تاريخ تونس هو ليس فقط تاريخ دولة عربية مسلمة تقع في أقصى شمال افريقيا بل هو جزء من التراث العالمي حيث احتضنت العديد من الحضارات التي تعاقبت عليها و التي قدمت عديد الرموز و أسماء عظماء نفعوا البلاد و الشعب بما استطاعوا فبقوا في البال و خلدهم التاريخ و أقيمت لهم تماثيل منذ القدم خلال الفترة القرطاجية بداية من عليسة انتهاء إلى أملكار كبرال و حنبعل ثم جاءت الفترة الرومانية التي تلتها الفترة الوندالية ثم الفترة البيزنطية وصولا إلى الفتح الاسلامي و بروز شخصيات تاريخية مثل طارق بن زياد فاتح الأندلس.
دون أن ننسى فترة الدولة الأغلبية و مؤسسها ابراهيم ابن الأغلب و هكذا تتالت الحضارات على البلاد التونسية نذكر من بينها الدولة الفاطمية و الدولة الصنهاجية توسطتها الفترة الموحدية ثم الدولة الحفصية و المرادية وصولا إلى الحكم العثماني و الدولة الحسينية وهي دولة البايات… ثم انتصاب الحماية الفرنسية أي الاستعمار الفرنسي حيث برزت رموز وشخصيات طالما اقتدنا بها مثل الشيخ عبد العزير الثعالبي باعث الحركة الوطنية التحريرية والذي ورثه الزعيم الحبيب بورقيبة و رفاقه كعلي باشحانبة إلى جانب رموز ثقافية و أدبية مثل أبو القاسم الشابي و دينية مثل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور و نجله الشيخ محمد الفاضل بن عاشور… و بقيت تونس حتى الاستقلال و إلى اليوم مشهود لها بعمق حضارتهاو بالتالي بإثرائها الحضارة الكونية.
و بعد الاستقلال شهدت البلاد التونسية عدة تغييرات على مستوى الخطوات الأولى التي تخطوها في طريقها إلى الديمقراطية و تلت فترة حكم بورقيبة، فترة حكم بن علي و الذي يعتبر الدكتاتور الأعظم بعد الاستقلال و الذي ثار عليه شعب عاش يتألم و لا يتكلم، شعب سرقت أمواله و سلبت حريته و نهبت كرامته… فكانت صيحة الغضب التي خرج بها شعب تونس من كامل أنحاء الجمهورية ليكون الموعد في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ينادي و يردد كلمة واحدة وحدّت الشعب و لم تفرقه و هي “ديغاج” (ارحل يا بن علي)…
و من هنا انطلقت ثورة الحرية و الكرامة، ثورة 14 جانفي 2014 و كان قائدها الشعب و موجهّها هو الشعب نفسه مقدما عدة مطالب سياسية كانت أهمها حل التجمع و إلغاء دستور 1958 و انتخابات نزيهة و مجلس تأسيسي يصوغ دستورا جديدا… و في خضم هذه الظروف و التجاذبات بدأت التيارات السياسية و الأحزاب بالبروز و فرضت نفسها فكانت التعددية السياسية.
و خلال هذه الآونة أصبحت البلاد تعيش انقسامات نتيجة سير البعض وراء شخصيات كلفت نفسها مسؤولة عن الشعب تتكلم باسمه و لعل ما شد انتباهنا هو الاعجاب الجماهيري ببعض الشخصيات التي أصبحت معروفة و بتسميات مختلفة لعل أبرزها محمد أمين العقربي و الذي لقّب “بريكوبا” تونس و هو ناشط سياسي تونسي و عضو في رابطة حماية الثورة و كذلك ظهور مروان المستيري أو “البرنس” كما يحلو لأبناء منطقته و المقربين منه مناداته و الذي أعلن تكوين “رابطة حماية الوطن” للدفاع عن المواطن و حمايته من رابطات حماية الثورة…
و لعل من أبرز ما خرجت به الثورة التونسية هو أنها فتحت المجال الإعلامي على مختلف التوجهات و التيارات لعدة وجوه بعد أن كان ذلك من المحال في العهد السابق، ففي هذا السياق استضافت قناة التونسية من خلال برنامج “لاباس” الذي يقدمه الزميل الاعلامي نوفل الورتاني محمد أمين العقربي “ريكوبا” و هو اسم اشتهر بصفة متسارعة في الأوساط الاجتماعية خاصة منها المواكبة لنبض الشارع التونسي منذ يوم 14 جانفي و المسيرات التي تجرى في العاصمة.
لقد عرفنا “ريكوبا” على أنه اسم للاعب كرة قدم من الأورغواي في الزمن الجميل لأنتر ميلان الإيطالي… و لكن “ريكوبا التونسي” هو نسخة ثورية جديدة لابن باب الجزيرة و لم يفوت فرصة وجوده أمام التلفاز ليظهر قدرات كلامية هائلة تجعله بطلا في أعين الجمهور العريض.
فمن عرف “ريكوبا” و زامله أيام الدراسة يعرف أنه بعيد كل البعد عن الثورة و مفاهيمها الحقيقية غير أنه أجاد في ارتداء “جلباب” و خرج “نهضاوي”. و ما لحظناه أن محمد أمين العقربي أو لنقول “ريكوبا” خرج في الصورة ناصحا و واعظا و مطّلعا على أغلب الأسرار و جميع التفاصيل من إيمان بحرون إلى الحبيب الصيد وصولا إلى كمال اللطيف و الشاذلي العياري و طبعا لم يفوت الفرصة لمهاجمة “إعلام العار” على حد قوله، الذي لولاه لما ظهر هذا “الثوري الجديد” إلى الرأي العام و ما اشتهر.
و يظهر صديقنا “ريكوبا” على أنه ذو نفس سياسي محايد و لا هدف له سوى مساندة الثورة لتحقيق أهدافها رغم أن ما تحدث به يؤكد عكس ذلك حيث تحدث بمنتهى الفظاظة عندما كان يدافع عن الحكومة و قال بالحرف الواحد «في المكشخة صبرنا على خالد العياري 4 سنين و في الافريقي صبرنا على أوتورغو 3 سنين… خليو الحكومة تخدم…» و نحن نعلمه أنه لا تجوز مقارنة السياسة “بالكورة”.
و مجابهة لما تقوم به رابطات حماية الثورة من أنشطة، ظهرت رابطات حماية الوطن و المواطنين حيث لا حديث هذه الأيام إلا على مروان “البرنس” و مجموعته التي تصدت لرابطة حماية الثورة.
و بالنظر إلى الشعبية التي كان يحظى بها مروان المستيري أو “البرنس” كما يحلو للبعض تسميته في مدينة صفاقس، تزايد عدد أتباعه و المعجبين به.
و سجلنا ظهوره هو الآخر في أحد حلقات برنامج “لاباس” في موسمه الجديد خلال شهر رمضان الكريم في إطار شراكة التونسية مع قناة الحوار التونسي، و هو أصيل مدينة صفاقس و تحديدا منطقة الحفارة يبلغ من العمر 33 و يقول خلال ظهوره في “بلاتو” نوفل الورتاني أنه تربى في وسط فقير و لكنه ناضل من أجل لقمة العيش و اليوم هو يتاجر في السيارات و يشتغل بميناء صفاقس أحيانا.
و يقول “البرنس” انه بعث رسالة واضحة لرابطة حماية الثورة يحذرها فيها من محاولات الاعتداء على الغير أو التعرض للفنانين و السياسيين و الاعلاميين أو التدخل في مجال عملهم.
و هاهي تونس تشهد مرة أخرى “ثوري جديد” كلف نفسه بالدفاع عن المواطنين و كافة هياكل و أجهزة الدولة!
و في تصريحات مروان، كان يحمل الحكومة الحالية المسؤولية لتدهور الوضع الأمني جراء ممارسات رابطات حماية الثورة أو على حد تعبيره الفئة الطاغية داعيا إلى حلّها.
و من أبرز ما شمل تصريحات “البرنس” أنه ما من أطراف أو أحزاب سياسية تقف وراء مجموعته أو تمولها و أكد أنه يسعى للقيام بحركة شعبية عفوية و التصدي للظلم و تقديم يد المساعدة لكل من تم الاعتداء عليهم من قبل هذه رابطات حماية الثورة…
مسكينة تونس…
هل بالإمكان أن يكون “البرنس” و “ريكوبا” من أبرز الشخصيات التاريخية في تونس؟ و هل يمكن اعتبار مثل هذه الرموز قدوة لأطفالنا من الأجيال القادمة؟
هم أناس أعطوا لأنفسهم الحق بالتكلم باسم الشعب التونسي و الدفاع عنه و عن ثورته فكانت رابطات حماية الثورة على أساس تركيزها لتحقيق أهداف الثورة و اشتهر أحد أعضائها و الناشطين فيها محمد أمين العقربي و الملقب “بريكوبا” و يملك من المعجبين الكثير و من المساندين العديد، ثم جاءت رابطة حماية الوطن و المواطنين و مؤسسها مروان المستيري و المعروف “بالبرنس” مجابهة لأنشطة رابطات حماية الثورة “تلك الفئة الطاغية و المخربة” على حد قول مروان البرنس و له من التابعين له و المؤيدين الكثير أيضا… نظرا للتجاوزات التي أصبح تقوم بها “ميليشيا” رابطات حماية الثورة من اعتداءات و عنف… و لكن خوفنا الآن ينحصر من أن يقودنا هؤلاء إلى حرب أهلية و انقسام واضح.
و أكثر ما نعيب عليه اليوم و في هذه الظروف هو الإعلام التونسي الذي نرجو أن لا يتواصل في هذا التدني في اختيار ضيوفه في البلاتوات من البرامج التلفزية و الإذاعية… ومحاولة البناء على مثل عليا ذات قيم اخلاقية تستحق أن يقتاد بها أجيالنا القادمة.
صفاء الرمضاني