هي حرب أهلية ليبية عصفت ببلد كان ينعم بالأمان و الإطمئنان و أوقفت فجأة كل شيء لتبدأ الحرب. حرب زعزعت أمن المواطن الليبي و عكرت حياته بعد أن كان يهنئ برغد العيش و طيب الحياة و رفاهيتها. إنجر عن هذه الحرب توقف إنتاج النفط و هي الصناعة الرائدة في ليبيا التي تدر عليها أرباحا تجعل منها بلدا غنيا نسبيا. و لكن مع إندلاع هذه الحرب بين “فايز السراج” و “خليفة حفتر” فقد تغير الوضع تماما، فما كان بالأمس غنى أمسى اليوم خرابا و فقرا و هوانا.
بدأ هذا الصراع منذ ابريل 2019 حيث أطلق اللواء “خليفة حفتر” حملة ضد قوات “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دولياً، بهدف دخول العاصمة و إخضاع كامل البلاد لسلطته سياسيا، تمهيداً لاستكمال السيطرة على ليبيا جغرافياً، و فعلا نجح حفتر في الاستحواذ على شرق وجنوب البلاد وجزء شاسع من شمالها.
الصراع مستمر إلى يومنا هذا و ذلك بسبب تدخل الدول فيه عن طريق دعم أحد الطرفين، و لم تنجح الدول الساعية لفض النزاع سلميا في مساعيها من ما انجر عن ذلك تصاعد وتيرة هذا الصراع إلى حد إنقلاب الأدوار فبعد أن كانت قوات الوفاق مكتفية بالدفاع أصبحت اليوم في وضعية هجوم.
أسباب الصراع
بعد سقوط القذافي سادت ليبيا حالة فراغ سياسي و بالتالي هذه الأطراف تتصارع من أجل نيل أحقية حكم ليبيا.
من أسباب الصراع كذلك التفكك الإجتماعي و انتشار الفوضى بعد رحيل القذافي حيث لم تكن هناك مؤسسات أمنية قوية قادرة على ضبط الأمن و الحد من فوضى السلاح و التنظيمات المتطرفة.
ما زاد في تعقيد الوضع الليبي و إشعاله أكثر فأكثر هو التدخلات الدولية. حيث ارتفعت هذه التدخلات في الفترة الأخيرة و لم تعد هذه الحرب حربا ليبية بل هي حرب بين دول تضخ جيوشا من المرتزقة إلى الأراضي الليبية لتزيد الأوضاع فيها تعقيدا و احتداما…
هذه تقريبا الأسباب الكبرى المسببة للصراع الليبي و غير هذه الأسباب كثيرة و متعددة…
الوضع الليبي الراهن
بعد الإتفاق على وقف إطلاق النار قطعت قوات حفتر الاتصالات والإنترنت عن المدينة “سرت و الجفرة” و يبدو أن قوات حفتر بفعلها هذا تسعى إلى إخفاء ما يحدث في سرت وضواحيها عن عيون العالم.
و بالإضافة إلى المعسكرات الروسية و مرتزقة حفتر ينشط “أنصار سيف القذافي” وهم مجموعات صغيرة مهمتهم إثارة الرأي العام وتخريب أسلاك الكهرباء وقطع المياه وتدمير البنية التحتية.
يبدو أن مدينتي سرت والجفرة تحت السيطرة الروسية الساعية إلى إعادة زرع النظام القديم في ليبيا و ذلك من خلال دعم سيف القذافي و هذا حسب ما أكده رئيس مركز إسطرلاب للدراسات “عبد السلام الراجحي”. و عليه فإن وقف إطلاق النار في سرت ما يزال في حكم المجهول حسب رأي المحلل السياسي “موسى تهيو” الذي يرى أن الدول الطامعة في خيرات ليبيا هي التي تدعم الخيار العسكري بقوة و تحول دون انتهائه.
و قد جاء في إعلان لخليفة حفتر رفضه التام لوقف إطلاق النار، إعلان رأت فيه حكومة الوفاق إرادة حفتر في استمرار الحرب، و هذا إنذار باستمرار الحرب داخل ليبيا. و لعل ذلك راجع إلى شروط السراج الذي دعا إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، كما دعا إلى جعل مدينتي سرت والجفرة منطقتين منزوعتي السلاح و لعل هذه الشروط هي السبب في رفض حفتر لإيقاف إطلاق النار حيث أنه لن يسمح بفقدان سيطرته على مدينة سرت التي إذا ما فقدها فإنه سيفقد ورائها زعامته و سلطته.
إجابة عن سؤال ما إن كان السراج يفاوض من موقع قوة أم ضعف فإن كل ما عرضناه في هذا المقال يضع كلا من السراج و حفتر في موقع قوي، فكل تدعمه دول قوية مستعدة لضخ ما يلزم من الأسلحة و الجيوش للظفر بهذا الفوز المهم، فليبيا حاليا هي الكعكة الدسمة التي تسعى كبرى الدول لأكلها على آخرها، و يبدو أنه من خلال استمرار هذا الصراع فإنه لا طائل من إيقافه سلميا بل يبدو أنه مستمر إلى حين انكسار أحد الطرفين و وقوف الآخر على جثته. و لكن حكومة السراج هي الحكومة الشرعية في ليبيا و ذلك باعتراف دولي كما أن حكومة السراج لم تكن مبادرة بالعنف بل كانت مدافعة عن أرض ليبيا و ما فوقها إلى حين إحتدام الصراع، من ما اضطرها إلى رد الضربات العسكرية، فهذه الحكومة تهدف إلى إعادة الإستقرار إلى ليبيا و هذا ما نقرأه في سعيها الدؤوب لوقف إطلاق النار و الدعوة إلى الإنتخابات.
فإلى ما سيؤدي هذا الصراع؟ و ماذا ستكون تبعاته على ليبيا و ما جاورها؟
بلال بوعلي