نظمت عمادة المهندسين التونسيين ندوة تحت عنوان «البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى 2016 – 2020، أيّ دور للمهندس» بالتعاون مع جمعية التونسيين خريجي الجامعات الألمانية والجمعية السياسية الألمانية «كونراد آدناور ستيفتينغ» وذلك لتوفير فرصة تقديم هذا البرنامج الوطني الذي سيكون له بالغ الأثر على مستقبل بلادنا من ناحية كما سيشكّل إطارا لإطلاق حوار مفتوح وبنّاء حول الدور المناط بالمهندس في إنجاح الإصلاحات الكبرى وإسهامه في تكريس منوال تنموي جديد عماده الاقتصاد المصنّع ذو القيمة المضافة العالية. وحضر هذه الندوة ثلة من الخبراء والأساتذة الجامعيّين ومهندسين في شتّى الاختصاصات وأصحاب قرار ومهنيّون وأطراف فاعلة في المجتمع المدني.
وفي هذا الإطار ونظرا للدور الريادي الذي يلعبه المهندس في تدعيم الدورة الاقتصادية إلاّ أنه مغيّب تماما من هذا البرنامج الوطني حسب قول المحاضرين والمتدخلين الذين استجلينا رأيهم في هذا الموضوع وكانت إجاباتهم كما يلي:
أسامة الخريجي (عميد المهندسين التونسيين)
تندرج هذه الندوة في إطار سعي العمادة لتكون مساهما فاعلا في الحوارات الوطنية وكلّ ما له علاقة بالشأن العام وخاصة القضايا التنموية.
إنّ بلادنا مقبلة على إصلاحات اقتصادية كبرى وهو شأن له استتباعات سياسية واجتماعية وبالتالي فإنّ هذه الإصلاحات الكبرى شأن مجتمعي أي أي أنها تهم كلّ أطراف المجتمع وفي مقدّمتهم المهندسين لأنّ الهندسة هي المهنة الوحيدة الموجودة في مختلف الأنشطة الاقتصادية فتجدها في القطاعات الزراعية والصناعية وفي الخدمات وفي القطاع العام والخاص وبالتالي فنحن معنيّون بهذه الإصلاحات ولنا رأينا فيها ونظمنا الندوة وهي الأولى حول هذا المجال نظرا وأنّ السيد توفيق الراجحي بصدد تقديم محاضرته الأولى في هذا المجال للاطّلاع على برنامج الحكومة وإصلاحاته الكبرى وإطلاق حوار وعرض مقترحات المهندسين كمهنة هامة حول هذه الإصلاحات لنُساهم كمهنة في بلورة وصياغة هذه الإصلاحات وإثرائها خاصة ونحن معنيّون أساسا في المستقبل بتنفيذها، فإذا قلنا إصلاحات كبرى تتضمّن إصلاحات هيكلية وتشريعية ولكن كذلك إصلاحات قطاعية في مختلف المجالات فمن سيسهر على تنفيذ هذه الإصلاحات خاصة القطاعية وكذلك الهيكلية هم المهندسين ومن هنا تأتي ضرورة بلورة التصورات والمساهمة في إثرائها وحسن تنفيذها وإنجاحها من خلال إعطائها القيمة المضافة المرجوّة.
محمد رابح (رئيس جمعية التونسيين خريجي الجامعات الألمانية)
هذه الندوة هي دراسة للبرنامج الوطني حول التغيرات الكبرى المبرمجة لسنة 2016/2020 وهي فرصة لفتح المجال للحوار بين كل من المهندسين والاقتصاديين لوضع الخطوط العريضة للإصلاحات الممكنة والكفيلة لإثبات دور المهندس في هذه المرحلة وإسهامه في تنمية وتطوير الحركة الاقتصادية لكن وقع تغييبه في هذا البرنامج الوطني ويمكن القول أنّ هذا اللّقاء هو إقرار بدور المهندس ودعوة لإعادة النظر في البرنامج الوطني للإصلاحات لأنّ المهندس هو الركيزة الأساسية للنهوض بالاقتصاد فهو عماد المشاريع والاستثمارات وفي تغييبه قطع مع سبل النهوض بالاستثمار خاصة وبالاقتصاد عامة والاقتصاد لا يقتصر على دور الاقتصاديين فقط لذا لابدّ من تفعيل الحوار فيما بينهما.
نحن حريصون على المساهمة إلى جانب كل الأطراف المعنية بخلق وتكوين مجموعات تفكير حول وضع البرامج والتصورات للمستقبل. وألمانيا بصدد مساندة تونس في هذه الفترة الصعبة وإنه من المهمّ جدا الاستفادة من التجربة الألمانية في كافة مجالات التنمية والتطوّر الاقتصادي الذي لا يخفى على أحد.
آدموند راتكا (ممثّل عن الجمعية السياسية الألمانية «كونراد آدناور ستيفتينغ»)
نحن كجمعية ألمانية ملتزمة بتحقيق الأهداف المتمثّلة في سياسة المجتمع والاقتصاد للوصول إلى عملية إدماج ناجعة وخلق شبكات تربط ألمانيا بدول شرق المتوسّط من ناحية والنهوض بالحوار الأوروبي العربي من ناحية أخرى.
إنّ هذه المؤسسة الموجودة في تونس منذ سنة 1982 تدعم تونس في هذه المرحلة التي تتطلّب التنمية والنجاح الاقتصادي المرتبط بالنجاح الديمقراطي وأن أهل المهنة أي المهندسين بالخصوص يجب أن يساهموا بالفعل في تجسيد الإصلاحات ووضع البرامج والتصورات إلى جانب المجتمع المدني.
ونحن هنا في تونس لمرافقة التنمية الاقتصادية من خلال التجربة الألمانية، ففي ألمانيا قمنا بتطوير نموذج للتنمية الاقتصادية وسمّيناه «اقتصاد داخل السوق»، وهذا يعني أنّ الدولة تقوم بتحديد الإطارات الكبرى وإعطاء الثقة للفرد كي تتمكّن المؤسسة من الازدهار شيئا فشيئا.
وبالنسبة للتنمية الاقتصادية والتعاون المهني يمكن للعاملين والنقابيّين من العمل سويّا لتحديد معايير مشتركة تساعد على النهوض بالقطاع ونحن نلتزم باحترام مشاركة المجتمع المدني في صنع القرار الخاص بالتنمية الاقتصادية وخاصة المهندسين الذي يحتلّون منصب هام في صنع القرار في ألمانيا خاصة المهندسين في المجال الصناعي ومن ذلك صناعة السيارات والتي تعتبر ركيزة الدولة الألمانية وهي من حين لآخر تبحث عن الجديد لتطوير السيارات وابتكار الآلات والأجهزة علما وأنّ اليد العاملة لدينا جدّ باهضة لذا لابدّ من البحث عن سبل جديدة ويجب دائما مواكبة الحداثة والتطوّر التكنولوجي في المجال الاقتصادي الذي يدعم قوّة الدولة اقتصاديّا وقد تحوّلنا من خلال التطوّر التكنولوجي من السيارة العادية إلى السيارة الإلكترونية إضافة إلى نسق التجديد المتواصل لضمان صمود الاقتصاد الوطني أمام التغوّل التنافسي للاقتصاد العالمي.
توفيق الراجحي (رئيس مجلس التحاليل الاقتصادية)
على مستوى البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى هناك برنامج تقول الحكومة بالاشتغال عليه منذ 2015 وهو يُعتبر قديما ووقع ترتيبه على مستوى الحكومة حيث أعلن رئيس الحكومة أنه هناك خمسة محاور بصدد الاشتغال عليها وهي على التوالي الجانب المالي والمصالحة الاقتصادية والمالية وجانب تطوير الموارد البشرية وجانب إيجاد شبكات الضمان الاجتماعي وجانب أخير ألا وهو تطوير الإطار المؤسّساتي والإجرائي، ومنها ما هي موجودة على طاولة مجلس النواب وهناك محاور تشتغل عليها الحكومة حتى على مستوى الوزارات وحاليّا مع المخطّط الذي يتضمّن مجموعة من الإصلاحات الكبرى التي هي لسنوات 2016-2020 حيث هناك محاولة لترتيبهم بنفس الطريقة أي نفس الطريقة التي تشتغل عليها الحكومة فيما يخص المحاور لكن هذه المرّة هناك برمجة لمدة خمس سنوات أي المعرفة المسبقة بما سيحصل مدة خمس سنوات في هذه المحاور، ومن الإصلاحات هناك الإصلاح المالي والإصلاح الجبائي.
فالجميع يتحدث منذ الثورة عن ضرورة تغيير منوال التنمية لكن المشكل أننا لا نعرف إلى أين نريد أن نذهب وأنه لا أحد أعطى الطريق للذهاب إلى منوال جديد. وأتساءل: هل يجب أن نلغي منوال التنمية القديم برمّته أم نغيّر البعض منه ونحافظ على ما فيه من إيجابيات؟. لذا فمصطلح « الإصلاحات الكبرى « جديد في تونس لأننا كنّا نتحدث عن إصلاحات قطاعية فقط. وهذا المصطلح يتعلّق بثقافة جديدة تعني إصلاحات واجبة تهمّ كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كما أنّ الإصلاحات لا تعني فقط تغيير القرارات والقواعد والإجراءات بل أيضا تغيير عمل المؤسسات، والعناصر الأساسية للإصلاحات الكبرى ثلاثة: البطالة والتفاوت بين الجهات واختلال العدالة الاجتماعية. كما أنّه يجب تغيير المفاهيم وعلى سبيل المثال يمكن أن نمرّ من مفهوم أن 1 في المائة تنمية يوفّر 17 ألف موطن شغل إلى أن نفس الرقم يمكن أن يوفّر 25 ألف موطن شغل من خلال تغيير السياسة الاقتصادية.
والإصلاحات الكبرى تتطلب مجهودات كبرى في التطوير التكنولوجي وتحديث التجهيزات وحسن تنظيم العمل وتحسين تمويل الاقتصاد وتطوير الموارد البشرية وتعزيز الأطر التشريعية والإجرائية كما أن إعادة هيكلة المنشآت العمومية والرصيد البشري والتعليم بكافة مراحله سيسمح بتحقيق نتائج إيجابية جدا. والإصلاحات الكبرى تصطدم بجملة من العراقيل من ذلك أن الجانب الأكبر من الاقتصاد التونسي ما زال يعمل وفق قوانين ما قبل 2010 وأن المشاريع التي تقدّمها الحكومة للحصول على مصادقة مجلس نواب الشعب تصطدم بجملة من الإجراءات والمراحل الطويلة التي تعطّل تنفيذ العديد منها فقد تبنّى نواب الشعب منذ 2012 مسألة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لكن إلى اليوم لم يقع تطبيق ما جاء في هذا البرنامج بسبب غياب النصوص والتشريعات.
والإشكال في الإصلاحات هو نسق التطبيق ضعيف إذ أنّ هناك سرعة في التصوّر كما هو الأمر بمجلس النواب الذي يبذل مجهودا كبيرا في العمل إلاّ أنّ الكمية الهائلة من الملفات لسنوات 2011-2014 وهي مدّة وقع خلالها إيقاف آلة الإصلاح حيث كانت خاصة سنة 2014 مخصصة لأهداف سياسية لا تنموية ولا اقتصادية وذلك الكم الهائم من ملفات الإصلاح يستوجب جهد كبير من طرف مجلس النواب للاشتغال عليه إلاّ أنّ ذلك لا يمنع أنّ تونس حاليا تتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 2.8 مليار دولار وهذه المفاوضات بلغت أشواطا متقدمة من أجل تعبئة التمويلات الضرورية للمخطط التنموي 2016-2020 وهذا التمويل الذي ستحصل عليه تونس من صندوق النقد الدولي بنسبة فائدة فى حدود 2% إذ أنّ الزيارة التي أدّاها مسؤولو هذا الصندوق إلى تونس في بداية الشهر الماضي دليل على الثقة في إيفاء تونس بتعهّداتها.
عبد الستار حسني (كاتب عام عمادة المهندسين التونسيين)
تمثّلت مداخلتي في تقديم مشروع لإنشاء وبعث منتدى للمهندسين وحسب الدراسة التي قمت بها فإنّ الرسم البياني الذي عرضته وضّح تطوّر فجوة التنمية بين غانا وجمهورية كوريا ويعود هذا الفرق إلى الرأسمال المادي والبشري والاختلاف في المعرفة وذلك حسب مصادر البنك الدولي والتعليق الوحيد الذي أودّ الإدلاء به هو أن وضعنا لا يختلف كثيرا عن ذلك الذي بغانا.
وفقا للبنك الدولي، تحتل تونس المرتبة الثمانون من بين 146 دولة في مؤشّر اقتصاد المعرفة بعد الأردن والكويت وموريتانيا والبحرين وغيرها، وهذا مؤشر يعطي الاستعداد العالمي البلاد للتنافس في اقتصاد المعرفة وهذا المؤشّر يدعم المنافسة العالمية في مجال اقتصاد المعرفة.
بخصوص السؤال عن الجدوى من منتدى المهندسين يمكن القول أنّ المهندس التونسي في الماضي لم تتوفّر له الفرصة للمساهمة في المناقشات وإعداد استراتيجيات التنمية الوطنية كمجال مهني محايد ومستقل بذاته ويتّضح ذلك من خلال إقصائه من برامج تطوير العلوم والتكنولوجيا، والخطط الخماسية وميزانيات الدولة. إنّ المجتمع يتغيّر والنماذج القديمة المعتمدة في التنمية قد بلغت حدّها.
فالمهندس في تونس مقصى ومهمّش منذ 60 عاما وأن تونس شهدت منذ سنة 1837 إنشاء أول مدرسة للمهندسين وهي مدرسة البوليتكنيك بباردو التي تخرج منها مهندسون كبار. والمستعمر الفرنسي سنّ قوانين تمنع التونسيين من تعلّم الهندسة وبالتالي التخرّج برتبة مهندس وأن عدد المهندسين في تونس سنة 1920 مثلا كان في حدود 120 مهندسا درسوا خارج تونس لكنهم شغلوا وظائف أخرى بعيدة عن الهندسة على غرار الترجمة مثلا. ومنذ الإستقلال لم يقع تشريك المهندس أو هيكل مهنتهم في أي برنامج حكومي بما يعني ذلك من إقصاء للعلم والمعرفة والكفاءات لذا لابدّ أن يكون أي منوال تنموي مبنيا على العلم والمعرفة والتقنيات وأن الكثير من هذه الأمور يمتلكها المهندس الذي يجب تشريكه في كافة المسائل المجتمعيّة التي تتعلّق بتونس وأنه على الدولة أن تستثمر في اقتصاد المعرفة لضمان النجاح لأي برنامج للإصلاحات الكبرى.
إنّ أيّ نموذج مستقبلي في التنمية يجب أن يُدمج العلوم والتكنولوجيا باعتبارها ركيزة أساسية.
والمهندسون كإطار مهني من واجبهم اقتراح الأفكار حول التصنيع الوطني وإدماج التكنولوجيا في التنمية والمساهمة في وضع استراتيجيات للتحوّل نحو اقتصاد المعرفة وتعزيزه.
الهدف من بعث منتدى للمهندسين لضمان التقدم وتحسين قدرتهم التنافسية ورفاه المواطنين. من الواجب أن تعتمد بلادنا على قوتهم والتخطيط بعناية لاستثماراتهم في اقتصاد المعرفة ورأس المال البشري والتكنولوجيات المناسبة والشركات المبتكرة والتنافسية.
إنّ المنتدى يمكنه تحسيس وتثقيف السياسيين والاقتصاديين لتطوير سياسات العلوم والابتكار.
إنّ أنشطة أعضاء المنتدى يكون كما يلي:
– تحقيق الدراسات المتعلقة بالتصنيع في البلاد وإدخال اقتصاد المعرفة.
– تنظيم المناقشات حول الجوانب العلمية والتكنولوجية.
– تنظيم الندوات واللّقاءات العلمية والتكنولوجية.
– نشر المطبوعات ذات الصلة باقتصاد المعرفة.
ومفاصل هذا المنتدى ستتناول مجال إنشاء اقتصاد المعرفة ويمكن استخدامها فيما يلي:
– مساعدة صنّاع القرار في وضع سياسات ملائمة.
– تحديد المؤسسات المراد بعثها لانجازاتهم.
– تحديد الاستثمارات.
– المساعدة في وضع الترتيبات الاقتصادية والمؤسساتية.
– تحديد مجالات الاستخدام الفعّال للمعرفة العلمية والتكنولوجية.
– المساعدة في تطوير نظام الابتكار الفعّال في المؤسسات ومراكز البحوث والجامعات ومراكز الأبحاث والاستشاريين.
– المساعدة على الاستفادة من ثروة المعارف العالمية واستيعابها وتكييفها مع الاحتياجات المحلية الخاصة بنا.
– المساهمة في التشجيع على خلق تكنولوجيات حديثة.
نحن على اتصال بعدد من المهندسين وفقا لمعايير تضمن التنوع العلمي والمهني والرأي، وينبغي أن تكون قادرة على تطوير الآراء والأفكار على المستوى الاستراتيجي.
ونود أن يقع الاقتراح علينا مهندسين لديهم هذه البيانات نفسها وإن لم يكن هناك رغبة للالتحاق بهذا المنتدى.
وليد بالحاج عمر (عمر المدير العام المساعد لمؤسسة «كومت أنجنيورينغ» وعضو المعهد العربي لرؤساء المؤسسات)
إن المهندس كان على مرّ تاريخ تونس مقصيّا بدليل أن أحد البايات كان قد ضمّ في طاقم وزرائه 7 مهندسين لكن لا أحد منهم كان يهتمّ باختصاصه الهندسي والمستعمر كان يسلك سياسة ممنهجة تعتمد على إقصاء المهندس وأن السياسة في تونس اليوم محتكرة من قبل الحقوقيين والاقتصاديين أما المهندس فليس له رأي إلا في بعض الإصلاحات القطاعية. والمهندس التونسي له دور لكن ليس له مكان وأن هذا المكان لا يعطى للمهندس إذا لم يسع إلى أخذه وربما افتكاكه. والإصلاحات الكبرى لا يمكن أن تنجح طالما أننا ما زلنا نعتمد نفس « الماكينة « منذ 60 عاما وتضارب المصالح فكيف يمكن لوزير الصحة مثلا أن يطوّر قطاع الصحة الخاص أو أن يقوم وزير التعليم العالي بتطوير قطاع التعليم العالي الخاص؟.
لذا على المهندس اليوم أن يخوض في المسائل السياسية وأن يكون له الدور الريادي معبّرا عن استغرابه من قيام أيّة وزارة بتنفيذ المشاريع وبمعنى آخر يجب على كل مهندس مباشر أن يكون طرفا في كل ما يتعلّق ببرامج الدراسة والتكوين لأن البرامج التعليمية والتكوينية أدت إلى تراجع كبير في مستوى المهندسين المتخرجين خاصة خلال العشرية الماضية.
نبيل حمّادة (رئيس الجمعية التونسية للمهندسين الفلاحيين)
حاليا يقع تهميش جميع القدرات وبالخصوص المهندسين والمهندسين ذوي الطاقات الخاصة ومنهم بالخصوص المهندسين المبدعين، فمنذ عشرات السنين اختصّت الحكومات في التشبّث بما يسمى بالاستقلال و فيما بعد بضرب قدرات الإبداع والتألق وكانت وما تزال تدعم الفشل والرداءة ولا تقوم بدعم الذكاء والإبداع وخلق الثروات بمختلف أنواعها الفكرية والصناعية والفلاحية وبذلك تستمر في دعم الفقر والتخلف ولا يمكن بذلك الاتجاه إلى حلّ مشاكلنا الاقتصادية ودعم التشغيل الفعال وتطوير نسب النمو ويبقى منوال التنمية إن أردنا تسميته بذلك لا يمكنه حلّ مشاكل البلاد والعباد.
نسبة التأطير في الإدارة والمنشآت العمومة والخاصة تبقى دائما من أضعف النسب في العالم وبالتالي كي لا تتحكّم تونس في اقتصادها ولا في ثرواتها ولا في سياستها ويكون بذلك استقلال تونس بمثابة استقلال وهمي وإعلامي لا غير.
يجب أن تستثمر الدولة في دعم الكفاءات وتدخل إلى صناعة الذكاء ودعم الإبداع الصناعي والعلمي والفلاحي أي التكنولوجي الذي هو الكفيل الوحيد لخلق الثروات الحقيقية وفرص شغل ثابتة وحلول معيشية مقبولة ويدعم استقلال القرار ومن ذلك التحكم في مستقبلنا ومستقبل الأجيال بعيدا عن الاتفاقيات التجارية المسمومة ويجب أن نعوّل على الطاقات في الميدان الفلاحي والمنجمي الصديق مع البيئة والطاقات المتجددة وغراسة البلاد بأشجار غابية من الشمال إلى الجنوب للحدّ من التصحّر وانحباس الأمطار وارتفاع الحرارة ويكون ذلك بالخصوص عند اختيار الأشجار ذات انتفاع بالنسبة للتربة وللسكان وذات مردودية بيئية ومع استغلال الطاقة الشمسية في إنتاج المياه اللاّزمة.
الهادي بدر (مهندس فلاحي مختص)
حسب البرنامج المعد مسبقا ثلاث تدخلات الأولى اقتصادية بحتة وبامتياز وقدمها مستشار رئيس الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى الاقتصادي توفيق الراجحي والمداخلة الثانية هندسية بحتة بامتياز أمنها المهندس وليد بالحاج عمر، فالمداخلتان المذكورتان أعلاه مثّلتا حوار شيق بين ما هو اقتصادي وما هو هندسي فالمداخلة الأولى لمستشار رئيس الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى الاقتصادي السيد توفيق الراجحي ركزت تحليلها على أهمية الحوار السياسي والمجتمعي حول دعم الإصلاحات الكبرى بدون التفكير في تركيز مثال تنموي جديد معتمدا في تحليله على دراسة معمقة لنسبة النمو الاقتصادي في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2015 للبلاد التونسية وأسباب ضعفها المتمثلة في ضعف نسب الإنتاجية الشغلية وضعف نسب التأطير وضعف القدرة التشغيلية للاقتصاد التونسي.
ويتمثّل الحل في القيام بإصلاحات كبرى للمنوال التنموي الحالي على أساس المنهجية التالية: أولا تحسين تمويل الاقتصاد التونسي وثانيا دعم التوازنات المالية الحالية وثالثا تنمية كفاءات الموارد البشرية ورابعا إعادة تركيز منظومات الحماية الاجتماعية وفي الأخير تقوية ودعم الأطر المؤسساتية والقانونية والتنظيمية.
المتابع للتحليل يتبيّن له دور الوزارة والمركزية في إنجاز هذه الإصلاحات الكبرى في الوقت الذي يتطلب فيه مشاركة كل الأطراف السياسية والمجتمعية مركزيا وجهويا لإنجاح برنامج الحكومي للإصلاحات الكبرى الاقتصادية.
والمداخلة الثانية التي أعطت وصف للوضع الهندسي للبلاد التونسية المتدني وبيّنت أن الحالة ممنهج لها والتي أريد لها من قبل الاستقلال إلى يومنا هذا وفي تناقض كامل مع النقطة الثالثة المتمثّلة في الاعتماد على الكفاءات والمهارات للموارد البشرية للبلاد، فالمهندس له دور مركزي لكنه لا يملك «مكانا» وقد يتمثّل سبب الضعف أو الشيطنة في الجهاز الإداري العمومي الذي له مسؤولية كبرى في تهميش الكفاءات الهندسية بالبلاد التونسية، ويصبح الشعار المطروح «لا إصلاحات صغرى ولا كبرى بدون مهندس مقتدر» الذي يمثّل القاطرة للتنمية الشاملة.
وأما المداخلة الثالثة المقترحة وإن كانت مبادرة لتنشيط الشأن الهندسي فهي لا تمثل الحل، فالحل يتمثل في العمل معا حكومة وعمادة المهندسين التونسيين والنقابة الوطنية للمهندسين التونسيين والجمعيات الهندسية على إصلاح الشأن الهندسي بإصلاح التكوين الهندسي على أساس علمي وتطوير مؤهلات المهندسين العاطلين عن العمل ودمجهم في الدورة الاقتصادية للبلاد وهيكلة الإدارة مركزيا وجهويا وكذلك المؤسسات العمومية والخاصة على أساس الكفاءات والمهارات المطلوبة وتشريك التنظيمات المجتمعية والمهنية في الإنجاز.
فاضل الحرباوي (كاتب عام النقابة الوطنية للمهندسين المعماريين التونسيين وعضو مجلس العمادة )
إنّ البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى الذي تم عرضه من قبل الوزير المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى 2016-2020 لا يختلف كثيرا عن سابقيه من برامج تأهيل اقتصادية خماسية وعشرية وورقات عمل تنموية وغيرها، رغم ما ظهر عليه من نوايا حسنة، فمجرد إعداد برنامج إصلاحات لا يتماشى وأهداف صندوق النقد الدولي لن يخرج عن بوتقة إملاءات الممولين الخارجيين بما لا يتعارض ومصالحهم الخاصة. كما أنّ محتوى البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى المعروض لم يتطرق إلى تشخيص موضوعي للوضع الاقتصادي المتردي الحالي ولمختلف مسارات التنمية المتعثرة للوقوف على أصل الداء ليتم الشروع في معالجته بالكيفية الناجعة ومع الأسف وقع تغييب المهندسين والمهندسين المعماريين كقوة اقتراح وركيزة أساسية لدراسة المشاريع التنموية في جميع الاختصاصات وإنجازها ومتابعتها وتحيينها وصيانتها عن الاقتراح والمشاركة في الإعداد.
كما أنّ التركيز على العنصر الأول المتمثل في تحسين الموارد المالية لتنشيط الاقتصاد بجلب الاستثمارات ورؤوس الأموال ومصادر التمويل دون إعداد مقترحات مشاريع ذات قدرة تشغيلية وقيمة مضافة عالية ودراسات جدوى قيمة سيغرق البلاد في المزيد من المديونية والصعوبات الاقتصادية على غرار ما أتته جميع الحكومات السابقة والحالية في سنتها الأولى من تسيير شؤون البلاد حيث بلغت نسبة التداين 52.9% لسنة 2015 حسب آخر تقرير لدائرة المحاسبات، وهو رقم مفزع ومخيف بالنظر إلى الانكماش الاقتصادي والركود التنموي الحالي.
وبالتالي فإنّ تدحرج نسبة النمو إلى أدنى مستوياتها إلى حدود سنة 2015 مردّه الأساسي غياب البرامج والمشاريع التنموية الكفيلة بخلق الثروة الوطنية نتيجة تغييب المهندس والمهندس المعماري عن رسم مختلف مسارات التنمية وتهميشه، وفي الآن ذاته فالمهندس المعماري والمهندس بصفة عامة لم يعد يحظى بالمكانة الاجتماعية التي تناسب قدراته ومؤهلاته الذهنية وشهادته العلمية وأضحى في وضع مادي متردّي نتيجة ارتفاع الأسعار المطرد وغلو المعيشة والسكن والعقارات في ظل تجاهل تامّ لوضعيته من قبل مختلف الحكومات المتعاقبة.
وأتساءل عن كيفية إعادة هيكلة المنشآت العمومية والشركات الحكومية بالتزامن مع النقص الحاد في الكفاءات الهندسية الضرورية لتسييرها وتطوير نشاطها بما يتماشى ومجالات اختصاصاتها رغم نسبة التأطير والتأخير المرتفعة وكلّي أمل في الشروع في معالجة الفضاعات والإخلالات الموجودة بها منذ زمن بعيد.
وفي الختام فإنّ الفقرات الأخيرة من البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى 2016-2020 أشارت إلى إبلاء الموارد البشرية الأهمية اللازمة وتركيز نظام تعليمي ملائم مع السعي إلى تقليص نسبة البطالة المقدرة ب15.20% دون أن تتطرق بالقدر المطلوب لضرورة إصلاح المنظومة التربوية وإعادة هيكلة تعليم الهندسة والتقنيات بما يلاءم التطور المطرد للقطاعات المذكورة وحاجيات سوق الشغل بالفاعلية والنجاعة المطلوبة كما أنّ تكاثر المدارس والكليات الخاصة بصفة مفزعة سيغرق البلاد برداءة المستوى والأداء وبعشرات الآلاف الإضافية من أصحاب الشهائد العليا العاطلة عن العمل، وبالتالي مزيد تكريس الركود الاقتصادي والتنموي ومواصلة انتهاج منوال استهلاكي وتبعي.
حياة عمري (دكتورة وباحثة في الكيمياء وعضو مجلس نواب الشعب)
حضرت كمهندسة في الندوة التي نظمها عمادة المهندسين التونسيين وجمعية التونسيين خريجي الجامعات الألمانية ومؤسسة «كونراد آدناور ستيفتونغ» حول البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى 2016-2020 أي دور للمهندس؟
بالنسبة لي تعتبر ندوة مهمّة خاصة حين تمّ التطرق إلى الوضع الاقتصادي للبلاد منذ 2010 والتأكيد على ضرورة وضع منوال جديد لاقتصادنا لتكون له قدرة كبيرة على الرفع من الإنتاجية والقدرة على خلق فرص مواطن شغل وأيضا ضرورة وضع تشريعات جديدة تمكّن خاصة من تجاوز التعقيدات الإدارية وتشجّع على جلب الاستثمار.
إضافة إلى التأكيد على دور المهندس في النهوض بالوطن خاصة أنّ المهندس هو الكفاءة الذي يملك نظرة شاملة وبإمكانه أن يضع الخطة الإستراتجية الناجحة للاقتصاد.
إضافة إلى ضرورة إنشاء دائرة المهندسين حتى تتوحّد جهودهم وتكون لهم القيادة في رفع الاقتصاد الوطني وجعل المؤسسات الاقتصادية متقدمة ومواكبة للعصر.