لا يمكن لأحدٍ أن ينكر ما وصل إليه التعليم في تونس من رداءة غير مسبوقة.. فقد أصبحت المعاهد التونسية مليئة بالشّغب و التَّطاول على الأُطر التربوية، سواء من قبل التلاميذ أو الأولياء، الذين أصبحوا يرفضون أيّ عقاب يُسَلّطُهُ المُربّي على أبنائهم، حتى أصبح الأستاذ أو المدير أو حتى القيّم يُوَبَّخُ من أجل اتخاذه لموقف ضد تلميذ سَوَّلَت له نفسه التطاول على الإطار التربوي!
بهذه الطريقة ساهمنا في خلق جيل من التلاميذ، الذين لا يُكِنُّونَ أيَّ احترام للأستاذ و المربي، بل نجدهم لا يَكُفُّونَ عن التطاول على الأساتذة، إلى أن أصبح الأستاذ الحلقة الأضعف داخل المؤسسة التعليمية، و أصبح التلميذ هو المتحكم و الآمر الناهي، إلى درجة أصبحت فيها السّيطرة عليه أمرا مستحيلا.. و هكذا انتشر الداء و أصبحت المؤسسات التربوية ساحات لقلة الإحترام و الصراع، و بطبيعة الحال نحن هنا لا نعمم، بل نقصد فقط تلك الفئات التي خرجت عن السيطرة و أصبحت تقصد المعاهد، لا للدراسة بل لإثارة الشغب.
أرخت المؤسسة التعليمية مؤخرا قبضتها كثيرا، إذ لم يعد الإطار التربوي قادرا على ردع التلاميذ، أو اجبارهم على احترام الأستاذ و الطاقم الإداري، لذلك أصبح هناك نوع من التسيُّب بسبب غياب العقاب الرادع، و نحن بطبيعة الحال لا نعني الإعتداء على التلميذ، و إنما نقصد رسم حدودٍ سواء للتلاميذ أو الأساتذة أو حتى الاداريين، حُدودٌ و خُطُوطٌ حمراء يجب ألا يتم تجاوزها حتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من العنف القاهر الذي لا يقبله العقل أو المنطق.
هذا و تُسأَلُ الدار الأولى بمعنى عائلة التلميذ عموما، عن انتشار العنف في المدارس، سواء بين التلاميذ، أو حتى بين التلميذ و الإطار التربوي.. فَدَورُ الأهلِ ينحصر أولا في تهذيب أخلاق أبناهم، و كبح جماح العنف لديهم، و اجبارهم إن لزم الأمر على ضرورة احترام الأستاذ المربي و الأكبر سنا…
هي منظومة كاملة تواجه خللا عميقا أدّى بنا اليوم، إلى الوقوف على مسرح جريمة بشعة، كادت تحصد روح إنسان بريء، جريمة ارتكبت من طفل لا يزال في سن السابعة عشرة! و بالتالي لا يمكن تحميل المسؤولية لطرف واحد، بل هي أطراف عديدة و متعدّدة ساهمت بعمق في حدوث مثل هذا الإعتداء البشع، و ما على وزارة التربية و التعليم إلا مراجعة سياساتها و تطوير طرق الردع، حتى لا يَتَغَوَّل التلميذ و يصبح كابوسا للأستاذ و الطاقم التربوي، كذلك يُسأَلُ الأستاذ نفسه عن حالات العنف الغير مبررة، أو العقاب الخارج عن النواميس المتعارف عليها.. باختصار يجب إصلاح المنظومة التربوية و تطويرها بما يتماشى مع خصوصيات هذا الجيل، حتى لا نقف من جديد على جريمة مماثلة.
بلال بوعلي