جريدة الخبير

في حِين تتخبّط تونس في الفقر و فِقدان أغلب المواد الغذائية الأساسيّة.. الجزائر تُحقق أمنها الغذائي و تستعد للإشعاع عالميا

صَنَّفَ برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الجزائر في المرتبة الأولى إفريقيا في مجال الأمن الغدائي، تليها مباشرة في المرتبة الثانية المملكة المغربية، و تتميز الجزائر عن غيرها من الدول الإفريقية بانخفاض نسبة الأشخاص الذي يعانون من سوء التغذية عن 2.5% من العدد الإجمالي للسكان، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 2018-2020.

و أضاف برنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في دراسته، أن الجزائر تُصنف مع غالبية البلدان الأوروبية و الولايات المتحدة، و كندا و الصين، بالإضافة إلى روسيا، و البرازيل و أستراليا وغيرها…

بينما احتلّ المغرب المرتبة الثانية إفريقيا ضمن البلدان التي تتراوح نسبة السكان فيها الذين يعانون من سوء التغذية، بين 2.5 و 4.9%، وأظهرت الدراسة أن 4.1 مليون مغربي لا يتحصلون على الغذاء كما ينبغِي.

أما البلدان الأكثر تضررا من سوء التغذية بنسبة تزيد عن 35% من مجموع السكان فهي جمهورية إفريقيا الوسطى، الكونغو، جمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر.و لعِبت الزراعة دورا كبيرا في دعم اقتصاد البلاد، إلى أن أصبحت الجزائر ضمن البلدان المستقرة غذائيا، بل و المزاحمة لأوروبا و أمريكا و روسيا و الصين و أستراليا… و صرّح وزير الفلاحة الجزائري “عبد الحميد حمداني” إن تصنيف منظمة الغذاء العالمية للجزائر في الخانة الزرقاء “يجعلها في نفس المستوى مع الدول الأوروبية ودول أميركا”. مؤكدا بأن هذا التصنيف الراقي “يعد مفخرة للجزائر واعتزازا للفلاحين والمنتجين والموالين المحليين”.
بهذه الطريقة ستصبح الجزائر بلدا مصدرا للأغذية أكثر منها تصديرا للمحروقات.. خاصة و أنها تملك مساحات زراعية شاسعة، تمكّنت من حسن استغلالها و توظيفها في السنوات الأخيرة، حيث بدأت تؤتي اليوم بثمارها، و بالتالي يأتي هذا التصنيف كإثبات بأنها قامت باستغلال مثالِي لمقوماتها الزراعية، ضمن استراتيجية و خطة بعيدة المدى.
من جهة أخرى تلعب عدّة محافظات جزائرية جنوبية في إطار “الزراعة الصحراوية” كالوادي وأدرار وبسكرة دورا بارزا و كبيرا في تغذية جزء كبير من الشعب الجزائري، من خلال إنتاج كم هائل من الخضراوات و الفواكه التي تحولت إلى التصدير نحو الأسواق الخارجية.
و يتوقع المحللون أن الجزائر ستصبح في غضون 4 سنوات من أهم و أكبر البلدان المصدرة للمنتجات الفلاحية.

أين تونس من كل هذا؟
* تدهور الفلاحة التونسية و عدم القدرة على توفير الأساسيات للشعب التونسي
يبدو أن الفلاحة التونسية التي كانت تتربع على عرش إفريقيا و العالم أصبحت اليوم في أسفل السافلين، و ذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة، و العبث بالدولة إلى أن صارت على شفير الهاوية.
واجه القطاع الفلاحي التونسي عدة مشاكل اثر السنوات التي تلت الثورة، و أصبح عاجزا عن التقدم و التطور، رغم صموده أمام العديد من الأزمات الإجتماعية و الإقتصادية و حتى السياسية.. فالفلاحة التونسية كانت القطاع الوحيد داخل الجمهورية الذي استطاع أن يبقى على صموده و تحقيقه للأرقام الإيجابية حتى فترة الكوفيد.. و لكن للأسف تم تهميش هذا القطاع الحيوي و الحساس من قبل الدولة إلى أقصى الحدود! إذ تم اعتبار الفلاحة قطاعا ثانويا بالنسبة للإقتصاد التونسي، في حين أن الواقع يقول بأنه لا نهضة لتونس و اقتصادها دون وجود محرك فلاحي قوي.. إلا أن الفلاحة و للأسف الشديد لا تحظى سوى بالنصيب الإستثماري الأضعف، فالإستثمار الفلاحي اليوم يكاد يكون منعدما، رغم أن تونس دولة فلاحية بالأساس.. إلا أننا نواجه في الوقت الحاضر غيابا شبه كلي للأدوية و الأسمدة، مما أدى لتراجع المحاصيل الزراعية و ندرتها.

– في أسباب تخلف الفلاحة التونسية 

في حين تتزاحم كبرى بلدان العالم و تتجه نحو تطوير قطاعاتها الفلاحية عن طريق البحث العلمي و التطور التكنولوجي، و بحث سبل ترشيد استهلاك المياه، بقيت الفلاحة التونسية في معزل تام عن هذا التطور السريع!

1- هَنَّات البحث العلمي الفلاحي 

يبدو أن البحث العلمي المختص بالفلاحة شبه متوقف خاصة على مستوى الزراعات الكبرى و البذور.. إذ طالب الفلاح التونسي الجهات المسؤولة بضرورة تطوير هذه المجالات الفلاحية، و لكن للأسف لا حياة لمن تنادي، و حتى البحوث التي تم انجازها في هذا الصدد لم تحظى بالإهتمام الكافي، و لم تستطع أن تتقدم شوطا كبيرا.. أو أنها لم تجد الرعاية و التمويل الكافي لتنجح.

2- خارطة طريق 2008 

تملك تونس منذ سنة 2008 خارطة طريق فلاحية منجزة و جاهزة.. إلا أنه و للأسف الشديد لم يتم تطبيقها إلى يوم الناس هذ، علما و أن تطبيق هذه الخارطة قد يمثل طوق النجاة الذي طال انتظاره!

3- تشتت الأراضي 

و هي ظاهرة سيئة جدا، تتمثل في انتشار الأراضي الفلاحية الصغيرة و الغير قادرة على توفير منتوج محترم من ناحية النوعية و الكمية، و هو ما ساهم أكثر في تضرر الفلاحة التونسية و تخلفها، و لا حل لهذا الإشكال سوى عن طريق تدخل الدولة لتوسعة رقعة الأراضي، حتى لا تضيع مجهودات الفلاحين هباء، كما أنه لا ضير من توزيع الدولة لأراضيها على الفلاحين، و مساعدتهم على الزراعة في سبيل تحقيق الأمن الغذائي..

4- الشح المائي 

بسبب اهدار الثروة المائية، عن طريق تكثيف الزراعات السقوية الموجهة أساسا نحو التصدير، إلى أن أصبحنا نصدر الثروة المائية بأبخس الأسعار نحو الخارج، و أيضا الحفر العشوائي للآبار، و عدم استغلال مياه الأمطار بإيجاد استراتيجيات محكمة لتخزين الماء، أصبحنا مهددين بالجفاف، و هو ما زاد في تعميق جراح الفلاحة.

5- اشكالية القمح اللين و الصلب

تكتفي تونس بإنتاج القمح اللين الذي يوجه منه قسم للإستهلاك الداخلي، و قسم ثان يتم تصديره، بينما لا ننتج القمح الصلب الذي يستخدم أساسا في صناعة الخبز، و تتركز زراعته بإيطاليا، علما و أن تونس قادرة عن طريق بذل بعض المجهودات على تركيز زراعة متينة تُعْنَى أساسا بالقمح الصلب، لنكون بذلك في غنى عن استيراده.

يبدو أن الركب الفلاحي “أيضا” قد تجاوزنا.. و لم يعد في امكاننا مزاحمة دول شقيقة نتقاسم معها ذات المناخ، فما بالك بالمنافسة العالمية!!

و لكن رغم كل هذه الإنتكاسات و الهنات يبقى الأمل في نهضة فلاحية قائما بل و ممكنا، و الأمر لا يحتاج سوى لوقفة و قرار صارم خاصة على المستوى السياسي.

في الختام نهنئ كل من الجزائر و المغرب على انجازاتهما الفلاحية، و ندعو من جهة ثانية السلطات التونسية للإعتبار من تجارب الدول الشقيقة، و محاولة النهوض بالفلاحة التونسية من جديد، خاصة و أننا نبحث في الوقت الحاضر عن انتعاشة اقتصادية، و لا سبيل لعودة العجلة الإقتصادية للدوران و النشاط من جديد دون فلاحة.

بقلم بلال بوعلي

index

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *