إن المتابع لردود الفعل على الضربات الإرهابية المتواترة التي تتعرض لها بلادنا يذهل للإفراط في التعبير عن الرضاء فيما يتعلق بمواجهة هذه العمليات .
فمنذ هجوم باردو الذي شكل تحولا نوعيا لتنظيم داعش في عملياته و نحن نتحدث عن دخولنا في حرب مفتوحة على الارهاب و بأننا أصبحنا نملك القدرة على توجيه ضربات استباقية للخلايا الارهابية الناشطة داخل تراب الجمهورية و …و ….
و لكن الظاهر هو أن التنظيم الارهابي لم يرتبك إلى درجة الشلل بل هو يواصل التحرك كيفما يشاء بالخروج من جحوره للتموين بمختلف الطرق و ارهاب المدنيين العزّل دون تحسب لعملياته هذه، أضف الى ذلك تواصل عملياته المسلحة الموجهة ضد العسكريين و الأمنيين و المدنيين و آخرها ما حصل في بن قردان .
و رغم كم الحصائل من القتلى في صفوف الذين قاموا بعملية بن قردان فإن ما قابله من خسائر في صفوف الأمنيين و العسكريين و المدنيين عدد لا يستهان به.
وإن كان تدخل الجانب الأمني و العسكري اتسم بالشجاعة و كان رد فعله حاسما و هذا يحسب له من حيث الجاهزية التي أصبح عليها فإن ما رافق هذه العملية من تحاليل لا يرقى الى الواقع الذي علينا أن نقر به ألا وهو أن تنظيم «داعش» في تونس متغلغل و له خلايا نائمة في العديد من المناطق و ليس في بعض الجحور المهيأة في الجبال فقط.
كما أن عمليات مثل التي وقعت في باردو و سوسة و آخرها في بن قردان تدل بوضوح أن هناك تواطؤ مع هذا التنظيم أكبر و أخطر (مثل شقيق المهرب الذي أوقف و أطلق سراحه و مات خلال هذه العملية) مما كنا نتصوره.
و نحن إذ نحاول أن نبرر النواحي السلبية لردود الفعل التي رافقت العمليات الارهابية التي قام بها تنظيم «داعش» فليس من باب إحباط العزائم و إنما ليقيننا بأن التغيير النوعي الذي تشهده العمليات التي يقوم بها تنظيم « داعش» ليست عفوية و إنما تندرج ضمن استراتيجية معينة لا تدخل في اطار اشعارنا بأنه موجود على أرضنا و أنه باستطاعته الضرب كيفما يشاء و أين يشاء فقط بل إن المسألة تتعدى ذلك الى عمليات استكشاف حتى تتسم عملياته القادمة بنجاعة أكبر و يضع قدما راسخة على أراضينا.
لذا وجب علينا القيام بقراءة معمقة و خاصة من قبل السياسيين الذين لم يرقوا الى المستوى المطلوب في تحقيق توحد الرؤى و ترك الخلافات السياسوية التي تقود الوحدة الوطنية الى الهشاشة و التشرذم .و ما على رجال السياسة إلا العمل على تقوية الحس الوطني المرهف الذي تجلى في بن قردان و غيرها من المناطق التي طالها الارهاب بوجهه القبيح و على هؤلاء و علينا جميعا ألاّ نتبجح كثيرا بما حققناه الى حد الآن في مواجهة الارهاب مع الاشادة بالتضحيات الجسام لأمنيينا و جيشنا و أن نهيئ أنفسنا لما هو أسوأ حتى نقي أنفسنا بصدرية نجاة كي لا نغرق في مستنقع «داعش» و تبقى تونس مستعصية كما عهدناها عن كل من أراد بها سوءا.