بعد أن وجهت انتقادات لاذعة لرئيس الجمهورية قيس سعيد ولحكومة نجلاء بودن، أعلنت أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل أمس خلال لقاء صحفي مشترك بالعاصمة بحضور شخصيات وطنية وفي مقدمتهم الصحفي زياد الهاني والناشط الحقوقي عياشي الهمامي عن إطلاق حوار وطني يتم خلاله التوافق على خارطة طريق تنقذ تونس من الانهيار الذي بات في نظرها وشيكا..، وعبر ممثلو هذه الأحزاب عن رغبتهم في مشاركة المنظمات الوطنية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الحوار، وهو حوار لن يشارك فيه رئيس الجمهورية لأنهم لا يعترفون بسلطة الانقلاب..، تتمثل أبرز المقترحات التي يريدون عرضها للنقاش خلال الحوار تشكيل حكومة إنقاذ وطني متكونة من الكفاءات لتعمل على حل الأزمة الاقتصادية وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها بناء على مشروع القانون الانتخابي الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب يوم 18 جوان 2019 لكن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لم يختمه وبالتالي لم يقع إصداره بالرائد الرسمي.
ففي تقييمهم للوضع الراهن في البلاد بعد مرور ستة أشهر عن حالة الاستثناء التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في 25 جويلية الماضي، وبعد مائة يوم عمل لحكومة نجلاء بودن، أجمع كل من غازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي وخليل الزاوية رئيس حزب التكتل من أجل العمل والحريات وعصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري على أن هذا الوضع على وشك الانفجار..
وتم التطرق خلال اللقاء الصحفي إلى أربعة محاور يتعلق الأول بموقف تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية من دستور 27 جانفي 2014 ومن تعطيله والثاني بتقييم أداء رئيس الجمهورية في ظل التدابير الاستثنائية والثالث بتقييم مائة يوم عمل لحكومة نجلاء بودن والرابع بتصورات التنسيقية للخروج من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها تونس على جميع المستويات.
جبهة وطنية وازنة
عياشي الهمامي قدم التصورات الكفيلة بإخراج تونس من الأزمة وإنقاذها من الانهيار وبين أن تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الثلاثة بمعية شخصيات مستقلة تريد توسيع هذه الدائرة، وللغرض ستتوجه إلى جميع الأطراف السياسية المؤمنة بمبادئ الدولة الديمقراطية والمنظمات الوطنية خاصة اتحاد الشغل لدعوتها إلى تكوين “الجبهة الوطنية للديمقراطية التونسية”، وفسر أن هذه الجبهة ليست تحالفا سياسيا بالمعنى التقليدي بل هي لإنقاذ الدولة من الضياع لأن الرئيس سعيد اختطف الدولة وهو يسير بها نحو الضياع وذكر أنهم سيتحركون في كل الاتجاهات وكل القطاعات والجهات وسيتصلون بالمنظمات الوطنية الكبرى وأساسا اتحاد الشغل المدعو إلى تحمل المسؤولية الوطنية لأنه منذ نشأته سنة 1946 تعود الاتحاد على إدماج الشأن الوطني مع الشأن النقابي، وأضاف أن غايتهم هي إطلاق حوار وطني لإنقاذ تونس.
وقال الهمامي:” لنا اقتراحات عديدة وتصورات كثيرة لكننا لن نفرضها بل سنعرضها للفاعل..، فنحن ندعو إلى تكوين حكومة إنقاذ وطني مكونة من كفاءات تتولى فورا الاضطلاع بحل الأزمة الاقتصادية والاتصال بالأطراف الخارجية وبالفاعلين السياسيين والاقتصاديين في الداخل لتجاوز الأزمة فلنا حلول ملموسة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وندعوأيضا الى انتخابات سابقة لأوانها على أساس إصدار القانون الذي صادق عليه البرلمان ولم يقم الرئيس قائد السبسي بختمه. فنحن لا نعترف بسلطة الانقلاب وندعو رئيس الجمهوري إلى التراجع عن الأوامر والمراسيم التي أصدرها”..
وأشار إلى أن الحوار الوطني يجب أن يكون وازنا لذلك ستتم دعوة الأطراف السياسية الديمقراطية سواء التي تتبنى الاشتراكية أو القومية أو الليبرالية لأن الإيديولوجيا غير مهمة ولأن المطلوب هو استرجاع الدولة الديمقراطية المهددة بالضياع، لأن الديمقراطية هي شرط لتحقيق التنمية..
دستور الحقوق والحريات
لدى حديثه عن الدستور أشار عصام الشابي إلى أن تونس أحيت أمس الذكرى الثامنة للمصادقة على دستور الثورة الذي توج مسارا ديمقراطيا والذي تمت صياغته بطريقة تشاركية وتمت المصادقة عليه في جلسة عامة استثنائية بمائتي صوت. فهذا الدستور حسب قوله أقر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات الدولية وقطع مع الاستبداد وهو قائم على الفصل بين السلطات لكن رئيس الجمهورية للأسف علق العمل به وهو الذي أقسم اليمين على احترامه والعمل بأحكامه. وذكر أن الرئيس سعيد عندما تحدث عن الدستور قال انه قد على المقاس وهذا ليس صحيحا لأن صياغته تمت بمشاركة واسعة من النواب المنتخبين ومن المجتمع المدني ووسائل الإعلام والخبراء حيث تم الاستماع إلى كل الآراء. وأضاف الشابي: “نعتقد أن الدستور صالح ويضمن دولة ديمقراطية ولعل أهم ما جاء فيه تنصيصه على الهيئات الرقابية الدستورية المستقلة والمحكمة الدستورية، والتخلف عن تركيز هذه الهيئات لا يبرر الالتفاف على هذا الدستور وتعليق العمل به”.. واستنكر الشابي محاولات رئيس الجمهورية إيهام التونسيين بأن الدستور هو سبب مشاكل البلاد واعتبر ذلك هروبا إلى الأمام وتهربا من معالجة القضايا الأساسية وهي اقتصادية واجتماعية. وقال انه يمكن تغيير الدستور وتطويره وتنظيم حوار وطني للوقوف على بعض الهنات الموجودة فيه على غرار النظام السياسي لكن هذا يجب أن يكون وفق الآليات الدستورية.
وخلص إلى أن تنسيقية الأحزاب الديمقراطية تعتقد أن تونس في حاجة أكيدة إلى العودة إلى المسار الدستوري ووضع حد للحالة الاستثنائية التي تم خلالها نسف المكتسبات الديمقراطية، فتحت غطاء الخطر الداهم تولى الرئيس تجميد البرلمان وإقالة الحكومة وإلغاء هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين وغلق هيئة مكافحة الفساد وهو يتجه اليوم إلى وضع اليد على الهيئات المستقلة. وقال انهم يدعمون المكاسب الدستورية ويتمسكون بها ويرفضون إعادة القضاء تحت هيمنة السلطة التنفيذية، وطالب رئيس الجمهورية بالتراجع عن القرارات اللادستورية وأكد أنهم سيعملون على تعبئة الرأي العام من أجل عودة سريعة للمسار الدستوري ووضع حد لحالة الاستثناء. وبين أن احتفال السلطة القائمة بذكرى ختم الدستور تم بعسكرة مبنى البرلمان، وفسر أنه رغم رفضهم للمشهد السياسي الذي كان موجودا في البرلمان فإنهم يتمسكون بالبرلمان كمؤسسة تكرس خيار التمثيلية النيابية لأن الشعب يمارس السيادة من خلال ممثليه المنتخبين ومن خلال الاستفتاء.. وقال:” نحن متمسكون بالمؤسسات ونرفض العودة للحكم الفردي والاستبدادي”.
قرارات مسقطة
في تقييم لأداء رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال ستة أشهر من حالة الاستثناء بين الدكتور خليل الزاوية أن الرئيس يتصرف بطريقة فردية ويتخذ قرارات مسقطة دون استشارة مؤسسات الدولة. وذكر أنه تأخر كثيرا في تعيين رئيسة الحكومة وترك البلاد طيلة شهرين ونصف دون حكومة فحتى المبنى بقي مغلقا، كما أنه تباطأ في اتخاذ القرارات وجاء بعد ذلك في 22 سبتمبر 2021 بالأمر عدد 117 الذي اختزل الدولة في قصر قرطاج إذ هناك حكومة لكنها ضعيفة وبلا برنامج وذكر أن الرئيس بهذه الكيفية يتحمل المسؤولية التامة في تسيير الدولة. وإضافة إلى ذلك يحاول سعيد حسب قوله السيطرة على القضاء وهو لا يتواصل مع الإعلام وخطابه ضعيف.. واستنكر الزاوية تخوين رئيس الجمهورية لمعارضيه واستهزائه بهم وقال إن مثل هذا الخطاب لم يكن موجودا حتى في عهد بن علي، كما أعرب عن استيائه من السياسة الاتصالية لرئيس الجمهورية مع الأطراف الخارجية لما فيها حسب اعتقاده من ترذيل لتونس وحط من قيمتها. وذكر أن الرئيس لا يتعامل مع المجتمع المدني وحتى عندما يدعو منظمات مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارية والصناعات التقليدية وعمادة المحامين فذلك لطلب المساندة. وخلص إلى أن رئيس الجمهورية استولى على كل السلطات وهو يحاول الاستيلاء على السلطة القضائية فهو على حد وصفه الحاكم بأمره وحتى خارطة الطريق التي قدمها بعد ضغط داخلي وخارجي فقد صاغها بصفة أحادية وهي غير قابلة للتنفيذ لأن الانتخابات تتزامن مع كأس العالم ولم يخف الزاوية قلقه من محاكمة مدنيين أمام القضاء العسكري ومن وضع أناس تحت الإقامة الجبرية ومنع آخرين من السفر دون أسباب واضحة ومن منع التعبير الحر في الفضاء العام وتحجير المسيرات ومنع الاحتفال بذكرى الثورة الأمر الذي يعطي صورة غير مشرقة للدولة التونسية، وعبر عن أمله في أن يتم قريبا غلق هذا القوس بسرعة وأن تعود تونس منارة للحقوق والحريات.. وذكر أن خارطة الطريق التي يقترحونها تهدف إلى استرجاع المسار الديمقراطي.
دكتاتورية جديدة
أما غازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي فقال إن هناك محاولة لتكريس دكتاتورية جديدة في تونس وعمل لبث الفتنة في صفوف التونسيين ودعا الجميع إلى العمل معا لإنقاذ تونس. وفي تقييم لأداء حكومة نجلاء بودن بعد مائة يوم عمل، أشار إلى أن رئيس الدولة هو المسؤول عن الأزمة الناجمة عن التأخير في تشكيل الحكومة لأنه بقي يتردد ويماطل وبعد ذلك اختار نجلاء بودن واستبشر التونسيون بهذا القرار لكن للأسف لم يقع منح رئيسة الحكومة حرية اختيار فريق عملها كما أن رئيس الدولة سلبها كل الصلاحيات بموجب الأمر عدد 117، فالرئيس هو الحاكم بأمره والحكومة مجرد فريق عمل لتطبيق خيارات وقرارات سيادته وبالتالي فإن الانتقاد موجه لرئيس الدولة بالأساس لأن الحكومة بلا صلاحيات وهي حكومة صامتة لم تقدم برنامج عمل لحل الأزمة المعقدة التي تعيشها تونس. وأضاف أن رئيسة الحكومة تولت زيارة فرنسا والسعودية والجزائر لكنها عادت دون شيء يذكر وفي أغلب مجالس الوزراء تم إصدار مراسيم تتعلق بالسير العادي للدولة لكن أهم المراسيم وهي قانون المالية جاء لا طعم له ولا لون وهو يتعارض مع الشعارات التي يرفعها رئيس الجمهورية من مقاومة غلاء الأسعار والاحتكار والبطالة.. وذكر أن قانون المالية جاء لمزيد تفقير التونسيين والترفيع في التضخم وجاء لتكريس الفساد من خلال تبييض جرائم التهرب الجبائي والتهريب عبر آليات الإعفاء الجبائي التي تضمنها. وقال الشواشي إن رئيس الجمهورية أمضى على قانون المالية وقال انه غير راض عنه والحال انه لو كانت لديه رؤية واضحة كان سيستطيع تمرير مراسيم تتعلق بالإنعاش الاقتصادي.. فحتى القانون عدد 38 المتعلق بالانتدابات الاستثنائية في الوظيفة العمومية فإنه رفض تطبيقه دون أن يقدم مرسوما بديلا من شأنه أن يساعد على تشغيل الشباب لكن فاقد الشيء لا يعطيه.
ولاحظ أن قانون المالية لا يعالج النقائص التي تعاني منها الصحة العمومية حيث تم التخفيض في ميزانية وزارة الصحة وفي عدد أعوان الصحة مقابل الترفيع في ميزانية وزارة الداخلية والترفيع في عدد أعوان هذه الوزارة وهذا يمكن خلاله فهم سياسة الدولة فهل هي تتجه لحماية صحة التونسيين أم لقمعهم؟ وذكر انه عند النظر إلى الوثيقة المسربة التي وجهتها الحكومة لصندوق النقد الدولي نجدها تنص على التزام الحكومة حيال صندوق النقد الدولي بإيقاف الانتدابات ورفع الدعم وتجميد الأجور وخوصصة المؤسسات العمومية وذكر انه لا يتصور أن رئيس الجمهورية الذي يرفع شعارات العدالة الاجتماعية ليست له دراية بهذه الوثيقة المسربة، وذكر أن التقييمات الصادرة عن منتدى دافوس تفيد أن تونس تعيش مديونية كبيرة وتنام للاقتصاد الموازي وأن الدولة مهددة بالانهيار وبالتالي الخطر الداهم اليوم هو انهيار الدولة وأركانها، وعوضا عن معالجة هذا المشكل نجد الرئيس وحكومته يسهرون الليالي لتركيز الاستشارة الإلكترونية والحال أن الناس يموتون جوعا والدولة مهددة بالانفجار فالرئيس وحكومته يعيشون في كوكب آخر لا علاقة له بالدولة التونسية والأوضاع الحقيقية للبلاد.
وأضاف أن الرئيس سعيد الذي يتحدث عن مقاومة الفساد أغلق البرلمان وهيئة مكافحة الفساد ومتحف باردو ووجد الأعوان أنفسهم يتقاضون أجورا دون عمل منجز وهذا إهدار للمال العام وذكر أن تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية ستقدم عريضة لمحكمة المحاسبات حول سوء التصرف في هذا المال العام.
الصباح