استغلال النجاح دون تخطيط يؤدي إلى التخبط في البناء الدرامي
نحن شعب متفائل يميل إلى الابتسام و إلى الضحط و بالتالي يتابع جل البرامج التي تحتوي على توفير الابتسامه و يتقبل في أحلك الظروف التهريج عندما يعجز كاتب الدراما على إيجاد المشاهد التي تدور في أجواء مبتهجة تنتزع الابتسامة من أعماق النفوس القانطة … و أمام قلة الانتاج في توفير أعمال هدفها الترفيه عن النفوس فإن من سجل نسبة من النجاح يبالغ في استغلال ذلك النجاح إلى أن أصبحت سلسلة من المغامرات الفاقدة للطرافة و بقي الاعتماد الوحيد على شهرة الممثلين و يظهر أن ” نسيبتي العزيزة ” تسير في نفس الاتجاه إذ اتضح في الجزء الثالث أن واضعي الأحداث اتجهوا إلى استغلال شهرة الممثلين التي لولاها لما وجدت التمثيلية أصلا أمام فقدان أي خيط لأحداث تتوالى و تخلق التشويق … و إلى حد الحلقة 15 اتضح أن صعوبة بناء السيناريو حوّل المواقف إلى مغامرات على طريقة ” طوم و جيري ” أي حبك المؤامرات بين” الفاهم “و” ببوشة ” و تأتي أحيانا بأسلوب لا يجلب الضحك أما الفقرة عن اقتحام الشخصيات الريفية فقد افتقدت الطرافة و جاءت ثقيلة خالية من الروح الريفية التلقائية بل غلب عليها الافتعال و التصنع … و تأتي مشاهد الهبال و المس بالجنون لتكشف عن فقر السيناريو و اظطرار المخرج إلى اللجوء إلى تلك المشاهد لأستكمال الحلقة بل و يظهر أن ” ببوشة ” ليس له أي دور مؤثر في الأحداث و أقحم ليصنع ثنائي ” طوم و جيري ” في نسج المؤامرات .
على كل يستند هذا الجزء الثالث على شهرة الممثلين الذين يعتمدون على الشخصيات الأصلية التي أقيمت عليها الفكرة العامة و شاهدنا أن غياب ” خميسة ” لم يؤثر على تطور الأحداث و لو غاب زوجها لما أثر على شيء !
و بدل استغلال النجاح كان في امكان المؤلفين ابتكار أفكار جديدة و إيجاد شخصيات طريفة تعوض ما استهلك منذ الجزء الثاني .
الاصرار على بذل المجهود الضائع
هناك مشاهد من العادات و التقاليد تبدو في أيامنا هذه نشازا و مع ذلك هناك اصرار و نوع من الرغبة في ممارستها مع شعور بالراحة و بالاعتزاز.
قبل بداية شهر رمضان و عند نهايته أعلنت جهات علمية عربية و اسلامية عن ظهور هلال رمضان و كذلك هلال شوال في أماكن دقيقة و في أوقات تعد بالثانية و هذه معلومات علمية معروفة و عادية في علم الفلك و النجوم لأن العلم حدد طرق تحرك النجوم و ميعاد ظهور الهلال لسنوات طويلة و لذلك يعمد أبناء البلدان الاسلامية إلى التذكير ببعض المعطيات نظرا لقدسية شهر رمضان عند المسلمين .
و في هذه السنة أعلنت إحدى الجهات المعنية بعلم الفلك أن شهر رمضان يكون بداية من الثلثاء 9 جويلية و لكن الجهات النافذة أصرت على أن تكون البداية يوم الاربعاء 10 جويلية رغم دقة المعلومات الأولى و صام المسلمون يوم الاربعاء 10 جويلية.
و في خصوص هلال شوال أكدت الجهات العلمية دقة أماكن و توقيت ظهور هلال شوال و استحالة مشاهدته في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط في بداية ليلة 7 أوت و التأكيد علميا على أن شهر شوال يبدأ يوم الخميس 8 أوت و مع ذلك و حسب العادات و التقاليد هبت فرق ” رصد الهلال ” في كل ولايات الجمهورية و بذلت مجهودات جبارة في البحث عن هلال أكد العلم أنه يستحيل رؤيته مساء الإربعاء أي أنها كانت تبحث عن شيء مفقود و في النهاية عادت بخفي حنين لأنه كان من المستحيل تحدي العلم و هذا نوع من المجهود الضائع و ما أكثره في البلدان النامية .
فترات الغموض… و اضطراب الأفكار
الانتاج الفكري يتطلب المناخ السليم لكي يتطور و يبرز… و ينهار عندما تحيط به علامات الشك و الغموض و التهديد إذ متى اخذ التفكير يسلك سبيلا محفوفا بالألغام إلا و اضطرب و خفت اشعاعه.
فبعد التحليق عاليا في عالم الانفتاح و فتح ابواب الحرية على مصارعها و بسرعة اخذت بوادر الانغلاق تلوح في الأفق الذي اخذ الاكفهرار يسطو على جوانب منه لأن ظهور مجموعات تبدي رفضها لألوان الاجتهاد الفكري و الثقافي شرعت في تنغيص صفاء عالم الابتكار و النمو الفني بأشكال بدائية رافضة قطعيا كل عمل جاد و حاولت فرض قوانين تعود إلى قرون الماضي الأسود التي سادت فيه فوضى حيوانية.
و من هنا عم الاضطراب عالم الفكر و الابتكار الفني و اخذ الصراع يحتد بين مجموعات رافضة لكل عمل انساني متفتح على رفاهية البشر و متسلطة بطرق هدامة خطيرة لا تستثني العنف الشديد سواء ضد البشر او ضد الممتلكات.
و مع الاسف لم تقع معالجة هذه الظاهرة بأسلوب حضاري بل هناك غض طرف يميل إلى شبهة المساندة و ترك الرافضين يعيثون فسادا في البلاد.
فوسط هذه الاجواء المتلبدة و الخانقة لكل اجتهاد بل المهددة للحياة و للأملاك وجد المثقف و المتعلم بصفة عامة نفسه وسط مأزق إذ عليه حسب مجموعات الجذب إلى الوراء الجلوس أمام حائط المبكى الجديد و التغذي بماضي القرون الغابرة.
رفض الاجتهاد و الابتكار و تطور الفكر ينجرّ عنه اضطراب فكري يعيق الانتاج و ظهور امال جديدة لأن الحرية تدفع إلى الخلق و الابتكار و الحرية وحدها كفيلة بالتطور و التجديد.
و لا عزاء لمن يحترم تطبيق القانون
مشهد لا أنساه عن أناس يحترمون تطبيق القانون و لا شيء غير القانون … ففي دورة مهرجان ” كان ” سنة 1985 دخلت قاعة تعرض أفلام السوق فشاهدت قرب باب الدخول ميشال بيكولي و بفضول الصحفي سألت العون على الباب عن سر وقوف الممثل الشهير فقال ليس له دعوة لدخول القاعة فهو ينتظر امكانية مجيئ مخرج الفيلم !!و كانت القاعة شبه خالية و استغربت حسب تفكير أهل جنوب المتوسط هذا الصنيع و تساءلت هل لا تكفي شهرة ميشال بيكولي لكي تفتح أمامه أبواب قاعة السينما ؟ و كانت الإجابة القانون يفرض على أي متفرج أن تكون له بطاقة المهرجان حتى لو كان من نجوم الفن !
و في سنة 1991 جاء عون الحراسة في مهرجان قرطاج الدولي ليقول للمدير أنه رفض دخول شخص يقول بأنه وزير (…..) و معه مجموعة من الأشخاص لعدم وجود التذاكر الكافية …و في صباح اليوم الموالي اتصل وزير الثقافة و كان من الناشطين في لجان الدفاع عن حقوق الانسان بمدير مهرجان و هو المرحوم حسن بوزريبة ليؤنبه على عدم السماح لزميله الوزير دخول المسرح الأثري و طلب فتح الأبواب على مصرعيها امام المسؤولين في الدولة !
تذكرت موقف الممثل الفرنسي ” ميشال بيكولي ” في مهرجان ” كان ” و موقف وزير (…..) في مهرجان قرطاج الدولي و ما وقع مساء الخميس 18 جويليا أمام المسرح الأثري و لا عزاء لمن يحترم القانون لأن ما تكتبه الدساتير يبقى حبرا على ورق طالما أن الأذهان لا تتطور …