حوار : هاجر عزّوني
يحتل القطاع الفلاحي مكانة هامة في الاقتصاد الوطني حيث يساهم بنسبة تفوق 12 بالمائة من الناتج المحلي الخام ويُمكن من خلق مواطن شغل ويساهم في توازن ميزان الدفوعات من خلال تصدير المنتجات الفلاحية بالإضافة إلى دوره الفعال في ضمان الأمن الغذائي.
كما يوفر القطاع الفلاحي في بلادنا، إضافة إلى المقومات العامة التي تعرف بها بلادنا والملائمة للنهوض بالاستثمار عديد الإمكانيات الكفيلة بتحقيق جدوى اقتصادية عالية للاستثمار.
لذلك فإنّ أهميّة قطاع الفلاحة والصيد البحري في تونس رائد للاكتفاء الذاتي الذي لم يتحقّق بعد في بلادنا.ولتقصّي الاخلالات التي يعانيها هذا القطاع الهام والحيوي اتّصلنا بالسيد هادي بدر مهندس ورئيس في الفلاحة مختص في التكوين والتجديد والإرشاد وعضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للمهندسين التونسيين وعضو المجلس الوطني للفلاحة والصيد البحري وأجرينا معه الحديث التالي:
كيف يساهم الإرشاد الفلاحي في التنمية الفلاحية والاقتصادية؟
دعم الجهاز الوطني للإرشاد في الفلاحة و الصيد البحري يجب أن يكون في إطار تصور مندمج لوكالة الإرشاد و التكوين الفلاحي و مؤسسة البحث و التعليم العالي الفلاحي و مؤسساتهم من مراكز و معاهد و محطات داخل الجهات و بتناغم مع المنظمات و المؤسسات و الهياكل المهنية الوطنية و الجهوية، إذ يشكل نشر التقنيات الفلاحية بين الفلاحين أحد آليات السياسات الفلاحية منّذ الاستقلال والمحرك المحوري للتنمية في ميدان الفلاحة و الصيد البحري الذي ساهم في اندماج المستغلات بالأسواق المحلية والوطنية والعالمية. وعمل الفلاحون على تبني مستجدات العلوم والتقنيات الفلاحية باستمرار وبنسق بطيء و الحق يقال أحيانا. وهذه التغيرات التدريجية في الفلاحة أفضت إلى توسع في مساحات الأشجار المثمرة والمناطق السقوية واستعمال التقنيات الحديثة وفي انتشار أنماط إنتاج متنوعة شبه مكثفة ومكثفة….حيث مكنت هذه التحولات من الزيادة في الإنتاج الفلاحي دون تحقيق الأمن الغذائي، فالإرشاد الفلاحي والتجديد من أهم أساليب دفع عجلة التنمية وتطوير التقنية الفلاحية الحديثة وملاءمتها وتقييمها لكي يمكن تطبيقها، مما ينتج عنه ارتفاع دخل الفلاحين وانخفاض الأسعار للمنتجات الفلاحية للمستهلكين، وزيادة كفاءة الاقتصاد ونمو الاقتصاد الوطني. وبناءاً عليه أصبح تحديد التقنية الفلاحية الحديثة وتطويعها والتحقق من جدواها وتطبيق الفلاحين لها جزءاً هاماً من استراتيجيات التنمية الاقتصادية ويمكن أن تلعب إدارات الإرشاد الفلاحي دوراً جوهرياً في هذه العملية.
في حديثنا معك كان لك تعليق عن استعمال مصطلح «التأهيل الفلاحي»، لماذا؟
تبعا لخبرتي و التجربة التي مررت بها في مجال التكوين و الإرشاد و التجديد ، أصبحت على يقين من أن كلمة تأهيل قطاع الفلاحة و منها تأهيل المستغلات الفلاحية أصبح هذا المصطلح شعارا وهذا المفهوم استعمل للتضليل والتعجيز ، فالفلاحة التونسية ليست بالقاصر حتى نبحث عن التمويلات الخارجية بدعوى تأهيلها، فالفلاحة التونسية تنتظر إدارة ذات كفاءة وشجاعة ونظافة اليدين ، تستطيع أن تقوم بالإصلاحات اللازمة و تتعامل مع كل الوزارات بمنطق القوة و الحجة لحماية موارد البلاد و تنميتها و استدامتها و حماية مصالح الفلاحين و البحارة و دعمهم و تأطيرهم بتشريك فاعل للمهنيين ، و التسريع في أخذ القرارات الموجعة التي تطمأن أهل المهنة و الشعب التونسي ، فالكفاءات موجودة و الأموال موجودة و التصورات موجودة و لكن منهجية العمل و التسيير و الحوكمة الحالية بقوانينها و رجالها تقودنا من السوء إلى الأسوأ…اللهم أشهد بعد خبرة 34 سنة كمهندس مختص و لي سيرة ذاتية فريدة من نوعها ، أني ما أقوله و أصرح به هو الحقيقة خارج التجاذبات و لي كل البراهين و الحجج…
ماذا يتطلّب الإرشاد الفلاحي ليساهم في تنمية الاقتصاد؟
على اثر انعقاد اجتماع يوم 29 جوان 2015 بمقر المنظمة الفلاحية حول «استراتيجية دمج جهاز الإرشاد بجهاز التكوين»التي قدمها السيد «توفيق الحرزلي» عن وكالة الإرشاد والتكوين الفلاحي. فاني أحيى الحوار بين الإدارة و المهنة و أشير إلى أن القطاع الفلاحي والصيد البحري كأكبر قطاع اقتصادي محدث للتشغيل من المفترض أن يعتمد كقاطرة حقيقية للاقتصاد التونسي، فهو القطاع المعصمي الذي يمثل مفتاح ومحور التنمية بالبلاد التونسية، تم التعامل معه في السنوات الأخيرة بصفة سطحية واستعمل فيها شعارات رنانة كمفردات التأهيل و الجودة والتواصل والتراسل والتشاركية والبرامج العملية … لا علاقة لها بحقيقة وضع القطاع وبتطوره في وسطه الوطني والإقليمي والعالمي، مما يدعو إلى وضع نقاط الاستفهام حول جدية الإجراءات والآليات التي تم تركيزها السنوات الأخيرة.
و في هذا الحال فتركيز منوال تنمية جديد مبني على أنقاض منوال قديم يُشترط عليه أن يكون مُنطلقُهُ تنمية الموارد و القدرات والتشغيل والعدالة الاجتماعية والإنصاف الجهوى وأدواته النّجاعة والفاعلية والتنافسية والاندماج القطاعي والجهوي وتحسين الانخراط النّوعي المدروس في العولمة لاستغلال الفرص التي تتيحها وتجنب السلبيات التي تفرزها، وهو ما نفتقده وطنيا و جهويا بالإدارة.
لتامين الغذاء للشعب و أمام كثرة التعليقات والتجادل حول الإجراءات الترقيعية التي تميزت بعد الثورة فاني أذكر بانّ إسقاط مفهوم الحوكمة الرّشيدة على المنوال الحالي للتنمية غير سليم و لا يحلّ معضلة للتنمية والتشغيل والقضاء على البطالة و في تثمين و تطوير القيمة المضافة، فالفرد يمثل القوة الناشطة والدافعة لهذا، وهذا الفرد لا يمكن أن يكون غير المهندس واليد العاملة الماهرة.
و في ما يخص الإرشاد الفلاحي، فالعلاقة بين الإدارة والمهنة يجب أن تبنى على ثلاث ركائز، وهي أولا المفهوم الشامل للإرشاد بنشر التقدم التقني والاقتصادي والاجتماعي ووضعه في متناول جميع الفلاحين دون استثناء، ثانيا لا يمكن ضبط توجهات الإرشاد بمعزل عن السياسات الفلاحية، ثم ثالثا السياسات الفلاحية من مشمولات الحكومة التي تنفذها وتحاسب على نتائجها. إذا الإرشاد الفلاحي بمفهومه الشامل يتطلب إعادة توزيع الأدوار بين الإدارة والمهنة لأنه لا يمكن تصور نجاحه بدون دعم من الإدارة، إنّ نقل نشاط الإرشاد الفلاحي إلى المهنة يساهم في الرفع من نتائجه في ظل وجود إستراتجية واضحة المعالم تبين كيفية تثمين الموارد البشرية والمالية المرصودة، فاستخدام الأموال العامة لتنفيذ البرامج الإرشادية يتطلب رقابة دائمة، إذا توزيع الأدوار بين الإدارة والمهنة محليا وجهويا ومركزيا تعتبر مفتاح النجاح وتيسر متابعة وتقييم نتائج البرامج الإرشادية.
إن بناء المهارات وتطوير الكفاءات هو عامل الأساسي من العوامل الضرورية للنهوض بقطاع الإنتاج في الفلاحة والصيد البحري والأنشطة المهنية ذات الصلة في تحقيق الوظائف المنتظرة ، تضع الإنسان في محور اهتماماتها لتجعل من التكوين المهني و الإرشاد والتجديد و الإعلام في الفلاحة والصيد البحري العمود الفقري والأداة الأولى لتنمية فلاحية مستدامة.
كيف هي حالة جهاز البحث والإرشاد و التكوين في الفلاحة و الصيد البحري و ماهي آفاق تطويره؟
يشكو الجهاز الحالي للبحث والإرشاد والتكوين في الفلاحة و الصيد البحري من نقائص تتعلق بفقدان الرؤى المتعلقة بالأهداف الاقتصادية و الاجتماعية ، وغياب الترتيب للأولويات لتوظيفها حسب الموارد المتاحة أمام تنوع حاجيات الفلاح و الفلاحة، و انعدام اللامركزية في إعداد البرامج الإرشادية والتكوينية والبحثية، وانعدام الروابط بين البحث والإرشاد والتكوين والتنمية وطنيا وجهويا.
فالدراسات السابقة و الندوات اغلبها طالبت بإحداث هيئات جهوية بالولايات يمكن ربطها عضويا بمراكز التكوين المهني في الفلاحة و الصيد البحري لتصبح مراكز جهوية تتحكم في الموارد الموضوعة على ذمة البحث و الإرشاد و هياكل الدعم من مخابر وغيرها تكون همزة الوصل بين مكونات التنمية الجهوية والقاطرة التي تمكن من التحكم في الموارد الموضوعة على ذمة هذه الأنشطة والرقي بالمناهج و المتابعة للأنشطة جهويا، وتقريب الخدمات من الفلاح بتوفير المعلومات والدعم والمساعدة وتمكنه من المشاركة في الدراسات واتخاذ القرارات الفنية والتقنية التي تمكن من معالجة الإشكاليات والمشاكل الجهوية وبإحداث هيكل مهني جديد وطني وجهوي يشارك في المجهود التنموي للدولة ويثمن تجربة الغرف الفلاحية في التأطير والتمويل للأنشطة التنموية ويعزل النشاط النقابي عن النشاط التنموي.
ويمكن في مرحلة أولى تطوير المجالس البيداغوجية للمراكز الجهوية لتصبح مجالس موسعة تمثل الأطراف المتدخلة جهويا في التكوين و البحث و الإرشاد و الإعلام. و بإحداث حوافز حقيقية لدعم تنظم الفلاحين والحرفيين المهمشين في هياكل مهنية مع ربط هذا بإلغاء المديونية أو تمويل التكثيف والتجديد وإعادة النظر وتركيز نظم أساسية حسب المراجع المهنية لخطط الإرشاد والتكوين و البحث، وتكوين فرق عمل موسعة في المستوى المركزي لكل منظومة إنتاجية تسهر على المتابعة وتنمية. المنظومة وإسناد و دعم وتكوين ومراقبة للأجهزة الجهوية.
. فهذه النقلة النوعية لا يمكن لها أن تحصل إلا بهيكلة تشاركية جديدة تعتمد على المهارة و الكفاءة والاعتماد على القدرات الذاتية للوزارة وفك الارتباط البيداغوجي مع وزارة التكوين المهني والتشغيل وذلك لخصوصية التكوين الفلاحي وتشغيليته وتطوير العلاقات مع المؤسسات التكوينية والبحثية وطنيا وخارجيا لتطوير المناهج وتحسين البرامج والطرق لبلوغ الأهداف التالية:
1- الرفع من الإنتاج والإنتاجية بفضل التاطير المتواصل من طرف المراكز الجهوية ( مركز لكل ولاية على الأقل).
2- تطوير البحوث التطبيقيــة بفضل تركيز آليات برمجة تشاركية لكل الأطراف ( المهنة – المؤسسة البحثية – المؤسسة الارشادية و التكوينية).
3- انتشار المراجع التقنية الإقتصادية المحلية.
4- ارتفاع نسبة التأطيــــــر بالتحكم في الموارد المتاحة من باحثين و مرشدين و مكونين.
5- المساهمة الفاعلة للمهنة في تسيير مؤسسات البحث و التكوين بالتواجد في الهياكل الرسمية للمراكز الجهوية ( المسمية حاليا بالمجالس البيداغوجية) والتنظم في القطاع الفلاحي والصيد البحري ( ممثلي المنظومات الانتاجية).
6- حرية التنظم في مواجهة الإشكاليات التقنية الفنية والتسويقية للمنظومات الانتاجية وطنيا و جهويا. 7- مساهمة المهنة في تطوير منظوماتها الإنتاجية بوضع برامج تنموية جهوية.
8- تركيز الأسلاك و النظم الأساسية للمرشد و المستشار الفلاحي و المكون و الباحث في قطاعي الفلاحة و الصيد البحري.
9- تطوير التضامن بين صغار الفلاحين و العائلات المنتجة و المنظومات الإنتاجية و التحويلية والتسويقية.
وفي الأخير أشير إلى أهمية السعي إلى تحقيق حوكمة جديدة تشاركية راشدة تعمل على حسن التصرف في الموارد و المتابعة و المساءلة، و أعيد وأشير إلى أهمية العنصر البشري في تحقيق المأمول و إتباع منهجيات علمية متوافق عليها تمكن من تشخيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي للقطاعات الناشطة و وضع تمشي وبرامج جديدة تستجيب لحاجيات الفلاحة التونسية وضرورة أن تشمل الجهات الفاعلة في التنمية من إدارة مركزية و جهوية وقطاع خاص و منظمات مهنية ومجتمع مدني.
ما هو الحل لتحسين حوكمة القطاع الفلاحي؟
الاتحاد التونسي للفلاحة و الصيد البحري كمنظمة مهنية فلاحية لها انتشار على كامل تراب الجمهورية، و أصبحت بعد الثورة على مسافة من نظام الحكم و من الأحزاب و لها تجربة لا يستهان بها في ميدان التنمية و الإحاطة بالفلاحين و البحارة، فهي تجمع تحت مظلتها منتجي قطاع الفلاحة و الصيد البحري صغارا و كبارا و التعاضديات الفلاحية…، فهي كعضو ناشط بالمجتمع المدني تساهم في ترسيخ الاختيارات الكبرى و أهم التوجهات التي تؤسس لدولة القانون و المؤسسات، فالاتحاد يمثل شريك اقتصادي و اجتماعي مهم من حيث انخراط فلاحيه و بحارته بالنسيج الاقتصادي و الاجتماعي و يجب دمجه كشريك فاعل و ضروري للتنمية الفلاحية. بعد الثورة ظهور تنظيمات و جمعيات تعمل في اطار دعم القطاع الفلاحي و الصيد البحري يمكن أن يكون داعما في تاطير الفلاحين و البحارة، إلا انه يجب الانخراط تحت برامج وطنية و جهوية نابعة من رؤى واضحة تمكن من حماية صغار البحارة و الفلاحين في اطار شراكة حقيقية مع الادراة كطرفين فاعلين في التنمية الفلاحية و الصيد البحري ، كما يمكن تشريك الاطراف الاخرى من جمعيات ونقابات ذات الصلة حتى تتحسن حوكمة القطاع.
ماهي الإجراءات التي لابدّ للحكومة من اتّخاذها في هذا المجال؟
الإجراءات التي يتم اتخاذها من طرف الحكومة إن لم تجد نسيج إداري سليم و كفأ و يقض ، لا يمكن لها أن تأتي أكلها ، فالإشكاليات الحالية و المتواصلة فهي نتاج تنظيم إداري تشريعي وتنفيذي وخدماتي مخطط إليه سابقا وهو لا يستجيب إلى متطلبات الوضع الذي يتطلب تمرير المعلومة المفيدة والصالحة بسرعة وسرية وأخذ القرار السريع وطنيا وجهويا ومحليا، فالمنظومة الإدارية الحالية والقانونية والتسييرية التي حافظت على تركيبتها القديمة التي تحفظت على الفساد والتعيين على أساس المصلحة وعدم الكفاءة و السكوت على الملفات و تناول المشاريع و المخططات و الدراسات القديمة إن وجدوها في الرفوف وفي المكاتب بمحض الصدفة وبإدارات التعاون الدولي… ، خارج رؤى واضحة تنم عن تفكير مشترك و تخطيط سليم و منظومة رقابية كفأة ومخلصة لمهمتها ، مع غياب الكفاءات داخل الإدارة، فهي من أهم الأسباب التعثر التي تعيشه البلاد، فالعمل الإداري الحالي والمهني يجب أن يرتكز على الشهادة العلمية والخبرة والمهام الموكولة و الصمعة والنشاط المجتمعي لا على سلم مرتبط بالترقيات والتعيينات والامتيازات، وأمام الخصوصية الحالية التي تتسم بكثرة المؤسسات الإدارية المنعزلة عن المهنة والمهنيين وكثرة المديريات والمصالح التي تخضع لقرار الإداريين مكان الفنيين من المهندسين وأصحاب الاختصاص، فيجب علينا أخذ جملة من القرارات الهيكلية السريعة التي تمكن في مرحلة أولى من تجميع الهياكل الإدارية والمهنية تحت سلطة قرار واضح ومراقبة ذاتية للقرارات في المستوى الوطني والجهوي والمحلي تمكن من العمل على خطط وأهداف واضحة وتعالج المشاكل الاجتماعية والمهنية والأمنية والقضائية والتنموية في إطار تمهيد الطريق لتطبيق الدستور وقطع الطريق أمام المفسدين.
نظرا لكونك مهندس وعضو نقابة المهندسين التونسيين، ماهي اقتراحات النقابة الوطنية للمهندسين التونسيين في هذا القطاع؟
بدأنا فعليا مع الوزارة و قدمنا اقتراحنا والمتمثل في ما يلي « تعبر النقابة الوطنية للمهندسين التونسيين عن دهشتنا للحالة المزرية والمشاكل والتهميش الذي وصلت إليه الأراضي الدولية والوضع الذي يتخبط فيه مهندسينا من النخبة الذين تخلوا عن وظائفهم وتحملوا مسؤولية تجديد وتشبيب وتنمية الفلاحة التونسية عبر الإشعاع بالمقاسم الفلاحية الدولية التي سلمت إليهم و إننا نستشعر مسؤولية الدولة والإدارة في بلوغ هذا الوضع عبر القوانين والآليات وطرق العمل والضعف والتشتت في أخذ القرار ويعتبر معالجة هذا الموضوع الخطير مدخلا لتعصير الفلاحة وتحسين تشغيلية المهندسين وتحسين التكوين المهني والعالي والإرشاد والبحث والتجديد في الفلاحة والاندماج الاجتماعي لسكان الريف.
بالمناسبة تطلب النقابة الوطنية للمهندسين التونسيين كل الأطراف اتخاذ إجراءات كفيلة بإعطاء الثقة والتفاؤل والطمأنة، فالموضوع دقيق وحساس ويهم بجزء كبير مستقبل الفلاحة في هذه البلاد وسياستها، ما لهذه الأراضي من دور اجتماعي وتشغيلي وتعديلي للإنتاج ودور في البحث والتجديد والتكوين والإرشاد وحتى لا يفوت المهندسون هذه الفرصة فعليهم بالتنسيق مع التنظيمات المهنية والمجتمعية ذات الصلة والوطنيون ومع نواب الشعب حتى تتمكن هذه الأراضي من تطوير الاقتصاد التونسي واجتناب الحلول الترقيعية التي لا يمكن لها أن تعالج أهم موضوع تم اختياره من أولويات المئة يوم للحكومة.
و من باب المساهمة في بلورة التوجهات المستقبلية للفلاحة عبر ما تم اقتراحه من خلال المجلس الأعلى للفلاحة و الصيد البحري في إنجاز إستراتجية تنمية قطاع الفلاحة و الصيد البحري في أفق 2020، تواصل النقابة الوطنية للمهندسين التونسيين اهتماماتها بمتابعة ملفات التنمية بالبلاد وتلخص اقتراحاتها في ما يخص تطوير أداء الأراضي الدولية بما يلي:
– حماية ملكية الدولة والمستثمر « إسقاط كل القوانين والأوامر المتعلقة بالأراضي الدولية ووضع قانون توجيهي جديد يحدد كل أشكال التعامل مع الأراضي الدولية ويحمي ملكية الدولة وملكية المستثمر ويحمي الأراضي من الاعتداء والتشتت ويحدد الأدوار الأمنية والقضائية في حماية الأراضي الدولية الموضوعة على ذمة المستثمرين والمهندسين والتقنيين ويحدد الأدوار في التجديد والتكوين والإرشاد.
– حماية المهندسين والمستثمرين عند إسقاط الحق.
– التفكير في تركيز شراكة جديدة تطمأن الباعث أو مجموعة من الباعثين من فئة المهندسين وتبقى على الدولة دور الضامن في المتابعة والدعم وتطور المؤسسة الإنتاجية أو الإقتصادية.
– رفع نسبة التأطير بتشغيل المهندسين داخل الشركات و المؤسسات العمومية المستغلة للأراضي الدولية والمقاسم على أساس برامج عمل وبرامج إنتاج وتحويل وتسويق وبرامج بحثية وإرشادية.
– إحداث هيكل مهني وطني وهياكل مهنية جهوية في إطار هيكلة الوزارة والمهنة تُعنى بالاستثمار والمساعدة والدعم والتنسيق بين المقاسم الفنية ووضع نظام أساسي للمهندسين مالكي المقاسم وذوي الخبرة يمكنهم من المساهمة في التكوين والتأطير والإرشاد والتجديد في الميدان الفلاحي تثمينا لتجربتهم المهنية والتقنية.
– تحسين التشغيلية ووضع برنامج تأهيل للأراضي المستغلة من طرف مؤسسات الدولة.
– تركيز حوكمة جهوية جديدة في المتابعة والإحاطة وأخذ القرار.
– وضع برامج تنموية لشركات الإحياء والمؤسسات العمومية المستغلة تراعي الاندماج الاجتماعي تشغيل – إسداء خدمات – تكوين – بحث تطبيقي» بالوسط الريفي والإشعاع محليا وجهويا ووطنيا.»
– التفكير في أدوار و طرق جديدة للإدارة في تسيير الأراضي الدولية تمكن من تحسين التأطير والتشغيل والتكوين وتحسين تنويع الإنتاج والتحويل والتسويق».
هل لك أن تحدّثنا عن مسألة الأمن الغذائي؟
رغم الأرقام المذكورة سابقا والمعلومة وما تعكسه من أهميّة الفلاحة، إلاّ أنّها في الآن ذاته تبرز الوضعيّة الصعبة للقطاع الفلاحيّ الذي عرف تراجعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، حيث تراجعت مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج المحليّ الإجمالي من 17٪ في تسعينات القرن الماضي إلى 8٪ في أواخر السنة الفارطة، بالإضافة إلى العجز المتواصل في تغطية الواردات الغذائيّة والذي يناهز 30 ٪، وتثير هذه الأرقام القلق نظرا لتبعاتها السلبيّة على الوضع الاقتصاديّ ككلّ، والذّي يمرّ منذ أكثر من سنتين بأزمة خانقة مسّت جميع القطاعات، ولكنّ خصوصيّة الفلاحة تكمن في ارتباطها بمسألة مصيريّة بالنسبة للشعب التونسي وهي مسألة الأمن الغذائي وقدرة البلاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسيّة.
هل من إضافة؟
إن دور المهندس كمنظومة وفكر مختلف تماما لدوره المفروض داخل المؤسسة المهنية، تبدأ البرمجة بتعيينه في خطة وظيفية غير اختصاص تكوينه لإبراز ضعفه وضمان انصياعه لمسئوليه، محاولة إغرائه بالامتيازات التي يمكنه الحصول عليها دون غيره من زملائه (وهي حق لكل موظف حسب الكفاءة المهنية والقوانين المعتمدة) لتنفيذ كل ما يطلب منه دون تفكير أو عصيان ( وخاصة في مغالطة زملائه، الفتنة، مساندة كاملة للمسؤول وحني للفساد الموجود……). وإن واجه المهندس ورفض، تمارس عليه كل الضغوطات والتأويلات وتحت غطاء القانون دون تدخل أي منظومة دفاع تنصفه لا إداريا ولا غطاء خارجي، ويصبح هذا الأخير من المغضوب عليهم (مجمد بلغة الإدارة و الإداريين مع حرمانه من آية امتيازات ودورات تكوينية……) إلي أن ينصّب رئيس جديد عليه (من المرضي عليهم والمقربين، دون اعتبار الاختصاص والخبرة) ويكون قد تعلّم مهندسين الدرس ويدخل في منظومة الانصياع. شكرا لكل مسؤول أسّس وهيّأ وساهم في تثبيت هذه المنظومة، وتحية لكل مهندس سكت وخضع وأيّد هذه الشبكة.
كلمة الختام:
إنّي أريد أن أسلط الأضواء على أربعة محاور متكاملة ومتشابكة لهذا الموضوع، فالهدف الأول هو المساهمة في تبسيط وتوضيح الرؤى والإشارة إلى مكمن الإخلال الحقيقي في التشغيلية بالبلاد التونسية وخاصة في القطاع الفلاحي والصيد البحري المرتبط أساسا بالمنهج والمحتوى المعرفي والعلمي للمهارة وكفاءة الفرد الذي يمثل الرصيد القوي لرقي الشعب والدولة التونسية، أما الهدف الثاني فهو التمحيص المنهجي من خلال تبيين البرهان والحجة للتآمر بنفس الطريقة البائدة وتواصل مسلسل الإقصاء من المساهمة في البناء، والتأثير في مجرى الأعمال والأشغال العلمية والبيداغوجية لتجميل الصورة وفي الباطن ضعفا ومراوغة وإعادة للاقتراحات والإجراءات السابقة التي تبين فشلها. الهدف الثالث لهذه القراءة هو تقديم إجراءات عملية لتحسين مستوى التشغيلية لنسيج المؤسسات الاقتصادية والخاصة التي تدور حول الإنتاج الفلاحي والصيد البحري ومحيطه.
في الأخير أؤكد على أهمية التعمق في حقيقة فشل برامج تأهيل المؤسسات الاقتصادية ومراكز التكوين المهني وأسباب ضعف وتدنّي مهارات المتخرجين من منظومة التكوين المهني التي لا تستجيب إلى الحاجيات الحقيقية للمهنيين.