جريدة الخبير

علاقة النهضة بالتجمّع : أحبها وتحبنى وتحب ناقتها بعيري

BEJIGHANOUCHI

«التوافق على الحدّ الأدنى الممكن من الحقّ خير من التقاتل على الحد الأقصى منه» علي العريض رئيس الحكومة المستقيلة بعد السقوط المدوي لدولة الإخوان في مصر استشعر قادة النهضة صقورها و حمائمها بحسّ أمني مكتسب من تجارب التسعينات أن المصير نفسه قد يكون بانتظارهم, مما فرض على مجلس      شورى الحركة التعامل مع  الواقع  بنظرة و عقلية جديدة و فكر آخر مخالف  للنهج المرسوم لسياستها  و  من هناك  بدأت التنازلات تتالى و غابت لغة  الشرعية و ا لدفاع عنها مستنيرينا بفكر الشيخ و حنكته السياسية مقتنعين بأن السياسة ليست»بوس عمك-بوس  خوك»واتسعت دائرة المتفهمين للسياسة الجديدة للنهضة و المشجعين عليها خصوصا بعد فشل حكومتي الحركة الأولى و الثانية في قيادة المرحلة اقتصاديا وأمنيا وسياسيا .فبعد القبول  بالحوار مع الخصوم السياسيين ثم الموافقة على مبادرة الرباعي الراعي للحوار تلاها الالتزام  بخارطة الطريق المنبثقة عنه،مدت الحركة يدها إلى النداء وجلس الغنوشي إلى السبسي مثنيا على خصاله متغزّلا بوطنية  ثم أخيرا إسقاطها للعزل السياسي في القانون الانتخابي الجديد وهو ما يعني ضمنيا القبول  بعودة المنظومة القديمة التي أسقطها الشعب إلى الحكم بما تمتلكه من دعم إعلامي عمومي وخاص وأموال هائلة منهوبة و موهوبة و دولة عميقة ينخرها الفساد و تحن إليه وطبقة سياسية  انتهازية و عداء أعمى للثورة و الثوار،أي باختصار أن النهضة ارتمت في أحضان التجمع المنحل برضاها ودون غصب،متعللة بسد الطريق أمام كل القوى  المعادية للانتخابات و الديمقراطية داخل أجهزة الدولة العميقة بكل أذرعها النقابية و الأمنية و القضائية حتى لا يشوّشوا على المسار الديمقراطي بإثارة  الفوضى المدعمة بحماية داخلية و إقليمية و دولية حيث ستكون هذه القوى في مواجهة مباشرة مع الشعب عبر استدراجها إلى صناديق الاقتراع وحينها سيقصيها المواطن بعدم التصويت لها على اعتبار ماضيها ،غير أن هذا المعطى يبقى غير مقنع لشريحة كبيرة من المتابعين للشأن السياسي بتونس  إذ يبدو أن الأقرب للواقع  أن النهضة بعد أن خسرت السلفية بجميع أطيافها و مكوناتها التي كانت تدخرها كرصيد انتخابي معتبر حولت مشروعها الإستقطابي إلى القاعدة التجميعية الهامة كتعويض عما فقدته من أنصار و متعاطفين معها زد عليه القبول                                                   بمبدأ الواقعية السياسية حيث أن الكثير ممن أعتمد عليهم بن علي لم يحملوا بطاقة التجمع أصلا وهم متوزعون بين رجال أعمال وإعلاميين و حقوقيين و فاعلين سياسيين مما يجعل استقطابهم للحركة أو التحالف معهم أمر له ما بعده حتى تقطع الطريق  على خصومها السياسيين و الأديولوجين من منطلق» الماء إلي ماشي للسدرة الزيتونة أولى بيه»وهذا ما زاد في القناعة لدى الشعب بأن  أغلب  السياسيين   يفضلون تنفيذ أجنداتهم الشخصية و الحزبية على حساب المصلحة  الوطنية،مما ولد خيبة الأمل لدى كل المواطنين بعد أن تبخرت الشعارات التي رفعوها و أولها القطع مع الماضي ورموزه،وبعد أن انحرفت الثورة عن مسارها  وخضعت إلى المزايدات الداخلية وارتهنت لقرارات القوى  الخارجية وبعد أن سقطت تحت وصاية الدول العظمى و  مراكز المال و المؤسسات المقرضة كان طبيعي أن تفقد الدولة استقلال قرارها السياسي.

إن القرارات الأخيرة المنبثقة عن مجلس شورى النهضة و كل التنازلات التي قدمتها الحركة ولأن فسرها البعض بالدهاء السياسي و البعض الآخر بالانحناء أمام العاصفة حتى تمر فإن التفسير الأقرب للواقع أن النهضة فشلت فشلا ذريعا في قيادة البلاد إلى وضع أفضل مما كان زمن الاستبداد ودخولها في التجاذبات و المناكفات السياسية وانخراطها في الصراعات الحزبية كان عاملا قويا في استعادة  المنظومة القديمة لأنفاسها واستعدادها للعودة إلى المشهد السياسي بعد أن أصبحت النهضة مدخلا و بوابة لعودة الاستبداد واسترجاع الدولة التسلطية بنفس الآليات القديمة التي ستعيد لنا الديكتاتورية

 الشادلي الهمامي

index
غير مصنف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *