جريدة الخبير

مؤسسات توظيف الأموال في تونس :

 

شركات تمتهن التحيّل و استغلال المواطنين و واجهة مخفية لتبييض الأموال

من حق المتضررين مقاضاة الدولة و البنك المركزي و كل من يثبت تورطه في تحيّل هذه المؤسسات

1079360_10201710393230256_836230844_n

إن ظاهرة استقطاب  المساهمين في بلادنا بطرق غير شرعيةو التحيل عليهم أصبحت منتشرة بصفة أكبر بعد الثورة و تحتاج إلى الوقوف عندها و تحديد أسباب إلتجاء المواطنين إلى شركات توظيف الاموال و النظر فيما  ينجر عنها و ما تتسبب فيه من خسائر جسيمة للأشخاص الذين أودعوا أموالهم فيها.و تكشف الأعداد الكبيرة لضحايا التحيل تعلق الكثيرين بهذه المؤسسات و ثقتهم التامة في نشاطها و لذلك تحتاج هذه الظاهرة  أيضا إلى وقفة جادة من جميع الجهات المسؤولة و المتداخلة في هذا الشأن حتى يتم إيقاف هذا الصنف من الناس عند حدودهم وخصوصًا الذين استباحوا لأنفسهم سرقة الناس و التلاعب بأموالهم  دون وجه حق , ولا بد أن تتخذ ضدهم الإجراءات الصارمة لمحاسبتهم وسد هذا الباب أمام كل من تسول له نفسه السير على منوالهم .

وعلى كل فرد منَّا ألا يندفع بإيداع ماله إلى كل من أعلن عن فتح شركة توظيف أموال  أو زعم أنه يقدم أرباحا مغرية في مدة زمنية  قصيرة و محددة سلفا, فأصحاب هذه المؤسسات يتخذون عادة من شركاتهم الوهمية و غير الشرعية وسائل يتسترون بها لتبييض الأموال فيعطون أرباحًا من أموال الناس حتى يكسبوا ثقتهم ثم يهربون بأموالهم ولعل ما حدث مؤخرا يدل على احترافهم التحيل .

و لمزيد التعمق في هذا الموضوع  و محاولة البحث في مختلف الأطوار التي تحيط به كان لنا لقاء مع الأستاذ المحاضر والمختصّ في القانون البنكي و المحامي لدى التعقيب  نور الدين بالسرور الذي أوضح لنا عديد النقاط و أفادنا بما يلي :

لا توجد  شركات توظيف أموال في القانون التونسي و لكن ثمة مؤسسات في التوظيف الجماعي للأوراق المالية تنظمها مجلة مؤسسة التوظيف الجماعي الصادرة سنة 2001 , و فيها يكتتب  الشخص في رأس مال مؤسسة التوظيف الجماعي و يصبح مساهما في رأس مال المؤسسة التي تملك محفظة أوراق مالية .

قبول ودائع من العموم نشاط مسموح للبنوك فقط

و تكون عادة هذه المؤسسات إما شركات ذات رأس مال متغير أو في شكل صناديق مشتركة للتوظيف و تخضع لرقابة هيئة السوق المالية.

و بالنسبة إلى إيداع الاموال نقدا و قبول الودائع من العموم فإن ذلك يتمثل في “عقد وديعة” و هو حكر على البنوك فقط و حتى بقية المؤسسات المالية ليس لديها الحق في ذلك باعتبار أن قبول هذه الودائع تشكل الفرق الوحيد بين البنوك و المؤسسات المالية .

يعتبر عقد وديعة عندما يكون هناك التزام بالإرجاع أي يلتزم من يقبل الاموال  بإرجاعها في تاريخ زمني محدد , في حين أنه في التوظيف في البورصة ليس هناك التزام بالإرجاع و بالتالي فإن مسألة قبول ودائع من العموم نشاط مسموح للبنوك فقط , و من يقبل هذه الودائع يعتبر مرتكبا لجريمة حسب قانون 2001.

و حسب الفصل 51 من قانون 10 جويلية 2001 المتعلق بمؤسسات القرض فإن عقاب عملية التحيّل يتراوح من 3 أشهر ألى غاية 3 سنوات و خطية مالية من 5 آلاف دينار إلى 50 ألف دينار. و هذا القانون  الذي تم تنقيحه في 2 ماي 2006 يشمل المؤسسات المالية و البنوك التي تقوم بنفس الانشطة غير أن البنوك  تختص لوحدها بقبولها الودائع من العموم .

مؤسسات استغلت حالة التسيب و الانفلات و قلة المراقبة

هناك شركات تقبل الودائع من العموم و هو ما يمثل خرقا واضحا لقانون 2001 و لممارستها نشاطا هو حكر على البنوك  و فيه تحيل لأنها  تعد الناس بمشاريع و أرباح وهمية بعد أن تقبل الودائع و تلتزم بإرجاعها في وقت محدد مع فائدة متفق عليها  سلفا يبقى تحقيقها أمرا مستحيلا . و يبين ملف أحد ضحايا عملية احتيال   أنه أودع مبلغ 6500 دينار إلى  مؤسسة CASUSالتي تعهدت بأن ترجع إليه مبلغ 11500 دينار في ظرف 45 يوما أي بمعدل ربح قدره  50 % في الشهر . رغم أنه  في أعتى البنوك لا يمكن ان تتحقق مثل هذه الفائدة .

 و هذه المؤسسات جاءت بعد الثورة و استغلت حالة التسيب و الفوضى و الانفلات و قلة المراقبة إضافة إلى أنه ثمة قصور من الادارة . فالمفروض ان يتصدى البنك المركزي بحزم لهذه المؤسسات عند اكتشافها و يقوم ببحث إذا نتج عنه تأكيد وجود شركات توظيف الاموال يقترح البنك على وزير المالية تصفيتها . غير أن البنك المركزي قام بخلط بين الجانبين الاداري و الجزائي في البيان الذي أصدره مؤخرا  و أظهر فيه عمل هذه المؤسسات كمسألة شرعية و لكنها تتطلب توخي الحذر , بينما كان عليه أن يقوم بواجبه و بالتحريات اللازمة ثم يقترح عملية التصفية  التي لم تتم مما أعطى مصداقية زائفة لصاحب الشركة الذي استغل إيقافه ثم إطلاق سراحه لصالحه .

إن التسيب و قصور  الادارة  يجسم انهيار المؤسسات التي أصبحت مشلولة و لم تعد تؤدي دورها خاصة  و أنها لم تتخذ إجراءات واضحة في شأن الشركات التي تم اكتشافها . وحتى المؤسسات البنكية التي تضررت من هذه الأنشطة لم تقم بواجبها في الدفاع عن مجال نشاطها رغم ان القانون عهد إليها بذلك .

مؤسسات مختصة في تبييض الأموال

يدخل نشاط مؤسسات توظيف الأموال في إطار تبييض الأموال و لدينا في تونس قانون متطور إلا أنه لم يقع تفعيله و هو ما يثير الشبهات و يؤدي إلى  تطبيق آليات قانون تبييض الاموال للجنة التحاليل المالية و البنوك . كما أن هناك شلل على مستوى الجهاز المالي و كل الاطراف المتداخلة من البنك المركزي و وزير المالية و مراقب الحسابات و غيرهم … لازال متواصلا إلى غاية اليوم خاصة و أنه لم يقع تصفية هذه الشركات و افلاسها حسب القانون و بقيت قيد تتبعات جزائية فقط وقع التركيز و الاقتصار عليها , و لا تستوجب عملية التصفية حصول أي ضرر لأي مودع.

ثقافة مالية شبه منعدمة لدى المواطن التونسي

إن الثقافة المالية في تونس غير موجودة تقريبا أما ثقافة التوظيف فتكاد تكون منعدمة . و حتى على مستوى التعليم الجامعي لا يقع تدريس قانون الاستثمار أو التوظيف . في حين ان كل شخص لديه مداخيل هو في حاجة إلى الادخار أو التوظيف .

و قد طالت عمليات التحيّل كل فئات المجتمع من أشخاص عاديين إلى موظفين و الاطباء و حتى القضاة و المحامين الذين وقعوا بدورهم في فخ هذه الشركات , و هو ما يؤكد الضعف الكبير في التكوين على مستوى ثقافة التوظيف .

و المفروض أيضا أن تكون هذه الملفات رائجة في مختلف وسائل الاعلام حتى يتمكن المواطن من فهم كل ما يتعلق بالادخار و التوظيف و الاستثمار .

و يسمح تثقيف المواطن بحماية المدخر و بتعبئة الموارد لدفع الاقتصاد كما يحميه من جهة أخرى و يقوي البورصة و السوق المالية.

و لكن للأسف فالمواطن لا يعرف الآليات الصحيحة للاستثمار و يضع أمواله في العقارات او في مشاريع بسيطة , و هذا تفكير بدائي يضر بالأفراد و بالاقتصاد بصورة عامة . بينما فئة بسيطة فقط هي التي تعرف هذه الآليات و كل ما يتعلق بها و تعمل وفقها في توظيف أموالها .

ضرورة نشر ثقافة التوظيف و الادخار

و لذلك أشير مرة أخرى إلى ضرورة نشر ثقافة التوظيف على مستوى التدريس في مادة التربية المدنية في التعليم الثانوي و مواد أخرى في التعليم الجامعي .

كما أنه لا توجد ديمقراطية على مستوى التوظيف في الاوراق المالية , الذي يشكل عادة أكبر أشكال الديمقراطية , ساهم فيها  عدم المعرفة من جهة و عدم الإلمام و انعدام الثقافة المالية حتى عند النخبة من جهة أخرى .

كما أن برامج التدريس بكلية الحقوق غير مواكبة للتطور الاقتصادي و العولمة و للقانون الدولي و لا تزال تقليدية و بسيطة و بدائية متسمة بقصور و جمود المنظومة التعليمية الجامعية .

إن أصول هذه الشركات لا تسمح بإرجاع كل الودائع لأن البنوك تخضع إلى ما يسمى بقواعد التصرف الحذر الصارمة جدا وضعتها نخب عالمية و تطبق في كل أنحاء العالم و تسمح للبنوك بإرجاع الودائع نظرا للصرامة المفروضة على القطاع البنكي . فما بالك بهذه الشركات التي لا تخضع إلى قواعد و تعد الناس بفوائد خيالية .

إن مآل شركات توظيف الاموال هو حتما الافلاس لعجزها عن خلاص المستثمرين و ارجاع الودائع . و يعد وجودها في تونس فضيحة لأنه في نظام دولة متماسك و سليم لا يمكن لأي شخص أن يمارس نشاط من الانشطة الخاضعة للترخيص و أن ويستمر فيه لفترة طويلة نسبيا دون أن يقع اكتشافه و توقيفه .

لا بد من تصفية مؤسسات توظيف الأموال و إعلان  إفلاسها

و لاسترجاع حقوق المودعين لا بد من تصفية المؤسسات و إعلان إفلاسها و تعيين  مصفي لها. و عندها يمكن  تحديد أصولها و تحديد ديونها المتمثلة في الودائع التي قبلتها و عند الاقتضاء يتم توزيع ما تبقى منها على المودعين بالتحاصص بينهم و كل شخص يسترجع نسبة من أمواله .

 و بالنسبة إلى الفارق بين ما سيقبضه المودعون و بين ما دفعوه كودائع يمكنهم القيام بطلب تعويض عن ذلك تجاه المسؤولين و من تسبب و يتحمل مسؤولية ما حدث و خاصة البنك المركزي و وزارة المالية و مراقب الحسابات عند الاقتضاء و ربما يشمل هذا الاجراء البنوك التي قد تكون تغاضت عن تفعيل و تطبيق القانون و  الآليات  المتعلقة بجريمة تبييض الاموال .

و إذا ما أردنا تقوية الإقتصاد و تطويره و إدخاله في إطار المنظومة الحديثة لا بد من تعبئة الموارد و الادخار اللذان يعدان السبيل الوحيد لذلك . و يكفينا مؤونة الاقتراض الخارجي و لنشرك المواطنين في حب البلاد و المؤسسات و حتى ينال قسطه من الثروة .  فلا بد من تطوير آليات التوظيف و الادخار و خاصة التوظيف الجماعي إضافة إلى أهمية نشر الثقافة المالية و ثقافة التوظيف لدى العموم و خصوصا على مستوى وسائل الاعلام ( بعث قنوات مختصة ) , أيضا على مستوى التعليم من الضروري تطوير برامج التدريس بكلية الحقوق و اقحام المواد المتعلقة بقانون الاستثمار و الاوراق المالية و القانون البنكي و كل ما يندرج في إطار العولمة الاقتصادية .

و لا بد من توخي الصرامة و تطبيق القانون الذي أعتبره متطورا و منظما بمختلف هياكله و المؤسسات التي تشرف على تطبيقه بكل حرفية و صرامة  .

السيد مراد مهني :

الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية   تمثل عاملا محفزا للإستثمار غير المشروع

بين السيّد مراد مهنّي و هو باحث في علم الاجتماع أن ظاهرة توظيف الأموال بطرق غير شرعية تهم في الواقع فئة معينة من الناس التي تعتبر هذا العمل مشروعا و نتائجه مضمونة نسبيا. و أشار إلى أن هذه الفئة تتميز من ناحية التركيبتين الاجتماعية و النفسية بالرغبة الكبيرة في الربح و الكسب السريع والصّعود الاجتماعي,و أضاف ” كل هذه الخصائص تدفعها للمضي في هذه الطرق “.

كما تجدر الإشارةإلى انّ هذه العمليّات الاحتيالية حدثت في الماضي في بلادنا ويتوقّع أن تستمرّ في ظلّ هيمنة قيم الانتهازية والرّبح غير لمشروع كما أن نفس النتائج تحدث و يتم الاحتيال على عديد الأفراد في بقية دول العالم التي تشهد عملية توظيف الاموال غير المشروعة  .

و من جهة أخرى يرى الباحث أن الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية   تمثل عاملا محفزا للاستثمار غير المشروع و لانتشار هذه الظاهرة , وتجعل الناس  ينظرون إلى مثل هذه  العمليات على أنها ” الأفق الوحيد لتحسين وضعيتهم “.

أما في ما يتعلق بتصرف الدولة و المؤسسات إزاء مثل هذه العمليات الاحتيالية الّتي تقوم بها شركات تعمل في إطار قانوني في مجال توظيف الأموال فإنه من المهم تفعيل آليات المراقبة من أجل الوقاية من التأثيرات السلبية لهذه الظواهر.

زينة العزابي

أخبار الاقتصاد التونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *