جريدة الخبير

في حديث خاص مع الدكور قيس سعيد المرشح للانتخابات الرئاسية القادمة: لم أسعى إلى شعبية زائفة بل سعيت إلى البحث عن كلمة حق أصدع بها

kais

برزت أهمية القانون الدستوري بعد الثورة، أكثر من أي وقت مضى على امتداد الحكم البورقيبي والحكم النوفمبري.. ففي سنة 1975 استعان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ب»فتاوى»جهابذة القانون الدستوري لتبرير الرئاسة مدى الحياة في انتهاك صارخ للدستور. أمّا في العهد النوفمبري، فقد استخدم المخلوع المجلس الدستوري وهو من ألآليات التي أحدثها منذ 1988، لتوفّر الغطاء القانوني لكل المراجعات والتنقيحات التي شملت الدستور تأسيسا ل»جمهورية الغد»، وتمديدا للرئاسة الخماسية تلو الأخرى، وربما كانت النيّة تتجه إلى الرئاسة مدى الحياة لولا الثورة.

كان الشعب التونسي يتابع بذكائه الفطري تلك التخريجات «القانونية الدستورية» غير آبها بها، أما بعد الثورة فقد تغيّرت المعطيات واظهر التونسيون والتونسيات فطنة ما بعدها فطنة، فأصبحوا يفقهون في الشأن العام وفي القوانين المنظمة للحياة السياسية والدستور والقانون الدستوري. وبرزت نخبة من الخبراء والجامعيين صاروا من الوجوه المألوفة على الشاشات التلفزية، لعل أكثرهم شعبية الدكتور قيس سعيد الذي تميّز بسلاسة لغته العربية المنسابة انسيابا في طلاقة نادرة، وكذا بنبرته الصادقة التي تنمّ عن استقلالية فكرية واضحة، وهو ما أدركه عامة الناس الذين ملّوا -عموما- نفس الكلام المعاد، ونفس الوجوه ونفس الاسطوانات المشروخة. ووجدوا في إطلالات الدكتور قيس سعيد ما يشفي الغليل: كلام صادق وإضافات علمية في مجال اختصاصه، دون توظيف سياسي ولا حزبي مصلحي ضيّق.

لهذه الاعتبارات، استضفنا الدكتور قيس سعيد، الذي أجاب بعفويته المعهودة على كل أسئلتنا بما فيها تلك التي تتصل بانتمائه العائلي.

الدستور الحقيقي لا يصنعه رجال السياسة

س) لنبدأ أستاذ قيس سعيد بالشعبية التي أصبحتم تحظون بها بفضل مداخلاتكم التلفزية بعد الثورة والتي أثارت إعجاب الرأي العام الواسع؟.

ج) بداية أوضح أنني لم أسعى إلى شعبية زائفة، بل سعيت إلى البحث عن كلمة حق أصدع بها، لقد لقي هذا الموقف صدا إيجابيا عند عموم التونسيين، لأنني اتخذت مواقف في بعض الأحيان استفادت منها أطراف حسبت عليها، ولما اتخذت مواقف أخرى تضررت منها الأطراف التي استفادت في المرة الأولى، حسبت على الطرف المقابل. لكن في النهاية أدرك التونسيون أنني لم أسعى إطلاقا إلى إرضاء طرف على طرف آخر، بل حاولت فقط أن أساهم – في هذه المرحلة التي تعيشها تونس- في بناء نظام وطني ديمقراطي، يكون فيه القرار مستقلا والاختيارات معبّرة عن التطلعات الحقيقية للشعب التونسي وللشباب التونسي. لذلك أوضح هنا الموقف الذي كنت اتخذته في كثير من المناسبات، والمتمثل في أن الدستور الحقيقي لتونس لا يصنعه رجال السياسة، بل يخطّه رجال الثورة، والمهم عندي أن يفهم أن هذا الموقف إنما هو من أجل تونس وليس من أجل أي جهة مهما كانت مرجعيتها.

المناصب لا تعنيني

س)- راج منذ فترة في بعض الصحف والمواقع الاتصالية أنكم تنوون الترشح لرئاسة الجمهورية استثمارا لشعبيتكم المتزايدة، ما مدى صحة هذا الخبر؟..

ج)- لم أكن أنوي الترشح ولم أفكر إطلاقا في هذا الأمر، فالمناصب لا تعنيني بقدر ما تعنيني المسؤولية التي أتحملها من أجل الوطن، وإن كنت سأساهم بهذا الموقف ومن هذه المواقع في بناء نظام جديد فيكفيني ذلك. هناك بالفعل دعوات كثيرة من أجل الترشح، وأعتقد أنني إذا ترشحت فذلك استجابة لنداء الواجب، فهذه المسؤوليات هي ابتلاء أتمنى أن لا أبتلى بمثلها، ولكن إذا اقتضت المصلحة أن أقدّم ترشحي استجابة لنداء عدد من التونسيين، فتلك مسؤوليتي وذلك قدري، وإني لا أعتبر نفسي أنتمي إلى أي جهة كانت بل أنتمي إلى تونس.

س)- ألا تعتبرون أن انتمائكم إلى الساحل وانتماء حرمكم إلى مدينة طبلبة بالذات، عاملا إضافيا لخوض غمار الترشح للرئاسة لم يمثله الساحل من مركز ثقل سياسي وانتخابي؟.

ج)- نعم عائلة أصهاري من مدينة طبلبة الساحلية، أما عائلتي الأصلية فتعود إلى مدينة بني خيار في الوطن القبلي، لكن للأسف انقطعت العلاقة منذ وقت طويل وأتمنى أن أعود وأتعرف على بعض أجزاء العائلة في مدينة بني خيار.. لم اشعر أبدا أنني أنتمي إلى جهة معينة، بل أشعر بانتمائي إلى تونس ولا شيء غير تونس، وأن كل التونسيين عندي سوا بقطع النظر عن الانتماءات الجهوية، فهذه الانتماءات يجب تزول حين يتعلق الأمر بالوطن الأكبر. ولو أن البعض يعتبرون أن هذه العلاقات أو الانتماءات العائلية هي من العناصر التي تمكنهم من الفوز في الانتخابات أو من تحمل المسؤوليات، فإني لا أضعها في الاعتبار إطلاقا بل كل ما أضعه في الاعتبار هو الوطن في المقام الأول وليس جهة من الجهات.

تزامن الانتخابات مسألة سياسية بامتياز

س)- سبق أن شرحتم موقفكم من جراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعد متزامن، فهل لكم أن تشرحوا لنا الإيجابيات والسلبيات ؟.

ج)- بالنسبة إلى مسالة تزامن الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فإن البعض يقدّم هذه قضية على أنها قضية فنّية، لكن في الواقع هي قضية سياسية، فمن يدعو إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية قبل تنظيم الانتخابات التشريعية يعتقد أن حظوظ  نجاحه  فيها وافرة، ويعتقد من جهة أخرى أن نتائج الانتخابات الرئاسية تؤثر في نتائج  الانتخابات التشريعية، ومن يدعو إلى تنظيم الانتخابات التشريعية أولا، فلأنه يرى أن تنظيمها والنتائج التي ستؤول إليها يمكن أن تكون لفائدته، وستؤثر نتائج الانتخابات التشريعية حسب رأيه في نتائج الانتخابات الرئاسية. وفي كل الأحوال فإن القضية ليست استحالة مادية تتعلّق بتنظيم هذه الانتخابيات في وقت متزامن، ولكنها قضية سياسية بامتياز. ولا بدّ من الإشارة في هذا الإطار إلى أن التزامن لم يكون كاملا لأنه – حتى لو تم تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في نفس اليوم، فمن المستبعد أن بفوز أحد المرشحين بالانتخابات الرئاسية منذ الدورة الأولى، وسيتم تنظيم دورة انتخابية ثانية وعلى الأقل ستكون هناك مسافة بين الدورتين الأولى والثانية، وبالتأكيد في هذه الحالة، فإن نتائج الانتخابات التشريعية سوف تكون مؤثّرة في نتائج الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية. والقضية اليوم تتمثّل في الجهة التي ستحاول فرض اختيارها بناء على التوازنات السياسية التي أفرزتها الانتخابات الماضية وبناء على قراءتها للتوازنات القادمة، إذن الأمر هنا لا يتعلّق بالحديث عن ايجابيات وسلبيات، فما هو ايجابي لطرف معيّن، هو سلبي بالنسبة للطرف الآخر والعكس صحيح.

.. لننتظر النتائج

س)- هل تتبنّون الرأي القائل بأن شرعية المجلس الوطني التأسيسي انتهت بالانتهاء من وضع الدستور؟..

ج)- شرعية المجلس التأسيسي طرحت منذ شهر ماي 2011، أي قبل أشهر من تنظيم الانتخابات في 23 أكتوبر من السنة نفسها. وحين كان مفترضا أن تنظم الانتخابات يوم 24 جويلية 2011 اصدر رئيس الجمهورية المؤقت أمرا في شهر ماي من السنة نفسها، وفي نفس هذا الأمر حدّد مدّة المجلس التأسيسي بسنة واحدة. ولكن حين تمّ تأجيل انتخابات المجلس التأسيسي إلى شهر أكتوبر ألغي هذا الأمر الأول وتم إصداره من جديد بنفس الصيغة تقريبا في شهر أوت من سنة 2011، دعا فيه رئيس الجمهورية المؤقت الناخبين إلى الانتخابات وفي نفس الوقت حدّد مدّة المجلس الوطني التأسيسي بسنة واحدة من تاريخ الانتخابات. وهذا الجزء المتعلق بتحديد المدّة هو جزء بالتأكيد غير شرعي، لأن المرسوم المتعلق بتحديد نظام انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، فوّض رئيس الجمهورية المؤقت لدعوة الناخبين إلى الانتخابات لا لتحديد المدّة. هذا من جانب ومن جانب آخر، فالمجلس الوطني التأسيسي سلطة تأسيسية أصلية ولا يمكن تحديد اختصاصاته ولا تحديد مدّته بأمر صادر عن سلطة مؤسسة، فضلا عن أنها مؤقتة.. ولكن في المقابل كان على المجلس الوطني التأسيسي أن يتولى بنفسه تحديد مدّته في التنظيم المؤقت للسلط العمومية الذي وضعه في شهر ديسمبر 2011 بعد انتخابه بمدّة قليلة، ولكن الأغلبية في ذلك الوقت رفضت تحديد المدّة، ولم تقبل بذلك إلا في ظل الأحكام الانتقالية للدستور (الفصل 48) الذي نص على أن الانتخابات يجب أن تنظم في أجل لا يتجاوز موفى السنة الحالية.

إذن من الناحية القانونية لم تنتهي مهمة المجلس الوطني التأسيسي، لأن الأحكام الانتقالية مكنته من مواصلة التشريع، من مراقبة الحكومة، من مراقبة رئيس الجمهورية، وستنتهي هذه المهمة -عملا بأحكام الفصل 148- عند تولي السلط الجديدة مهامها بناء على الدستور الجديد.

لا يوجد حياد في المطلق لأي حكومة سياسية

س)- هل تتبنّون الرأي القائل بأنه بعد تعيين حكومة توافقية محايدة، لا بدّ من تحييد منصب رئيس الجمهورية؟

ج)- هذه أيضا مسألة سياسية، تم الاختيار في إطار الحوار الوطني على حكومة قيل أنها محايدة، وقد حظيت بموافقة الأغلبية داخل المجلس، والحياد هنا ربما على الأطراف الفاعلة التي مثلت الأغلبية داخل المجلس لفترة معينة، لكن لا يوجد في الواقع حياد في المطلق لأي حكومة سياسية، والسياسة يجب أن تكون على نفس المسافة من عدد من الأحزاب، لكنها لا يمكن أن تكون محايدة. وفي الأصل لا وجود لحياد في مجال السياسة، ربما هنا الحياد المقصود هو إدارة شؤون الدولة للإعداد للانتخابات القادمة بعيدا عن التوازنات التي أفرزتها انتخابات أكتوبر من سنة 2011.

أما بالنسبة لتحييد منصب رئيس الجمهورية، فالقضية ليست في تحييده، فهو رئيس للدولة بحكم التنظيم المؤقت للسلط العمومية، وعليه أن يقوم بمهامه بصفة محايدة وهذا هو المطلوب. هناك من يطالب اليوم باستقالته خاصة وأن رئيس المجلس الوطني التأسيسي كان أعلن وفي وقت من الأوقات لو أنه تقدم للانتخابات الرئاسية، فسيتخلى عن منصبه في رئاسة المجلس. هل سيقبل رئيس الجمهورية بذلك ؟، لكل اختياره بطبيعة الحال، والقضية هنا قضية تقديرية من كل طرف للمرحلة القادمة، قد يقبل وقد لا يقبل، علما بأن النص القانوني المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط إلى جانب أحكام الدستور لا يجبر رئيس الجمهورية، كما لا يجبر رئيس المجلس الوطني التأسيسي على تقديم استقالته. فمن يطالب بالاستقالة يبرّر هذه المطالبة لأن المتنافسين في الانتخابات يجب أن يكونوا على قدم المساواة في سباقهم نحو الرئاسة، وان هذا التصور يقابله تصوّر في الاتجاه المقابل يقوم على أنه ليس هناك ما يمنع من تنظيم انتخابات يترشح إليها من كان على رأس الدولة لدورة ثانية وحجتهم في هذا المجال في القانون المقارن، يعني هذا أن الأمر يتعلق اليوم بقراءة سياسية وبترتيب أوضاع يسعى البعض إلى الاستفادة منها كل حسب قراءته وتصّوره..

دستور 2014 وضع على المقاس

س)- في رأيكم أي نظام سياسي يناسب تونس مستقبلا : رئاسي، برلماني أم ما بين بين؟

ج)- هذا السؤال يذكرني بعنوان لكتاب طه حسين «بين بين».. في الواقع إن الخلاف حول النظام وطبيعته داخل المجلس الوطني التأسيسي لم يكن خلافا فقهيا أو بناء على أسباب فشل التجربة الدستورية الأولى في ظل دستور 1 جوان 1957.  وإنما هو يتعلق بقراءة كل طرف للتوازنات بعد الانتخابات القادمة، فهناك من يسعى إلى نظام رئاسي ومن طالب به لاعتقاده أن حظوظه في الفور بالانتخابات الرئاسية وافرة، ومن أصرّ على النظام البرلماني أو أصرّ على أن تكون الحكومة هي مركز الثقل داخل النظام في تونس وأن تكون منبثقة عن الأغلبية داخل الهيئة التشريعية، فلأنه يرى حظوظه بالفوز في الانتخابات التشريعية أوفر من حظوظه بالفوز في الانتخابات الرئاسية.. ما تم الاتفاق حوله أدى إلى وضع نظام على المقاس تقريبا، كما وضع دستور 1 جوان 1957 على المقاس، دستور سنة 2014 وضع أيضا على المقاس، ولكن ليس لجسد واحد بل لأجساد متعدّدة. فجاء النظام ليس نظاما برلمانيا خالصا ولا شبه رئاسي بل هو بين هذا وذاك، يأخذ من كل نظام ببعض التقنيات وربما يؤدي هذا الاختيار الذي تم في النهاية في نفس الدستور، إلى تعطل السير الطبيعي للمؤسسات خاصة مع اقتراب المواعيد الانتخابية، فكل طرف سيسعى إلى الإعداد لهذه الانتخابات من الموقع الذي يحتلّه داخل جهاز الدولة. وما نشهده الآن في ظلّ التقسيم الحالي للسلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، يؤشر على أن التعايش لن يكون سهلا، فكيف يمكن الفصل بين السياسة الخارجية مثلا وبين السياسة العامة للدولة؟، لاحظوا السفرات الأخيرة لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني التأسيسي- هذه علاقات خارجية ويفترض أن تكون من اختصاص رئيس الجمهورية، ولكن كل طرف سافر إلى عاصمة معينة في نفس الإطار، فهل سيمكن التعايش؟ قد يمكن في الفترة الأولى ولكن من الصعب أن يتواصل هذا التعايش لمدة رئاسية كاملة، أو لمدة برلمانية كاملة. بالأكيد أن هذا الدستور- بهذا التوزيع في الاختصاصات بين كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لن يدوم كثيرا، فمن سيفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة سيسعى منذ البداية إلى تعديل الدستور، حتى يتمكن من ممارسة الاختصاصات التنفيذية كاملة. كان ربما من الأفضل وضع تصوّر أخر بعيدا عن هذه الحسابات السياسية والتوازنات التي جاءت بها الانتخابات الماضية، أو التي يتمّ الترتيب لها بمناسبة الانتخابات القادمة.. للأسف لم يقع مثل هذا، وللأسف أيضا هناك صراع على السلطة التنفيذية، فواقعة الكرّاس التي تمّت داخل لجنة السلطتين التشريعية والتنفيذية والعلاقات بينهما، تدل دلالة واضحة على وجود هذا الصراع  لاعتقاد المؤسسين اليوم أن مركز الثقل ليس السلطة التشريعية، ولكن في السلطة التنفيذية أي قصر قرطاج وقصر الحكومة بالقصبة.

.. لننتظر النتائج

س)-  ما هو تقييمكم لأداء حكومة المهدي جمعة؟

ج)- من السابق لأوانه تقييم أداء الحكومة الحالية، هي بدأت بالعمل لننتظر النتائج، وماذا ستحقق؟ وهل ستعمل بكل حياد من أجل تنظيم الانتخابات المنتظرة؟؟. ما قامت به إلى حدّ الآن هو في المجال الاقتصادي والمالي على وجه الخصوص، فقد قامت بتغييرات على رأس بعض الولايات والإدارات لم تحظى برضا الجميع، بل أثارت تحفظات عدد من الأطراف السياسية- المهم هو النتيجة، وربما من السابق لأوانه الحكم لها او عليها في هذا الظرف بالذّات.. هناك اختيارات ككل الاختيارات قابلة للنقاش ولكن لننتظر ماذا يمكن أن تقوم به الحكومة للإعداد للانتخابات القادمة.علما وأن بعض الاختيارات التي تمّ اتخاذها تتجاوز في الواقع المدة المفترضة لهذه الحكومة، كتلك المتعلقة بالاختيارات الإستراتيجية وبالدخول في حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، فكأنها مجموعة من الدلائل والمؤشرات التي تشير إلى أن هذه الحكومة ستبقى قائمة، أو أن هذه الاختيارات سوف تكون ملزمة للدولة التونسية بقطع النظر عن تغيّر الأغلبية وبقطع النظر عن النتائج المقبلة للانتخابات القادمة.

السياسة لم تعد ممكنة بالطرق التقليدية

س)- هل يعيقك الوقار الأكاديمي على الانخراط في السياسة السياسوية؟

قد لا يمثل الوقار الأكاديمي عائقا لا يمكن تجاوزه، نعم هو من قبيل العقبات التي تقف أمام الانخراط في العمل السياسي كما نراه اليوم، والسياسة لا يمكن أن تكون سياسوية كما كانت في السابق، ولا يمكن أن يقبلها المواطن التونسي بهذا الشكل.. يمكن أن تكون للعمل الأكاديمي فائدة وجدوى في العمل السياسي، أن يقدم بعض الحلول والمقترحات والتصوّرات، ولكن بالفعل يمكن أن يمثل نوعا من العقبة أو الحاجز في بعض الأحيان أمام العمل السياسي المعهود، وفي كل الأحوال السياسة لم تعد ممكنة بالطرق التقليدية. اليوم، تونس وعديد الدول الأخرى بل والعالم كله دخل مرحلة جديدة من التاريخ، ولم يعد من الممكن ممارسة العمل السياسي بنفس الشكل الذي كان قائما في الظروف الماضية، والأكاديمي يمكن أن يكون فاعلا، ولكن لا يمكن- بطبيعة الحال- إلاّ أن يضع في الاعتبار مكانه داخل الجامعة مع الطلبة.

    ليس لدينا في تونس سلط دينية..

س)- هل من مقارنة بين السلطة العلمية والسلطة الدينية؟.

ج)- الواقع لا توجد سلطة علمية، ربما هناك مناصب.. ولا وجود لأي طرف خاصة بمجال العلوم الإنسانية أن يعتبر نفسه سلطة، يمكن أن يكون مرجعا، يمكن أن يقع اللجوء إلى التصوّرات التي يقدّمها وإلى الأفكار التي يقترحها، ولكن ليس لأيّ كان أن ينصّب نفسه سلطة أو وصيا على الاختيارات، فكل الاختيارات في مجال العلوم الإنسانية قبلة للنقاش كما يقول «إربارت ماركوز»: اثنان زائد اثنين لا يساوي أربعة إذا كانت الوحدات الرياضية ذوات بشرية، المهم أن يكون من يمتلك علما معينا متواضعا يقبل أن يراجع نفسه «وما أتيتم ن العلم إلا قليلا». أذكر دائما أحد كبار الأساتذة الفرنسيين «جورج فدال» كيف كان يتواضع أمام الطلبة ويستمع إليهم باحترام ويتقبل بكل رحابة صدر تصوّراتهم ومقترحاتهم.. أذكر ذلك في سنة 1988 لما أتى إلى كلية الحقوق بسوسة وكان يتحادث مع الطلبة وكأنه واحد منهم، أذكر أيضا أستاذا آخر في القانون الدولي كيف قال ذات مرّة إنه ما زال يعتبر نفسه في المراحل الأولى من التعليم الابتدائي ,, للأسف كثيرون اليوم تغرّهم بعض الشهائد وكثيرون اليوم تغريهم المناصب، لا أحد بإمكانه اليوم أن ينصّب نفسه وصيّا أو يعتبر نفسه سلطة محصّنة لا يطالها القد والنقاش.

– لا أعتقد أيضا أنه توجد سلطة دينية، هناك نعم معرفة لبعض الجوانب الفقهية او العقائدية أوالجوانب الدينية بوجه عام، ولكن – الحمد لله – ليس ليس لدينا سلط  دينية على الأقل في تونس ، ربما هذا بالنسبة إلى بعض الفرق أو بالنسبة إلى ما هو موجود في ظل بعض المذاهب والحوزات والرتب العلمية، الأمر يتعلق بالعلم وليس بالسلطة، السلطة لله والحكم لله، ولا يمكن لمن عرف بأحكام الله، أن يعطي فتاوى أو يقدّم حلولا، و بالمحصلة لا وجود لسلطة دينية كما هو موجود في الديانة المسيحية.

انقلاب حدث فعلا في مصر

س)- كيف تقيمون تطور الأحداث في مصر وهل ستكون لها انعكاسات على تونس؟

بالنسبة لأحداث مصر كانت لها انعكاسات على تونس منذ الصائفة الماضية، ولا أعتقد أن ما تم من اختيارات لم يضع من قبلوا بها في الحساب الوضع في مصر، لكن للأسف بالرغم من قول البعض أن ما حدث في مصر ليس انقلابا، فمصر عرفت انقلابا والانقلاب مهما كانت مبرراته يبقى انقلابا، كان من الممكن أن تعلب المؤسسة العسكرية دورها دون أن تدخل في السياسة. ما حصل انقلاب وما حصل إثر الانقلاب من اعتقالات وملاحقات عاد بمصر ستّين سنة إلى الوراء فمصر ليست أية دولة، مصر لها مؤسسات عريقة ولها تاريخ، ويجب أن تلعب دورا رياديا من أجل بناء أنظمة ديمقراطية تستند إلى الإرادة الشعبية، قد يكون لهذا الانقلاب ما يبرّره عند البعض ولكن هذه التبريرات لا يمكن أن تكون مقبولة لأن الانقلاب مهما كانت مبرراته يبقى انقلابا، كنت أفضل أن تكون المؤسسة العسكرية حامية للدولة المصرية ولكن بعيدا عن السياسة.

حاوره : ناجي الرمادي         

غير مصنف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *