جريدة الخبير

حوار مع السيد «سامي العوّادي» الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي ورئيس مخبر الاستشراف والإستراتيجية والتنمية المستدامة: أهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية في تونس ما بعد الثورة

Capture d’écran 2016-01-27 à 15.19.12

حوار: هاجر عزّوني

رغم مرور خمس سنوات من ثورة «الحرية والكرامة» إلاّ  أنّ تونس ما تزال تشهد تدهورا في الوضعين الاقتصادي والاجتماعي نتيجة السياسات المتتالية المتذبذبة والمتضاربة ممّا جعل الدولة مُهددة بالإفلاس.

وقد سعت الحكومة الحالية إلى معالجة الاخلالات الكبيرة التي شوّهت أسس الاقتصاد التونسي وشلت مفاصله وركائزه الأساسية.

وهو ما دفعنا الى التوجّه الى احد الخبراء في الميدان السيد «سامي العوّادي» الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي ورئيس مخبر الاستشراف والإستراتيجية والتنمية المستدامة للتعمّق في تداعيات الوضع الاقتصادي والاجتماعي على البلاد مع التحليل الدقيق والذي أجابنا عن أسئلتنا كالتالي:

كيف ترى الوضع الاقتصادي والاجتماعي اليوم والبلاد مقدمة على تحدّيات كبيرة؟

منذ بداية الثمانينات وجدت بلدان عديدة من العالم الثالث – خصوصا بأمريكا اللاتينية وإفريقيا –  نفسها مجبرة، تحت وطأة أزمة مالية حادة، على التخلي عن استراتيجياتها الذاتية في التنمية وطموحاتها الوطنية، وعلى اعتماد سياسات تعديلية عرفت بـ»برامج التعديل الهيكلي»، وذلك تحت تأثير الأطراف المقرضة وخاصة منها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. وتتميّز تلك البرامج بتماثلها بالنسبة لمعظم البلدان النامية، إذ هي تُحيل على نفس الوصفات. وهي وصفات تندرج ضمن القواعد النظرية لمثال التنمية الذي أقرّه وفاق واشنطن المكرّس لهيمنة الاختيارات اللبرالية الجديدة. ولا تزال تلك الاختيارات تطبع إلى اليوم التوجّهات الاقتصادية في تونس رغم حدوث الثورة. وقد تكفّلت العولمة بجرّ تلك البلدان النامية منذ أواسط التسعينات إلى اعتماد توجّه التبادل الحر على غرار الاتفاقية التونسية الأوروبية للتبادل الحر لسنة 1996.

   يمكننا أن نلخّص في النقاط التالية أهمّ خصائص منوال التنمية في تونس والذي لا يزال ساريا إلى اليوم:

1. تراجع الدولة عن دورها التعديلي للسوق وللأسعار، والحدّ من تدخّلاتها التي من شأنها تخصيص موارد تتعارض وآليات السوق (حماية، تسعير، إعانات…)؛

2. تخصيص المؤسسات العمومية وفتح بعض الاحتكارات العمومية أمام المبادرة الخاصة،(الكهرباء، الاتصالات…)؛

3. حيادية أنظمة التحفيز على الاستثمار (استبعاد الخيارات العمومية والاستراتيجيات القطاعية)؛

4. تحرير التجارة الداخلية من خلال تحرير الأسعار ومسالك التوزيع، والتجارة الخارجية من خلال تفكيك نظام الحماية القمركية وتحرير الصرف وإلغاء الرخص الإدارية وإلغاء التضييق على التبادل …؛

5. تخلّي البنك المركزي عن تدخّله بالسوق المالية وانتهاج التحرّر المالي من خلال تحرير نسبة الفائدة وقابلية التحويل وحرية الصرف…

  نجم عن هذا المنوال الذي ظل ساريا بعد الثورة اشكاليات عديدة ومعقدة نقسمها الى اقتصادية واجتماعية.

لنبدأ بالتحديات الاقتصادية، ما هي التراكمات السلبية في فترة ما بعد الثورة؟

من أهم الاشكاليات الاقتصادية هي على التوالي:

1. نمو بدون تنمية: النمو الاقتصادي فعل تراكمي ينجم في نهاية التحليل عن الزيادة في الإنتاج، في حين أن التنمية هي عمل متعدّد الأبعاد وطويل النفس. والحال أن تونس، إذا ما استثنينا انزلاقات ما بعد الثورة، ظلت تحقّق على المدى الطويل نسبة نمو تتراوح في المعدّل بين 4.5 و5 بالمائة يحدّدها بالأساس الطلب الداخلي وهي مرتبطة شديد الارتباط بمؤهّلات القطاع الفلاحي المرتبطة بدورها بالظروف المناخية. هذا النسق البطيء للنمو، رغما عن تغيّر استراتيجيات التنمية من المنوال الموجّه من قبل الدولة خلال الستينات إلى المنوال المتفتّح على الخارج منذ السبعينات ومرورا بالمنوال الليبرالي في إطار برنامج التعديل الهيكلي لأواسط الثمانينات وبمنوال التبادل الحر لأواسط التسعينات، اعتبر نسقا مرضيا من قبل العديد من المختصّين رغم أن بعض الدراسات ومن بينها تلك التي أعدّها البنك العالمي تفيد بأن امتصاص طلبات التشغيل الإضافية يتطلّب نسبة نمو تقدّر بما لا يقلّ عن 8 بالمائة. وهذه النسبة يجب مراجعتها ازديادا إن أخذنا في الاعتبار انفجار نسبة البطالة غداة الثورة.

في المقابل لم تعرف تنمية الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهياكل البنية التحتية تغييرا ذا معنى وبقيت كلّها عاكسة لصورة بلد متخلّف. فالهياكل الاجتماعية والاقتصادية لتونس، والتي رُكّزت بالأساس خلال الستينات في إطار السياسة المخطّطة للدولة، لم تواكب النمو الديمغرافي ولا تنوع وتزايد الحاجات ولا ازدياد الطلب الاجتماعي على مختلف الخدمات ولا أيضا الطلب الاقتصادي لمختلف الخدمات الإدارية والفنية الموجهة للمؤسسات. إن حالة التردي التي أصبحت عليها البُنى التحتية الرئيسية والتجهيزات الجماعية (طرقات، خطوط حديدية، سدود، جسور، مطارات، مؤسسات ثقافية وتربوية ورياضية)، بالإضافة للبطالة المفزعة الظرفية منها والهيكلية، كلّها شواهد على هشاشة المنوال الاقتصادي في بلادنا، منوال نمو بدون تنمية.

2. نظام إنتاجي غير مندمج ومفكّك وعلى تبعية قوية للواردات من الخارج وينجم عن ذلك بالضرورة إنتاج صناعي بقيمة مضافة ضعيفة وتشغيلية محدودة خاصة بالنسبة لمواطن الشغل النوعية.

3. استثمارات شديدة الارتباط بالحوافز ومؤسسات موجودة في معظمها بسافلة سلاسل الإنتاج، وهو ما ينجم عنه ضعف في العلاقات ما بين القطاعات المحلية، وبالتالي ضعف في الانعكاسات الجرارة الداخلية: فالاستثمار الموظف في تونس يخلق نموا أكبر وتشغيلا أهمّ لدى المزوّدين الرئيسيين للمؤسسات وخاصة من الأوروبيين.

• الاستثمار الخاص : منذ اعتماد برنامج الإصلاح  الهيكلي و تخلي الدولة عن الأنشطة الإنتاجية ، فإنّ الاستثمار الخاص لم يتمكّن من النهوض ومن تعويض الاستثمار العمومي و بقي مستواه ضعيفا ، خاصة في المناطق الداخلية. و على المستوى الوطني، فإن هذا النوع من الاستثمار لم يمثل،  خلال السنوات الماضية،  إلا ما يقارب % 18 من الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة 2011-2015 مقارنة ب % 30 في المغرب و البلدان الآسيوية. و بالتالي فإنّ القدرة على خلق فرص كافية للعمل بواسطة الاستثمار الخاص لا تزال ضعيفة.

• الاستثمار العمومي : بالرغم من كل الجهود المبذولة،  ظلّت الاستثمارات العمومية في البنية التحتية غير كافية بصفة عامة اضافة الى تمركزت نسبيا في العاصمة و المناطق الساحلية بينما بقيت المناطق الداخلية تشكو من بنية تحتية  هشة. و هو ما يفسر أساسا ضعف الاستثمار الخاص، باعتبار المفعول الجرار للاستثمار العمومي في مجالات البنية التحتية على الاستثمار الخاص . ولم تتجاوز نسبة انجاز المشاريع العمومية 36%

خلال فترة 2011-2015.

4. تمويل مختل للاستثمارات الخاصة عن طريق سوق مالية ضعيفة لا تقدر على أن تكون واجهة بين المموّلين ومستخدمي المال؛ وعن طريق سوق نقدية تتولّى فيها بنوك صغرى اساسا دور المموّل للاستهلاك الذي يهمّ في معظمه مواد مستوردة مثل السيّارات، أو مواد البناء، بما يحدث ارتفاعا مشطّا للأسعار خاصة وأن تلك البنوك تطبّق أسعار فائدة تفوق ما تطبّقه البنوك الأوروبية. كما أنها لا تتولّى تطبيق قواعد التسيير الحذر مثلما أبانته الفضائح المالية التي برزت بعد الثورة وشملت البنوك العمومية والخاصة.

5. قطاع خاص هش وضعيف البنية بما يحول دون قيام اقتصادات الحجم ذات قدرة على التجديد وقدرة على المفاوضة عند عقد الصفقات: 0.7 بالمائة فقط من النسيج الاقتصادي تمثّله مؤسسات مشغّلة لأكثر من 50 عامل. وفي الصناعات المعملية توجد 5500 مؤسسة مشغّلة لأكثر من 10عملة وهو ما يمثّل 5 بالمائة من النسيج الاقتصادي، ونصف عددها على ملك أجانب. كما تفتقد الشركات لاستراتيجيات انتاجية او تجارية طموحة وتحول بعضها الى وسيط تجاري بين السوق العالمية والسوق الوطنية .

6. قطاع عام مفلس وموظف وبدون سياسات عمومية متناسقة واستشرافية تضرر بشكل لافت من منطق الغنيمة فيما بعد الثورة. بعد ان كانت النتائج المالية للجزء الهام من المنشآت المصنفة «تشكو من صعوبات مالية» ( 46 مؤسسة) في مجملها ايجابية قبل الثورة بفائض قدر ب 61 مليون دينار سنة 2010 تدهورت هذه النتائج بنفس المؤسسات الى عجز ب 1200 م د سنة 2013. كما تفاقم عجز بقية المنشآت العمومية المصنفة  ذات «خسائر متراكمة» (39 مؤسسة)  من -1683 م د الى -3002 م د  في نفس الفترة.

7. قطاع تصديري ضعيف التنافسية تهيمن عليه المؤسسات الأجنبية التي تعمل بنظام المنطقة الحرة (offshore) بما يجعلها منفصلة تماما عن الاقتصاد الوطني. وهو قطاع  مُنشَّط اصطناعيا بمنظومة حوافز سخيّة وبميزات تفاضلية جامدة مرتكزة على ضعف الأجور.

8. مديونية عمومية مُشطّة: يقدّر الدين العمومي سنة 2015 بما يزيد عن 46 مليار دينار، أكثر من 60 بالمائة منها من أصل خارجي،  تمثّل 52.7 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. وهي بذلك ترتهن حظوظ الأجيال القادمة في التنمية بفعل التأثيرات المشؤومة التي تحدثها وجوبا على مجموع العمل التنموي للدولة. وبدأ ذلك يبرز من خلال نسبة العجز التي بلغتها ميزانية الدولة بـحوالي 4.5 بالمائة لسنة 2015. كما نذكّر بأن ثلاث وكالات دولية متخصصة في التصنيف السيادي، من جملة الأربع الأكبر، عمدت إلى تخفيض الترقيم الخاص بتونس وهو ما يفتح الباب لشروط تداين أكثر إجحافا.

9. تداين عمومي خارجي قياسي بلغ الى حدود الثلاثية الثانية لسنة 2015،  26416 م. د م منها 22 بالمائة دين ثنائي الاطراف ويمثل 45.1 بالمائة من الدخل المتاح.

10. حوكمة غير رشيدة في هياكل الدولة تعيق بروز دولة القانون وتفعيل حرية الأعمال واحترام قواعد اللعبة: تأتي في المقام الأول إدارات الديوانة والضرائب والقضاء، فهي الأكثر تعرّضا للشجب باعتبارها الأكثر عرضة للتدخّلات والاستعمالات الشائنة من قبل النظام الدكتاتوري. وحتى البنوك لم تسلم من تلك التصرّفات المجحفة.

11. تفشي القطاع الموازي : بالرغم من عدم توفّر إحصائيات خاصة بالقطاع غير المنظم، فإنّنا نلاحظ مدى تفاقم هذا القطاع. ففي ظل غياب واضح لفرص حقيقية للعمل، فإنّ عددا كبيرا من السكان النشطين  قد توجّهوا نحو القطاع غير المنظم.  و تتعلق أغلب الأنشطة بتجارة السلع المتأتية مع البلدان المجاورة، مثل ليبيا و الجزائر. و تلحق أنشطة القطاع غير المنظم أضرارا عدة  بأنشطة القطاع المنظم و بظروف العمل اللائق، إضافة إلى تدني المداخيل و العائدات الضريبية للدولة

12. فساد مناخ الأعمال : تميّز الاقتصاد التونسي قبل 14 جانفي 2011 بوجود نصوص قانونية يمكن أن تعادل، إن لم نقل تفوق،  تلك الموجودة في البلدان المتقدمة. و تبقى المشكلة مطروحة أساسا على مستوى فاعلية هذه القوانين التي ولدت الكثير من الضبابية و أثّرت سلبا على الاستثمار الخاص، من جراء عدم الفصل بين السلط التشريعية  و التنفيذية  و القضائية. و ساهم الخلط بين الدولة و الحزب الحاكم في تشويه قوانين اللعبة و  أدى إلى تدهور بيئة الأعمال. و قد تجلى هذا التدهور في :

  غياب الشفافية و الإنصاف على مستوى قوانين اللعبة. فعلى سبيل المثال ، سادت المحسوبية على جميع معايير التأهيل في ما يتعلق بإسناد الأسواق العمومية.

  البطء التنظيمي للإدارة، مما حث بعض  المسؤولين على الانخراط في منظومة فساد و شكل ذلك تكلفة إضافية للمؤسسات.

  التعقيد و الغموض على مستوى النظام الضريبي، الأمر الذي شجّع على التهرب الضريبي  و الفساد.

– مجلة الإستثمارات التي تعتبر معقّدة و صعبة المقروئية. كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار التطور الذي عرفه الاقتصاد التونسي و لا تشجّع الأنشطة التي تعتمد على التكنولوجيات الحديثة و ذات القيمة المضافة العالية.

ماذا عن الاشكاليات الاجتماعية؟

للتطرّق إلى هذا الموضوع يمكن تجزئته الى ستّة عناصر متلازمة مترابطة:

1. منوال تنمية إقصائي على صعيدين: أوّلا على الصعيد الاجتماعي، فهو يقصي الشرائح الاجتماعية الهشّة بفعل الأجور الضعيفة وندرة فرص الشغل القارة وتراجع التحويلات الاجتماعية. وثانيا على الصعيد الجهوي، فهو يقصي المناطق الداخلية ويتركها لمصيرها غير قادرة موضوعيا على جلب الاستثمار الخاص وعلى شدّ أبنائها إليها، كما يقع استبعادها من برامج الاستثمار العمومي لفائدة مناطق ساحلية، ولا يُلتفت إليها إلاّ من خلال « البرامج الرّئاسية» لتَنشأ بها بعض البحيرات الجبلية الصغيرة أو المسالك الفلاحية المؤقّتة أو من خلال تدخلات وإعانات أخرى مفتّتة ، وهي كلّها مشاريع تكرس الهشاشة  وتمثل معالجة اجتماعية وغير اقتصادية للتهميش. كما يطال الإقصاء المرأة على أكثر من صعيد: أوّلا على صعيد سوق الشغل حيث تتمّثل المرأة بنسبة متواضعة (فقط 25.7  بالمائة  سنة2015) وذلك بفعل عدّة عوامل تمييزية لا تزال قائمة بمجتمعنا مثل إفراد المرأة بأعباء شؤون المنزل وتربية الأطفال. ثمّ  على صعيد النفاذ إلى الشغل باعتبار نسبة البطالة النسائية التي تفوق بوضوح مثيلتها لدى الذكور، وبالنظر كذلك لهشاشة الأوضاع المهنية للنساء والشروط غير اللائقة للعاملات خاصة بقطاعات الفلاحة والتنظيف والعمل بالمنازل حيث تخضعن لممارسات استغلالية متنوّعة من قبيل غياب التغطية الاجتماعية والأجر القانوني بفعل شبه الغياب للهيكلة النقابية الممثّلة لمصالحهنّ. هذا بالإضافة إلى الإقصاء الجلي للمرأة من الوظائف الإدارية السامية (12 بالمائة بالوظيفة العمومية) في حين نجدها بنسب عالية بالرتب الدنيا والمتوسطة.

2. الحيف الجبائي ويتمثّل في هيكلة مختلّة للمداخيل الضريبية للدولة على حساب المستهلكين والأجراء من ناحية، كما يتمثّل من ناحية أخرى في استفحال التّهرّب الجبائي والإخلال بالواجب الجبائي الناجم عن النظام التقديري الذي يحوّل لفائدة الفئات المترفّهة. حوالي 68 بالمائة من الموارد الذاتية لميزانية الدولة لسنة 2015 متأتية من الموارد الجبائية. ولقد حرمت عمليات خصخصة المؤسسات العمومية الدولة على مرّ السنوات من موارد ذاتية قارة أخرى. بلغت الضرائب المباشرة المحينة  لسنة 2015 بلغت 7775  مليون دينار تنقسم الى 4655 م د (59.9 بالمائة) ضريبة على الدخل و 3120 م د (40.1 بالمائة ) ضريبة على الشركات منها 14.1 بالمائة دفعتها الشركات البترولية و 26.0 بالمائة الشركات التونسية الخاصة والعمومية. هذه الهيكلة الغير منصفة لا يمكن ان توجد الا في البلدان المتخلفة.

3. بطالة هيكلية مستفحلة: في ماي 2015 بلغ عدد العاطلين605.1 ألف شخص بعد أن كان في ماي 2009 يهمّ 491.8 ألف شخص، وهذا التزايد تأتّى أساسا من ظاهرة استفاقة البطالة النائمة التي انفجرت وعبّرت عن نفسها اثر الثورة.

– حسب الجنس، تطال البطالة النساء ( 22.2 بالمائة) أكثر من الرجال (12.4 بالمائة) وذلك لشهر ماي 2015. وهو معطى هيكلي تفاقم على مرّ السنوات: ففي 2005 كانت نسبة العاطلات 15.2 بالمائة مقابل 12.1 بالمائة للعاطلين. ونسبة العاطلين خريجي الجامعة تفاقمت بحوالي 16 نقطة بين التاريخين بما جعلها تتضاعف من 14.4 بالمائة إلى 30.0 بالمائة بين نفس التاريخين.

– جهويا توجد فوارق صارخة: 8.9 بالمائة في ماي 2015 في الوسط الشرقي مقابل 26.1 بالمائة في الجنوب الغربي تصل الى 27.9 بالمائة و 30.0 بالمائة في تطاوين.

4. اختلال جهوي صارخ: وهو نتاج لمنوال التنمية الإقصائي والمرتكز على الأوساط الحضرية الكبرى وأحواض الاستهلاك والتشغيل وحذو منشآت البُنى التحتية الموروثة في أغلبها عن فترة الاستعمار. لقد بيّن مؤشّر التنمية الجهوية لسنة 2015  والذي يتراوح مداه بين 0 و 1 أن ولاية تونس تتوفّر على احسن مؤشّر بقيمة 0.76 يقابله 0.250 في القيروان و0.234 في جندوبة و 0.231 في القصرين.

5. انخرام التوازن البيئي ومستلزمات التنمية المستدامة : ما تجب معاينته هو أن المحيط في تونس تكبّد التبعات المؤلمة لسياسة غير متبصّرة ولمنوال تنمية لا يعير كبير اهتمام للمحافظة على المحيط وعلى الموارد النادرة. يمكن رصد أهمّ المشاكل المتعلّقة بتدهور المحيط في النقاط التالية: الاستغلال المفرط للموارد المائية المحدودة للتنوّع البيولوجي البحري ، التلوّث الناجم عن الإنتاج الصناعي، إنتاج الفضلات بكمّ متزايد مع ضعف التصرّف فيها وإعادة رسكلتها رغم المجهودات المبذولة في الغرض…..فضلا عن ذلك يعتبر عدد من الأخصائيين أن المحيط أصبح الضّحية الأولى في تونس ما بعد الثورة، ويعود ذلك بالأساس لتراجع المراقبة الإدارية التي قامت بتشخيص مفزع للوضع القائم بيّن أنه من جملة 121 منطقة صناعية بالبلاد توجد 15 منها فقط تستجيب للمواصفات بصفة مقبولة. والحال أن «الوكالة الوطنية لحماية المحيط» لا تتوفّر إلاّ على24 مراقب بكامل البلاد. و»مجلّة المحيط» لم تصدر بعد.

6. الفقر : على ضوء الدراسات المتعلقة بالميزانية و الاستهلاك و المستوى المعيشي للأسر لسنة 2010، فإن معدل الفقر على المستوى الوطني قد بلغ % 5،15  سنة 2010 (و4.6% نسبة الفقر المدقع  لسنة2015) مقابل % 4،32  سنة 2000. ورغم هذا الانخفاض ، فإنّ هذا المعدّل يخفي تفاوتا  هائلا  بين الأوساط و الجهات، إذ نجد أن الفقر أكثر انتشارا في الأوساط الغير حضرية (الريفية) التي ترزح أكثر من غيرها تحت وطأة الفقر المدقع (% 2،9  مقارنة بالمعدل الوطني الذي يبلغ % 6،4). و تظل مناطق الشمال الغربي  و الوسط الغربي و الجنوب الغربي من أكثر المناطق فقرا. و لا تخلو المناطق الأفضل من  تواجد جيوب فقر بمعدلات مرتفعة. ونلاحظ  جراء هذا  التفاوت الجهوي و الاجتماعي كيف أن  الفقراء أصبحوا  يورّثون الفقر لأبنائهم، خاصة و أنّ التعليم قد فقد دوره كمصعد اجتماعي (ارتفاع معدل بطالة حاملي الشهائد).

هل هناك تداعيات للارهاب على الوضع الاقتصادي؟

من تداعيات الارهاب أنه ذات أبعاد اقتصادية ومالية واجتماعية وتمس الدولة والخواص بشكل مباشر، هذه التكلفة وهذه التداعيات تمرّ عبر ثلاث قنوات رئيسية كالآتي:

1- مناخ الأعمال يتضرر كثيرا ممّا يسببه الإرهاب من إرباك وانتظارية للاستثمار المحلي الخاص، وهو انكماش يقلص من حجم التشغيل وبالتالي ترتفع نسبة البطالة. كما يتأثر مناخ الأعمال من الإرهاب بما يسببه من تشويه لسمعة تونس فتتراجع مرتبة تونس في التصنيفات الدولية لتصبح وجهة غير آمنة وغير مستقرة وقد تتأثر بذلك وكالات التنقيط الدولي فتصبح شروط نفاذ بلادنا إلى الأسواق المالية عسيرة من حيث نسبة فائدة أكبر ومدة تسديد أقصر.

2-  وللإرهاب انعكاسات مباشرة ومؤثرة على المالية العمومية من حيث إعادة هيكلة المصاريف على حساب مصاريف التنمية والتحويلات الاجتماعية، ذلك أن الإرهاب يضطر الدولة إلى تخصيص جزء من إعتمادات الميزانية إلى مصاريف تسلح وجزء آخر إلى مصاريف أجور بعنوان انتدابات جديدة صلب القوات المسلحة. ولا تملك الدولة التونسية بحكم إكراهاتها المالية حلولا كثيرة لتمويل مصاريف مقاومة الإرهاب، فهي تلتجئ إلى تقليص جزء من الإعتمادات المرصودة سابقا للتنمية وجزءا من مصاريف التحويلات الاجتماعية أو الضغط على الانتدابات مثلها كما هو الحال بالنسبة للسنة القادمة 2016.

3-  وفي كل الحالات، فإن توازنات المالية العمومية تزيد انخراما بحكم اللجوء إلى التداين ويكون لذلك تداعيات اجتماعية سيئة من حيث انكماش الانتدابات العمومية والضغط على بقية المصاريف الاجتماعية.

إلا أن القناة التي تمر منها التداعيات الاقتصادية للإرهاب تتمثل في الضربة الموجعة والقاصمة التي تلقّاها قطاع السياحة، ولنا في عملية سوسة الإرهابية عبر ودروس، وتتمثل تداعيات الإرهاب على قطاع السياحة في إلغاء الحجوزات الجارية والمبرمجة، وفي انخفاض عدد الليالي المقضاة ورقم أعمال النزل والمطاعم ومداخيل الدولة من العملة الصعبة. ولا شكّ أن ذلك ينعكس مباشرة على التشغيل بسبب اضطرار النزل إلى تسريح عدد من العمال. بل أن تداعيات الإرهاب على السياحة تتجاوز القطاع السياحي إلى قطاعات أخرى، ذلك أن تقلص النشاط السياحي تتأثر منه عدة قطاعات في علاقات تبادل مع السياحة مثل النقل الجوّي والبرّي والبحري والتغذية والمطاعم والأنشطة الترفيهية. وللتذكير فإن خلق موطن شغل واحد مباشر في قطاع السياحة يتسبب في خلق 1،4 موطن شغل غير مباشر في القطاعات الأخرى.

وإن لا يمكن ضبط تكلفة الإرهاب كميا بصفة دقيقة فإنه يمكن الإشارة إلى بعض المعطيات، مثل دراسة المعهد العربي لرؤساء المؤسسات التي تقدر أن القطاع الخاص في بلادنا تكبّد 225 مليون دينار خسائر جرّاء الإرهاب كما يمكن الإشارة حسب نفس المصدر إلى أن التكلفة الجملية تبلغ 1125 مليون دينار أو 8،1٪ من الناتج الداخلي الإجمالي، وهنالك تقديرات أخرى مثل تقديرات مركز دراسات الأمن الشامل التي تحدد التكلفة المالية للإرهاب بألف مليون دينار سنويا، وإذا كان هذا الرقم دقيقا فهو يمثل تقريبا خمس ميزانية التنمية.

وعلى أي حال فإن تفحص مشروع ميزانية الدولة لسنة 2016 ينبئ بأكثر من دلالة على الحجم الثقيل لتكلفة الإرهاب حيث وقعت برمجة ارتفاع في ميزانية الدفاع بـ11٪ وفي ميزانية الداخلية بـ14،5٪ على حساب وزارات أخرى مثل التنمية والتشغيل والفلاحة.

إلاّ أنه لا يجوز تهويل المسألة، فمقولة مرور الاقتصاد التونسي إلى اقتصاد الحرب أو اقتصاد الإرهاب لا تستقيم، فهناك دول شبيهة ومنافسة لنا مثل المغرب تتحمل مصاريف حرب ثقيلة منذ سنوات ضد البوليساريو ولم يتحدث مفكروها عن اقتصاد الحرب.

المطلوب اليوم من كل الأطراف تحمل مسؤولياتها في مقاومة الإرهاب. فتسليح الأمن والجيش وتأهيلهما وتعزيزهما مسألة ضرورية وإستراتيجية، والدولة مطالبة بتخصيص الإعتمادات اللازمة لذلك، ولكن لا يجب أن يتم ذلك على حساب ميزانية التنمية فتتضرر خاصة مشاريع البنية التحتية في الجهات الداخلية ولا على حساب ميزانية التصرف فيتضرر من ذلك الإجراء وطالبي الشغل أي الشباب الجامعي الذي بدأ يتململ اليوم على خلفية حجب الانتدابات في الوظيفة العمومية.

وتوجد حلولا لذلك إذا تحمل كل طرف مسؤولياته تتمثل رئيسيا في دعم الموارد الجبائية للدولة عن طريق ترفيع محسوس في نسبة استخلاص الجباية أوّلا، وفي مقاومة التهرب الضريبي ثانيا، واستخلاص المتخلدات الجبائية والخطايا وأصحابها معروفين ثالثا، وإدماج قطاعات متفصية بطريقة غير قانونية من الواجب الجبائي مثل التصدير والفلاحة والقطاع الموازي رابعا.

حوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *