غياب إستراتيجية واضحة لإصلاح المنظومة القضائية
و إرساء قضاء مستقل وفقا للمعايير الدولية
صياغة قانون جديد لمكافحة الإرهاب يرفع كل غطاء عن القضاة الفاسدين و شهود الزور و الجناة على حد السواء
بهدف رصد تصورات و آليات المجابهة القضائية لظاهرة الإرهاب و بحث العلاقة بين المؤسسة القضائية و جريمة الإرهاب, و في سياق يتميز بعدم الاستقرار و الغموض و الأزمات السياسية نظم المرصد التونسي لاستقلال القضاء بمساعدة مؤسسة المستقبل السبت الماضي ندوة تحت عنوان « أي دور للقضاء في مجابهة الإرهاب ؟» بمشاركة السادة أحمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء و حسني المولهي رئيس مكتب تونس لمؤسسة المستقبل و شكيب الدرويش محامي و مكلف بمأمورية بوزارة حقوق الإنسان و العدالة الانتقالية و سامي الهويدي قاضي بإدارة المصالح العدلية و إبراهيم الوسلاتي عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس و أنور أولاد علي محام و رئيس لجنة الدفاع عن القضايا العادلة و لطفي عز الدين محام .
و اهتم المشاركون في هذه الندوة بظاهرة الإرهاب التي تواجهها الدولة و بالآليات و بالطرق الكفيلة لوضع حد لها, وتم التطرق إلى طبيعة التعامل القضائي مع هذه الملفات. كما دونت لجنة من هيئة المساعدة القانونية بالمرصد التونسي لاستقلال القضاء التوصيات المنبثقة عن هذه الندوة .
بين السيد أحمد الرحموني في مستهل هذا اللقاء غياب إستراتيجية واضحة تعمل على إصلاح المنظومة القضائية و إرساء قضاء مستقل وفقا للمعايير الدولية .و اعتبر أن الوضع اليوم يتسم بعدم الاستقرار نتيجة لبروز ظاهرة الإرهاب الذي قد يكون فرديا أو منظما و التي تزرع الرعب والدمار والخوف من المستقبل, غير أنه من الممكن مجابهة هذه الظاهرة من خلال قوانين المجلة الجنائية و مكافحتها لا تتم إلا عبر تسليط العقوبات على الفعل الارهابي.فهذا الإرهاب العقائدي و الاجتماعي اكتوت به دول كثيرة عملت على عزله و إخضاعه للدراسة . و لذلك فهو يستوجب منا في هذا الوقت دراسة عميقة لمختلف أوجهه القانونية و الاحصائية و معرفة دوافع القيام به و أسباب اللجوء إليه .
وقدم السيد أحمد الرحموني تعريفا لظاهرة الإرهاب بأبعادها المختلفة مبينا انه لا يمكن حصر هذه الظاهرة في تعريف دقيق نظرا لتعقيدها وإختلاف طبيعتها من بلد إلى أخر مما يجعل من الصعب تحديد تعريف موحد لها .»فالإرهاب له مائة تعريف يقف وراءه الفوضويون ,و هو إرهاب تقف وراءه جماعات تدافع عن ايديولوجيات مختلفة كما أنه إرهاب عقائدي يستوجب منا دراسة عميقة لمختلف الوجوه الأمنية والقانونية التي تحيط به في ظل مقتضيات الحياة و مقتضيات النجاعة و مقتضيات قانون مكافحة الإرهاب «.واعتبر الإرهاب جريمة يجب التصدي لها فإن تم اعتباره عدوا يجب القضاء عليه مهما كانت الطريقة و إن وقع اعتباره جريمة يقع التعامل معه قانونيا بالإعتماد على نصوص واضحة في إطار حقوق الانسان و احترام معايير المحاكمة العادلة.
وأكد كذلك أنه من المهم أن نعرف أسباب الإرهاب والأهداف التي يرمي إلى تحقيقها ونتائجه باعتباره ممارسة قديمة شهدت تطورا خطيرا منذ أحداث سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية.
و إذا ما اعتبرنا الارهاب حربا مثلما هو الشأن بالنسبة لأمريكا فسيكون عندئذ عدوا يجب القضاء عليه بأي ثمن و بأية طريقة.فالارهابيون مجرمون و مقاومتهم بالخيارات الامنية أمر معقول و ممكن و لكن بالاعتماد على المجلة الجنائية مجلة الاجراءات الجزائية و ليس من خلال القوانين الاستثنائية. و احترام الحقوق الأساسية يمثل شرطا قانونيا للديمقراطية مثلما تقتضيه الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب .
وقال السيد أحمد الرحموني كذلك ان وعود المجلس الوطني التأسيسي لم تنفذ الى غاية الآن باستثناء إقرار هيئة وقتية للقضاء العدلي و أشار الى انه من الضروري ارساء منظومة دستورية في الدستور المرتقب تضمن قضاءا مستقلا وفق المعايير الدولية.
و من جانبه اعتبر السيد حسني المولهي رئيس مكتب تونس لمؤسسة المستقبل أن ظاهرة الارهاب التي تعد أمرا في غاية الخطورة خاصة بعد عودة عدد كبير من التونسيين من سوريا قضية إجتماعية و ليست قضية أمنية . و التمشي من الناحية الامنية يحول في نهاية المطاف دون حل المشكلة بل يتسبب في تعقيدها أكثر. و أوضح بأن الإرهابي يسعى من جهته إلى الظهور وتبني العمليات الإرهابية و هو ما جعلنا نتعامل مع أشخاص خرجوا بطريقة إرادية من العقد الاجتماعي. ولكن من واجب القضاء أن يتعامل معه بطريقة عقلانية وفي كنف المحاكمة العادلة لأنه يسترجع صفة المواطنة عند وقوفه أمام المحكمة .
مشروع قانون مكافحة الجريمة الإرهابية
قال الأستاذ شكيب الدرويش المكلف بمأمورية بوزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية انه «ليس من السهل أن نستأنس قانون مكافحة الارهاب و ليس من السهل كذلك أن نصوغ قانونا يلقى قبولا عامّا كما أنه ليس من السهل أن نعد قانونا يؤمن كل الحقوق للمتهم ويضمن في نفس الوقت السلامة للقضاة ولمأموري الضابطة العدلية و للشهود أيضا.
و بين أن الخروج من القانون الخاص إلى المجلة الجزائية في حد ذاته يعد أمرا غامضا و فيه إضعاف للحماية التي يتوجب على الدولة أن تضمنها. وأكد على أنه يجب أن يكون لتونس قانونا خاصا لمكافحة الجريمة الإرهابية. مشيرا في نفس الوقت إلى أن قانون الارهاب هو منكر شرعي وقانوني على حد تعبير أحد النواب بالمجلس الوطني التأسيسي.
و أضاف ممثل وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أن الوزارة بصدد الانتهاء من إعداد مشروع قانون سيكون جاهزا الأسبوع الحالي وسيوزع على الهيئات والمنظمات المرتبطة به للإطلاع عليه وإبداء الرأي فيه و سيؤمن هذا المشروع و يقي تونس من شرور الإرهاب و يضمن للمتهم حقوقه كاملة دون نقصان و يشد من جهة أخرى أزر الضحايا و يضمن سلامتهم . كما يتعلق المشروع بالتحويرات التي شملها قانون الارهاب لسنة 2003 .
و في إطار صياغة قانون مكافحة الارهاب أكد بأنه يجب تغيير القانون الصادر في 10 ديسمبر 2003 لأنه لا يفرق بين الجريمة الارهابية والجريمة العادية وتعويضه بقانون آخر يرفع كل غطاء عن القضاة الفاسدين وشهود الزور والجناة على حد السواء.وحول تفاصيل مشروع القانون بين أنه لأول مرة في تاريخ القانون التونسي سيقع تقنين عملية التنصت على الاتصالات للمساعدة على سرعة الكشف عن الجرائم ومرتكبيها والجهات المنظمة لها هذا إلى جانب تنظيم عملية اختراق المجموعات الارهابية بزرع شخص مخبر و إدماجه بين هذه المجموعات للتعرف عليهم عن قرب و التمكن من جمع معلومات دقيقة و هامة تتعلق بهم و نقل كل التفاصيل لمتعلقة بهم على أن يعفى هذا المخبر من كل مساءلة جزائية .و لا يزال النقاش متواصلا حول هوية المخبر فقد يكون مخبرا أمنيا أو خبيرا معتمدا من جهة معينة.
وأضاف أنه سيتم بمقتضى هذا المشروع ولأول مرة في القانون التونسي أيضا تنظيم عملية تثبيت آلات للتسجيلات السمعية والبصرية داخل المحلات وذلك لتسهيل الحصول على التسجيلات السمعية البصرية عند الاقتضاء وسيتم ضبط هذه العمليات بإجراءات معينة تتم تحت إشراف قضائي مع مراعاة حقوق الانسان و احترام المحاكمة العادلة عموما.
و أفاد بأنه سيقع احداث لجنة وطنية لمقاومة الإرهاب تتكون من قضاة وخبراء ينتمون لعدة وزارات على أن تتولى هذه اللجنة رسم استراتيجية لمكافحة هذا الصنف من الجرائم ومسك الاحصائيات والتنسيق مع كل الجهات لمساعدة الضحايا وتوفير الحماية اللازمة للشهود والمبلغين عن هذه الجرائم والخبراء سواء تعلق الأمر بالحماية الجسدية أو غيرها من أوجه الحماية.
و أشار من جهة أخرى إلى أن المشرع التونسي في قانون الارهاب كان يعتمد كثيرا على الأمنيين ولا يعول على القضاة الذين قيدهم بالاختصاص الترابي . ولكن اليوم ومن خلال المشروع الجديد سيصبح القاضي متمتعا بكامل صلاحيات التنقل دون قيد. و سيقع أيضا تقنين بعض الإجراءات على غرارإدماج شخص داخل المجموعة الإرهابية للتعرف على عناصرها عن قرب و التمكن من جمع معلومات دقيقة و هامة تتعلق بهم .
التعاون الدولي في مكافحة الجريمة الإرهابية
أكد السيد سامي هويدي قاضي بإدارة المصالح العدلية أن تونس مهددة فعلا بخطر الإرهاب ولذلك فهي تسعى اليوم إلى العمل على مجابهة تلك الجرائم والتنسيق مع دول الجوار والدول الكبرى والمنظمات الدولية والإقليمية للتصدي لظاهرة الإرهاب. وكشف عن أرقام تتعلق بقضايا إرهابية ارتبطت بتونسيين داخل التراب التونسي إذ تجاوز عدد القضايا الإرهابية المنشورة أمام مكاتب التحقيق ودوائر الاتهام ال150 قضية في حين فاق عدد القضايا الإرهابية لتونسيين بالخارج الـ55 قضية منشورة أمام محاكم اجنبية من بينها ما يقارب 30 قضية منشورة أمام المحاكم السورية تورط فيها 40 شابا تونسيا.
كما تناول بالذكر أحداث السفارة الأمريكية التي كان لها تأثير سلبي على العلاقات الدبلوماسية التونسية والأمريكية وكذلك الأوروبية وقال إن عدد المتهمين فيها فاق 140 متهما وقد تمت إحالتهم في 6 قضايا جنائية . وأضاف أن القائمة الأممية للإرهابيين أدرجت أسماء أكثر من 40 تونسيا ضمن الأشخاص التابعين لتنظيم القاعدة وهذه القائمة تتضمن كذلك مؤسسات ومجموعات تونسية متهمة في ارتكاب أعمال إرهابية أو الاعداد لها.
أما بالنسبة إلى مجال التعاون القضائي قال بأن تونس شاركت في أغلب الندوات والمؤتمرات التي ترمي إلى نشر ثقافة التصدي إلى الإرهاب و صادقت ايضا على عديد الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتولت في ذات الوقت التنسيق مع العديد من الدول من أجل تبادل الخبرات في مجال التحكم في الحد من الإرهاب وتبادل المعلومات من أجل تقديم الإرهابيين للعدالة.
أما فيما يتعلق بمسألة التعاون الدولي في مكافحة الجريمة الإرهابية بين السيد سامي بن هويدي أن تونس تعمل على تعزيز علاقاتها مع بلدان الجوار و قامت في هذا الاطار بالتنسيق مع الجزائر وخاصة السلطات الأمنية للعمل على التصدي للأعمال الإرهابية التي تتركز على الحدود التونسية الجزائرية وخاصة ما حدث في جبل الشعانبي. كما ارتكز التعاون الدولي مع الجزائر على تبادل الخبرات والمعلومات وتدريب قوات من الأمن التونسي على مكافحة الجريمة الإرهابية وذلك بهدف تحسين مستوى الأداء الأمني والعسكري.
التحقيق القضائي في مجال مكافحة الإرهاب
اكد السيد إبراهيم الوسلاتي عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس انه لا وجود لتحقيق خاص في قضايا الإرهاب موضحا أن باب التحقيق في قانون الارهاب لا يختلف مع طبيعة التحقيق بالمجلة الجزائية. و أشار إلى أن مجلة الإجراءات الجزائية التي تعود إلى سنة 1968 تم تنقيحها وفق «عمليات شبيهة بالتجميل « وبقيت مبنية على نظرة قديمة للجريمة لا تتلاءم مع تعقد الجرائم في الوقت الحالي.
و تطرق إلى طبيعة عمل قاضي التحقيق في قضايا الإرهاب وأشار إلى أنه هناك جرائم اقترنت بفعل مادي و جرائم أخرى لم تقترن بفعل مادي مبينا أن القانون يجرم الأفعال التحضيرية. وقال أن الأبحاث الابتدائية تبنى على استنطاق واعترافات لا تكون مدعومة خاصة و أن باحث البداية يكتفي بالاعتراف و لكن في المقابل يتوجب على قاضي التحقيق إعادة ترتيب الأمور بهدف الوصول إلى الحقيقة كاملة.
و بين عميد قضاة التحقيق أنه توجد محكمة مختصة ولكن لا يوجد قاض مختص فقاضي التحقيق يختاره وكيل الجمهورية و القضاة المستحدثون ليست لديهم الخبرة الكافية التي تمكنهم من النظر في القضايا الإرهابية و البت فيها , مما يجعله يتعرض و يواجه بعض الصعوبات التي تعوق عمله. وأشار إلى أن قاضي التحقيق الذي يكون بصدد مباشرته لمهام تتعلق بقضايا عادية قد ترد عليه فجأة قضية إرهابية غالبا ما يكون فيها المتهمون موقوفين أو في آخر يوم من الاحتفاظ ويطلب منه استنطاق جميع المتهمين واتخاذ القرارات اللازمة .و في هذه النقطة يبرز الاشكال إذ يمكن أن يتضح للقاضي أن الأبحاث منقوصة مثلا و بالتالي سيكون قراره مضرا و ليس عادلا.
و لذلك يجب أن يتمتع قاضي التحقيق بفترة كافية يتروى خلالها في اتخاذ قرارات حتى يتمكن من الاطلاع على كامل أوراق الملف و الاحاطة بكل النقاط المرتبطة بالقضية كما يجب أن تتوفر الظروف الملائمة للعمل.
و انتقد العميد إبراهيم الوسلاتي من جهة أخرى النيابة العمومية قائلا أنها « لا تساعد على اظهار العدل ومن الضروري مراجعة دورها لأنها اليوم تتخلى عن مسؤوليتها وتثقل كاهل قضاة التحقيق «. واقترح إمكانية جواز التعهد الجماعي لقضاة التحقيق اذا تعلق الأمر بملف خطير ومعقد. وطالب بتفعيل الاتفاقيات الدولية والابتعاد عن الطرق المتشعبة التي لا يرجى منها أي فائدة .
و من جهته انتقد الأستاذ أنور أولاد علي في مداخلة بعنوان ضمانات المحاكمة العادلة في القضايا الإرهابية أعمال باحث البداية وقال إن أعوان الضابطة العدلية ينقصهم التكوين القانوني والذهني وهو ما يجعل المتهمين المحالين على معنى قانون الارهاب لا يتمتعون بمحاكمة عادلة تضمن لهم المساواة أمام القضاء وتحترم قرينة البراءة.
و من جهة أخرى أفاد المرصد التونسي لاستقلال القضاء بأنه سيقع عرض التوصيات المنبثقة عن الملتقى في ندوة صحفية اليوم سيتم الكشف خلالها كذلك عن عديد النقاط الأخرى.
زينة العزابي