تغطية: هاجر عزّوني
نظرا لكونه مصرف إسلامي، فمصرف الزيتونة له هيئة شرعية تنص على الفتاوى والقرارات وذلك وفقا لمبادئ وأحكام الشريعة. وتتميّز المصارف الإسلامية بالتزامها في جميع معاملاتها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
وعلى هذا الأساس فقد قام مصرف الزيتونة بإصدار أول ورقة مالية إسلامية في السوق المالية التونسية حيث حقق حصيلة تبلغ 45 مليون دينار مقابل 40 مليون دينار مستهدفة. ويمثل هذا نجاحا يعكس ثقة المستثمرين في مصرف الزيتونة حاضرا ومستقبلا. كما جاء هذا الإصدار تتويجا لمجهود ومثابرة فريق عمل داخلي للملائمة بين الضوابط الشرعية والقانونية والفنية في إطار هيكلة مصادق عليها من قبل الهيئة الشرعية وموافقة هيئة السوق المالية والبنك المركزي التونسي.
وفي هذا الصدد التقى الدكتور عز الدين خوجة، الرئيس المدير العام لمصرف الزيتونة، في المقر الاجتماعي للمصرف بالكرم بالصحافة التونسية والفاعلين الرئيسيين في العالم الاقتصادي والمالي التونسي (السيد الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي والسيد صالح الصايل رئيس هيئة السوق المالية والسيد جلّول عيّاد وزير المالية السابق وسلطات الإشراف والعديد من الشخصيات…) في ملتقى حول نماذج حديثة في إصدارات الصكوك السيادية والخاصة.
وتغطية لهذا الحدث توجّهت «الخبير» لأهل الاختصاص لاستجلاء آرائهم حول النماذج الحديثة لمصرف الزيتونة في إصدارات الصكوك الإسلامية وكانت إجاباتهم على النحو التالي:
الدكتور عز الدين خوجة (الرئيس المدير العام لمصرف الزيتونة)
مصرف الزيتونة هو بالأساس بنك تجاري يعتمد مبادئ المالية الإسلامية رأس ماله يبلغ 88.500.000 دينار، تأسّس سنة 2009 وفتح أبوابه للعموم في أواخر شهر ماي 2010. وعرف هذا المصرف منذ تأسيسه بالحداثة والابتكار وما انفك يتطوّر من خلال انتهاج إستراتيجية فتح فروع بمعدّل 18 فرعا في السنة ليصل في أواخر سنة 2015 عدد فروعه إلى 85 فرعا.
كما أنّ المصرف يستمر في تحقيق نجاحاته، وهو يتهيأ للسنوات الخمس القادمة 2016 – 2020 بخطة إستراتيجية ومخطط أعمال جديدين ليكون البنك المرجعي في تونس والبنك الإسلامي الأول الرائد في إفريقيا وهذه الإستراتيجية تتطلب موارد مالية قارة إضافية لتحقيق نمو متوازن واحترام مؤشرات الملاءة المالية.
وفي غياب النصوص التطبيقية لقانون الصكوك التجأ مصرف الزيتونة للبحث عن الأوراق المالية المناسبة المتاحة في الإطار القانوني الحالي، والعمل على هيكلتها بما يتوافق مع ضوابط وأحكام المالية الإسلامية وبفضل الجهود الداخلية لفريق العمل بالمصرف تم تصميم شهادات الزيتونة كأول ورقة مالية يتم إصدارها في تونس تقوم على أساس سندات المساهمة مقبولة ومعتمدة من الهيئة الشرعية للمصرف.
يوجد ما يقارب 15 نوعا من الصكوك الموجودة في الساحة المصرفية والمالية الإسلامية إلى جانب تصميم نموذجين جديدين للصكوك الإسلامية أولها نموذج للصكوك الخاصة التي يمكن أن تصدرها البنوك والمؤسسات المالية والتي تعرف «بشهادات الزيتونة» ونموذج آخر خاص بالصكوك السيادية.
إن هذا المنتج الجديد «شهادات الزيتونة» يعزز موقع المصرف في تقديم منتجات مبتكرة وخدمات ذات جودة عالية ويلعب دورا رياديّا في هندسة المنتجات المالية والمساهمة في تنويع الأدوات وتوسيع قاعدة المستثمرين.
وتتميز «شهادات الزيتونة» بكونها أداة مالية داعمة لرأس المال تعزز نمو المصرف واستطاعت استقطاب نخبة من المستثمرين من بنوك وشركات تأمين وصناديق استثمار وغيرها حيث تتمتع بعائد متوقع في حدود 8% يسدد على جزئين، احدهما دفعة تحت الحساب والثاني جزء إضافي حسب النتائج النهائية للمصرف.
هذا النوع الخاص من الصكوك أو ما يعرف ب»شهادات الزيتونة» لم يطبق قبلا وتدخل في كل عمليات الأرباح سواء كانت أرباح عمليات التمويل أو الاستثمار أو الخدمات المصرفية وهي صكوك جديدة تم تطبيقها ولاقت نجاحا كبيرا.
كما يرغب مصرف الزيتونة أيضا في الإسراع في إعطاء الأولوية لإصدار الصكوك السيادية من قبل الدولة التونسية إذ بالإضافة إلى الصكوك الخاصة، يسعى مصرف الزيتونة لتطوير آليات جديدة للصكوك السيادية، وفي إطار الشراكة الإستراتيجية مع البنك الإسلامي للتنمية يعتز مصرف الزيتونة بتقديم منتج جديد تم تطويره بخبرات عالمية ومختصة في الجوانب المالية والقانونية والشرعية في مجال الصكوك وبقيادة البنك الإسلامي للتنمية.
كما أنّ هذا النموذج قابل للتطبيق وهناك دول ترغب في إنزاله ولابدّ من الجهات الرسمية أن تتبنّاه.
ويتميز هذا النموذج الجديد للصكوك بتفادي الإشكالات الكبيرة التي تترتب على بيع أصول سيادية حيث أنها لا تحتاج أصلا لوجود مثل هذه الأصول، كما أنها تمكن من الاستناد إلى عدة صيغ تمويلية تتناسب مع المالية الإسلامية وتقوم على أساس هيكلة تسمح بالقيام بإصدارات متعدّدة منتظمة حسب الاحتياطات التمويلية للحكومة.
وللتوضيح فإن الصكوك السيادية هي ممارسة للتمويل منتشرة في البلدان العربية وكذلك في البلدان غير المسلمة حيث أن بريطانيا العظمى أصدرت في 2014 قرض على شكل صكوك سيادية، وفي جانفي 2016 أصدر ساحل العاج صكوك سيادية بقيمة 244 مليون دولار.
الشاذلي العياري (محافظ البنك المركزي)
إنّ هذا المقترح الآن هو جيّد، لأنّه لم تعد هناك قضية ضمانات عينيّة بل هناك عملية أخرى دون رهن أي ممتلكات كملعب للكرة أو غيره، وهذا النموذج الذي أحدثه مصرف الزيتونة لابدّ أن يوفّر المال من خلال إنشاء شركة تونسية سيادية في علاقة مع المستثمرين الأجانب ويكون البنك المركزي هوالوسيط.
سيفتح النقاش مستقبلا بين أن يلعب البنك المركزي دور الوسيط بين المستثمر الخليجي أو العربي عموما وبين المستفيد أي الدولة وبين الطريقة المتوخّاة في ذلك، والطريقة غير متاحة الآن لأنّ القانون الأساسي للبنك المركزي لا يسمح بذلك لذا لابدّ من مواصلة التفكير والعمل على حراك إبداعي متواصل ووجوب المقارنة ويجب أن يكون منافسا للنموذج البديل بفرنسا بل ويفوقه.
إنّ المستقبل هو للصيرفة الإسلامية لأنها المنظومة الوحيدة التي لم تتأثر بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 2008 الأمر الذي تفطن له البريطانيون والأمريكيون لاستلهام التجربة رغم أنهم ليسوا مسلمين وتطبيقها لذا سجّل ارتفاع عدد الخبراء في هذا المجال بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها من الدول التي تحذو حذو هذا المنوال بينما نحن نعيش حالة التردّد والوقوف عند التساؤلات لذا لابدّ من التفكير في حلول بديلة واجتهاد الخبراء والمختصّين للاقتراب من التجارب الدولية مع الحفاظ على القيم التي ترتكز عليها المالية الإسلامية أي دون فوائض تُذكر أي الابتعاد عن مبدأ الدين وتسميته باسم بديل بمعنى مساهمة أو مشاركة في كل الحالات.
وسيتم تقنين الصيرفة المالية الإسلامية لأول مرة بتونس حيث ستنظّم البنوك الموجودة بكامل تراب الجمهورية من خلال مجلّة للبنوك تعرّف بمختلف هذه البنوك وكيفية عملها وامتلاك الرخص وتعاملاتها.
وهذه الخطوة تعتبر جدّ مهمة باعتبار أن السوق المالية الإسلامية تمر بأوقات صعبة نظرا لتراجع سعر النفط.
كما سيتم مناقشة القانون في اجتماع مضيّق ثم سيتم عرضه على مجلس الوزراء ثم مجلس نواب الشعب ثمّ نلتقي يوم 3 مارس القادم لمعرفة إلى أين وصل العمل على هذا النموذج مع مواصلة التفكير في اشكالياته ونقاط ضعفه وقوّته ثمّ يرفع تقرير من اللّجان إلى الجهات المقرّرة في شهر أفريل وسيقرّر المجلس مبلغ القرض وشروطه ونرجو أن تكون النتائج في مستوى طموحاتنا.
وبالنسبة لمسألة السيولة فإنّ إدارة السيولة تعدّ من أهمّ التحديّات التي تواجه المصارف الإسلاميّة لأسباب عدّة منها غياب سوق ماليّ مختصّ وعدم تطوير قنوات لتوظيف فائض السيولة إذ أنّ بلادنا تحتاج إلى إيجاد حلول لهذه المسائل تتفق مع طبيعة المؤسّسات والمعايير الدوليّة المعمول بها في المجال، خاصّة مع تنامي الماليّة الإسلامية وضرورة تحقيق استقرار السياسة النقديّة والاقتصاديّة الكليّة كما أنّنا في حاجة إلى التطوير والابتكار والتجديد وإيجاد المنافذ الماليّة لتوظيف السيولة لذا فإنّ البنوك الإسلاميّة مطالبة بتوفير مستوى عال من الشفافيّة والإفصاح عن المعلومات والبيانات المتعلقة بها.
صالح الصايل (رئيس هيئة السوق المالية)
تندرج هذه الندوة في إطار التعريف بالمالية الإسلامية وبمصرف الزيتونة ونحن نعلم أن لنا قانون صدر يمنح إمكانية إصدار أدوات مالية إسلامية وهذا القانون يسمح أيضا بتعبئة الادخار ومعرفة كيفية عمل المصارف التي تريد توظيف مدّخراتها وفق الشريعة الإسلامية وهذا جزء هام لابدّ منه في وقت تحتاج به بلادنا لأيّ تعبئة للادخار وأيّ استثمار ممكن.
اليوم ناقشنا إمكانية إصدار أوراق وأدوات مالية إسلامية دون استعمال التفويت في ممتلكات عمومية تختلف مع ما هو معمول به حاليّا والذي يقع بمقتضاه التفويت في الممتلكات إذا كان الإصدار سياديا يكون من ممتلكات الدولة في مدّة معيّنة وعندها الدولة تقوم بخلاص المبلغ لاسترجاع ممتلكاتها.
بالنسبة للضمانات هي المشاريع ودراسة جدواها ومردوديّتها لأنه وفي النهاية هو استثمار حقيقي للاقتصاد التونسي وهو الجزء الأهم.
بالنسبة للمشاريع هي مشاريع اقتصادية عامة قد تكون مشاريع تهمّ البنية التحتية أو مؤسسات عمومية…
وزيادة للتأكيد فالدولة هي الضامن للخلاص من خلال مردودية المشروع المباشر وغير المباشر لأن المشروع قد يتمثّل في سكّة حديدية وتكون المساهمة بشكل غير مباشر بإضافة قيمة مضافة اقتصاديّا.
بالنسبة للأرقام فنحن لا نملك أرقاما جاهزة ولكن ننتظر أنه لابدّ لهذا الباب أن يُفتح ولابدّ للاقتصاد التونسي أن ينتعش على غرار التجارب الغربية إذ لابدّ من الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في إرساء الصيرفة الإسلامية.
إلياس فخفاخ (وزير المالية السابق)
لابدّ لتونس أن تنوّع من مواردها المالية وتمويل الاقتصاد، كما أن المالية الإسلامية هي موجودة عالميّا ويقع استعمالها يوميّا ونحن متأخّرون في استعمال هذه التجربة التي بدأت منذ 2010، وأول قانون الخاص بالصكوك بدأ في 2016 ومازالت الأمور التطبيقية لم تُحسم.
ومصرف الزيتونة يعمل من خلال تنظيم هذا الملتقى على المساهمة في تطوير الصناعة الماليّة الإسلاميّة ومنتجاتها في السّوق المحليّة والإقليمية والبحث عن سبل الاستفادة منها لدعم الاقتصاد الوطني، كما يمثّل فرصة للإجابة عن عديد التساؤلات المتعلّقة بخصوصيّات إدارة السيولة في البنوك الإسلامية وطريقة توحيد الضوابط والمعايير في مجال حوكمة المؤسّسات والبنوك الإسلاميّة والتوجّهات الحديثة والناجحة في هيكلة إصدارات الصكوك باعتبارها نماذج جديدة من الأوراق الماليّة.
لذا لابدّ من تطوير المالية الإسلامية التي تُمثّل منتوجا يُكمّل المالية التقليدية وهو أمر جيّد لأنّ المستثمرين الذين نحتاج لسيولتهم هم المستهدفون لذا لابدّ لهذا المنتوج الإسلامي سواء في تونس أو في الدول العربية أن نعطيه أهمية تتطابق مع القوانين التونسية كما أن مصرف الزيتونة يقوم بمهامه على هذا الأساس.
أما السلطة التشريعية والادارة لابدّ لهما من التسريع في إصدار كل التراتيب الخاصة بالمالية الإسلامية وترك الخيار لمن يحبّذ المالية التقليدية ومن يحبّذ المالية الإسلامية.
لابدّ أن يكون تمويل اقتصادنا متنوّع ولابدّ للادخار الذي يعتبر ضئيلا جدّا في تونس أن يتطوّر لكي نستثمر في كلّ ما هو بنية تحتية والنهوض بالمناطق الداخلية وجلب الاستثمار الخاص.