جريدة الخبير

لأمن الوطني بين الرهبة والإرهاب بقلم يسري الدالي

الأكيد أنّ جزءا من قياديي وزارة الداخليّة عملوا ضمن المنظومة الأمنية الفاسدة للرئيس السابق، وساهموا بصفة مباشرة في دكترته، وفي تغوّله، وفي قمع الشعب وسلب حرّيته، وحرمانه من أبسط حقوقه، ومتابعته، وملاحقته، والتنصّت عليه، والإفتراء عليه، والكيد له، وإلصاق التهم المفتعلة والتشهير به، منظومة أمنيّة تشوب نصوصها القانونية والترتيبة والتشريعية الضبابية، تكرّس مبدأ الطاعة العمياء الصماّء، ولا تحمّل مسؤولية الفعل الأمني إلى أيّ كان، إذ لا وجود لمرجعيّة للخطط والوظائف ولمراكز العمل، تتحدّد فيها مهام كلّ وحدة أمنية، ووظائفها، والأنشطة التي عليها القيام بها، وكيفية القيام بها ضمن دليل إجراءات مفصّل، وإنّي أُرجع سبب عدم التوصّل إلى قتلة الشهداء الحقيقيين، إلى غياب مثل هذا الدليل ومثل هذه المرجعيات، وهي منظومة غير منظّمة فقيرة للكفايات القيادية، وفقيرة لثقافة المؤسسة الأمنية الجمهورية، من أخلاقيات عمل وقيم مهنية، قويّها يأكل ضعيفها، عانت الكثير من الجهويّة والولاءات والمحسوبية، وارتبطت برؤوس الأموال، وأصحاب الجاه، تبيعهم أسرار التونسيين والتونسيات، وتهديهم خباياهم وخفاياهم حتّى يعزّزون شبكاتهم العلائقية، ويتحكّمون بخيوطها، ويحرّكون أطرافها مثلما شاءوا. منظومة أمنيّة خيطت على قياس دكتاتوريّة بن علي، يصعب أن تجد على رأسها من لم يمسسه هوسه، وجنون عظمته، ودهاؤه، ونهمه، وطغيانه، وكذبه، ونفاقه، ورغم ذلك فهناك جزء من قياديي قوّات الأمن الداخلي وطنيون، وهبوا أنفسهم فداء للعمل ولا شيء غير العمل، وسيذكرهم التاريخ يوما وسأشهد أنا وغيري من الذين يقدّرون في الرجل علمه، ووفاءه، وصدقه، وإخلاصه، وشدّته على نفسه وعلى غيره، بأنّهم كانوا أكفّاء مقتدرين زرعوا فينا حب الوطن ولا شيء غير الوطن.

وأدعو بالمناسبة في التثبّت مليّا في ملفّات الإطارات والأعوان، الذين عذّبوا ونكّلوا وانتهكوا حقوق الإنسان وأمروا بهتك شرف التونسيين والتونسيات وبتضييق الخناق عليهم والتشهير بهم كذبا وافتراء وبهتانا، والذين تواطؤوا في الماضي القريب أو الماضي البعيد، مع الرئيس السابق وأصهاره المقرّبين أو المبعدين، وفي ملفات الإطارات والأعوان الذين وهبوا أنفسهم لخدمة رجال المال والجاه والأعمال فمكّنوهم بمقابل من أسرار أمن الدولة ومن الإستعلام لفائدتهم، ومن التستّر على جرائمهم المالية والأخلاقية،  وتمتّعوا على إثر كلّ هذا من الحصول على إمتيازات معنوية ووظيفية وترقيات ونفوذ مقيت، وأخرى عينية ونقدية،  فبنوا القصور وملكوا الشقق والأراضي وبعثوا المشاريع واستثروا  ثراءا فاحشا يعلم القاصي الداني مأتاه ومصدره.

وفي ظلّ هذا الواقع الرهيب، يتنزّل مقالي هذا ويأتي عنوان مداخلتي التي قدّمتها يوم الجمعة 17 أوت بنزل المشتل في إطار ندوة نظمها التيار الديمقراطي تحت عنوان الأمن القومي ومكافحة الإرهاب.

وقد نبّهت إلى خطر التعامل مع الإرهاب والإرهابيين، وشدّدت على أنّهم ينشطون وينفّذون جرائمهم بالمناولة مع أجهزة إستخبارات لا تريد لتونس الإستقرار والنمو والحرّية، ونعتّهم بمافيا إسلامية على غرار المافيا الروسية والمافيا الإيطالية والمافيا البرازيلية، يتغطّون بغطاء الإسلام لتأمين تجارة الأسلحة والمخدّرات وغيرها من السلع ولا يأبهون بأخلاق الإسلام المتسامحة، والإسلام منهم براء والجهاد منهم براء والسلفية بجميع أنواعها منهم براء والمسلمون والإسلاميون جميعهم منهم براء.

ومن أجل مكافحة هاته المافيا وجب توحّد جميع القوى الوطنية، وتجميع كافة الكفاءات النزيهة والشريفة من مختلف الأطياف الحزبية والشرائح الإدارية والإجتماعية والمجتمعية للتوقّي من أخطار هذه المافيا، ووجب مكافحتها بإحداث وكالة للإستخبارات الوطنية تعمل تحت إمرة رئاسة الحكومة وتحت رقابة برلمانية وقضائية. تضمّ خيرة الإطارات الأمنية والعسكرية وخيرة الدكاترة المختصّين في الجغرا-سياسي والتاريخ وعلم الإجتماع وعلم النفس والعلوم الشرعية والقوانين وخيرة المهندسين في الإعلامية والشبكات والإتصال والإتصلات متعدّدة الوسائط والصحافة وكل الخبراء ذوي العلاقة بالعمل الإستخباراتي.

وحتّى يمكن للدولة التصدّي لمثل هذه المافيا ولغيرها وجب إحداث هيكل خاص وموحّد للتصدّي ومجابهة الإرهاب يضمّ خيرة قوات الأمن الداخلي والديوانة وخيرة العسكريين، هيكل يكون مستقلاّ عن وزارة الدفاع وعن ووزارة الداخلية يعمل تحت إمرة رئاسة الحكومة ويتدخّل تحت رقابة برلمانية.

مقترحات قدّمتها نرجو أن تلقى آذانا صاغية وعقولا متمحّصة.

index

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *