صدر مؤخرا كتاب “تراث في الذاكرة. الزريبة العليا”، لصاحبه محمد بن علي الأبيض؛ المعروف في صفحات التواصل الاجتماعي بـ”ولد الفجة”، يتكون من 61 صفحة متوسطة القياسات بالألوان، مودع بدار الكتب الوطنية، يضم 57 مقال تشمل جل مظاهر تفاعل السكان المحليين بالقرية مع بيئتهم ومجمل تعبيراتهم الاجتماعية والثقافية والفنية والاقتصادية النفعية الوظيفية المتصلة بها… إنها عبارة عن شهادة دقيقة تغطي كل مكونات التراث اللامادي كما تعرفه منظمة اليونسكو: “[…] الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات- وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية- التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد، جزءا من تراثهم الثقافي.” [المادة 2 من اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي، منظمة اليونسكو، 2003].
ولد الكاتب محمد بن علي الأبيض سنة 1938 بالزريبة العليا وعاش بها حتى سنة 1967، حيث تزوج وأنجب ثلاثة أبناء، قبل أن ينتقل إلى الزريبة حمام، عمل بمنجم الزريبة واضطلع بالعديد من الوظائف آخرها مستكتب إدارة. عرف ولد الفجة، وهي البطحاء التي تفتح بها منزله بالزريبة العليا، بولعه بالكتابة والرسم، على غرار الرسومات ذات التعبيرية العالية التي حلى بها الكتاب كشواهد أيقونوغرافية. وتندرج قرية الزريبة العليا ضمن المجال الترابي لبلدية الزريبة (وهي التي منحتها التسمية: الزريبة)، وهي تقع جنوب مدينة الزريبة حمام على مسافة لا تزيد عن ثلاثة كلم، وعلى مسافة 10 كلم من مدينة زغوان عاصمة ولايتها، وتبعد على تونس العاصمة حوالي 66 كلم جنوبا. وتتمتع القرية بتفرد طابعها المعماري والحضري وبمشهد عمراني ثري بالمناظر المميزة والوصلات المتنوعة وباندماج عال في بيئتها المباشرة والممتدة… وهو ما أهلها لاستقطاب تصوير العديد من الأعمال السينمائية والسمعية البصرية.
ولئن حظيت قرية الزريبة العليا بالعديد من الدراسات التاريخية والمعمارية والعمرانية، إلا أن هذه الدراسات بقيت متحصنة بطابع تقني “أكاديمي” عزلها بنسبة كبيرة في مستوى الغلاف الحضري والمعماري بعيدا عن المحتويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لنسيج القرية، ما أدى إلى صعوبة مساهمتها في إحياء هذا النسيج وتثمينه اقتصاديا وثقافيا، وهو ما تداركه هذا العمل الذي يندرج ضمن حركة بحثية محلية بدأت تبرز منذ سنوات تتقدمها مجموعة، يمكننا أن نسميهم بجدارة بالباحثين المحليين، من حاملي التراث الثقافي بالزريبة ومن ولاية زغوان، تستعين في ذلك بدرايتها الدقيقة بهذا الموروث من جهة وبمناخ عام يتيح بمنسوب عالي إمكانية النشر بداية من شبكات التواصل الاجتماعي من جهة ثانية.
د. ياسين الحلواني