دأب جماعة علم الاجتماع على حث الأولياء الاعتناء أكثر فأكثر بأبناءهم بل ويحمّلونهم الهفوات التي يرتكبها من هم في عهدتهم وفي طور التوجيه… ورغم الانقلاب العام من الجذور بقي علماء التوجيه والنصائح على موقفهم ولم ينظروا حولهم ليتفطنوا إلى أن القطار القديم مرّ بسرعة جنونية وتركهم يتحدثون عن تاريخ جميل مرّ وانتهى عهده… انتهت مرحلة التربية الكلاسيكية التي كان فيها الأولياء يتحكمون ويوجهون فلذات أكبادهم بمنتهى العناية والحب ويسهرون على الاعتناء بهم من كل النواحي… وانقلب كل شيء وتغيرت المفاهيم وظهرت القوانين التي حددت كيفية تربية الأبناء وأطلقت الحريات بحجة فتح الآفاق واسعة في وجه الجيل الصاعد حتى يتحرر من “استعمار” العائلة وكثرت وتعددت وتنوعت المشاكل وفتحت أبواب التقليد السيء لما يروج في الغرب ومن نكبات اليام أنهم يتأثرون بما هو نقيض عادات وتقاليد أجدادهم واهتموا بالسلبيات الصادمة ورغم أن الأولياء لم يستسلموا ولم يرموا المنديل إلا أن الانفجار كان أعنف وأقسى… وبقي بصيص الأمل في المدرسة التي من المفروض أن تبقى بعيدة عن مآسي العصر ففي الأيام السعيدة كان امعلم والأستاذ والمدّب محل احترام وعناية الجميع وكانت نصائحه مسموعة ومحترمة وكان هو كذلك يحيط نفسه بأدب جمّ ويبتعد عن المجتمعات المريبة ومع الأسف فقدت المدرسة هذا التاج وأصابها تلوّث خطير ممّا أصاب المجتمع بأكمله إذ لم يعد الدرس كافيا ليستوعب التلميذ المحتوى وبدأت بدعة الدروس الخصوصية التي سرعان ما تحوّلت إلى مادة ضرورية ومنها اتسعت الطامع ودخلت النقابات على الخط وأخذت المطالب المادية تتسع وتتنوع حتى عجزت الدولة عن تلبيتها واندفعت النقابات في تلويث عالم التعليم وفي تنغيص صفاء المدرسة وتغيرت صورة المعلم والأستاذ وبعد أن كانت تعني الأدب والاحترام نزل هؤلاء إلى الساحة مع الآخرين الذين لا يراعون رسالة العلم والأدب وأخذوا يرقصون على أنغام الشتائم والتهديد والوعيد ودخلت المدرسة في فوضى لا توصف وكثرت غيابات الذين كانوا عنوانا للتضحية في سبيل العلم وحدّث ولا حرج عن الإضرابات التي أدخلت الاضطراب على عقول الجيل الصاعد الذي ولا شك صدم في انهيار القيم العليا ولم يعد يجد أمامه من يستحق الاحترام بعد والديه ونفر من عائلته…
جنت النقابة على المدرسة وعلى جيل من التلامذة واتحدت مع الاستعمار والصهيونية وأصحاب اللحي والعمامات في زرع الجهل ومحاربة العلم في هذه البلاد ومن سخريات القدر أن هذه النقابة مصمّمة على تدمير التعليم وهي تفتخر بتعجيز الدولة عن تلبية الابتزاز التي لا حدّ له.
وقطعا ستبقى وصمة عار أبدية في تاريخ التخريب النقابي للمدرسة…