استضاف برنامج “L’Expert ” في حلقته الثامنة عشر من الموسم الخامس الذي يبث على قناة ” تونسنا ” مجموعة من الخبراء والمستشارين والفاعلين الاقتصاديين للحديث عن اخر المستجدات في عالم المال والاعمال وعن العديد من الملفات الحارقة وفيما يلي نص الحوار:
السيد نجيب حشانة: سفير سابق
اريد في البداية وضع الموضوع المتعلق بالتحول العميق الذي طرأ على مستوى العلاقات الدولية، ففي سنوات الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات كان هناك نظام عالمي قائم على العلاقات متعددة الأطراف والمتمثلة في منظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي وقد نجح نسبيا في إدارة الصراعات وفي إدارة الاستقرار والأمن بصفة عامة ونسبيا على المستوى الدولي.
ونقطة التحول بدأت مع الحرب على الكويت والحربين على العراق ثم ضرب البرجيين بنيويورك، فمنذ ذلك الوقت تغيّر المنطق خاصة من جهة الولايات المتحدة الامريكية وأصبح النظام العالمي الجديد الذي أصبحت تقوده الولايات المتحدة الامريكية قائم على مبدأ القوة وعناصرها القوة العسكرية والقوة المالية الاقتصادية والقوة العلمية.
فالنظام العالمي قائم على القانون الدولي والشرعية الدولية مصدرها القانون الدولي وتدار بما يسمى العلاقات المتعددة الأطراف الذي ادار بنجاح نسبي كل مشاكل المعمورة وبعد تحرير الكويت والحربين على العراق والهجمة على أمريكا تغيرت المفاهيم وأصبح الذي يقود النظام العالمي هو القوة العسكرية وخاصة منذ مجيء الرئيس الحالي لأمريكا الذي يحاول مع ادارته العميقة تهميش وحتى محو كلمة الشرعية الدولية والقانون الدولي وبالنسبة له يوجد حساب وهو المردود والتكلفة وأصبح سلاحه العقوبات الفردية الانتقائية فإذا كان لإيران مثلا سياسة المثابرة والإصرار وإذا كانت لتركيا سياسة المساومة وإذا كانت لروسيا سياسة الانتهازية فان السياسة الامريكية الحالية هي العصا و الزجر بحيث ان هذا النظام اثّر عن الوضع الإقليمي ومنه الوضع الذي تعيشه المنطقة المتوسطية فأصبح الصراع عنيفا ومازالت تزداد درجة التوتر والصراعات في الحوض الأبيض المتوسط الذي تنتمي اليه بلادنا ب1300 كم سواحل وجيراننا شرقا وغربا في المتوسط ليبيا والجزائر.
فمنذ سنة 2009 الى سنة 2011 وهي الفترة التي حدثت فيها اكشافات هائلة من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط يعني على سواحل فلسطين المحتلة ولبنان وقبرص ثم في سنة 2015 تم اكتشاف “حقل زهر” الذي لم يتم اكتشاف حقل غاز طبيعي بأهميته والذي به 845 مليار متر مكعب على السواحل المصرية ثم هناك قبرص وهذا ما اثار مطامع الداخل والخارج ناهيك ان المنظمة الدولية للطاقة تقول ان نصف احتياطي النفط تم استهلاكه وثلث احتياطي الغاز الطبيعي المؤكد تم استهلاكه زيادة على ثلاثة ارباع حاجيات أوروبا من استهلاك الغاز وسترتفع من الان الى سنة 2030 ما بين 70 و80 بالمائة فالرهان هنا كبير جدا وأصبح هنا تنافس بين الدول وأصبحت هناك عملية فرز كبيرة في منطقة المتوسط على غرار عملية الفرز في الشرق الأوسط ونتمنى هنا ان لا يحدث الفرز في منطقة المتوسط طبق الأصل لعملية الفرز في الشرق الأوسط بشرقه وغربه والذي يحدث الان بليبيا لا يبشّر بالخير.
وللأمانة هنا، اريد القول ان مؤتمر برلين انعقد سابقا لأول مرة بدعوة من المستشار الألماني بيز مارك وبمعيّة الوزير الأول جون فيري في نوفمبر 1884 الى غاية فيفري 1885 وانبثق عليه ثلاث توصيات الأولى تتمثل في حرية الاستعمال من طرف أوروبا وخاصة المانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال وإيطاليا نهر الكونغو والنيجر لنقل البضائع وثانيا إعطاء الكونغو استقلالها تحت الوصاية البلجيكية وثالثا التوزيع بين الدول الأوروبية لدول افريقيا وثرواتها و التوزيع الذي حدث في السابق وأقولها هنا على مسؤوليتي ان نفس السيناريو ارادته المانيا بعدما وقع تهميشها وتهميش أوروبا في الصراع الحالي الموجود في الحوض المتوسط وتريد المانيا نفسها ان تقع حمايتها لأنها تريد أولا ان تأخذ نصيبها من الثروة الغازية والطاقية ولديها خوف كبير آخر فإذا استمر الوضع على ما هو عليه في ليبيا فالكل سيصبح كما حدث في سوريا من الهجرة وهذا الامر اهلك سياسيا المستشارة الألمانية الحالية.
وأريد التذكير هنا انه أكدنا سابقا على الديبلوماسية التونسية ان تتسلح بالدراسات الجيوسياسية والجيواقتصادية والجيوجغرافية و لكن للأسف هذا لم يحدث وتأخرنا عن الركب فالجميع يعمل ولديه رؤية وأهداف ومشاريع ونحن اكتفينا بالفرجة وربما الوضع الذي عاشته تونس أضاع علينا البوصلة فأرى هنا أنه من الصعوبة بمكان بأن تلتحق تونس في خضم الصراعات التي بدأت تظهر علنا على الساحة فماذا يمكن لتونس ان تفعل هنا في ظل الوضع الاقتصادي الدقيق؟ وهنا أؤكد ان الوقت ليس وقت الحياد و الفرجة عن بعد وإنما هو وقت المصالح والبراغماتية.
وهنا اريد التأكيد على ضرورة اتباع سياسة ذكية فيها الخفي وفيها المعلن نتيجة انه يوجد غرب ليبيا الملغوم ولكن هذا لا يمنع من ان نربط العلاقة مع الشق الاخر حتى تكون هناك نوع من المعادلة فلا يمكن ان تقع في محور دون الاخر لان محور غرب ليبيا وراءه دول أخرى ونفس الشيء بالنسبة للمحور الشرقي فلابد من ان تكون هناك سياسة معتدلة ويوجد مصالح براغماتية لان الأرقام ومصالحها خاصة في الوضع الاقتصادي الذي نحن فيه ونعرف ماذا تمثل ليبيا كسوق في عديد الاختصاصات كسوق فعلينا ان ننتهج سياسة ذكية براغماتية.
وهنا اريد الإشارة الى انه لا يوجد تنسيق بأتم معنى الكلمة بين دول الجوار وهذا هو الامر الذي يخيفني شخصيا فالخسارة هنا ليست خسارة اقتصادية وإنما خسارة سياسية بعدم انجاز اتحاد المغرب العربي وهنا تكمن الكارثة فإذا كان لدينا اتحاد مغرب ناضج وقوي لكان هناك تنسيق كلي ومفيد لكل الأطراف المغاربية.
وهنا اريد الإشارة الى اننا لم نعرف كيف نتعامل مع الجزائر وكيف ندخل الى السوق الجزائرية ففي السابق كنا في برنامج اتفاق تبادل حر ولكن حدثت مشكلة كبيرة الغت هذه الاتفاقية من الجانب الجزائري ودخلنا في نقاشات مملة خاصة باتفاق تجاري جديد لكن بصعوبات جمّة وأصبحت الجزائر متحفظة في منح أي امتياز لتونس فالجزائر غير مستعدة في الوقت الحالي لفتح حدودها نتيجة ما مرت به من إرهاب عنيف فهي لا تقبل التساهل في الإجراءات الأمنية الحدودية.
ويجدر التوضيح هنا، ان الانزلاق الذي حدث في منطقة الشرق الأوسط أدى الى وجود كتلة تقودها ايران باسم الممانعة والإسلام الشيعي وما تبعها وكتلة تقودها مصر بما يسمى الإسلام السني ولكن اخذت تركيا الكفة عنها وصار الناس يؤمنون بهذا المحور ويتبعونه باعتباره محور معتدل ويتعامل فيه في مسالة القضية الفلسطينية والممانعة تقول يكفي تضييعا للوقت ولابد هنا من المقاومة ونفس الشيء حدث في المتوسط الذي يوجد به محور تقوده مصر وإسرائيل وقبرص وأثينا ولدينا محور اخر به تركيا وقطر ومعهم إيطاليا وكل محور اخذ جزءا من ليبيا فحفتر مع محور السعودية ومصر وحكومة السراج مع المحور التركي الإيطالي.