جريدة الخبير

قطاع الصيدلة في تونس : هل أصبحت المهنة حكرا على " بارونات " القطاع " ؟

 

universite_monastir_14

اتصل بنا بعض الصيادلة الشبان المتخرجين حديثا من الكلية الصيدلة بالمنستير متذمرين من الوضع الذي آل إليه قطاع الصيدلة في تونس معبرين عن تخوفهم الكبير من التعتيم الذي يسود مستقبلهم المهني .

المهنة حكر على ” بارونات ” القطاع

باكالوريا مع ستة  سنوات من التعليم العالي لتتحصل على شهادة صيدلي فهي تضاهي بذلك شهادة الطب و شهادة المحاماة و لكن أصحاب هذه المهنة يواجهون عدة مشاكل منها الإحتكار من قبل الصيادلة” القدامى ” الذين أصبحوا أكثر دهاءا و مكرا بعد الثورة فمنهم من استغل الثورة ليثرى و ذلك عن طريق بيعه لصيدليه و ترسيم اسمه مجددا  في قائمة الانتظار فهو أمر ممكن باعتبار أن كل صيدلي يمكنه بعث وحدة صيدلية طالما أن عمره لم يتجاوز 60 سنة إضافة إلى كون تقدمه في السن يمكنه من احتلال المراتب الأولى في قائمة الإنتظار كما أن بعض الصيدليات تقدر قيمتها بملايين الدنانير و علمنا في هذا الإطار أن هناك في صفاقس من قام ببيع صيدليته بالمليارات و اخرى في الحمامات بمليار ثمّ عادوا للمزاحمة في قوائم الانتظار خلافا  لمن تأصّل و انغمس في العمل بالقطاع العام حتّى إذا اقترب التقاعد وجدته على رأس القائمة ” قائمة العار ”  ينتظر فتح صيدليته و الأمر سيّان لأصحاب مصانع الدواء… في حين أن الشاب الصيدلي الحالم المجمّد في قعر قائمة الانتظار مازال يحلم بمستقبل واعد في ظّل قوائم اخرى مجمّدة بالقوانين البائسة  نذكر منها وجوب بعث صيدلية ليلية واحدة لكل 60000 ساكن و يجب أن لا تقل المسافة الفاصلة بين صيدليتين نهاريتين 200م كحدّ أدنى لنتأكد بذلك أن  القوانين في هذا المجال جُعلت أساسا لمساندة جماعة صاروا “بارونات” و سماسرة في القطاع.

المطالبة بإعادة هيكلة القطاع الصيدلي   

من جهة أخرى نجد بعض المسؤولين في الحكومة يطالبون بإعادة هيكلة هذا القطاع الذي لا يأخذ بعين الإعتبار إرتفاع مستوى المعيشة و التغطية الصحية بالإضافة إلى التطور الكبير الذي شهده قطاع الدواء على المستويين الوطني و العالمي مما  قد يُعطي للصيدلي مكانة هامة لضمان الجودة و ترشيد المواطن  ومن هذا المنطلق نتساءل لماذا لا يتم تحرير قطاع الصيدليات الليلية خاصة و أن عديد المناطق تعاني من عدم وجود صيدليات ليلية تستجيب لطلباتهم و هناك الكثير من الصيادلة الشبان ينتظرون” الفرج ” في قائمات الانتظار. نذكر من ذلك بعض المناطق الراقية التي تعاني من قلة الصيدليات الليلية مثلا ( المنازه و المنارات 1-2  و منطقة البحيرة و حدائق المنزه و رياض الأندلس )  كل ساكن في هذه المناطق يتذوق الأمرّين في حال احتاج لصيدلية ليلية و من الجهة المعاكسة نجد المتخرجين من كلية الصيدلة بالمنستير و الدارسين بالخارج المتحصلين على شهائد علمية في هذا المجال يعانون التهميش و ينتظرون الدور في قائمة ” العار و الظلم ” .

تعتيم كلي و نحن نبني عهد الشفافية و الديمقراطية

في هذا الإطار دقت ” الخبير ” أبواب عديدة منها باب الإدارة العامة للصيدلة التابعة لوزارة الصحة و لكن المديرة العامة رفضت لقائنا و لا نعرف لما هذا التعتيم الكلي و نحن نبني عهد الشفافية و الديمقراطية وفي الأخير صرح لنا مصدر من نفس الإدارة رافضا ذكر إسمه أن الحكومة الحالية تتشاور في ما بينها لتعديل بعض البنود الأساسية في قانون القطاع الصيدلي و خاصة منها قانون عدد السكان بالنسبة لبعث الصيدليات الليلية و من جهة أخري أن كل البلبلة التي تجوب هذا القطاع مصدرها بعض الصيادلة الذين قاموا ببيع الأصل التجاري التابع لهم و يريدون الإنتصاب على رأس قائمة الإنتظار لبعث صيدليات أخرى في أماكن هم يحدّدونها و هذا مخالف للقانون حسب رأي نفس  المصدر و في نفس الإطار قال مصدرنا أن معضم الصيادلة المتخرجين حديثا لا يريدون  العمل في المجال الحكومي و ذلك للدخل المرتفع الذي يتحصلون علية عند اشتغالهم في القطاع الخاص و هم ما  يسبب نقصا كبيرا للصيادلة في المستشفيات الحكومية و القطاعات التابعة للدولة .

جمعيات الشبان تتذمر

ثم انتقلنا بعد ذلك للحوار مع جملة من الجمعيات التي تعنى بهذا القطاع و قد أفادنا رئيس الجمعية التونسية للصيادلة الشبان أن                                                        القطاع صيدلي مهمش و لا يحضي بالاهتمام من قبل المسؤولين المباشرين لهذا القطاع و خاصة الصيادلة الشبان الذين يعانون من تهميش و ظروف معيشية صعبة رغم ما يزخر به القطاع من مردودية عالية و من فرص تشغيل كما أن القطاع الصيدلي على أهميته و ارتباطه المباشر بصحة المواطن لا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه بالرغم من تردي الأوضاع و تفاقم المشاكل و يكفي التذكير بأن القوانين التي تنظمه تعود إلى العهد البورقيبي و بالتحديد إلى سنة 1973 و حتى التنقيحات التي شملته إقتصرت على بعض الإجراءات الوقتية دون المساس بجوهر الموضوع مما زاد الوضع تعقيدا فبالنظر إلى عدد الصيادلة المسجلين على قائمات الإنتظار من المستحيل على الشبان منهم المتخرجين حديثا التفكير في امكانية الانتصاب للحساب الخاص و لو بعد سنوات من التسجيل في هذه القائمات و الأمرّ من ذلك غياب الشفافية و التعتيم على المعطيات الصحيحة التي تمكن الصيدلي من الإختيار الصحيح .

لذلك وجب التفكير في إعادة هيكلة القطاع الذي لا يأخذ بعين الإعتبار إرتفاع مستوى المعيشة و التغطية الصحية بالإضافة إلى التطور الكبير الذي شهده قطاع الدواء على المستوى الوطني و العالمي مما يعطي للصيدلي مكانة هامة في ضمان الجودة و ترشيد و نصح المواطن .      

 
حنان العبيدي
 
180و للتوضيح للرأي العام و لإضفاء المصداقية و الشفافية اتصلنا بالسيد “عبد الله جلال ” رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة الذ  أفادنا بالتوضيحات التالية من خلال الإجابة على بعض الأسئلة التي توجهنا بها إليه و  المتعلقة بالقطاع الصيدلي …

س :  ما مدى نجاعة الحلول التي قدمتها وزارة الصحّة للنهوض بالقطاع الصيدلي ؟   

يعتبر قطاع الصيدلة من القطاعات الحيوية في المنظومة الصحية و ذلك لأهمية الدواء و الحرص على توفيره للمريض في أحسن الظروف و بأعلى جودة و الصيدلي هو المسؤول عن الدواء بداية من تصنيعه وصولا إلى تصريفه و يشتغل الصيادلة في جميع القطاعات ( القطاع الخاص و البيولوجي و التصنيع الخ …) كما أنه يقع فتح الصيدليات في القطاع الخاص للعاملين بالنهار و الليل حسب الأمر عدد 1206 لسنة 1992 الذي تقع مراجعته و تنقيحه دوريا و قد وقعت مراجعته في السنوات التالية 1993/2004/2007 مما مكّن من فتح ما يقارب عن 800 صيدلية جديدة معتمدا في ذلك رقم معاملات الصيدليات الموجودة و عدد سكان كل معتمدية و عمادة .

س : ما مدى فاعلية التنقيحات التي شملت قانون انتصاب الصيادلة ؟

إن المجلس الوطني لهيئة الصيادلة بالتعاون مع المصالح المختصة لوزارة الصحة يعملون على تنقيح هذا الأمر لفتح صيدليات جديدة.

إن المقاييس المعتمدة عالميا لفتح الصيدليات في القطاع الخاص تختلف من بلد إلى آخر و لكن الغاية واحدة و هي توفير الدواء للمريض في كل وقت و في كل مكان و المحافظة على التوازنات المادية للمؤسسة الصيدلانية .

س : ماهي الإحصائيات الأخيرة لمشكل البطالة في هذا المجال ؟

إن عدد الصيادلة المرسمين لدى وزارة الصّحة و العاطلين عن العمل لا يفوق 600 صيدلي ( و ذلك حسب تصريحات المعنيين أنفسهم رغم أن الكثير منهم يشتغلون ) و أن المجلس الوطني يضع حاليا على ذمة هؤلاء ما يقارب 150 عرض شغل .

و العلوم أن مهنة الصيدلة متعددة الاختصاصات و لا يمكن حصرها في اختصاص واحد و هو فتح صيدلية في القطاع الخاص إذ أن قطاع تصنيع الأدوية قطاع حيوي و هام و يوفر بصفة منتظمة فرص عمل جديدة كما أن خطة الصيدلي المساعد التي أحدثت بأمر عدد 2110 لسنة 2007 تمكن الصيادلة الشبان من فرص عمل كثيرة و اكتساب خبرات مهنية و يسعى المجلس الوطني لإعداد قانون أساسي للصيادلة المساعدين حتى يمكنهم من التدرج في السلم المهني و يوفر لهم الظروف المادية و المعنوية التي تتماشى و كفاءاتهم العلمية .

و حتى القطاع الأستشفائي العمومي أصبح منذ سنة 2011 يوفر عددا محترما من فرص التشغيل إيمانا بأهمية و مكانة الصيدلي في هذا القطاع .

س : ما ردّكم على الذين يتهمون الحكومة ” بالصمت ” تجاه الفساد الذي يعم قطاع الصيدلة  ؟

إن الحملات المتكررة و استعمال العبارات المسيئة لشرف المهنة و المهنيين ” كالفساد ” و ” اللوبيات ” لتحقيق مآرب شخصية لبعض الصيادلة دون إحترام القوانين المنظمة للمهنة رغم فرص العمل المتاحة ( هناك ما يقارب 150 عرض شغل ) لا تمنعنا من مواصلة العمل لحماية المهنة و رفع رايتها في حفظ صحة المواطن و توفير الدواء الناجع له في أحسن الظروف .

 

 و أخيرا فإن المجلس الوطني لهيئة الصيادلة يدعو كافة الصيادلة الشبان إلى تكثيف التكوين  و تنوعه حتى يتماشى و سوق التشغيل كما يدعوهم إلى التمسك بأحلاقيات هذه المهنة النبيلة والحساسة بعيدا عن المصالح الذاتية الضيقة و يبقى كالعادة باب الحوار مفتوحا لما فيه خير مهنتنا .

حنان العبيدي

index
أخبار الاقتصاد التونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *