جريدة الخبير

مسابقة الطاهر شريعة للعمل الأول فيلم “نحبك هادي” للمخرج “محمد بن عطية” (تونس)

timthumb

“نحبك هادي” هو من أكثر الأفلام انتظارا في الدورة السابعة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية بعد مشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي وفوزه بجائزة العمل الأول لصاحبه المخرج “محمد بن عطية” باعتباره أول فيلم روائي طويل في رصيده بعد عدد من الأفلام القصيرة المتميزة مثل “موجة” و”سلمى” وغيرهما… وتحصل الممثل “مجد مستورة” من مهرجان برلين السينمائي على الدب الفضي لأفضل ممثل.

يشارك “نحبك هادي” في مسابقة الطاهر شريعة للعمل الأول، وقيمة الفيلم تأتي أساسا من وضوح الرؤية بالنسبة إلى المخرج “محمد بن عطية” فقد تجنب الأخطاء التي يقع فيها غيره في أفلامهم الأولى: زخم الأفكار والمواضيع والإشارات التي تصير شعارات… تجنب “بن عطية” هذا الخطأ الشائع واقترح فيلما واضح البناء، يمكن للمشاهد أن يقرأه في مستويين: المستوى الأول إنساني يتعلق بقصة شاب فاقد الإرادة، شديد السلبية يتحول إلى آخر فاعل ومالك لحرية القرار، والمستوى الثاني سياسي ربما يشير إلى حالة الإحباط التي استبدت بالشباب التونسي بعد أن خذلت الثورة أحلامه، لكن الجميل أن المخرج “محمد بن عطية” لم يستسلم للشعارات الثورجية ولم يعتمد على خطاب مباشر، بل حافظ على مدى ساعة ونصف من عمر الفيلم على خطاب سينمائي بسيط وسلس.

عنوان الفيلم “نحبك هادي” مراوغ وذكي، ف”هادي” هو اسم البطل (مجد مستورة)، وهو حامل معناه أيضا: شديد الهدوء حد السلبية! وكل ما يحيط بالشاب يريده أن يكون هادئا بمعنى أن “نحبك هادي” ليست تعبيرة عاطفية فقط، فالحب المفاجئ الذي عاشه “هادي” كان محرضا ليتمرد على كل ما استقر عليه رأيه وطبعه، ولكن في حياته، يرضخ “هادي” لجميع الضغوطات الذي تريده أن يكون هادئا!

“هادي” شاب عادي، ولأنه عادي جدا، يعيش تحت سطوة والدته التي خططت لارتباطه بفتاة تجمعهما لقاءات سرية في السيارة… لم يحدث أن مسك يديها بين راحتيه… لم يحدث أن أخذها بين ذراعية… لم يحدث أن قبلها… فهي مثله خاضعة لسلطة العادات والتقاليد، لا تحسن التعبير عن مشاعرها إلا متخفية بين سطور الإرساليات القصيرة التي ترسلها له مع سكون الليل.

“شنوة تحب تعمل في حياتك؟”، يفاجئ “هادي” خطيبته “خديجة” بالسؤال فترتبك… لم يحدث أن سألت نفسها سؤالا كهذا، ولا يهم كثيرا ما تريده من الحياة، يكفي أنها معدة للارتباط بشاب مستقيم من عائلة محترمة، موعودة بحياة “لا روح فيها” ومحكومة بسلاسل العادات والتقاليد.

“هادي” أيضا لم يكن يسأل… كان مولعا بالرسم، وكان “يحلم” بنشر ما يرسمه، قبل أن يصطدم ب”ريم تقول له ساخرة “هذا مشروع مش حلم”!

“ريم” لم تكن مجرد امرأة صادفته في حياته فجأة، لم يكن فقط حبا من النظرة الأولى استوجب شيئا من العنف اللذيذ في علاقة مجنونة، بل كانت اللحظة الفارقة في حياته التي دفعته إلى التحرر أولا من سطوة عمل لا يحبه، ثم من مصير لا يريده ولم يختره (الزواج)، وكانت المواجهة بينه وبين والدته (الممثلة الكبيرة صباح بوزويتة) نقطة تحول كبيرة في الفيلم وفي حياته هو…

لكن “ريم” كانت أيضا “المجهول”، فهي المنشطة الراقصة التي تنتقل من نزل إلى آخر لا تعرف أين سيستقر بها المقام! فهل سيغريه المجهول؟ هل سيسافر مع المرأة التي أحبها وأيقظت كل الأحاسيس النائمة فيه؟

لا يهم القرار الذي اتخذه فالأهم أنه اتخذ قرارا، وأنه صار قادرا على ذلك، ولا شك في أنه هذه المرة سيكون فاعلا، ولن يخضع لأي سلطة.

أي نعم تمثل “ريم” (ريم بن مسعود) الشباب التونسي الفاعل، المحب للحياة والفن، الذي يحاول أن يترك أثرا ما، ولكن على الرغم من كل هذه المحاولات فالمستقبل بالنسبة إليه غامض ومجهول، ولهذا تجيب “ريم” على سؤال “هادي”: شنوة باش نعملو من بعد؟ تجيبه: ياخي في بالك اللي آنا فرحانة وانا في 30 من عمري ونقز قدام التوريست والوتلة في تونس تسكر كل يوم؟ المستقبل غامض بالنسبة إلى شباب تونس الذي يلاحق أحلامه المؤجلة، ويرغب في الهروب إلى أوروبا أملا في الحصول على فرصة يضمن بها الآتي من حياته

“نحبك هادي” فيلم بسيط لكنه صادق… فيه أيضا الكثير من الاختصار في الحوار وفي جمالياته البصرية، يذكرنا كثيرا بأفلام الأخوين “داردين” في سلاسته خاصة والأخوان البلجيكيان ساهما في إنتاج الفيلم.

يتحمل الممثلون أعباء الفيلم بآداء بارع لجميعهم تقريبا بمن فيهم أصحاب الأدوار الصغيرة، ويمثل “مجد مستورة” استثناء جميلا، قدم آداء بارعا لشخصية مسلوبة الإرادة، اشتغل بعمق على تفاصيل الشخصية: مشيتها، نبرة صوتها، حركة يدها، نظراتها، وحتى التحول في الشخصية لم يكن إلى النقيض، بل كان مدروسا ومقنعا.

“ريم بن مسعود” كانت بدورها جيدة، وهي مكسب مهم للسينما التونسية، أما الكبيرة “صباح بوزويتة” فكانت صادقة جدا في آدائها، متمكنة من مفردات شخصية الأم المتسلطة ولكنها قدمت هذه الشخصية بأسلوبها هي، وبطريقتها هي بعيدا عن الكليشيهات والتركيبات الجاهزة… ولأنها ممثلة من طينة نادرة لا يمكن إلا أن تحبها… هكذا هي “صباح بوزيتة” ممثلة تعشقها على الركح وأمام الكاميرا لأنها تمتلك حواسك بآدائها الجميل.

ثقافة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *