أصبح النشاط الاقتصادي غير المنظم في العقود الأخيرة وباعتراف عدد من خبراء التنمية الاقتصادية والمنظمات الدولية والمهتمة بشؤون التنمية يتصدر النظام الاقتصادي خاصة في دول العالم الثالث حيث فشل المشروع التنموي فيها وأصبحت شعوبها في يأس وقنوط.
لذلك ينتشر الاقتصاد غير المنظم في سياق يسوده ارتفاع البطالة الجزئية والفقر وانعدام المساواة بين الجنسين وهشاشة العمل ويؤدي في ظل هذه الظروف دورا يعتمد به لاسيما في توليد الدخل بسبب سهولة دخوله نسبيا وانخفاض متطلباته من التعليم والمهارات والتكنولوجيا ورأس المال ولكن معظم الناس يدخلون الاقتصاد غير المنظم لا باختيارهم بل لضرورة البقاء على قيد الحياة وللحصول على الأنشطة الأساسية المولدة.
واجمع المشاركون والخبراء في هذا المجال في ندوة علمية حول الحماية الاجتماعية والاقتصاد غير المنظم بتونس وتحديات الانتقال إلى التشغيل المنظم، نظّمها مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بالتعاون مع البنك الإفريقي للتنمية لعرض تقريرها النهائي حول هذه الظاهرة والارتفاع الرهيب لنسبة التشغيل غير المنظّم.
وعلى هذا الأساس، أكّد مدير مركز البحوث والدراسات الاجتماعية السيد نضال بالشيخ أنّ أبرز ما جاء في هذا التقرير هو محاولة لفهم أهم مكونات الاقتصاد غير المنظم وأنّ نسبة التشغيل في هذا المجال مرتفعة بلغت 32,2% سنة 2015 من السكان الناشيطين وهو ما يمثل مليون و 92 ألف مشتغل غير منظم لا يدفعون مساهمات الضمان الاجتماعي بعد أن كانت في حدود 28% سنة 2010، وهذا الارتفاع مفاده عدة أسباب من بينها التغيرات التي شهدتها البلاد اثر الثورة.
وأفاد مدير المركز أن التشغيل غير المنظم مرتكز بالأساس ضمن الفئات الشابة النشيطة من المشتغلين على مستوى سوق العمل والذين تقل أعمارهم عن 40 سنة حيث بلغت 83% في صفوف الرجال و60% في صفوف النساء وخاصة منهم الذين اندمجوا حديثا في سوق الشغل وفق قوله.
وأضاف نضال بالشيخ أن هذا النوع من التشغيل غير المنظم وغير المحترم للمعايير الدولية إنما هو عائق أمام حصولهم على جرايات تقاعد لائقة ومحترمة تحفظ كرامته وقد تنعدم هذه الجرايات.
ومن جهته أشار وزير الشؤون الاجتماعية السيد محمود بن رمضان إلى أنّ العمل هو ضمان لكرامة الإنسان ولحفظ كرامته يضطرّ أحيانا لقبول ما لا يقبل في الموافقة على شغل دون تغطية اجتماعية مما ينجر عنه عدم تمكّنه من الحصول على جراية شيخوخة يستند عليها في عجزه.
كما أكّد محمود بن رمضان أنه من الضروري مد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالإمكانيات اللازمة التي من شأنها أن تعيد له توازنه لضمان ديمومته واستقراره.
وأشار الوزير ألى أن الوزارة اتخذت الاجراءات اللازمة للقضاء على الاقتصاد غير المنظم بصفة تدريجية وبالتالي القضاء على ضعف مساهمة العاملين في القطاع الموازي في منظومة الحماية الاجتماعية من خلال تقديم هذا المقترح لرئيس الحكومة ووزير المالية للتفاوض فيه ممّا يتمخّض عنه رقابة متشددة لتتبع المؤسسات التي تسعى إلى ارضاخ المشتغل على قبول العمل دون تغطية وأفاد أنه من بين أهم الإجراءات هي التثبت في كل المبادلات الاقتصادية فيما يخص خلاص مساهمتها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مشيرا إلى أن ذلك لا يكون إلاّ من خلال استظهار الطرف المعني بالأمر بخلاص مساهماته للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ويلزمه أيضا بإثبات ذلك عند خلاص آداءاته الجبائية.
وبيّن الوزير أنّ هناك العديد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية للقطاع غير المنظم، ومنها عدم تمتع العاملين فيه بالأمان الاجتماعي والاقتصادي لعدم حصولهم على عقد عمل أو تأمين اجتماعي وصحي يضمن لهم ولأسرهم حياة كريمة، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن عدم تسجيل العاملين في مصلحة الضرائب أو في التأمينات الاجتماعية لا يعود إلى تعقيد الإجراءات الإدارية أو التكلفة المالية، بل هي محض إرادة العاملين الذين لا يعتقدون أن هنالك حاجة أو منفعة لذلك.
وأضاف من جهته المستشار «جاك شارم» أنّ العمل في القطاع غير المنظم هو عبارة عن مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي لا تخضع لرقابة الحكومة وتعمل خارج الإطار الضريبى والتأمينى للدولة، كما أنها لا تدخل في حسابات الناتج القومي الإجمالي على خلاف أنشطة القطاع الرسمي المسجل.
وقال أنّ العمل في القطاع غير المنظم يتّصف بعدة صفاتٍ أهمها من أهمها عدم تسجيل المنشأة في السجلات الرسمية للدولة بمختلف أنواعها (سجل تجاري، سجل صناعي، ترخيص عمل) كذلك صغر حجم التشغيل فيها قياساً بعدد العاملين بأجر أو بدون أجر أو بصفة دائمة أو مؤقتة في القطاع المنظم، وكذلك محدودية رأس المال المستثمر في الإنتاج إلى جانب طبيعة العمل الفردية واعتماد النسبة الأكبر من منشآت القطاع غير الرسمي على التشغيل اليدوى مع عدم الاحتياج إلى معدات أو أدوات معقدة أو مكلفة.
وتبين أنّ مستويات التشغيل بالاقتصاد غير المنظم غير الفلاحي من التشغيل غير الفلاحي الإجمالي تطوّرت من 38,4% سنة 1975 إلى 40,2% سنة 2013 كما تمّ تسجيل مستويات عليا سنة 1998 ناهزت 47,1% ومستويات دنيا بلغت 35% خلال سنتي 1982 و2002 وتميزت تونس خلال سنوات 2000 بتسجيلها للنسب الأكثر انخفاضا بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط غير أن المسارات الحالية من شأنها أن تعيد تشكل الترتيب الحالي المتعلق بهذا المؤشر.
كما استقرت حصة الانشطة غير المنظمة من الناتج الداخلي الخام إلى مستوى 23,8% سنة 2012 مقابل تباعا 20,3% و25,2% و28,3% خلال سنوات 2007 و2002 و1997.
كما عرفت حصة المؤسسات الصغرى تراجعا خلال الفترة ما بين 1997 و2007 وارتفاعا ملحوظا بداية من سنة 2012.
هاجر عزّوني