استهلت الدورة السابعة والعشرون لأيام قرطاج السينمائية عروض الصحافة الخاصة بالمسابقة الرسمية للأفلام الطويلة بفيلمي “أكسيون قائد” وهو وثائقي للمخرجة “نادين كلوت” من جنوب إفريقيا، و”اشتباك” للمخرج المصري “محمد دياب” الذي شارك في الدورة التاسعة والستين لمهرجان كان السينمائي ضمن قسم “نظرة ما”
يتقاطع الفيلمان عند موضوع الحراك الاجتماعي والنضال، ف”أكسيون قائد” وثائقي يتوقف عند سيرة “آشلي كريل” أحد رموز النضال في جنوب إفريقيا، ويستعرض الفيلم محطات من رحلة هذا الشاب وعلاقته بأمه وشقيقته ومريديه
مزج الفيلم بين لقطات من الأرشيف تصور جزء من الخطابات الحماسية ل”آشلي” الذي ينتمي إلى أسرة بسيطة من الطبقة العاملة، نجح في أن يكون “قائدا” مؤثرا وملهما للكثيرين في الثمانينات على الرغم من صغر سنه، نادى بالقضاء على العنصرية في جنوب إفريقيا وتزعم حملات كثيرة تنادي بالإفراج عن نيسلون مانديلا
كان “آشلي كريل” عنوانا رئيسيا في التحركات الشعبية للسود في جنوب إفريقيا في الثنمانينات، وقد أكدت “نادين كلوت” من خلال فيلمها “أكسيون قائد” أن “نيلسون مانديلا” لم يكن وحده في نضاله، وأن “آشلي” كان أحد القادة الذين ورثوا عنه النضال من أجل وحدة جنوب إفريقيا والقضاء على كل أشكال التمييز العنصري فيها
ولئن فتحت هذه المخرجة دفاتر الماضي لتوثق لبطولة لم تسجلها الذاكرة الجماعية ولا كتب التاريخ، فإن المخرج المصري “محمد دياب” ذهب في اتجاه آخر، فتح دفترا جديدا من التاريخ المصري المعاصر يعود إلى سنة 2013 وتحديدا مع المظاهرات التي عمت شوارع القاهرة عقب عزل الرئيس الإسلامي “محمد مرسي”… في مناخ حار يختار المخرج الاشتغال على “الويكلو” إذ تدور قصة الفيلم كاملا داخل سيارة لنقل المساجين أو “عربة الترحيلات” كما يسمونها في مصر، وعلى الرغم من أن هذا الفضاء ضاق بالشخصيات إلا أن المشاهد لا يشعر بالاختناق وهو يتابع حركة الكاميرا المحمولة التي لا تكاد تهدأ داخل السيارة، وهي أيضا عين الشخصيات التي نتابع من خلال الفتحات الصغيرة ما يجري في الخارج
في جو خانق بالمظاهرات يبدأ الفيلم بعراك بين الشرطة وصحافي ومصور ينتهي بإلقائهما داخل السيارة، ثم بعدد من النماذج التي رمت الحجر على السيارة، وينتهي الأمر بعدد من متظاهري “رابعة”… لوحة اجتماعية فيها الكثير من التلوينات: الطفل والشاب والمرأة والمراهق والمسن والعسكري أيضا… الإسلامي والثوري والمحايد الذي خرج بحثا عن ابنه… الكل محاصر داخل السيارة، تحدث المواجهات أولا بسبب الاختلاف، ثم تهدأ الأجواء قليلا عندما يستعيدون أحداث الثورة المصرية جانفي 2011… الثورة التي جمعت كل المصريين على اختلاف انتماءاتهم، وانقسموا في ما بعد بسبب هذه الانتماءات
على الرغم من القسوة، والاختلاف والانقسام شيء خفي يجمع هذه النماذج من المجتمع المصري: هم يحبون بعضهم، يبادرون بمساعدة بعضهم البعض، يدافعون عن بعضهم… هناك الكثير من الحب الفطري في هذا المجتمع المصغر يتفتت كلما حضرت السياسة في حديثهم
ينتهي الفيلم بتوقف السيارة في مكان مجهول، ووصول أحد الإسلاميين لإنقاذهم لكنه يعجز على تحطيم القفل فيقرر قيادة السيارة في اتجاه المظاهرات على الرغم من احتجاج الشق العسكري أو الثوري أو الحداثي خوفا على حياتهم إن وجدوا أنفسهم في يد الإسلاميين، ولكن السيارة تتوقف عند مظاهرة لأنصار “السيسي” التي تهجم على السيارة لا تفرق إسلاميا عن آخر… أصوات تنادي “إسلامية إسلامية”، وأخرى تغني “تسلم الأيادي”، صراخ وأصوات تستنجد وأخرى تتوعد… ونغرق في الظلام
يقول المخرج “محمد دياب” “كل من يشاهده وينتمي إلى فصيل سياسي معين سيرى أن الفيلم ظلم الفصيل الذي يدافع عنه، ولكن الفيلم يحمل رسالة إنسانية، ولا يتحيز لأي فصيل سياسي، وهذا ما حاولت إيصاله، فالفيلم يظهر مصر بعيدا عن أي انتماءات سياسية، لذلك اختلفت الآراء حوله، فالبعض يرى أنني أدافع عن وزارة الداخلية، والبعض الآخر يرى أنني متعاطف مع الإخوان المسلمين، وهناك من يرى أنني أدافع فقط عن ثوار 25 يناير، هذه الحالة كنت أتوقعها، ولكن من يفهم الفيلم جيدا سيرى أنني لا أتحدث في السياسة، ولكنني أتحدث عن الإنسانية والانقسام المجتمعي. الفيلم لا ينصر تيارا دون آخر، بل يفضح الهستيريا التي أصابت المجتمع، فقد تم العمل على مدار عام ونصف العام، حتى أبعده عن أي مشهد سياسي”