جريدة الخبير

عائدات قياسية بقيمة حوالي 1500 مليون دينار لصادرات زيت الزيتون

Capture d’écran 2015-08-28 à 10.36.37

حوار مع السيد «عبد اللطيف غديرة» الرئيس المدير العام للديوان الوطني للزيت

ارتفعت عائدات صادرات تونس من زيت الزيتون حيث بلغت ما بين شهري نوفمبر 2014 وموفى جوان 2015 حوالي 242 ألف طنّ موفرة عائدات قياسية بقيمة حوالي 1500 مليون دينار حسب ما أعلنته وزارة الفلاحة، وقد انعكس هذا الانتعاش في الميزان التجاري الغذائي إيجابا على نسبة تغطية الواردات بالصادرات. إذن فعائدات تصدير زيت الزيتون حققت رقما قياسيا وساهمت في انتعاشة الميزان التّجاري لتصل جملة العائدات رقما خياليا لم يكن في الحسبان و قد ساهمت بالتالي في انتعاشة الميزان التجاري في ظل تراجع بعض المؤشرات الاقتصادية الأخرى.
وهذا الارتفاع في صادرات زيت الزيتون بتونس جاء نتيجة تضرّر انتاج هذه السنة لبعض الدول المتصدّرة لعرش الأسواق العالمية في تصدير زيت الزيتون جرّاء عوامل مناخية ووبائية.
وفي سياق هذا الحديث الهام طرحت جريدة “الخبير” بعض الأسئلة و حاولت الغوص في غمار هذا القطاع مع الرئيس المدير العام للديوان الوطني للزيت السيد “عبد اللطيف غديرة” الذي تفضّل وأجابنا بكل رحابة صدر عن أسئلتنا.

حققت صادرات تونس من الزيت الزيتون هذا العام رقما قياسيّا، ما هي الأسباب؟ وما هو الفرق بين إنتاج هذه السنة من زيت الزيتون وإنتاج السنة الماضية؟

بالفعل أنّ إنتاجنا قد حقّق رقم قياسي هذا الموسم بنسبة إنتاج تقارب 300 ألف طن وبالتحديد 295 ألف طن مقارنة بمعدل انتاج تونس الذي يقع في حدود 170 ألف طن. فهذه السنة هي سنة الانتاج ونحن نستهلك بمعدل 40 ألف طن وتونس هي اكثر بلد منتج لزيت الزيتون للتصدير.

قطاع زيت الزيتون هو قطاع مصدّر 100% في كل سنة وتصدير زيت الزيتون يبقى مرتبط بانتاجنا ليس كـأن تنتج 300 ألف طن وتصدّر 266 ألف طن كما تنتج 70 ألف طن وتصدر منهم 30 ألف طن فقط مثل السنة الماضية إلاّ أنّ في هذه السنة فإنّ الانتاج العالمي لزيت الزيتون شهد نقصا في حدود 27% وهذا يعني أن البلدان المنتجة والمنافسة لم تقم بالانتاج لهذه السنة كاسبانيا، فنحن ثاني أكبر منتج بعد الاتحاد الاوروبي كاسبانيا وايطاليا واليونان ثمّ تاتي تونس. بلدان الاتحاد الاوروبي لم تقم بالانتاج نظرا للنقص الذي شهدته على مستوى الانتاج العالمي. إلاّ انّ الموازنة تقول ان البلد الذي انتج كثيرا هي تونس والسوق العالمية تفتقد لزيت الزيتون لذا فهذان العاملان منحا لتونس هذه السنة الفرصة حيث عرفت كيف تستغل هذا المعطى.

 

ما هي نتائج أو عائدات هذا النجاح على السوق المحلية والسوق العالمية؟

لقد توفّقنا في السوق العالمية لبيع زيتنا وتوفّقنا في جانب آخر بفتح أسواق جديدة لأنّ الاسواق التي تُنتج وتُصدّر للاسواق البعيدة عجزت هذه السنة على الانتاج وهذا ما مكّننا من كسب هذه الاسواق واكتساب اسواق جديدة وفتحها حيث أصبح زيت الزيتون التونسي معروف على عكس ما جرت عليه العادة بجهله لأنّ تصديرنا أكثره خام وليس معلّب تقريبا في حدود 80% خام و 20% معلّب.

والمقصود بكلمة خام هو ان تاخذه شركات أجنبية ويقع خلطه بزيتهم ويقع اخراجه بعلامتهم. فعند شراء قارورة زيت في اوروبا تجد نوعها اسبانيّا او ايطاليّا فهي تتضمّن على الاقل الربع تونسي وهذا لاخذ القيمة المضافة. بينما هذه السنة فإنّ الظاهرة قد انخفضت لأنّ كلّ الشركات أصبحت تعلم أنّ زيت الزيتون التونسي موجود كما عرفت أنّ زيت الزيتون التونسي من نوادر الزيوت التي تحتوي في معدّلها أكثر من 70% زيت بكر ممتاز أي من أجود الأنواع بفضل برنامج التاهيل حيث أنّ زيوتنا ذات نوعية طيبة ويقع استعمالها لتحسين الزيوت الاخرى.

أما بالنسبة للسوق المحلية فإنّ المعادلة صعبة لانه “سوق حرب” فمثلا في الوقت الحاضر زيت الزيتون للتصدير يباع خام وليس معلّب في حدود 6،5د فكيف يمكن لتعامل مع المستهلك التونسي فإذا قرّرنا كديوان وطني للزيت أن نبيع الزيت للمستهلك بثمن 6د فقط فسوف يقع التصرف فيه من خلال شرائه ثم بيعه وتصديره لأنه سوق حر فيصبح المستهلك من فئة لمصدّرين. ولقد تأثر المستهلك التونسي بسعر زيت الزيتون مقارنة بالسنة الفارطة لأنه في تلك السنة كان الانتاج 75 ألف طن فقط ولم نقم بالبيع في الخارج الا حوالي 25 أو 30 ألف طن حيث وجد المستهلك التونسي السعر أقل وذلك لان السوق العالمية لم يكن فيها طلب فالانتاج وفير إذا فان السعر ينخفض، لكن هذه السنة كان العكس. ورغم ذلك فقد قام الديوان الوطني للزيت بمبادرة جدّ استثنائية وذلك في شهر رمضان من خلال توفير علب للزيت بسعة 6 لترات ب 32د فقط للعائلات ووضعت عليه عبارة “من المنتج إلى المستهلك” وبيعت بنقاط بيع معيّنة شريطة أن لا يأخذ المستهلك أكثر من 10 لترات كي نتفادى ظاهرة الشراء للبيع وليس للاستهلاك ودخول الوسطاء. إن زيت المستهلك التونسي ب6د فقط بينما زيت التصدير ب8،5د أو 9د.

 

هل تتوقّع تواصلا لنسق الصادرات لزيت الزيتون إلى نهاية السنة؟

لقد سبق وأن ذكرنا أننا قمنا بانتاج 295 ألف طن وقمنا بتصدير 242 ألف طن فكانت العائدات 1500 مليون دينار.

الاستهلاك التونسي في حدود 40 ألف طن فيكون المجموع 282 ألف طن فالمتبقّي لا يتجاوز في كل الحالات 15 ألف طن وهي أيضا قابلة للتصدير وقد توجد هذه الكمية عند المعاصر أو بديوان الزيت.

إن الهدف من البيع هو معلّب لكن يجب أن يباع الزيت في السنة التي أنتج فيها لأنه إذا بقي للسنة التي تليها ينخفض سعره.

ولقد وصلنا إلى الآن بنسبة 20 % من بيع الزيت المعلب دون أن ننسى أنه في بيع الزيت المعلب هناك قيمة مضافة فمعدّل الخام 6،5د بينما معدل المعلّب 8،5د ونحن نشجع على بيعه معلّبا كما نحاول النهوض بقطاع التعليب لكن دائما يكون بيعه خام أفضل من اتلافه لعدم ضمان سوق الزيت المعلّب.

النهوض بقطاع التعليب يكون من خلال صندوق وطني للنهوض بزيت الزيتون المعلب. هذا الصندوق يتمثّل في أنّ كل 1كغ من الزيت المصدر هناك 0،5 من عائداته تدخل هذا الصندوق.

أمّا عن المحافظة على هذا النسق فذلك يكون من خلال الاعتناء بالأطراف المتداخلة في قطاع زيت الزيتون من انتاج وتحويل وتصدير في إطار منظومة متكاملة لضمان امكانية المواصلة وفرض القطاع لنفسه بنفسه، فإذا أنتج قطاع الزيت والقطاع الفلاحي بصفة عامة هذه المرابيح والنتائج الايجابية ثم يقع تجاهله فذلك سوف يحدّ من تواصل نسقه بل ويساهم في تراجعه.

إنّها منظومة متكاملة لابدّ لها من التناسق بداية من إعانة الفلاح حتى يرتبط الانتاج بالتصدير وما يزال لدينا المجال لأننا ثاني منتج في العالم وللبقاء على هذا المستوى لابدّ من التكثيف في الانتاج والتحسين في النوعية ومعرفة الزمان والمكان اللازمان للبيع والتحسين في التعليب وكيفية تصديره فسوق قطاع زيت الزيتون لابدّ له من دراسة مفصّلة كالتي قمنا بها كديوان وطني للزيت وكلّفتنا الكثير فربحنا الأكثر.

نحن في تونس لنا قرابة 80 مليون شجرة زيتون وتقريبا 300 ألف فلاح لكن تنقصنا الكيفية ف80 مليون شجرة التي تنتج 160 ألف طن فقط لابدّ من تحسين انتاجيتها لتصل الى 300 ألف طن ولا يكون ذلك إلاّ بتظافر الجهود لانجاح القطاع وتوفّر الانتاجية للمنافسة بكلّ ثقة.

 

نظرا لكون هذا النجاح ظرفي، كيف يمكن تحويله إلى نجاح هيكلي (أي نجاح كمّا وكيفا)؟

لقد تطرّقنا الى مرحلة التصدير التي هي آخر حلقة من حلقات زيت الزيتون، فهي سلسلة تبدأ من المشتلة والفلاح والمعصرة وتأهيل المعصرة والسّقوي ومداواة … إذا هي سلسلة متكاملة ومترابطة.

لقد اتضح لنا اليوم أن قطاع زيت الزيتون لا يتأثر بارهاب ولا بسياسة فمن زرع زيتونة يتحصل على الزيت فلابدّ للدولة إيلاءه الاهمية الكبرى قبل قطاعي الصناعة والسياحة باعتبار الفلاحة سيادة وطنية وركيزة أساسية في الدولة فكل الدول الاجنبية تدعّم فلاحتها كفرنسا ب25% وأمريكا ب34% لذلك فكل ما تورّده تقوم من خلاله بدعم الفلاحة، فما هو الاجدر: أن أقوم بدعم الفلاح التونسي أو أشتري منه الانتاج لدعم الفلاح الاجنبي؟ هنا يكمن الاشكال. مع العلم أيضا ان ضرب السياحة في نقص مليوني سائح من ضرب الفلاحة.

صحيح أن الدولة أعطت امتيازات لقطاع السياحة لاعادة النهوض به إلاّ أن وكالة النهوض بالفلاحة تتضمن ميزانية دعم في حدود 90 مليار فلها كل سنة 700 أو 800 ألف دينار للنهوض بهذا القطاع. إن الديوان الوطني للزيت يملك سنويا 500 مليار يضع منها 1 بالمائة للنهوض بالقطاع. في حين قطاع السياحة تقوم ب 300 مليار وتقول أنها وضعت 180 مليون في ليلة واحدة للنهوض بالقطاع فلابدّ له من نتيجة إيجابية وحتمية.

فالدولة قد قامت بمعالجة السياحة ولكن أول من يتضرّر بعد السياحة من عدم قدوم السياح هو قطاع الفلاحة لأنّ الفلاحة تقوم بانتاج كمية موجهة للسياح كالدجاج والبيض وبرمجة الانتاج التي قام بها السيد “فتحي بن خليفة” على أساس توفير الانتاج من دواجن للقطاع السياحي الذي بُرمج فيه 4 مليون سائح وبثياب السياح يصبح لديه فائض في الانتاج يضرّ بالفلاحة لذا وجب اليوم كما أخذنا آليّات لمعالجة قطاع السياحة لعدم قدوم السياح فإن ثاني قطاع لمعالجته هو القطاع الفلاحي الذي ينتج للقطاع السياحي فإذا لا يقع معالجته فسنقده السنة المقبلة لأنه يواجه صعوبات في عدم وجود أسواق لبيع المنتوج الموجه للسياح فليبيا مغلقة ولا وجود لاقبال السياح ممّا يؤدّي الى رفض الفلاح للانتاج. فكما نلاحظ هي سلسلة متكاملة ومترابطة في تدهور مستمر. لذا لابد من دعم الفلاحة إذ أنها أثبت وجودها بادخال 1500 مليار لميزانية الدولة من تصدير الزيت فلابدّ من جعل قسط منه للفلاحة لتنهض بنفسها.

وحسب تجربتي الكبيرة والواسعة في هذا المجال أقول أنه للنهوض بقطاع الزيت فإنّ الحل الوحيد هو تنظيم أنفسنا كمنظومة متسلسلة لأن المتدخّل في هذا القطاع

هو ديوان الزيت ومكتب إدارة الزياتين بوزارة الفلاحة ووكالة الارشاد والادارة العامة للحماية ووزارة التجارة والديوان وإدارة النهوض بالتعليب التابع لوزارة الصناعة والمهتم بالنهوض بالتعليب كذلك المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وكذلك متدخلين خواص مثل “كونكت”.

وإذا أردنا رؤية هذا القطاع ضمن إطار منظومة شاملة لابدّ من مراجعته حيث تتكاتف هذه المجموعة وتضبط سياسات للدولة وتنفذها، لكن عندما لا توضع في إطار تشاوري لأن الخواص تقوم بالتصدير والفلاح يقوم بالزراعة والدولة تقوم بالدعم وضبط السياسات والحماية ودون ذلك لا يمكن النهوض بهذا القطاع ولقد سبق أن طلب رئيس الحكومة في شهر فيفري الفارط لكونه متضلّع في هذا المجال بتقديم ملف بمنظومة متكاملة يتضمّن الاجراءات اللاّزمة للنهوض بالقطاع، فإذا طالبت الفلاحة مثلا بالتكثيف من زراعة الزياتين في الشمال فذلك يستوجب تدخّل اتحاد الفلاّحين ووزارة الفلاحة وإذا طالبنا بتأهيل المعاصر فلابدّ من تدخّل وزارة الصناعة فنستنتج من ذلك وجوب تكاتف الجهود والنتائج هي التي تُجبرنا على العمل منظومة للنهوض بالقطاع. ونحن فعلا نعمل ضمن منظومة لكن بشكل صوريّ وليس فعليّ أو مقنّن، فذلك هو الذي يدعم تواصلنا وتقدّمنا بالقطاع. إنّ المبادرات موجودة لكن لابد من الالتفاف حول القطاع دون نسيان قطاع البنوك لكونها المموّل الذي بدوره يتّخذ اجراءات لتفادي الصعوبات. لكن لابد لهذه البنوك من مراعاة قطاع زيت الزيتون خاصة وأنّه أثبت أنه قطاع يُعتمد عليه كما هو الحال هذه السنة لأن 1500 مليار عائدات التصدير تدخل كلها للبنوك إذا فقد ربحت البنوك مرتين في شراء الزيت من المعاصر وفي بيعه بالخارج. ونظرا لهذه الارباح وجب على البنوك الالتفاف مع القطاع الفلاحي من التسهيلات ومحاولة تشجيع الفلاح ومساندته ومحاولة إعادة جدولة ديون الفلاحين أو عن طريق صندوق “الجوائح” أو عن طريق نظم التأمين الخاصة.

إن قطاع زيت الزيتون اليوم قد عبّر عن وجوده من خلال امكانيّاته المتعدّدة وفرض نفسه لذا يجب عليه اغتنام هذه الفرصة كي لا تكون سنة استثنائية بل تكون نقطة انطلاق إذ يمكن الاعتماد على هذا القطاع من خلال الاشتغال عليه والتنسيق بين مختلف الأطراف هذا هو الدّور الذي لابدّ منه لفتح أسواقنا بالخارج.

 

مع العلم أنّنا حقّقنا رقما قياسيّا في صادرات زيت الزيتون إلاّ أنّ الأرباح لم تكن في المتناول مقارنة بالكمية المصدّرة، ما هي الأسباب؟

هذا خطأ وغير صحيح، وللصواب فإن هناك مساحة تجارية كبرى تضع زيوت للبيع مع الزيت الزيتون التونسي وفيه تخفيضات وذلك ليس لأن الزيت به ضرر بل لأن هذه المساحات التجارية تقوم ببعض التخفيضات في بعض المناسبات الخاصة بها.

إن تونس هي أكبر مصدر منذ القدم، ففي القانون التونسي كل لتر زيت يقع تصديره لا يكون إلاّ اثر تحليله من طرف الديوان الوطني للزيت عن طريق ال

OFETEC

التابعة لوزارة التجارة تلك التي تعطي المصادقة على التصدير، فعند تصدير منتجات فلاحية فإنّ الديوانة تشترط شهادة في جودة المنتوج كي تتم عملية التصدير.

وأنا كمسؤول عن الديوان الوطني للزيت على دراية وعلم كافيان بخصوص الزيت الموجه للتصدير، فكل قطرة من الزيت المصدّر ذات جودة وتستجيب للمعايير المطلوبة وذلك للحفاظ على قطاع الزيت.

وبخصوص الاستجابة الى المعايير فإن زيت الزيتون مصنّف لأنواع فهناك زيت الزيتون البكر الممتاز وزيت الزيتون البكر وزيت الزيتون الوقّاد. فمثلا زيت الزيتون البكر الممتاز يستجيب الى معايير مصادق عليها بالمجلس الدولي للزيت الذي يَفرِض أن تكون حموضة الزيت أقل من 0،8 بالمائة ولدينا بالديوان أخصائيّين في عملية التذوّق للتأكّد من جودته بالاضافة الى القيام بتحاليل أخرى ما يقارب 20 تحليلا للتصريح بأن هذا الزيت من البكر الممتاز.

فتونس في شهر جوان وحسب التقرير الذي قمت به فإنّ الزيت البكر الممتاز المصدّر بنسبة 70% والبكر 2 % والوقّاد 28%.

وبالرجوع الى التاريخ فإنّ تونس هي “مطمورة روما” لأن الانتاج منذ القدم كان يتوجّه الى أوروبا خصوصا ايطاليا، وتونس معروفة بتصديرها لزيت الزيتون منذ عصور إذ أنّ أقدم زيتونة في تونس عمرها 3 آلاف سنة. زيت الزيتون كان يصدّر دائما خاما في البواخر في اتجاه مالطة وايطاليا وتأخذه تلك البلدان لتخلطه بزيتها الذي هو أقل جودة من الزيت الزيتون التونسي وإعادة بيعه معلّب يحمل علامتها لا العلامة التونسية. وأصبحت تونس تبيع الزيت باسمها منذ حوالي 15 سنة أي حيث أصبح زيتنا ومعلّب أيضا. ونحن التونسيّين اعتدنا على طريقة تخزين المؤونة من الزيت لننتقل الى مسألة التعليب حيث بدأت شركات خواص ومعهم الديوان الوطني للزيت من الاشتغال على منظومة التعليب فانتقلنا من صفر معلّب لنصدّر ما يفوق 20 ألف طن زيت زيتون معلّب وينافس الزيت الاجنبي ومازلنا نواصل هذا الكفاح إلى أن وصلنا إلى تصدير قرابة 300 ألف طن. لكن سياسة الدولة اليوم بها جانبان: أولهما كيف نصدّر الخام لادخال عائدات والثاني كيف نقوم بالتحفيز لبيع المعلّب لأخذ أكثر القيمة المضافة. إنّ الاثنان في اتجاه واحد فإذا نحن اليوم لم نقم ببيع الزيت خام فما العمل؟ إذا أنا مجبور على بيعه خام لأن المعلب طريق آخر وأسواق أخرى، فالمعلّب يكون حسب اتّفاقيات فمثلا 20 ألف طن أي ما يقارب 22 مليون قارورة زيت ذات سعة لتر واحد وتقريبا 30 مليون قارورة زيت كمعدّل في الأسواق العالمية معلّبة وأصلها تونسي. وهذا ليس بالسّهل علينا لأنّ المصدّرين الخواص يقرّون بأن مسألة التعليب بها مجازفة لأنه لا يمكن منافسة الماركات العالمية فتكون على اثر ذلك الخسارة وليس الربح. لكن فيما بعد وبمساعدة الديوان الوطني للزيت ومن خلال الحضور في المعارض الدولية وانجاز اتفاقيّات مع دول أجنبية وشركات كبرى حيث نقوم بعرض الزيت المعلّب التونسي. وهذه السنة مهمة لأن الزيت التونسي عُرف وخاض عدّة مجالات فحسب التقرير نذكّر بأن 242 ألف طن من الزيت وقع تصديره بسبة 73% للاتحاد الأوروبي: 41% لاسبانيا و26% لايطاليا. بينما 18% لأمريكيا وهي سوق جديدة التي تأخذه خام لتصنّعه في معاملها إلى جانب دول أخرى كالمغرب ولبنان وتركيا والسعودية والسيشال وغيرها. لقد أخذت اسبانيا أكبر كمية لإعادة بيعه لكونها لم تنتج الزيت هذه السنة نظرا للأضرار التي ألحقت بغابات الزيتون خاصتها.

أمّا بالنسبة للزيت المعلّب ففي أوروبا وخاصّة فرنسا التي كانت تستورده من اسبانيا ولكن للظروف التي مرت بها اسبانيا أصبحت تستورد الزيت الزيتون المعلّب من عندنا نحن فأصبحنا نبيع لفرنسا مباشرة وبالتالي أصبحت سوقا جديدا نصدّر إليها وحيث تأكّدت بدورها أنّ الزيت الزيتون التونسي أكثر جودة ممّا يخوّل لنا منافسة اسبانيا في السنة المقبلة. كذلك سويسرا من ضمن الأسواق الجديدة في هذه السنة حيث اشترت الزيت الزيتون المعلّب وليس الخام.

ولتأكيد الإحصائيات في توزيع الصادرات هذا الموسم فإنّ الاتحاد الأوروبي استورد بنسبة 73% ويكون نصيب الأسد فيه لاسبانيا ب 41% وإيطاليا ب26% وفرنسا والبرتغال كلّ منهما استوردت 3% بينما أمريكيا استوردت 18% منها 17% للولايات المتحدة و1% لكندا لكن أكثره معلّبا وبالنسبة للدول الأخرى كالمغرب فبنسبة 2% أمّا لبنان وتركيا والسيشال والسعودية والكويت فكلّ دولة استوردت بنسبة 1% أمّا البقيّة كجنوب إفريقيا فبنسبة 3%، فكلّ هذه الأسواق جديدة. فنسبة 1% تعادل 20 ألف قارورة زيت زيتون وبعلامة تونسية.

بالنسبة للأسعار في الصادرات فبمعدّل 6د الزيت الخام و8،5د الزيت المعلّب ولبيعه معلّبا بنسبة أكثر لابدّ من الوقت وبذل الجهد حيث وصلنا إلى نتيجة لم نكن نتوقّعها وهي قابلة للتطور فالمعلّب يتطلّب جمالية في التصاميم وكيفية التعليب ولضمان زيادة بيع المعلّب لابدّ من الجودة في الإنتاج والتعليب. إنّ منظومة التعليب لها مجالاتها القابلة للتطوير فلابدّ من دعم المعلّب بل ودعم منظومة زيت الزيتون ككل.

لذلك فإنّ التصدير المنجز هو 220 ألف طن منها 10 ألف طن معلّب بقيمة 1352 مليون دينار، إذًا فإنّ قيمة الصادرات لهذا الموسم بلغت 1500 مليون دينار.

قد تبدو النسبة المتعلّقة بالزيت الزيتون المعلّب قليلة لأنّها لا تحمل علامة تجاريّة معروفة عالميّا تلك العلامة التي يباع بها زيت الزيتون في الأسواق العالمية والتي كانت علامة ايطالية وبيعت منذ 4 أو 5 سنوات الى شركة اسبانية ب300 مليون أورو أي ب600 مليار وللحديث عن المعلّب فإنّ العلامة التجارية غير سهلة لأنّ الزيت يباع بالعلامة وليس باسم البلد الذي أنتج زيت الزيتون لذلك فشراء العلامة مكلّف جدّا لكننا نأمل في أن تكون لنا علامة عالمية نغزو بها الاسواق لجودة منتوجنا.

 

ما هو دور القطاع الخاص في إنتاج زيت الزيتون؟ وما هو دور الديوان الوطني للزيت في مراقبة القطاع الخاص الذي يصدّر 90% من زيت الزيتون؟

إنّ المؤسسة الوحيدة التي كانت تصدّر زيت الزيتون في تونس هي الديوان الوطني للزيت بل وإنّ نقل الزيتون لابدّ له من رخصة من ديوان الزيت خوفا من توغّل الايطاليين والتصرف في الزيت وأخذ القيمة المضافة وبذلك الاحتكار الاجنبي للقطاع.

إنّ الديوان الوطني للزيت يسعى دائما لحماية الانتاج وخاصة حماية الفلاّح في ارجاع الربح إليه حيث يقوم الديوان بشراء الزيت بسعر معيّن ثمّ يقوم بتصديره. الشيء الوحيد الذي كانت تخشاه الدولة هو دخول الانتهازيين الايطاليين كما حدث سنة 2005 وانتهازهم للفرص كي لايربح الفلاح وتكون لهم القيمة المضافة، فكان دور الديوان الوطني للزيت في حماية الفلاح من هؤلاء الانتهازيين وضمان مواصلة تثمين هذا القطاع.

اثر ذلك بدأنا في تحرير القطاع وادخال الخواص وذلك حسب كراس الشروط التي يضبطها ديوان الزيت لذا عندما نقول أنّ 90% من الانتاج سيقوم بتصديره الخواص فهذه مفخرة لنا.

إنّنا كقطاع حكومي هدفه جمع القطاع ونحن موظّفين لنا راتب شهي من الدولة لكن عندما نجد قطاع قادر على الذهاب إلى ماليزيا وافريقيا الجنوبية ويقوم بعمليات البيع والتصدير فبذلك يكسب مرابيح له ولبلاده ويكون أسفي كبيرا حين يكون الديوان الوطني للزيت هو الوحيد القائم على المنظومة لأنّ الخواص هم تونسيون وليسوا بأجانب حيث قاموا بانشاء شركاتهم والستثمار بكثير من الأموال مع تصدير الانتاج وتثمينه فنحن كديوان وطني للزيت لنا الشرف في مقدرة الخواص وتفوّقها على الديوان.

وبالنسبة إلى الإشاعة التي تقول أنّ المنتوج التونسي الذي يقع تصديره رديء وغير محبّذ وسببه هيمنة القطاع الخاص المصدّر للمنتوج فهذا الكلام يُردّ على قائله لأنّه غير صحيح فكلّ انتاج للتصدير يمرّ عبر الديوان الوطني للزيت لتحليله فلا يستطيع الخواص التصدير دون مراقبتنا لجودة المنتوج الذي سيقع تصديره ليأخذ على اثره شهادة في الجودة وإذا وُجدت ولو قطرة واحدة دون جودة فيرفض المنتوج كلّه وهنا يبرز الدور الريادي لديوان الزيت في عملية المراقبة وهو أسلوب قانوني مصادق عليه من قبل المجلس الوطني للزيت.

وهذه الطريقة لا توجد إلاّ في تونس فالدول الأخرى تقوم بعمليّة التصدير ويكون التحليل في مخابر أجنبية أي مخابر البلد المورّد. طريقتنا أنجع لحماية جودة منتوجنا وحماية المصدر.

فنحن كجهاز دولة نفتخر بالقطاع الخاص لكونه قادر على التحرك والتجوال دون أي اشكال بينما نحن فجهاز قار.

ومن جاب آخر فإنّ القطاع مبنيّ على صغار الفلاّحين، ولدينا 300 ألف صغار فلاحين لا يمكن تركهم بين يدي 50 مصدّرا وهنا يظهر دور الديوان الوطني للزيت حيث يقوم بمهمة التعديل في السوق لأن الخواص يبحثون عن الربح بينما ديوان الزيت يبحث عن تنظيم المنظومة التي سبق أن تحدّثنا عنها. فعندما تكون هناك ضبابية في السوق فإن المصدر لا يشتري فمثلا هذه السنة عندما انخفضت قيمة الأورو والدولار في فترة معيّنة فإن القطاع الخاص أبى شراء المنتوج فيكون دور ديوان الزيت في الذهاب الى المعاصر والفلاحين لشراء منتوجهم لدفعهم وتشجيعهم على العمل ومزيد الانتاج، فدورنا كديوان هو تعديل السوق من خلال الشراء بسعر معين كي لا يرتفع السعر، والشراء من الفلاحين عندما يرفض الخواص ذلك، فالديوان يتدخّل ب10% من الانتاج وشراءه من الفلاحين لمساندتهم فمثلا عندما يذهب البنك لصاحب المعصرة للاستخلاص يجد الدولة تشتري منه لخلاص دينه للبنك ومواصلة عمله. إذًا فدور الديوان الوطني للزيت يكمن في تشجيع الخواص على التصدير مع حماية الفلاح بال 10%.

هناك تكامل فعندما لا يكون هناك طلب من الأسواق فإن الخواص لاتشتري المنتوج من الفلاح بينما الديوان يشتريه لأننا قادرون فيما بعد على التصرف في الانتاج بينما القطاع الخاص غير قادر.

يكون التكامل من خلال ربح القطاع الخاص حسب ما تضبطه كراس الشروط وحماية صغار الفلاحين من طرف الديوان ولهذا السبب الديوان الوطني للزيت يتبع وزارة الفلاحة لا وزارة التجارة ولا وزارة الصناعة. فحين يعجز الفلاح عن البيع للخواص يجد متنفّسه بديوان الزيت والمهم هو مواصلة الانتاج. مع العلم أنّ للديوان الوطني للزيت حصّة تصدير نحو الاتحاد الأوروبي والتي يعطي منها قسطا كبيرا للقطاع الخاص. إذا ليس هناك تنافس بين القطاع الخاص والقطاع العام بل هو تكامل.

 

يشكو القطاع من حصّة مفروضة من الاتحاد الأوروبي، ماذا يستوجب على الديوان الوطني للزيت فعله للتخلّص من هذا القيد؟

إنّ الحصة مفهومها أنّ الاتحاد الأوروبي يقرّ للبلاد التونسية بالبيع بأسواقها بنسبة تقدّر ب56 الف و700 طن من زيت الزيتون دون أداءات ويعتبر وكأنه منتجا من اسبانيا أو فرنسا وما يفوق هذه النسبة تدفع أداءات وقد كانت الحصة 40 ألف طن لتصبح اليوم 56 الف و700 طن دون أداءات ليدخل الانتاج الى الاتحاد الأوروبي وينافس زيته.

وتلك الحصة لم نصل الى انتاجها أبدا هذه السنة فتسمّى نسبيا كافية، والسبب في هذه الحصة لهذه السنة أنّ الاتحاد الأوروبي خوّل لنا الدخول لبيع زيت الزيتون معهم في السوق بينما كانوا قبلا لا يفتحون الحصة إلاّ اثر بيعهم لانتاجهم من الزيت لذلك استطعنا البيع بكيفية أحسن.

إذا هذه الحصة لا تُعتبر قيدا بل هي فرصة مكّننا منها الاتحاد الاوروبي لبيع زيتنا ولكن مكّنت أيضا للمصدّرين والمعلّبين خاصتهم. إنّ ذلك راجع إلى ان دول الاتحاد الاروبي الاكثر انتاجا لزيت الزيتون شهدت هذا العام تراجعا بالاضافة الى جودة منتوجنا وكي لا تخسر الأسواق فإن لم تقم هي بشراء الانتاج فهناك كندا والولايات المتحدة. إذا فهي طريقة ربح ربح لا خسارة فيها.

ولقد بدأنا اليوم في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في اطار اتفاقية التبادل الحر. وستبدأ فعاليات هذه المفاوضات حسب قرار رئيس الحكومة بداية من شهر أكتوبر. ففي عملية بيع زيت الزيتون بالاتحاد الأوروبي لا نريد أداءات تقيدنا بل أن نصبح مثل ايطاليا واسبانيا لكن لابدّ من الموازنة كي لا تكون العملية عن طريق المقايضة كمثلا بيع الزيت مقابل القمح أو التفاح فهذا لا يجوز.

إذا هذا ليس قيدا بل هو اتفاق تبادل بيننا وبين الاتحاد الأوروبي وحبّذا وأن يقع نزع هذا الاتفاق ويصبح سوق حر في اطار اتفاقية دون أن يكلّفنا ذلك غاليا على حساب قطاعات أخرى أي نزع القيود قدر الامكان دون المس من الفلاح لأن الفلاح في تونس هو فلاح منوّع إذ تجد له شجرة الزيتون كما تجد البقرة وما تدرّ به لذا لا يجب مقايضته بل يجب الاضافة وحمايته. هذه السنة قمنا باستهلاك حصتنا كاملة نظرا للطلب بالسوق العالمية.

وهذا الطلب ولّد الحقد لدى بعض الدول التي نافسناها في عقر دارها، فقد وقعت حادثة في شهر فيفري الفارط بإيطاليا حيث قام منتج إيطالي بحمل شاحنة من زيت الزيتون من تونس إلى إيطاليا وقام وقم بعرض الزيت وتصويره جامدا بعدة قناة على أنّ زيت تونس لا يملك جودة بتاتا، فكانت تلك حركة تجاري لأن ايطاليا لا تملك زيتا وبما أنهم قاموا في الترفيع في سعر الزيت أرادوا بهذه الحركة ضرب انتاج تونس من زيت الزيتون في السوق الاوروبية وكان الرد على حركتهم تلك من غرفة المصدّرين وخاصة الايطاليين بتونس بأنّ الزيت ذو جودة عالية والدليل جموده في ذلك الوقت لأن الطقس بارد فانقلب السحر على الساحر.

أن محاولة ضرب الانتاج التونسي في زيت الزيتون يومي وقد وقع التطرق للحادثة السالفة الذكر في معرض صفاقس ولكن الضامن لهذا النتاج هي الشهادة التي يصدرها مخبر التحاليل بالديوان الوطني للزيت والمعترف به من المجلس الدولي للزيوت وتكمن قوّة تونس في المراقبة الصحية.

 

إضـــــــــــــــــــــــــــــافة:

إن تونس تستهلك 40 ألف طن من زيت الزيتون ولكنّها تستهلك زيوت نباتية مورّدة مدعّمة وغير مدعّمة ما يفوق 220 ألف طن وهي معادلة لابد من العمل عليها.

ألم يحن الوقت اليوم كي نقوم بمجهودات بزيادة حث المستهلك التونسي على استهلاك زيت الزيتون التونسي؟ صحيح أن سعره مرتفع مقارنة بالزيت النباتي الذي يورّد بالعملة الصعبة، فهو أولى بهذا الزيت الصحي المعروف الزيت التونسي. فنحن نقوم بتوريد الزيوت النباتية بالعملة الصعبة ونقوم بتصدير زيت الزيتون والمستهلك التونسي يفضّل الزيت النباتي على زيت الزيتون رغم معرفته بأن زيت الزيتون التونسي صحي جدّا فكما نحثّ المستهلك الأجنبي على استهلاك الزيت الزيتون التونسي لابد من حث المستهلك التونسي على استهلاك انتاجه ويكون ذلك من خلال العمل المتناسق مع وزارة الصحة والتكثيف في الانتاج لتوفير الاستهلاك ومعرفة قيمة زيت الزيتون التونسي. فكيف نجد الموازنة ويصبح زيت الزيتون غير مرتفع السعر على التونسي ليستهلك انتاجه ويصدّره. فإذا أنتج كل تونسي شجرة زيتون لن يبقى مستهلك واحد دون زيت زيتون.

هاجر عزّوني

تصوير: عبد المجيد الثابت

وطنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *