احمد ونيّس، ولد بتونس العاصمة في 25 جانفي 1936، دبلوماسي وسياسي تونسي.عمل سفيرا في كل من موسكو ونيودلهي.ثم اقترب من المعارضة في عهد زين العابدين بن علي حيث كان يحضر أنشطتها ويحاضر على منابرها. بعد الثورة وخروج بن علي من السلطة، عين كاتب دولة للشؤون الخارجية في الحكومة التي شكلها محمد الغنوشي في 17 جانفي 2011 ثم وزيرا للشؤون الخارجية في الحكومة الثانية التي شكلها محمد الغنوشي في 27 جانفي 2011 عوض كمال مرجان. أجبر على الاستقالة في 13 فيفري 2011 إثر التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها حول وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال آليو ماري التي نعتها بصديقة تونس بينما هي وقفت إلى جانب نظام بن علي حتى اللحظة الأخيرة وعبرت عن استعدادها لمده بالمساعدة الفنية لمواجهة المظاهرات.
ما هو تقييمكم للفترة الممتدة من 2011 إلى 2021 ؟
هل هي فترة ناجحة أم فاشلة ؟
و هل كانت الديمقراطية خيارا ؟
و هل كان مطبقوا الديمقراطية صادقين أم دجالين ؟
كنا نأمل في 2011 أن نرسي دولة ديمقراطية على أسس جديدة و مرجعيات كونية و ذلك في ظرف سنتين لا أكثر. و لم نكن في حاجة آن ذاك لوضع دستور جديد بل كان يكفي أن نقوم بتعديل دستور 1959 و الاكتفاء بمراجعة ما تلطخ و تراكم من تعديلات خاطئة إلى ذلك التاريخ.. وكان الأمر بسيطا في نظرنا و تقييمنا إذ كان في الإمكان الاتفاق على تعديلات في الحكومة استنادا إلى شخصيات مرجعية في الميدان القانوني و التجربة السياسية التي عشناها من منطلق 1959 وصولا إلى النظام الاستبدادي في عهد الراحل بن علي.
التجربة السياسية بكفي لتصويب المناهج الجديدة و صياغتها بالاستناد إلى رأي القانونيين المرجعيين و هذا يكفي بعد استفتاء للانطلاق في نظام جديد.
إرساء المؤسسات الجديدة يعني البرلمان و المؤسسات المستقلة التي يجب أن تكون بعيدة عن انتظام السلطة التنفيذية و السلط المكملة الأخرى يعني التشريعية و القضائية.
كما إن هناك هيئات مستقلة يجب أن يتم ترسيمها و هذا في ظرف اقل من سنتين من اجل التمكن من إرساء البرمجة.
اعتقادي انه بعد عشر سنوات أي في 2021 لم نحد عن الخيار الديمقراطي.. لكن احدنا عن جميع الآمال الأخرى و هذا يعني أننا لم ننجح في الاستفادة من الزمن من إعادة دستور جديد و انتخابات أخذت من الزمن أكثر مما كنا نعتقد و خوض تجارب حكومية لم تكن تفي بالبرمجة الضرورية في إرساء الأركان المطلوبة في العهد الجديد إلى نهاية 2021 لم تكتمل المؤسسات الدستورية ولا الهيئات المستقلة الضرورية و هذا لا يعني شل الديمقراطية لكن يعني أن الزمن مطلوب لمرور الانتقال الديمقراطي فالتجربة التونسية في اعتقادي الشخصي ليست فاشلة.. لكن الفاعلين في قلب الدولة لم يلتزموا بالادابيات و الأخلاقيات الضرورية و الأحزاب السياسية بدورها كانت دون الأخلاقيات المطلوبة من الخيار الديمقراطي العظيم الذي سيأتي في التاريخ في أول مجتمع ديمقراطي في العالم العربي.
و عليه فالإخفاق لم يكن في الجوهر و إنما كان في ممارسة الحريات الجديدة التي توفرت للمواطن التونسي و التي أساء التصرف فيها لم نلاحظ التقييم الذاتي الضروري للإنسان ولا للمؤسسات النقابية ولا للأحزاب السياسية و لا للقيادات الوطنية التي أشرفت على كل هذا
و في اعتقادي تعود الخيبة إلى شيئين.. أولا في تصورنا للزمن حيث إننا اكتفينا بقوس صغير لإرساء المؤسسات الجديدة و انطلاقها.. و هذا كان تصورا نظريا بعيدا عن التجربة التاريخية الذاتية في تونس.. و العالمية في غيرها من التجارب الانتقالية الأخرى و ثانيا من أدابيات و أخلاقيات الإنسان التونسي الذي أساء التصرف في الحرية العظيمة التي اكتسبها بشخصه و من خلال من انتخبهم ومن ينوبونهم على رأس نقابات و أحزاب و مؤسسات و بطبيعة الحال هذا اعتقادي الشخصي.
مازال الشعب التونسي والملاحظين في انتظار رؤية واضحة لاجندا قيس سعيد.. فهل أنت متفائل في هذا الصدد ؟
اعتقد أن هذا السؤال يوجه لقيس سعيد نفسه أما عني أنا شخصيا فكل ما كنت انتظره من قيس سعيد هو أن يستدرك الأمر بعد الأزمات المتراكمة ذاتيا ضمن المؤسسات الدستورية و خارجها في خصوص الاقتصاد التونسي و ارتباطه بالتعاون الدولي.
و قد نجحنا في تحقيق التعاون الدولي و المساعدات الضرورية الحيوية التي مكنتنا من الالتجاء إلى القيام بالدولة و أساسياتها.. لكن تنمية الاقتصاد لم تنجح ومعاملة الأركان التشريعية و التنفيذية و القضائية خاطئة و في غير محلها لذلك كان الاستدراك ضروريا و في أيام معدودة من ثمانية إلى عشرة أيام و ندخل في حكومة جديدة على أسس سليمة بانتخابات جديدة تستنتج الدروس من إخفاق البرلمان الأخير الذي وقع انتخابه في 2019 و تعيد النظر في تأليف البرلمان الجديد و تساعد الحكومة الضرورية فيما كان مطلوبا من قيس سعيد لماذا أطال مدة مابين ثمانية وعشرة أيام كانت تكفي للتصويت و لكن دام الامر أكثر من ثلاثين يوما و لم نحصل على حكومة جديدة و لا على توضيح في مستقبل البرلمان التونسي ولا على الموازين الضرورية للدولة التونسية حتى لا ينفذ واحد مهما كانت سلامته و أخلاقه و صفاء نيته بالنسبة إلى الجميع لا يجوز في خيار إن ينفذ واحد في السلطات جميعا نحن الآن لا نزال أمام نقطة استفهام فلسفية عميقة ليس من إجابة لها
العلاقة بين الجزائر و المغرب و تأثيراتها على المنطقة في كل ما حدث و آخر المستجدات ؟
يعيش العالم العربي تراكم أزمات و إلى حد اليوم لم يخلص لحلول لا في جولة واحدة ولا في منطقة واحدة فقد فشلنا في إقامة منظمات إقليمية في المغرب العربي و في المشرق العربي وفي الخليج و يبقى المجلس الخليجي هو المجلس الإقليمي الوحيد الذي دخل بدوره في أزمة.
أما عن المغرب العربي فكنا نأمل أن نهتدي بفضل القضاء على النظام العسكري في ليبيا و القضاء على النظام الاستبدادي البوليسي في تونس و قيام ديمقراطية في موريتانيا و المملكة المغربية عسى أن نهتدي إلى قيام مؤسسة المغرب الكبير الموحد.. و لكن للأسف لم ننجح في هذا بل زادت التراكمات السلبية على ما كانت عليه من علاقات طبيعية بين الدولتين الهامتين هي المملكة المغربية و جمهورية الجزائر زادت تعقدا بسبب قطع العلاقات الدبلوماسية خلال هذه الأيام و هذه تعتبر عملية كارثية لان العلاقات الدبلوماسية غايتها هي التغلب على المصاعب و الأزمات مهما كانت شديدة بالطرق الدبلوماسية أما خيار قطع العلاقات الدبلوماسية فهو خيار خطير جدا.
ثم كيف نتصور التغلب على هذه الأزمة بالذات بين الدولتين و على بقية الأزمات الذاتية و الإقليمية بيننا إن لم يكن بالطرق السلمية و الدبلوماسية هذه النافذة مفتوحة أمام لا المجهول و لكن الخطير لأنه يكون مجهولا في جزئياته إذ نحن اتفقنا أن يكون بوسائل سلمية. قطع العلاقات الدبلوماسية يعني العدول عن حل الأزمات بوسائل سلمية ما عسى أن يكون ورائها؟
نحن نعمل من أجل أن تقوم الدول المغاربية تونس وليبيا و موريتانيا بالمساعي الضرورية للتصدي لهذه الأزمة و السعي للتمهيد من أجل استدراك الأمر بين الأخوين عسى أن تكون مناسبة إلى الاهتداء لإعادة نسيج المغرب الكبير من جديد و هذا ممكن لان الإرادة الإنسانية أقوى من الوثائق و كل التحاليل الظرفية. ثانيا يجب الوعي بالمصير المشترك وهو أمر قائم في عمق المسؤولين على الشعوب. و ثالثا مبدأ الأخوة الخلاق قد يتجاوز بنجاح كل شيء.
اعتقادي أن هذه المناسبة امتحان إضافي من الامتحانات الجزئية حتى نقطع هذه المسافة في بناء قلعة في المغرب الكبير تكون منطلقا اقتصاديا و سياسيا و أدبيا ضمن العالم العربي قد ينجي امرأ في المغرب العربي و يمكن أن يفيد في المشرق العربي و الخليج
ما دمنا تحدثنا عن ليبيا هل تعتقد أن ليبيا اليوم في المسار الصحيح أم لا؟
اعتقادي أن ليبيا ناضجة لقطع المسافات الأخيرة للشروع في تسليم وظيفة الحكم للشعب الليبي حتى ينتخب المجلس المقبل إلا أن هناك قوى خارج ليبيا مصلحتها البقاء على السلاح خارج السلطة الليبية و هم يسعون جميعا في الحكومة الجديدة و في السلط القاعدية أن يقنعوا تلك السلط الخارجية حتى يسحبوا من يمثلهم عن المسلحين و يقنعوا البيادق التي يتحكمون فيها أن تخضع لا إلى السلطة الواحدة وهي سلطة الحكومة المؤقتة الموحدة و التي لم تنجح إلى حد اليوم في الامتحان الأخير أمامها و هو إلقاء السلاح من طرف الليبيين و غير الليبيين على التراب الليبي. اعتقادي أن الأمر يؤول إلى تلك السلط المحيطة بليبيا و هنا اعلم أن في الأسبوع المقبل ستقع ندوة لاجوار ليبيا السبعة بحضور الأمم المتحدة و ستقع ندوة وطنية ليبية بالاشتراك مع الأمم المتحدة بإرادة الحكومة الموحدة التي ستنضر من جديد في هذه المصاعب و نتوقع ندوة مثل ندوة برلين فوقية سيحتذي بها القوة العالمية بما فيها مجلس الأمن. وعلى جميع السلط المحيطة بليبيا أن تخضع إلى الإرادة الليبية دون تدخل فوقي وهذا أملي.
وصول الديمقراطيين إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة هل هو السبب الوحيد في انفراج الوضع نسبيا بين الدول العربية خاصة في الخليج؟
الرئاسة السابقة في الولايات المتحدة الأمريكية زادت في تقسيم و تخريب الحالة في العالم العربي و دليلها الإدارة الجديدة الديمقراطية في واشنطن التي مهدت لتحول دبلوماسي في الساحة الأوروبية و الساحة الأمريكية و لكن في خصوص العالم العربي و آسيا فهي واصلت في خيارات الإدارة السابقة و نحن لا نزال نعاني من سياسة «دونالد ترامب» و هذا بدء بسوريا و فلسطين مع تثقيل الحالة و تخريب ابعد من ذلك في لبنان و في المغرب العربي و في الخليج حيث أن الإدارة الجديدة أتت بالجديد و هو ما غير العالم العربي. أما في العالم العربي فهي لا تزال في نفس العمى السياسي.
– وصول المتشددين إلى سدة الحكم في إيران هل سيكون حافزا لامظاء اتفاقية سلام مع الولايات المتحدة أم ترى العكس ستزداد حدة التوتر في المنطقة ؟
إيران ليست بين أيدي المتشددين بل هي في فترة انتقالية تاريخية عظيمة وهي الوطنية الأساسية في حالة أزمة ضحية العواصم الغربية التي تقمعها و تحرمها من حقها في اكتساب التطور العلمي و التقني في المادة النووية و تطوير الطاقات الدفاعية الذاتية حتى تحتمي من عدو لا يزال يتسع في طموحاته داخل أراضيه يعني إسرائيل و يتسع إلى الأراضي العربية بتواطؤ و تشجيع من الدولة الأمريكية واشنطن وهي الدولة المهددة الحقيقة بذاتها و بتواطؤ مع العواصم الغربية فالدولة الوحيدة في المنطقة من الدول الإسلامية التي قد تفوز بقدرة دفاعية ذاتية كافية حتى تقمع هذه الطموحات العدائية ضدها هي إيران.. و إيران تنتقل من محطة إلى محطة و تسعى إلى إقناع العالم العربي و خاصة دول الخليج و العالم الغربي أنها لا تقصد إلا الدفاع عن ذاتها و لكنها فشلت في ذلك و هي الآن تحت عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية و تحت تعليق الاتفاقية التي اهتدت إليها سنة 2015 في الميدان النووي و قد قبلت بتجميد برامجها النووية و هذا لا يكفي لقمعها من طرف الدول الغربية و لم تقنع الدول العربية الأخرى للتضامن معها و أنا شخضيا لا افهم سبب عدم تشكيلنا لقمة تجمع بين الدول العربية و الإسلامية ونتخذ فيها إستراتجية موحدة دفاعا عن سلامة أراضينا في المشرق العربي و في الخليج و في فلسطين و من يحيط بفلسطين و كذلك المغرب العربي و أيضا إخواننا في الشريط الساحلي و هذا رهين قمة عربية إسلامية وحيدة.. و لكن للأسف منعنا تخلفنا من الاهتداء لمثل هذا الحل المثالي الذي يصب في صالح الأمة العربية و الإسلامية قاطبة.
سامي غابة