّ أن البحث السريع لا يتبّع المنهجية العلمية التي تقوم على الملاحظة ثمّ الفرضية ثمّ التجربة ثمّ القاعدة بل ينطلق من وضع فرضيات أساسية تتعلق بالفيروس يتم التأكّد منها أو اعتمادها من الإحصائيات والتحاليل الطبية وينتهي بوضع فرضيات فرعية تتعلق بمستحضرات الدّواء يتمّ التأكّد منها مبدئيّا من التجارب العضوية على الإنسان ويتمّ اعتمادها على كونها حلول تقريبية بمجرّد أن تقود التجارب إلى نتائج تكون مقبولة نسبيّا والتي يمكن تطويرها بالتجارب المخبرية على الفيروس إلى أن يتمّ الوصول إلى القاعدة العلمية التي تفسّر تفاعل تلك المستحضرات مع الوباء.
إذ أن البحث الافتراضي يكون الطريقة المثالية في محاولة للوصول في أقرب وقت ممكن ودون التعمّق في التفسير العلمي إلى العلاج الذي تثبت التجارب أنه يمكّن في تواصل العدوى بالفيروس من إنقاذ المصابين الذين وصلوا إلى حالة خطيرة أو الذين يمكن أن تتعكّر حالتهم الصحية عندما يتكاثر الفيروس في أجسامهم، وذلك عندما يعتمد البحث الافتراضي على الفرضيات المتعلقة بطبيعة العلاج من خلال ما يمكن ملاحظته من حالات الشفاء للمصابين والتي تقوم أوّلا على فرضية وجود مضادات حيوية أو عضوية بالجسم قادرة على القضاء تماما على الفيروس أو على إيقاف نشاطه وتقوم ثانيا على إمكانية وجود تركيبة من الأدوية قد تناولها بعض المصابين وساعدت في شفائهم على أساس أن تعكّر حالتهم الصحية يمكن أن يوحي بأن أجسامهم لا تحمل أي مضادات عضوية ضدّ الفيروس أو أنها تحمل مضادات غير كافية.
إلاّ أن البحث الافتراضي يقتضي التقصّي في أكبر عدد ممكن من حالات الإصابة وفي الأدوية التي تمّ استعمالها ويقتضي إجراء التحاليل على الأشخاص المعنيين بطريقة البحث، ولذلك فإنه لا يمكن أن تكون للبحث حظوظ كبيرة للوصول إلى النتائج المرجوّة إذا كان ذلك البحث منحصرا في بلد واحد بل أنه يتطلب فتح المجال أمام الباحثين في إطار التعاون الدولي لزيارة المستشفيات بأي مكان من العالم والقيام بالإحصائيات وبالتحاليل الضرورية حتى يمكنهم جمع المعطيات التي يتمّ على أساسها وضع الفرضيات التي ينطلق منها البحث أو التي يتفرّع منها، ثمّ تقديم أكبر عدد ممكن من المقترحات التي يتمّ تجميعها بالمخابر الاستشفائية التي يكون من اختصاصها الحصري إجراء التجارب العضوية على المصابين للتأكّد من نجاعة المستحضر الكيميائي الذي تمّ التوصّل إليه في الوقاية من مخلفات الفيروس، سواء كان ذلك المستحضر متكوّن من بعض الأدوية التي تمّ إعطائها لبعض المصابين أو من تركيبة أخرى قد تبين من خلال التحاليل على المصابين أو من خلال التجارب على الفيروس أنها يمكن أن تعوّض كليّا أو جزئيّا المضادات العضوية بالجسم.
حيث إن البحث السريع لا يكون في التوجّه إلى إيجاد حلّ لتقوية جهاز المناعة عند الإنسان لمقاومة الوباء بما أن ذلك يتعلق فقط بالحدّ من عوارض الوباء على الجسم بل يكون في التوجّه إلى إيجاد مضاد حيوي يمنع من بقاء الفيروس بجسم الإنسان أو يمنع تكاثره والذي يقتضي التوصّل أوّلا إلى معرفة إن كان الفيروس يمكن أن يموت في جسم الإنسان دون أي دواء إذا لم يتكاثر، ثمّ التوصّل ثانيا إلى معرفة إن كان موت الفيروس طبيعيّا نتيجة لتركيبته الفيزيائية وليس نتيجة لأي مضادات عضوية يقوم الجسم بإخراجها والذي يقتضي حينها البحث على تركيبة كيميائية توقف نشاط الفيروس في الجسم حتى لا يتكاثر، أمّا في صورة عدم التأكّد من الموت الطبيعي للفيروس فإن ذلك لا يمنع من المجازفة في مواصلة البحث انطلاقا من الفرضية التي تقوم على أن موت الفيروس يمكن أن يكون نتيجة لمضادات عضوية وإن التوصّل إلى إيجاد تركيبة كيميائية من تلك المضادات ولو أنها تقريبية يمكن أن يساعد على إيجاد الدّواء الكيميائي الذي يكون مطلوبا في الحالات الاستعجالية.
وحيث أن ما يشجع على اعتماد الفرضية الأساسية التي تقوم على أن جسم الإنسان يمكنه أن يقاوم الوباء بواسطة المضادات العضوية التي يقوم بإنتاجها، يتمثل في أنه يمكن التأكّد من قراءة الإحصائيات الطبية من أنه يوجد من بين المرضى بالفيروس من تمكّنوا من الشفاء منه تماما إمّا دون أن يتلقوا أي علاج أو بعد أن تلقوا علاج يتعلق فقط بتقوية جهاز المناعة عندهم ضد عوارض الوباء مثل الالتهابات الحادة في الجهاز التنفسي، كما يمكن التأكّد من تلك الفرضية إذا كان العلم يمكّن من معرفة أن بعض الأشخاص سبق وأن أصيبوا بالفيروس ولا يزالوا يحملون أعراضا أو آثارا لتلك الإصابة بمعنى أن الوباء ليس جديدا على جسم الإنسان غير أنه لم ينتشر.
ثمّ يتواصل بعد ذلك البحث بالدخول إلى الفرضية الفرعية الأولى والتي تقوم على أن جسم الإنسان له ما يكفي من المضادات العضوية ليتغلب على الفيروس غير أن الحالة المرضية تكون في خلل عضوي يمنع من إنتاج تلك المضادات بالكمية التي تقضي على الفيروس قبل أن يتكاثر في الجسم وحينها يمكن أن يتغلب الفيروس على الجسم رغم أن الجسم يواصل في إنتاج المضادات، كما يمكن في هذه الفرضية أن يتفرّع البحث إلى طريقتين للعلاج تكون الأولى في إيجاد منشط عضوي إذا تمّ التعرّف على العضو المسؤول على إنتاج المضادات العضوية وتكون الثانية في إيجاد مستحضر كيميائي يعوّض المضادات العضوية التي لم يتمكن الجسم من إنتاجها.
غير أن عدم التأكّد من الفرضية الأولى يقتضي الدخول مباشرة في الفرضية الثانية التي تكون الأخطر والتي تقوم على أن جسم الإنسان يكون عند أغلب الأشخاص غير قابل لإنتاج مضادات عضوية ضدّ الفيروس أو أن إنتاجها يكون غير كافي ليمنع تكاثر الفيروس وأن بعض الأشخاص فقط يمكنهم إمّا التعايش مع الفيروس عندما لا يمكنه التكاثر في أجسامهم ثمّ يموت لعدم وجود الأرضية المناسبة أو أنهم تكون لأجسامهم وظائف عضوية تميّزها على الأجسام الأخرى في إنتاج مضادات ضدّ الفيروس بالكمية التي تكون كافية للقضاء عليه تماما أو لإيقاف نشاطه، ولا يمكن في هذه الفرضية البحث على أي منشط عضوي إذا كانت أغلب الأجسام لها طاقة محدودة في إنتاج المضادات بما أن تقوية الجسم بالمنشطات لا يكون له أي مفعول إذا لم تستجيب الأعضاء لتلك المنشطات ويتم حينها التوجه مباشرة إلى البحث على المستحضر الكيميائي الذي يعوّض المضادات العضوية التي توجد في بعض الأجسام فقط.
حيث أنه حتى عند وجود نتائج مطمئنة بأن عديد المرضى قد تمكنوا من الشفاء من الفيروس بنسبة عالية، فإنه لا شيء يؤكّد الفرضية الأولى التي مفادها بأن جسم الإنسان قادر بطبعه على التغلب على الفيروس، ولذلك فإن تلك النسبة يمكن أن تنقلب إلى العكس إذا صحّت الفرضية الثانية التي مفادها بأن أغلب المرضى تكون لهم طاقة عضوية محدودة في إنتاج المضادات ضدّ الفيروس ولا يمكنهم الشفاء من مخلفاته إلاّ عند القضاء عليه تماما عن طريق تقوية المضادات العضوية في أجسادهم بالمستحضرات الكيميائية، كما لا يمكن حسب هذه الفرضية للمخابر التجارية أن تواصل البحث على لقاح يعوّد الجسم على النشاط العضوي ضدّ الفيروس بما أن ذلك النشاط يكون مستحيلا أو نادرا عند أغلب الأشخاص إذا صحّت تلك الفرضية.
الجزء الثاني : طريقة البحث للوصول إلى العلاج الافتراضي
حيث أن اعتماد البحث الافتراضي للتسريع في إيجاد المستحضر الذي يمنع من انتشار الفيروس في الجسم، يرجع أساسا إلى عدم وجود الوقت الكافي للاعتماد على البحوث المخبرية في إيجاد التركيبة الصحيحة للمضادات العضوية التي تمكّن من القضاء تماما على الفيروس أو من إيقاف نشاطه بالجسم, وذلك بالاعتماد في التوجّه الأساسي للبحث على قراءة للملفات الصحية للمرضى بأغلب المستشفيات حتى يمكن الوصول إلى تركيبة الأدوية التي يفترض أن تكون لها علاقة بالفيروس انطلاقا من الفرضية التي تقوم على إمكانية وجود علاقة بين تلك الأدوية والنشاط العضوي المتعلق بإنتاج الجسم لمضادات ضدّ الفيروس، ثمّ يمكن في مرحلة متقدمة من البحث الافتراضي إجراء التجارب المخبرية على الفيروس نفسه إمّا للتأكّد من نجاعة المستحضر الكيميائي الذي تمّ التوصّل إليه أو لمحاولة تطويره بالمقارنة مع فيروسات أخرى، غير أن عدم إجراء التجارب المخبرية للتأكّد من مفعول المستحضر على الفيروس لا يمنع من تصنيعه إذا تبيّن عن طريق التجارب العضوية على المصابين بأن المستحضر له نجاعة مقبولة أو محدودة في الوقاية من مخلفات الإصابة عند توصّله إلى إيقاف نشاط الفيروس.
وحيث أن وجود علاقة افتراضية بين الأدوية التي تمّ إعطائها لعديد المصابين بالفيروس والنشاط العضوي للجسم والتي ينطلق منها البحث الافتراضي، يمكن التأكد منها من خلال التأكّد أوّلا من إمكانية وجود مضادات عضوية ضدّ الفيروس عندما يثبت التحليل بأن عديد المصابين بالفيروس من الذين لا تظهر عليهم أي مخلفات قد تمكّنوا من الشفاء منه دون أن يتلقوا أي نوع من الأدوية أو أنهم تلقوا أدوية لها تركيبة مختلفة لا يمكن أن تكون كلّها لها علاقة بالفيروس، ثمّ من خلال التأكّد ثانيا من إمكانية وجود مصابين بالفيروس ممّن تعكّرت حالتهم الصحية قد أثبت التحليل إصابتهم بالفيروس قبل العلاج ثمّ أثبت التحليل بعد تحسّن حالتهم الصحية عدم وجود أي أثر للفيروس بأجسامهم أو أنه توقف على النشاط والذي قد يكون بمفعول الأدوية.
وحيث أن التوجه إلى البحث على إمكانية وجود تركيبة معروفة من الأدوية كان لها تأثير على الفيروس عند بعض المصابين الذين تعكّرت حالتهم الصحية، يرجع إلى أن الاحصائيّات تبيّن بأن عديد المرضى ممّن تعكّرت حالتهم الصحية إلى حدّ انه أصبح من الضروري إيوائهم بالمستشفيات قد تمكّنوا من الشفاء من مخلفات الفيروس، ممّا يمكن أن يؤكّد صحة التحاليل التي مفادها عدم بقاء أي أثر للفيروس بأجسامهم بما أنه إذا لم يتمّ بالفعل القضاء على الفيروس أو إيقاف نشاطه بالجسم فإنه لا يمكن أن يتوقف على هتك الخلايا لأنه يتكاثر ولا يمكن حينها للمصابين أن تتحسن حالتهم إذا كان العلاج يقتصر على مقاومة الالتهابات للجهاز التنفسي، ثمّ أن مجرّد التأكّد من فرضية وجود أدوية مضادة للفيروس لا يمنع من مواصلة البحث عليها حتى عند عدم التأكّد من فرضية وجود مضادات عضوية بالجسم يكون لها تأثير على الفيروس.
إذ أن البحث الافتراضي يقوم على التقصّي في طرق العلاج وينطلق من التقصّي الشامل في التحاليل التي تمّ إجرائها على عديد من المرضى حتى يمكن التأكّد من التوجه الأساسي للبحث الذي يقوم على إمكانية تأثير الأدوية على الفيروس، وذلك عند التأكّد بأن الفيروس كان موجودا في أجسام المرضى ثمّ أن الفيروس لم يبقى له أي أثر في أجسامهم أو أنه توقف على النشاط بعد أن تلقوا علاجا بأدوية كيميائية، ثمّ يتمّ التقصّي في جميع الأدوية التي تمّ إعطائها لهؤلاء المرضى قبل أن تظهر عليهم النتائج المطمئنة شرط التأكّد من أن غياب الفيروس أو توقفه على النشاط بأجسام المرضى لا يمكن أن يكون قد حصل نتيجة لمضاداتهم العضوية، ولذلك فإن التركيبة الكيميائية التي يمكن أن تعوّض المضادات العضوية للجسم تكون في التركيبة المتواجدة بأغلب الأدوية التي تمّ التقصّي في مفعولها الإيجابي عند المرضى الذين تعكّرت حالتهم الصحية والمتواجدة كلّيّا أو جزئيّا بالأدوية التي تناولها بقية المصابين قبل الشفاء.
حيث تتوقف صحة النتائج على التأكّد في مقاربة أولى من أن المرضى الذين تمّ اختيارهم في البحث قد تعكّرت حالتهم الصحية قبل العلاج بشكل يوحي بأن الفيروس قد تكاثر في أجسامهم ولا يمكن حينها لأي دواء أن يقوّي المناعة عندهم ضدّ مخلفات الفيروس المتعلقة بالالتهابات الحادة في الجهاز التنفسي وبأن تحسّن حالتهم لا يمكن أن يأتي إلاّ عندما توقف الفيروس على النشاط،، كما تتوقف صحة النتائج على التأكّد في مقاربة ثانية من أن الأدوية التي تمّ إعطائها للمرضى الذين يثبت التحليل أنهم تمكّنوا من الشفاء من الفيروس لا تتعلق بأدوية تقوّي جهاز المناعة ضدّ مخلفاته مثل التي تقاوم الالتهابات بالجهاز التنفسي لأنه يمكن أن لا تكون لتلك الأدوية أي علاقة بالمضادات العضوية التي تقتل الفيروس وذلك عندما تقوم تلك الأدوية بإعادة إصلاح الخلايا التي تعرّضت للالتهاب وتقوم بحماية الخلايا الأخرى ممّا قد يجعل الفيروس لا يتحرّك في الجسم بالشكل الذي يوحي بأن المريض قد شفي منه تماما في حين أن الفيروس يمكن أن يتحرّك عند انتهاء مفعول تلك الأدوية أو عند التأقلم معها.
ولذلك، فإنه يمكن احتياطيّا التأكّد من أن البحوث قد تمّت أوّلا على المرضى الحاملين للفيروس والذين لا يحملون أي آثار لإصابتهم بالتهاب حتى لا يتمّ الخلط بين مفعول الأدوية على الفيروس ومفعولها على مخلفاته التي قد تخفي الفيروس، وذلك قبل إجراء التحاليل على المرضى الذين وصلوا إلى حالة خطيرة ثمّ تمكّنوا من الشفاء التام عن طريق الأدوية التي يمكن أن تعوّض المضادات العضوية أو تمكنوا من الشفاء الظاهر إمّا عن طريق الأدوية التي قامت بتقوية المناعة عندهم أو عن طريق إفرازاتهم العضوية التي تتعلق بنشاط المناعة في أجسامهم ولا تتعلق بالقضاء على الفيروس، ممّا يسمح حسب هذه المقاربة من مزيد التأكّد من صحّة التركيبة للأدوية التي تمّ اعتبارها أوّلا صالحة لتعويض المضادات العضوية عند المصابين الذين وصلوا إلى حالة خطيرة، وذلك عندما يمكن ملاحظة وجود نفس التركيبة بين تلك الأدوية والأدوية الوقائية التي تمّ إعطائها لبعض المصابين الذين تمكنوا حسب التحليل من الشفاء من الفيروس دون أن تظهر عليهم أي أعراض قبل العلاج وبعد فترة طويلة من العلاج.
إلاّ أن تلك النتائج تقتضي التأكّد من أن الأدوية الاستشفائية التي تمّ على أساسها التوصّل إلى المستحضرات الكيميائية قد تمكنت من القضاء تماما على الفيروس ولم تقم فقط بإيقاف نشاطه أو منع تكاثره في الجسم وذلك بإعادة وضع بعض الأشخاص الذين تمكنوا من الشفاء بالحجر الصحي إذا قبلوا بالتعاون في إجراء التحاليل المخبرية عليهم ولا يمنع هذا الاحتمال من تصنيع المستحضرات بما أنها تكون صالحة على الأقل للوقاية من مخلفات المرض كلّما تواصل استعمالها في انتظار مواصلة البحث على المستحضرات التي تكون لها أكثر فاعلية، إمّا عن طريق تطوير البحث الافتراضي من خلال التكثيف من التقصّي في الحالات التي تمكّنت من الشفاء والذي يمكن أن يقود إلى تركيبة جديدة للمستحضر الذي يمكن أن يكون قد مكّن بعض المصابين من القضاء تماما على الفيروس، أو عن طريق التجارب المخبرية على الفيروس نفسه باستعمال مواد كيميائية مختلفة يمكن أن تكون قريبة من المستحضر الذي تمّ التوصّل إليه والذي يمكّن فقط من إيقاف نشاط الفيروس.
وقد يتواصل البحث على المستحضر الذي يقضي تماما على الفيروس من فرضية أخرى مفادها أن بعض الأشخاص سواء كانوا أغلبية أو أقلية تكون لهم مضادات عضوية قادرة على القضاء تماما على الفيروس في حين أن الآخرين لا تكون لهم سوى مضادات قادرة على تعطيل نشاط الفيروس بالجسم دون أن يتمكن من التكاثر، وبذلك فإن المريض يمكن في هذه الحالة أن يكون حاملا للفيروس غير أنه يمكنه التعايش معه سواء بمضاداته العضوية أو بالأدوية الكيميائية التي تمت معالجته بها، وهو ما يمكن أن يفسّر بأن الفيروس لم يظهر إلاّ عندما تحرّك في جسم الأشخاص الحاملين له عندما ضعفت مضاداتهم العضوية على ما كانت عليه ثمّ انتقل إلى الأشخاص الذين لا توجد لديهم أي وسيلة عضوية أو كيميائية لإيقاف نشاطه.
أمّا التوجّه الثاني للبحث الافتراضي والذي يكمّل التوجّه الأوّل المتعلق بالتقصّي في الأدوية الاستشفائية، فإنه يتمثل في المرور مباشرة إلى البحث على تركيبة المضادات العضوية ضدّ الفيروس من خلال البحث في خاصيات الإفرازات التي يقوم الجسم بإنتاجها عند مقاومته للفيروس، وذلك عن طريق التحاليل المخبرية التي يمكن القيام بها على بعض المصابين الذين تبيّن الدراسات الأوّلية أنهم تمكّنوا من مقاومة الفيروس عن طريق مضاداتهم العضوية، إمّا مباشرة عند تعرّضهم للإصابة ودون أن تكون للفيروس مخلفات على صحتهم أو بعد أن يكون الفيروس قد تكاثر في أجسامهم إذا تأخر الجسم في إنتاج تلك المضادات ويكونوا قد تلقوا أدوية ضدّ الالتهابات عند تعكّر صحتهم دون أن يتبيّن أن تلك الأدوية لها علاقة بإيقاف نشاط الفيروس.
ثمّ يمكن أن يتفرّع البحث إلى التأكّد من الفرضية التي مفادها أن بعض الأشخاص تكون لهم مضادات عضوية قادرة على القضاء تماما على الفيروس في حين أن آخرين تكون لهم مضادات عضوية قادرة فقط على إيقاف نشاطه أو أن إنتاج تلك المضادات عندهم لم تكن بالسرعة المطلوبة أمام سرعة تكاثر الفيروس بأجسامهم، وذلك إذا تبيّن من خلال التجارب العضوية على المصابين بأن النتائج الأوّلية للبحث الافتراضي المتعلقة بتركيبة المضادات العضوية لم تمكّن من شفاء نسبة كبيرة من المصابين والذي يقود إلى إمكانية البحث في تطوير تلك التركيبة عن طريق تكثيف التحاليل عند المصابين أو عن طريق التجارب المخبرية على الفيروس نفسه وعلى أساس أن التركيبة الأوّلية يمكن أن لا تكون كافية عند الأشخاص الذين ليس لهم أي نشاط عضوي ضدّ الفيروس أو أن ذلك النشاط يكون بطيئا جدّا ويتطلب العلاج الفوري.
إذ أن طريقة البحث تنطلق من التثبت من المعطيات التي تمّ على أساسها وضع الفرضية الرئيسية المتعلقة بإمكانية وجود مضادات عضوية للإنسان تمكّنه من القضاء على الفيروس أو من إيقاف نشاطه وذلك من خلال تكثيف التحاليل المخبرية عند الأشخاص الذين ثبت إصابتهم بالفيروس ثمّ ثبت شفائهم منه دون تلقي أي أدوية، ثمّ يمكن أن تتفرّع الفرضية الرّئيسية إلى إمكانية وجود حالات من بين المصابين تكون فيها تلك المضادات ضعيفة ولم تمنع تكاثر الفيروس في الجسم والتي يمكن أن تقود إلى إمكانية المقارنة بين تركيبة المضادات الكاملة عند بعض الأشخاص وتركيبة المضادات المنقوصة عند آخرين تعكّرت حالتهم الصحية حسبما يمكن التأكّد منه من خلال التحاليل المخبرية المتعلقة بنشاط الجسم مباشرة عند الإصابة بالفيروس.
كما يمكن البحث في إمكانية تأخر النشاط العضوي عند بعض الأشخاص إذا تبيّن من التحاليل أن من بين الأشخاص الذين تعكّرت حالتهم الصحية بعد الإصابة بالفيروس يوجد منهم من تمكّنوا من الشفاء منه ومن مخلفاته دون أن يتلقوا أي نوع من العلاج أو أنهم تلقوا فقط أدوية ضدّ الالتهابات للجهاز التنفسي، ممّا يسمح بعد ذلك بالبحث في تغيّر المضادات العضوية بنفس الجسم ابتداء من الإصابة بالفيروس إلى حين الشفاء منها سواء مكّنت تلك المضادات من القضاء تماما على الفيروس أو من إيقاف نشاطه والذي يمكن أن يسهّل أكثر البحث على التركيبة المحتملة للمضادات العضوية.
حيث يكون البحث في النشاط العضوي للجسم في أي مرحلة من مراحل الإصابة لملاحظة التغيرات عند الشخص الواحد أو لمقارنة النشاط بين عديد الأشخاص، وذلك عن طريق التحاليل المخبرية في مكوّنات الدّم وبالاعتماد افتراضيّا على وجود مكوّنات خاصة بالمضادات العضوية ضدّ الفيروس يمكن أن تكون لها علاقة بالتلاقيح التي سبق وأن قام بها الأشخاص الذين توجد بأجسامهم تلك المضادات، وبذلك فإن تركيبة المضادات العضوية ضدّ الفيروس يمكن أن تكون قريبة من تركيبة الأدوية لعلاج الأمراض التي لقحوا ضدّها، كما يمكن أن تكون للمضادات العضوية ضدّ الفيروس علاقة بنظام التغذية أو بالأدوية الاعتيادية عند هؤلاء الأشخاص إذا كان ذلك يساعد النشاط العضوي للجسم ضدّ الفيروس، كما يمكن أن يكون لبعض الأمراض تأثير على تعوّد الجسم على إنتاج إفرازات خاصة ضدّها قد صادف وأن كان لها مفعول وقائي ضدّ الفيروس والذي يمكن أن يكون منطلقا للبحث على تركيبة الأدوية الخاصة بتلك الأمراض حتى يمكن مقارنتها بالإفرازات الخاصة بالفيروس إن وجدت عند بعض الأشخاص أو حتى يمكن استعمال تركيبتها في التجارب على المصابين.
الجزء الثالث : تقييم النجاعة في نتائج البحث الافتراضي
إن تركيبة المستحضرات التي يتمّ التوصّل إليها عن طريق البحث الافتراضي في أي مرحلة من مراحله لا يمكن اعتمادها على كونها تركيبة ناجعة إلاّ بعد التثبت من مفعولها عن طريق التجارب العضوية والتحاليل المخبرية التي تجرى على المصابين بالفيروس من طرف المخابر الاستشفائية المختصّة، إذ أن تقييم النجاعة ينطلق أوّلا من تقييم مفعول المستحضر على نشاط الفيروس عندما يتمّ التأكّد ظاهريّا من أن الفيروس لم يعد له تأثير على الجسم، وذلك إذا تبيّن أن حالة عديد المصابين الذين وصلوا إلى مرحلة الإنعاش قد تحسنت بعد أن تناولوا المستحضر في حين أن حالتهم لم تتحسن قبل ذلك رغم أنهم تناولوا أدوية أخرى كان من شأنها أن تعالج مخلفات الفيروس المتعلقة بالالتهابات لو لم يتكاثر الفيروس بأجسامهم ليصبح العلاج مستحيلا.
ثمّ يتواصل تقييم النجاعة ثانيا إلى تقييم مدى تأثر المستحضر على الفيروس، وذلك من خلال التثبت عن طريق التحاليل المخبرية من أن الفيروس الذي بقي في أجسام بعض المصابين لمدّة طويلة يكون بمفعول المستحضر وبعد مدّة قصيرة من تناوله إمّا قد توقف على النشاط أو أنه لم يبقى له أي أثر ومهما كانت الأعراض التي تظهر على المصابين من مخلفاته، إذ أنه لا يمكن التأكّد من أن الفيروس قد مات بمفعول المستحضر إلاّ عندما لا يظهر من جديد في التحليل بعد مدّة طويلة من التوقف على تناول المستحضر، بما أن الفيروس يمكن أن يختفي بمفعول المستحضر ولا يظهر في التحاليل ويكون بذلك قد توقف فقط على النشاط،، ممّا يقتضي حينها مواصلة تناول المستحضر للوقاية من مخلفات الفيروس عند المصابين الذي تبيّن بعد أن ظهرت عليهم أعراض الإصابة أن أجسامهم تفتقر إلى المضادات العضوية ضدّه، إلاّ أنه يمكن التثبت من خلال التجارب على المصابين إن كان الفيروس الذي يتوقف على النشاط بمفعول المستحضر يمكن أن يموت بصفة طبيعية ولا يبقى له أي أثر بعد مدّة من تناول المستحضر مثلما يكون ذلك في حالات الزكام التي تختفي تدريجيّا.
ثمّ أن تقييم درجة النجاعة في العلاج مهما كان مصدره يتواصل ثالثا إلى تقييم مدى نجاعة المستحضرات الكيميائية التي توصّل إليها البحث الافتراضي بالمقارنة مع مدى تأثير المضادات العضوية على الفيروس عند المرضى الذين تمكّنوا من الشفاء منه دون أن يتلقوا أي نوع من العلاج الكيميائي، بمعنى أن المستحضرات الكيميائية تكون قد وصلت إلى النجاعة الممكنة عندما تصل إلى نفس النتائج التي يمكن أن تصل إليها المضادات العضوية سواء كانت تلك المضادات تمكّن من الشفاء التام من الفيروس أو أنها تمكن فقط من إيقاف نشاطه، في حين أن المستحضرات الكيميائية تكون قد وصلت إلى النجاعة التقريبية عندما تمكّن المضادات العضوية من الشفاء التام ولا تمكّن تلك المستحضرات إلاّ من إيقاف نشاط الفيروس أو من القضاء عليه نسبيّا عند بعض الأشخاص دون آخرين أو عندما تمكّن المضادات العضوية من إيقاف نشاط الفيروس في حين أن المستحضرات لا تمكّن من إيقاف نشاطه تماما في الجسم أو لا تمكّن من إيقاف نشاطه بنفس النجاعة عند جميع المصابين بالفيروس.
حيث أنه في جميع الحالات التي تكون فيها نجاعة تقريبية للمستحضرات الكيميائية بالمقارنة مع المضادات العضوية التي يمكن أن تتوفر في جسم الإنسان، فإن تطوير النجاعة التقريبية للمستحضرات يتوقف على التكهّن بأسباب الوقوع في تلك المفارقات، وذلك أوّلا من حيث الأخطاء التي يمكن أن تحصل في معرفة القدرات الحقيقية للإنسان في مقاومة الفيروس بمعنى أن ذلك يستوجب تكثيف التحاليل المخبرية عند الأشخاص الذين تمكنوا من الشفاء دون أي علاج لمعرفة التركيبة الكاملة للمضادات العضوية التي يمكنها أن تقوم بالوظائف الدفاعية بشكل فعّال حتى يمكن التأكّد إن كان للإنسان مضادات تمكّن من القضاء تماما على الفيروس أو أنها تمكّن فقط من إيقاف نشاطه، وذلك باعتبار أن الفيروس نفسه يمكن أن لا تكون له نفس الخاصيات ويمكن حينها أن تتغير طبيعة الإفرازات العضوية من شخص لآخر حسب قوّة الفيروس.
ثمّ ثانيا، من حيث الأخطاء التي يمكن أن تحصل في معرفة التركيبة المناسبة للمستحضرات الكيميائية التي يمكن أن تعوّض المضادات العضوية التي يتمّ التأكّد من مفعولها دون التوصّل إلى تشخيصها مخبريّا، بمعنى أن ذلك يستوجب البحث على تركيبة المستحضر من خلال التقصّي في طبيعة الأدوية التي تناولها المرضى في المستشفيات التي سجلت أعلى نسبة شفاء ثمّ مقارنتها مع طبيعة الأدوية التي تناولها المرضى بالمستشفيات التي سجلت أقل نسبة شفاء، فإن كان التقصّي يوصل إلى أن تلك الأدوية لها نفس التركيبة تقريبا فإن ذلك المستحضر يكون خاطئا لأن المرضى يمكن أن تكون قد اختلطت مضاداتهم العضوية مع الأدوية التي تناولوها، ولذلك فإن البحوث المتعلقة بالأدوية ينبغي أن تجرى على المرضى الذين وصلوا إلى الحالات الاستعجالية الميئوس منها ثمّ تمكنوا من الشفاء من مخلفات الفيروس دون أن تظهر عليهم أي أعراض بعد فترة طويلة من التوقف على تناول تلك الأدوية.
ففي صورة التأكّد من خلال التجارب على المصابين بأن العلاج الافتراضي قد مكّن فقط من إيقاف نشاط الفيروس في الجسم دون القضاء عليه تماما وبأن المستحضر له مفعول مباشر على الفيروس وليس على الأرضية التي ينمو فيها بمعنى أن المستحضر يكون حسبما تؤكّده التجارب المخبرية قد شلّ حركة الفيروس, فإن ذلك لا يمنع من تصنيع المستحضر في انتظار تطويره عن طريق مواصلة البحث النظري أو عن طريق التجارب المخبرية على الفيروس، بما أن المستحضر يمكن أن يكون له دور فعال في الوقاية من مخلفات الفيروس لدى الأشخاص المصابين به سواء في أوّل الإصابة أو في الحالات الاستعجالية التي تستوجب الإنعاش والتي تكون فيها الأدوية غير كافية لمعالجة الالتهابات إذا تكاثر الفيروس في الجسم، إلاّ أنه يستوجب على الأشخاص الحاملين للفيروس حتى عندما لا تظهر عليهم آثار لمخلفاته أن يواصلوا تناول المستحضر بما أن الفيروس يمكن أن يتحرّك في أجسامهم ويهتك آجلا أم عاجلا بجميع الخلايا إذا لم يكن للمصاب ما يكفي من المضادات العضوية التي تمكّن من القضاء على الفيروس أو من إيقاف نشاطه حتى يمكن إيقاف تكاثره في الجسم.
أمّا إذا تأكّد من خلال التجارب على المصابين بأن العلاج الافتراضي قد مكّن من شفاء البعض من المصابين ممّن تعكّرت حالتهم ولم يمكّن من شفاء آخرين، فإن ذلك لا يمنع من تصنيع المستحضر الذي تكون له نجاعة تقريبية في العلاج في انتظار تطويره، وذلك بما أنه يمكن افتراضيّا أن تكون لذلك المستحضر نجاعة عند الأشخاص الذين تكون لهم مضادات عضوية غير كافية للقضاء على الفيروس أو لإيقاف نشاطه عندما يكمّل المستحضر تلك المضادات ولا تكون له أي نجاعة عند الأشخاص الذين لا تكون لهم أي مضادات عضوية، خاصة إذا تمّ التأكّد من خلال قراءة لبعض الملفات الصحية لبعض المصابين من أن الفيروس يكون بمفعول الأدوية التي تمّ تشخيصها قد مات بعد أن كان مستقرّا في أجسامهم لمدّة طويلة قبل العلاج ثمّ أن المرضى لم تظهر عليهم أي مخلفات بعد فترة طويلة من انتهاء العلاج ولم يبقى بأجسامهم أي أثر لتلك الأدوية يوحي بأنها لا تزال تقوّي جهاز المناعة عندهم وتخفي بقاء الفيروس في أجسامهم.
ولذلك، فإنه سواء تمّ التوصّل عن طريق البحث الافتراضي أو عن طريق التجارب المخبرية المكملة له إلى التركيبة الكيميائية التي تمكّن من القضاء تماما على الفيروس أو من إيقاف نشاطه في الجسم، فإن الأهمية الأساسية لذلك المستحضر تتمثل في الحدّ من الوفيات ضمن المصابين بذلك الفيروس عن طريق انتقال العدوى، وذلك باعتبار أن لا أحد يكون بإمكانه أن يعرف إن كان جسمه قادرا على إنتاج المضادات العضوية ضدّ الفيروس ويكون في صورة نقص في تلك المضادات أو في المستحضر الذي يعوّضها عرضة إلى تكاثر الفيروس في جسمه إلى حدّ أنه يهتك بجميع الخلايا بجهازه التنفسي حتى إذا واصل المريض تناول الأدوية المتعلقة بإصلاح الخلايا التي مسّها الالتهاب بما أن الفيروس في تكاثره يرجع ليهتك من جديد بتلك الخلايا ويتغلب على الأدوية التي يكون مفعولها فقط في تأخير موت المصاب بالفيروس.
ممّا يجعل من المستحضر وسيلة فعّالة للوقاية من مخلفات الفيروس بعد التعرّض إلى الإصابة عندما يمكن أن يتوفّر للمصاب في أقرب وقت العلاج الذي يمكّن من القضاء على الفيروس أو من إيقاف نشاطه حتى لا يتكاثر ويصعب العلاج من عوارضه في الجسم إذا وصلت إلى مرحلة متقدّمة، إلاّ أن الوقاية من عوارض الفيروس تكون محدودة وغير مؤكدة عندما يمكّن المستحضر فقط من إيقاف نشاط الفيروس في الجسم بما أن الفيروس يمكن أن يتحرّك من جديد إذا توقف المصاب على تناول المستحضر ولذلك فإن كلّ مصاب يكون ملزما بمواصلة تناول المستحضر في انتظار تطوير تركيبته عن طريق مواصلة البحث الافتراضي أو عن طريق التجارب المخبرية، ثمّ يمكن في نفس الوقت إجراء تجارب على بعض المصابين تحت الرقابة الطبية في محاولة لإيقاف استعمالهم للمستحضر بعد فترة طويلة من تناوله حتى يتمّ التأكّد إذا كان الفيروس قد مات لوحده بعد مدّة من توقف نشاطه إذا لم يظهر تكاثره بالتحليل.
وعلى هذا الأساس، فإنه يكون من الضروري تصنيع المستحضر بالكمّية التي تكون كافية لجميع المصابين المحتملين بالفيروس على أن يتمّ إعطاء الأولوية أوّلا إلى الحالات الاستعجالية التي تكون في الإنعاش ثمّ إلى الحالات التي تأكّد إصابتها بالفيروس ولا يزال المصابين يحملونه حتى وإن لم تظهر عليهم أي أعراض لمخلفاته على أجسامهم وصولا إلى الحالات التي تكون أكثر عرضة للإصابة والتي لا يمكن معرفة إن كانت أجسامهم قادرة على إنتاج المضادات العضوية ضدّ الفيروس ثمّ إلى الحالات التي يمكن أن يهتك الفيروس بخلاياها بسرعة مثل المسنين والحاملين لأمراض مزمنة والذين لا يمكن في مرحلة متأخرة إنقاذهم عن طريق الأدوية المضادة للالتهابات حتى إذا تمّ إيقاف نشاط الفيروس بالمستحضر الكيميائي، ولذلك فإنه حتى في تواصل انتشار العدوى بالفيروس فإن المستحضر الذي يتمّ التوصّل إليه يمكّن على الأقل من ضمان طاقة الاستيعاب للحالات الاستعجالية بالمستشفيات كلّما تحسّن وتواصل التشخيص المبكّر للفيروس عند الأشخاص الذين يشتبه في إصابتهم به.
الجزء الرابع : نظام الوقاية للتقليص من نسق العدوى
أمّا فيما يتعلق بالتكهّن بمدى انتشار العدوى بعد التوصّل إلى إيجاد المستحضر الذي يمكّن من الوقاية من مخلفات الفيروس، فإن ذلك يتوقف أوّلا على مدى مفعول المستحضر على الفيروس عند المصابين الذين تفتقر أجسامهم إلى المضادات العضوية ضدّه ، إذ أنه إذا تبيّن من خلال التجارب على المصابين من أن الفيروس الذي يتوقف على النشاط بمفعول المستحضر دون القضاء عليه تماما يمكن أن يظهر من جديد إذا توقف المصاب على تناول المستحضر أو إذا كان المستحضر لا يكون له تأثير متواصل على الفيروس حتى إذا واصل المصاب تناوله، فإن المصابين الحاملين للفيروس يمكن أن يتسببوا في انتشار العدوى حتى إذا تبين ظاهريّا شفائهم من أعراض الفيروس، كما يتوقف انتشار العدوى ثانيا على مدى سرعة مفعول المستحضر على الفيروس بما أن العدوى تبقى قابلة للانتشار مدّة العلاج ولا يمكن حينها أن يمنع المستحضر مواصلة الحجر الصحّي للمصابين إلى أن تثبت التحاليل انتهاء مفعول الفيروس بأجسامهم وذلك حتى وإن كان المستحضر يمكّن من القضاء عليه تماما.
ثمّ أن التكهّن بمدى انتشار العدوى يتوقف ثالثا على مدى حصر المصابين بالفيروس، بما أنه حتى وإن كان المستحضر يمكّن من القضاء تماما على الفيروس، فإن ذلك لا يمنع من انتشار العدوى بما أن العلاج يتمّ على المصابين الذين تظهر عليهم أعراض المرض أو المصابين الذين تمّ اخضاعهم إلى التحليل ويمكن لهؤلاء المصابين بعد شفائهم أو لغير المصابين أن تنتقل إليهم العدوى من أشخاص آخرين لا يمكن التفطن إليهم خلال المدّة التي يكون فيها الجسم يقاوم مخلفات المرض وقد تطول تلك المدّة حسب مدى تكاثر الفيروس في الجسم ، كما يمكن أن تنتقل إليهم العدوى من الأشخاص الذين تكون لهم مضادات عضوية قادرة على إيقاف نشاط الفيروس في الجسم دون القضاء عليه تماما بما أن تلك المضادات يمكن أن تضعف ولو مؤقتا ويتحرّك الفيروس بأجسامهم، كما أن القضاء على الفيروس أو إيقاف نشاطه لا يكون حينيّا بمفعول المضادات العضوية بل يكون بعد مدّة يبقى فيها الفيروس ناشطا في الجسم.
ولذلك، حتى وإن كان للمستحضر نتائج ناجعة في الوقاية من أعراض الفيروس عند التعرّض إلى الاصابة سواء قام المستحضر بالقضاء تماما على الفيروس أو قام فقط بإيقاف نشاطه، فإن المستحضر لا يمكّن من توقف انتشار العدوى بالفيروس بعد عدم إمكانية حصر المصابين به الذين تفرقوا تقريبا بجميع أنحاء العالم والذين يمكن أن يفوق عددهم حاليّا 10 مرات عدد المصابين الذين يتمّ التعرّف عليهم كما أن نسق العدوى يمكن أن يرتفع تدريجيّا كلّما تقدّم الوقت وقد يصل عدد المصابين بعد عام من الآن إلى 300 مليون مصاب إذا تمّ رفع القيود على الاتصال الاجتماعي، ممّا يقود إلى التوجه إلى البحث على حلول عملية للحدّ من انتشار العدوى عن طريق التقليص تدريجيّا من نسق الإصابة بالفيروس وذلك بالتوجه إلى حصر الأشخاص المصابين ومتابعتهم إلى أن يتمكّنوا من الشفاء التام من الفيروس إذا كانت لهم مضادات عضوية قادرة على القضاء عليه تماما أو إذا وصل المستحضر إلى النجاعة المطلوبة.
حيث أنه حتى وإن كان المستحضر يمكّن من القضاء تماما على الفيروس، فإن استعماله للوقاية من انتشار العدوى لا يكون ممكنا، بما أن المستحضر ينبغي أن يتناوله جميع المصابين في وقت واحد وبما أن لا أحد يكون بإمكانه أن يعرف إن كان مصابا أو لا بالفيروس ممّا يتطلب إعداد المستحضر في نفس الوقت إلى جميع سكّان العالم وذلك مستحيلا، ولذلك فإن الحلّ الذي يبقى ممكنا يكون إمّا في توفر لقاح ضدّ الفيروس يساعد الجسم على إنتاج المضادات العضوية التي تساعد على المقاومة الجماعية للفيروس خلال المدّة التي يتطلبها تلقيح جميع سكّان العالم، أو أنه يكون في طريقة العزل المؤقت للمناطق الموبوءة والمناطق المحمية داخل المدن والتنقل منها وإليها بجوازات صحية بمعنى أنه لا أحد يكون بإمكانه الخروج من تلك المناطق أو الدخول إليها إذا لم يقم في نفس اليوم أو قبل يوم بالتحليل الذي يثبت عدم تعرّضه للإصابة بالفيروس ولا يمكن فتح المناطق الموبوءة إلاّ عند التأكّد من استقرار النسق العادي للإصابات التي يتمّ اكتشافها مثلا في معدّل 10 إصابات في اليوم.
أمّا الإجراء التكميلي للوقاية من انتشار العدوى داخل المناطق الموبوءة أو المحمية بعد إجراءات العزل التي تساعد على حصر المصابين بالفيروس، فإنه يكون في تعميم البطاقات الصحية للمقيمين بها التي تسجّل التحاليل على الفيروس وتبيّن إن كان الشخص حاملا للفيروس والذي يقتضي حينها إيواء المصاب بالحجر الصحي إلى حين الشفاء التام إن كان المستحضر يمكّن من القضاء تماما على الفيروس أو إذا كانت للمصاب مضادات عضوية كافية للقضاء عليه تماما على أن يكون المصاب ملزما قانونيّا بإعادة التحليل حسب الموعد المحدّد له، أمّا إذا كان المستحضر يمكّن فقط من إيقاف نشاط الفيروس أو إذا كانت المضادات العضوية للمصاب غير كافية للقضاء عليه تماما، فإن ذلك يقتضي إلزام المصاب قانونيّا بأن يحمل كمّامة بالأماكن العمومية بما أنه يبقى حاملا للفيروس ويمكن أن يشكّل خطرا حتميّا في الاقتراب منه إذا توقف على تناول المستحضر أو إذا ضعفت مضاداته العضوية على ما كانت عليه.
ثمّ أن عزل المناطق الموبوءة أو المحمية في إطار القوانين المحلية لا يكفي للحدّ من انتشار العدوى بالفيروس، بل أن ذلك يقتضي تدابير شاملة على الصعيد الدّولي تكون مثلا في وضع نظام للحجر الصحي الشامل من طرف منظمة الصحة الدولية يلزم الدّول بأن تقوم دوريّا كلّ 6 أشهر مثلا وفي نفس الوقت الذي تحدّده المنظمة بتطبيق الحجر الصحي الشامل ولمدّة شهرا مثلا على تنقل السكان داخل المناطق التي تصل فيها حالات الإصابة إلى النسبة التي يصعب التحكّم فيها بالمقارنة مع عدد السكان ثمّ وضع تدابير استثنائية للدخول إلى تلك المناطق أو الخروج منها سواء كان ذلك في التنقلات الداخلية أو الدّولية، وذلك مع إمكانية فرض نفس التدابير المتعلقة بالجوازات الصحية في التنقلات الدولية للأشخاص مهما كانت نسبة انتشار العدوى داخل الدّول.
إلاّ أن تواصل إجراءات العزل المؤقت للمناطق الموبوءة ومنع الجولان بها لا يمنع الدّول من القيام بتدابير خاصة لحماية اقتصادها والتي تتعلق مثلا بتسهيل التحرّك داخل المناطق الاقتصادية مع القيام بالإجراءات المتعلقة بحماية تلك المناطق من العدوى بالفيروس مثل فرض الإقامة الجبرية والدورية للعاملين بها إذا أمكن ذلك.
وحيث أن التدابير الدورية للعزل الصحي ومنع الجولان لا تضمن توقف انتشار العدوى عن طريق المصابين الذين يتمّ حصرهم، بما أن إيجاد مستحضر يمكّن فقط من إيقاف نشاط الفيروس في الجسم يجعل جميع المصابين الذين ظهرت عليهم أعراض للمرض حاملين للفيروس بعد أن يتمّ معالجتهم بالمستحضر لإيقاف الفيروس الذي تحرّك في أجسامهم ويمكن أن ينقلوا العدوى إذا لم يواصلوا تناول المستحضر ولم يلتزموا بوضع كمّامة بعد رفع القيود على الاتصال الاجتماعي، كما أنه لم يثبت علميّا إلى حدّ الآن بأن الفيروس الذي يتوقف على النشاط في الجسم لا ينتقل إلى جسم آخر بالتنفس سواء من المصابين الذين يتمّ معالجتهم أو من المصابين الذين لم تظهر عليهم أي أعراض للمرض وتكون لهم مضادات عضوية قادرة على إيقاف نشاط الفيروس.
كما أن التدابير الدورية للعزل الصحي ومنع الجولان لا تكون كافية لحصر جميع المصابين بالفيروس ووضعهم تحت الرقابة الصحية لكي لا يشكلوا خطرا في انتشار العدوى، بما أنه لا يمكن عمليّا التعرّف على الأشخاص المصابين بالفيروس إلاّ عندما ينتشر الفيروس بسرعة في أجسامهم وتتعكّر حالتهم الصحية إلى درجة متقدمة تلزمهم بعرض أنفسهم على العلاج أو عند القيام بالتحاليل السريعة أو التحاليل المخبرية بشكل منتظم وشامل وكذلك في نفس الوقت والذي يكون مستحيلا حسب عدد السكّان.
إذ أن الأشخاص الذين يشكلون بدرجة أولى خطرا حتميّا وطويل المدى في انتشار العدوى من بين الأشخاص الذين لا يمكن التعرّف عليهم، هم الأشخاص الذين تحرّك الفيروس في أجسامهم وأصبح قابلا للانتقال بالتنفس غير أن مفعوله على الجسم يكون بطيئا تحت تأثير المضادات العضوية للشخص المصاب التي لا تكفي حتى لإيقاف نشاط الفيروس عندما تكون ضعيفة أو تضعف على ما كانت عليه، ثمّ أن الأشخاص الذين يشكلون بدرجة ثانية خطرا ممكنا ومؤقتا من بين الأشخاص الذين لا يمكن التعرّف عليهم هم الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أي أعراض عندما يكون الفيروس بأقل كثافة بأجسامهم قبل أن تقوم مضاداتهم العضوية بإيقاف نشاطه أو القضاء عليه.
ولذلك، فإن الحظوظ للحدّ من انتشار العدوى تكون أكثر إذا تمّ التوصّل إلى إيجاد المستحضر الذي يمكّن من القضاء تماما على الفيروس وعند القيام بتدابير اختيارية تشجع على التوعية الشاملة للاحتياط من تفشي العدوى وتكمّل التدابير المتعلقة بإجبار المصابين الذين يتمّ التعرّف عليهم على حمل كمّامة إذا كان المستحضر يمكّن فقط من إيقاف نشاط الفيروس في أجسامهم، وذلك بوضع نظام اختياري يكون ساري المفعول لمدّة كافية تحدّد مثلا بعامين يكون خلالها الشخص مخيّرا إمّا بحمل كمّامة بالأماكن العمومية ويكون ملزما قانونيّا بعرض نفسه على العلاج إذا تعكّرت حالته الصحية أو أنه يكون ملزما فقط بحمل بطاقة صحيّة تثبت قيامه بالتحليل على الفيروس على الأقل مرّة كلّ شهر وتثبت بأنه غير حامل للفيروس على أن يكون العلاج والتحليل مجاني.
ثمّ أن جميع التدابير الوقائية ترفع بانتهاء المدّة المحدّدة لها ويعاد العمل بها عند الضرورة إذا ارتفع النسق العادي للإصابات بالفيروس وذلك عندما يمرّ مثلا من 10 إصابات في اليوم إلى 20 إصابة في اليوم ولا يمنع إيقاف العمل بتلك التدابير من مواصلة الاحتياط من التنقل الدّولي للأشخاص وللبضائع سريعة الاستهلاك من وإلى الدّول التي لا تتوفر فيها أي ضمانات للحدّ من انتشار العدوى، كما لا يمنع إيقاف العمل بتلك التدابير من مواصلة تكثيف التحاليل السريعة بالمؤسسات وبأماكن التجمعات دون تعطيل لمصالح الأشخاص وذلك في إطار التدابير الاحتياطية.