تشهد حركة النهضة هذه الأيام خورا كبيرا غير معهود في نظامها الداخلي، حيث عمد رئيسها الشيخ راشد الغنوشي إلى إعفاء جميع أعضاء المكتب التنفيذي لحركة النهضة من مهامهم، على أن يتولى بنفسه لاحقا إعادة تشكيل المكتب التنفيذي بما يتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة..
و شهد الحزب مؤخرا استقالات بالجملة احتجاجا على تشبث رئيس الحركة بالحكم منذ أربعين سنة أو ما يزيد!
يبدو أن العديد من أعضاء الحركة قد ملوا الوقوف في وجه الرئيس قيس سعيد، و أتعبهم الغنوشي بقراراته المتعسفة تمسكا منه بسدة الحكم و مواطن القرار، و هو ما نستشفه من خلال المعارضة الشديدة من أبناء الحركة لرئيسهم، إلى حد مطالبة الغنوشي بالتخلي عن الحكم، متهمين إياه بالوقوف وراء الأزمة السياسية في تونس.
هذا و تعاني الحركة من انشقاق حاد صلب الحزب، وصل إلى التهديد بحله من قبل معارضي الغنوشي و تكوين حزب سياسي جديد.
و عليه فقد أوضح الحمامي أن إمكانية تأسيس حزب جديد على أنقاض حركة النهضة واردة جدًّا، و هو ما جعله يُطالب أعضاء الحزب بضرورة عقد مؤتمر الحركة في الأسابيع القادمة، داعيا إلى تغييرات عميقة في قيادة النهضة.
و يأتي تجميد الحمامي كدليل واضح و قوي على مدى تشظي الحركة، و اقتراب الإسلام السياسي من النهاية المحتومة، فالحمامي جاهر بدعمه التام و الكامل للرئيس قيس سعيد و كل ما اتخذ من قرارات… و بطبيعة الحال سلوك كهذا لن يكون مقبولا لدى رئيس الحركة المتشبث بالبرلمان و الحكم و المعارضة الشديدة لسيادة رئيس الجمهورية.
و يرى الكثيرون أن الإخوان في تونس رغم ايهامهم للناس بأنهم أهل للديمقراطية و الحرية و التعددية… فإن الحقيقة مخالفة تماما لما يتم الترويج له، فهؤلاء ليسوا سوى دكتاتوريين، دائما ما سعو إلى إخراس الأصوات المنادية بالإختلاف.
و تعتبر خطوة الغنوشي التي حل من خلالها المكتب التنفيذي للحركة و أقال جميع أعضائه، محاولة للسيطرة التامة و الشاملة من جديد على الحزب الأقوى في تونس، و إخراسا و قمعا للمعارضين و الغاضبين داخل الحزب، و بالتالي سيلجأ الشيخ لإحاطة نفسه بمجموعة بشرية مناصرة له و خاضعة لإرادته الخالصة، بل و تُطَالِبُ بضرورة استمراره كَدِعَامَة أساسية على رأس الحركة.
أدرك العديد من العناصر داخل الحركة أن السبب الرئيسي في تدهور الدولة و سياستها، هو رئيس الحزب و البرلمان المجمد راشد الغنوشي، لذلك تعالت الأصوات المعارضة داخل الحركة، و يبدو أن الحل الوحيد لإستمرار الغنوشي و نجاته من حتمية الموت السياسي، هو تغيير تركيبة الحزب، و ملئِهِ بمناصرين و تابعين جدد لجلالة الشيخ راشد الغنوشي، و لكن حتى هذا الأمر لن يضمن البقاء للشيخ و كل من سار على شاكلته… فالشعب التونسي قد فقد الثقة بل و كره التيارات الإسلامية التي أصبحت غير موثوقة إلى أبعد الحدود، فهذه التيارات قد انفضح أمرها و تجلت مآربها من استخدام الخطاب الديني خدمة للدواعي السياسية و استحواذا على أواصر السلطة و الحكم، خاصة و أن هذه الفئات قد ثبت ضِدَّهَا جرم الإغتيال و الفساد المالي و التهريب و التجارة بالدين…
يبدو أن الغنوشي في الوقت الحاضر لم يعد مدعوما سوى من قبل عائلته و أقاربه، و يدنو الحزب من نهايته يوما تلو الآخر، و قد ينقسم و يتشظى في أي لحظة، فالمعارضون داخل الحركة كثر، منهم الظاهرون للعلن و منهم الكاتمون.
و تعتبر قرارات 25 جويلية ثورة حقيقية و فعلية ضد الإسلام السياسي الذي عبث بالجمهورية دولة و شعبا، و هو ما يُنذِرُ بأن الغنوشي و كل من سار على نهجه لن يكون لهم صوت أو تأثير ضمن المرحلة القادمة، بل أكثر من ذلك أصبح رحيل الغنوشي عن ساحة الحكم و السياسة مطلبا شعبيا.
بلال بوعلي