فتح التونسيون عيونهم و قلوبهم على فارسهم الأبيض “نبيل القروي” الذي دائما ما كان سندا للفقراء، و العصا التي يتوكأ عليها كل محتاج. و قد بدأت ملامح القصة في الظهور و التجلي منذ برنامج “خليل تونس” الذي يتم عرضه على قناة نسمة التي يملكها رجل الأعمال الشهير “نبيل القروي”. و يهتم هذا البرنامج بتصوير حياة الفقراء و تسليط الضوء عليها.. فيعالج العديد من الحالات الإجتماعية المتضررة بسبب الفقر و العوز، و من جهة أخرى ساهم هذا البرنامج في تحقيق شهرة واسعة لصاحب القناة نبيل القروي الذي يشارك أيضا في تقديمه. و فضلا عن كون “خليل تونس” برنامجا تلفزيا فهو في ذات الوقت جمعية:” هي جمعية ذات صبغة غير تجارية تأسست سنة 2012 بهدف مساعدة الفئات المحتاجة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخصوصية. ويتمثل نشاطها في 4 محاور أساسية وهي الصحة والتربية والتشغيل وتحسين المساكن”.
ساهم كل من برنامج و جمعية “خليل تونس” في اكساب القروي قاعدة شعبية و جماهيرية واسعة جدا، لعبت دورا أساسيا في إيصاله إلى الدور الثاني من انتخابات 2019، و كان القروي دائما ما يصرح بأن ما يقوم به من خلال البرنامج التلفزي و الجمعية الخيرية لا يتجاوز كونه فعلا للخير، بعيدا عن كل الحسابات السياسية الضيقة، و لكن العقوبات المالية التي فرضتها الهايكا على قناة نسمة، تثبت تورط القروي في الجمع بين الإعلام و السياسة، و هذا الأمر ممنوع حسب المرسوم عدد 115 المنظم للقطاع الإعلامي التونسي.
إن اختيارنا لشخصية القروي كنموذج لتسليط الضوء على شخصية كادوريم، كان من باب وضوح و شفافية تجربة نبيل القروي، التي شهدها المجتمع التونسي ككل، حيث أن الإعلام كان الباب الذي دخل منه القروي إلى قلوب التونسيين، و هو في ذات الوقت كان بمثابة الباب السري و الخفي الذي دخل منه القروي إلى عالم السياسة، وصولا أو على الأقل محاولة للوصول إلى كرسي الرئاسة.
أما عن “كريم غرابي” و المعروف بكادوريم فهو تونسي الجنسية هاجر إلى فرنسا في سن الخامسة عشرة، و قد مارس في مستهل حياته لعبة كرة القدم بألمانيا، ثم اتجه بعد ذلك إلى عالم الفن من خلال كتابة الأغاني، ليصبح رسميا مغني راب في سنة 2004، و قد حصد في مشواره الفني العديد من الجوائز، زد على ذلك تنصيبه كسفير للنوايا الحسنة، و كان صديقا مقربا من نجم كرة القدم رونالدينهو، كما تزوج نجلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي… تُعتبر حياة كادوريم رحلة مشوقة، مليئة بالأحداث و المغامرات الغريبة و العجيبة، و قد اكتسب خلال المحطات العديدة التي مر بها شهرة واسعة جدا، وصولا إلى محطة تونس، حيث أصبح كادوريم فجأة دائم التواجد بتونس، و الجميع يعرفه من خلال ما يقدمه من مساعدات جليلة لأهالي تونس، فهاهو تارة يرمم مدرسة، و أخرى يوزع أضاحي العيد.. و ها هو يتقدم بطلب رسمي لروسيا من أجل الحصول على لقاح كورونا، هذا و تتعدد أعماله الخيرية و الإنسانية، التي يشهدها كل التونسيين، دون الحاجة إلى ذكرها جميعا، فالكل يشاهدها بأم العيون.
إن ما يفعله كادوريم إلى حد هذه اللحظة بعيد كل البعد عن المطامع السياسية، الساعية لتقلد المناصب الرفيعة و الحساسة في الدولة، كما أن الرجل دائما ما ينفي أن تكون له مساع سياسية قابعة وراء أعماله الخيرية، و لكن قد تكون هذه الإنسانية المفرطة طريقا يبسطه كادوريم على خطا القروي و ألفة التراس عن عيش تونسي، لتتشابه في نهاية المطاف أهداف هؤلاء المغلفة بفعل الخير لوجه الله، و تكون مساعيهم من وراء هذا الخير الوصول للسلطة و مراكز القرار، عن طريق إستغلال هذا الشعب الساذج و المسكين.
مرت على تونس العديد و العديد من الشخصيات المقنعة و الزائفة، التي اتخذت من مشاعر الناس و نقاط ضعفهم مطية للوصول إلى أهداف بعيدة كل البعد عن ما هو إنساني، و نحن بهذا الكلام لا نخص كادوريم أو غيره من فاعلي الخير، بل نكتفي بدورنا الذي يحتم علينا نشر الوعي، و محاولة تعرية الزيف، حتى لا نقع من جديد فريسة للمظاهر الخادعة، و المسرحيات خبيثة الإخراج، و نحن نتمنى من كل قلوبنا أن يكون السيد “كريم غرابي” فاعلا للخير من أجل الخير، و إن كانت هناك مآرب أخرى من إنسانية كادوريم فالزمن و الأيام القادمة كفيلة بتعرية سوء النوايا و المقاصد.
بلال بو علي