حتى وإن يبدو ظاهريا استمرار الحركية الاقتصادية واستقرار نسبي في الوضع الأمني، فإن خطر انهيار الدّولة أصبح حتميّا نتيجة لتأزم الأوضاع الاجتماعية وعدم القدرة على وضع النظام الإداري الذي يمكّن كلّ مواطن من تحقيق طموحاته حتى يكون له دور في المجتمع حسب قدراته وطالما أن الشعب أصبح مكبّلا بهاجس اليأس وانعدام الثقة في سياسة الحوكمة في وجود غموض حول مكاسب الدّولة الحقيقية وحول مصدر تمويل النفقات العمومية وفي وجود مؤشرات واضحة حول سقوط الدّولة بأيدي اللوبيات والموظفين المتورطين معهم في الفساد الإداري والمالي وفي انعدام الرؤية حول البرامج الإصلاحية والتنموية وحول مدى تفشي ظاهرة الفساد.
حيث أن الدّولة التي لا توزع فيها الأدوار ولا يسهل العيش فيها تصبح تدريجيّا محاصرة من المعطلين الثائرين عندما لا يبقى لهم أي دافع للانتماء إلى وطن لا يشعرون فيه بروابط الأمّة التي يفترض أن تجمع بين جميع المواطنين وعندما يقتضي التعايش مع الإقصاء في دولة الفساد التصرّف الفوضوي الذي يقوم على تعطيل الحركية الاقتصادية وعلى التمرّد على النظام العام بدافع الضغط على الحكومة ونهش الدّولة في بعض المنح والمساعدات أو بدافع السطو على الممتلكات العامة والخاصة لتوفير بعض الحاجيات والدخول في مسالك التوزيع.
وحيث لا توجد حاليّا أي ضمانات قانونية ولا بشرية لمقاومة الفساد الإداري الذي يقوم بالأساس على تفشي ظاهرة تعطيل مصالح المواطن مهما كانت بدافع التمعش أو بدافع تحقيق مصالح شخصية من خلال التحكّم في الدّورة الاقتصادية لصالح اللوبيات، طالما أنه لا توجد أي ضمانات بأن مصدر القرار الإصلاحي لن يكون في النهاية راجع إلى الإدارة نفسها وبأن العناصر التي تسيرها على جميع المستويات لن تكون متورطة في الفساد وطالما أن القوانين لا تجرّم تعطيل المصالح الذي يتمّ عادة تغطيته بلخبطة في الإجراءات الإدارية من خلال العمل على تسريب نصوص ترتيبية متضاربة وتعجيزية تقتضي تقديم الطعون في شأنها لدى المحكمة الإدارية.
وحيث يصعب في نفس السياق القضاء على نهب مكاسب الدّولة بالمؤسسات العمومية طالما أنه لا توجد أي ضمانات بأن مراجعة جميع الحسابات لا ترجع في النهاية إلى ملفات تمسكها عناصر متورطة في الفساد وطالما أنه لا يمكن كذلك ضمان عدم تورّط من يقوم بتلك المراجعة في منظومة الفساد، في حين أن الفساد المالي يمثل السبب الرّئيسي في انهيار الدّولة طالما أنه لا يمكن توفير الفوائض التي تمكّن من تحسين الأوضاع الاجتماعية والدّفع بالحركية الاقتصادية عند تركيز الفساد على تحويل مداخيل الدّولة وعلى الوظائف والمصاريف الوهمية.
ولهذه الأسباب، فإن الشروع في اختيار شريك متصرّف في الإدارة وفي ميزانية الدّولة عن طريق الاستفتاء الشعبي يكون أضمن من الحكم تحت سيطرة المفسدين الذين يقودون الدّولة تدريجيّا إلى الانهيار، طالما أن الشريك المتصرّف يلتزم بالتحكّم في سلطة القرار الإداري المتعلق بمصلحة المواطن ويلتزم كذلك بتوفير الاستقرار الاجتماعي عن طريق توفير الرّعاية الصحية وتوفير مواطن الشغل أو المنح والمساعدات التي تمكّن من العيش الكريم ومن إحداث موارد الرّزق، وذلك خلال مدّة تعاقدية تكون كافية لتطهير الإدارة من عقلية الفساد والدّفع بالنمو الاقتصادي في إطار صفقة استثمار تكون قابلة للرّبح أو الخسارة دون أي قيود أو شروط وتتمثل في التزام الشريك المتصرّف عند عدم تحقيق أرباح بضخ أموال تكميلية لميزانية الدّولة بقدر ما يتطلبه الإيفاء بتعهداته الإصلاحية والتنموية دون الاعتماد على القروض الخارجية.
وحيث تقتصر اتفاقية الشراكة على التصرّف في مؤسسات الإنتاج والخدمات بما في ذلك الشركات العمومية ومصالح الخدمات الإدارية والاجتماعية والقباضات المالية والموانئ والمطارات ومصالح مختصة في مقاومة التهريب والاحتكار يتمّ إحداثها للغرض ولا تشمل الاتفاقية المؤسسة العسكرية والأمنية والبرلمان والرّئاسة والشؤون الخارجية والدّينية والتعليم، كما تقتضي الاتفاقية تمكين الشريك المتصرّف من مراقبة المصاريف العمومية على مستوى رئاسة الحكومة فيما يتعلق بكافة النفقات والأجور والجرايات المبرمجة في ميزانية الدّولة وتقتضي تسليم إدارة الوزارات المعنية إلى الشريك المتصرّف وعدم تدخل البرلمان ولا الأحزاب في سياسة الحوكمة الراجعة له بالنظر ما عدا لإبداء الرّأي في الاخلالات بمصلحة المواطن، في حين أن جميع التشريعات تبقى سارية المفعول ويساهم الشريك المتصرّف في إصلاحها حسبما يقتضيه النظام الإداري الذي يراه صالحا لتسيير الإدارة تحت سلطة المحكمة الإدارية.
أمّا فيما يتعلق بالإصلاحات المتعلقة بالبنية التحتية والصحة والنقل فإن التصرّف في ميزانية الدولة بما في ذلك الضرائب والمساعدات وأموال المصادرة يعود بمقتضى الاتفاقية إلى الشريك المتصرّف الذي يلتزم بعد استرجاع نسبة من القروض ومن الديون المتخلدة بتوفير تلك الإصلاحات بقدر ما تقتضيه الحالة العادية، طالما أنه لا يقع التدخل في سياسته التشغيلية بالمؤسسات التي يتولّى تسييرها والذي يمكنه التقليص من عدد الموظفين العاملين بها مقابل صرف التعويضات القانونية إليهم أو تحويلهم إلى مؤسسات أخرى يقوم بإحداثها، وطالما أنه لم يبقى أي مبرّر للإضرابات والاحتجاجات التي من شأنها تعطيل الإنتاج بالمؤسسات العمومية بما أن ذلك يمنع الشريك المتصرّف من تحقيق تعهداته تجاه الدّولة ويبرّر حينها أخذ التدابير المعقولة لمنع الإضرار بالمصلحة الوطنية بقدر ما ينتج عنه من تهديد لحياة الأشخاص.
الهاشمي حمدي
ماجستير الأكادمية البحرية
ربّان وخبير بحرية تجارية